هل يتسبّب الإسلاميون الأتراك في إنهاء حقبة أردوغان؟!
تاريخ النشر: 9th, May 2024 GMT
في كلمته أمام مؤتمر: "برلمانيون لأجل القدس"، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان:
" تم طرح مزاعم غير أخلاقية بأننا نرسل وقود الطائرات الحربية إلى إسرائيل. هل لديك ضمير؟ فهل يفعل أردوغان وأصدقاؤه ذلك؟ لقد رددوا ذلك من أجل مكاسب سياسية قدرها ثلاثة قروش، وعلى الرغم من أننا أصدرنا بيانًا بشأن قاعدة كورجيك من قبلُ، إلا أنهم تشبّثوا بنفس الأكاذيب" لم يذكر أردوغان اسم من يقصده بالحديث.
ففاتح استهدف أردوغان والحكومة التركية بهجوم مكثّف، بدعوى تزويد إسرائيل بالوقود اللازم للطّائرات الحربية. كما زعم أن قاعدة كورجيك للرادار في ملاطية، لعبت دورًا في صد الهجوم الإيراني على إسرائيل.
مركز مكافحة المعلومات المضللة التابع لدائرة الاتصال بالرئاسة التركية، نفى تلك المزاعم، مؤكدًا أنها فقط طائرات الركاب المدنية الإسرائيلية تلك التي كان يتم تزويدها بالوقود في المطارات التركية، وقد تم منع ذلك مؤخرًا بموجب قرارات تعليق تجارة 53 منتجًا تركيًا مع إسرائيل بسبب العدوان على غزة.
وبرغم النفي الرئاسي، إلا أن فاتح أربكان استمرّ في ترديد تلك الاتهامات، ورددها معه رئيس حزب "المستقبل"، أحمد داود أوغلو.
الأمر الذي أثار حالة من الجدل بشأن طبيعة الدور الذي يؤدّيه الإسلاميون الأتراك، على الساحة السياسية من أجل إنهاء الحقبة الأردوغانية، والدفع إلى انتخابات مبكّرة قبل موعدها المقرّر عام 2028.
أحداث "غيزي بارك" بواجهة إسلامية!نتائج الانتخابات البلدية، فتحت شهية تيارات متطرفة داخل اليسار للحديث مجددًا عن الإطاحة بأردوغان من خلال إحياء ثقافة احتجاجات "غيزي بارك" العنيفة التي شهدتها منطقة "تقسيم" في مايو 2013.
الأحداث حينها بدأت باحتجاجات "بريئة" بشأن حديقة، لكنها سرعان ما تحولت إلى محاولة انقلاب "برتقالية" على النمط الأوكراني، نجحت السلطات في احتوائها، إلا أنها خلفت خسائر اقتصادية فادحة، لا تزال تركيا تعاني منها حتى الآن.
أحداث "غيزي بارك" كانت يسارية خالصة، فيما ظلت القاعدة "الإسلامية" داعمة لأردوغان، لكن السياسة الجديدة تعتمد على الدفع بإسلاميين إلى واجهة المشهد من خلال توظيف ورقة غزة.
وأوضح مثال على ذلك ما حدث في شارع "الاستقلال" بمنطقة "تقسيم"، مطلع شهر أبريل، حتى وقع صدام بين مجموعة "يسارية" تضم عددًا من المحجبات، مع قوات الأمن عقب تنظيمهم احتجاجًا ضد إسرائيل.
الغريب في المشهد آنذاك، أنَّه لأول مرة خلال حكم العدالة والتنمية، تُبثّ صور لمواجهات بين الشرطة ومحجبات!
ورغم أن وزير الداخلية سارع بإيقاف ضابطين عن العمل، إلا أن ما حدث كان مؤشرًا على ما يمكن أن يتطور إليه المشهد.
الاختراق اليساري للكتلة الإسلاميةالإستراتيجية التي انتهجتها المعارضة اليسارية "العلمانية" منذ رئاسة كمال كليجدارأوغلو لحزب "الشعب الجمهوري"، كانت تقوم على تطوير التعاون السياسي والحزبي مع قوى إسلامية، لاختراق القاعدة المحافظة، وسحب المتدينين إلى الحزب وليس الصدام معهم.
اعتذر كليجدار أوغلو، العام الماضي، عن ممارسات الحزب في الماضي ضد المحجبات، معترفًا بخطأ تلك السياسات، ومضى خطوة إلى الإمام، بالدفع بمرشحة محجبة على قوائم الحزب في الانتخابات البرلمانية.
الاختراق العلماني امتدَّ بوضوح إلى جماعات التصوف، فعلى سبيل المثال أعلنت جماعة "السليمانيين" الصوفية في إسطنبول، دعمها لأكرم إمام أوغلو في الانتخابات البلدية، وأعلن زعيمها، أليهان كوريش، عقب الانتخابات، أنهم انتقموا من حزب "العدالة والتنمية"، مشيرًا إلى أن نفوذَ جماعته في بلديات، مثل: أوسكودار وتوزلا وبي أوغلو وشيله – التي كانت معاقل للعدالة والتنمية – هو الذي أدى إلى فوز حزب "الشعب" فيها.
فيما يعاني تجمعٌ كبير، مثل جماعة "إسماعيل آغا" الصوفية من مشاكل واختراقات واضحة، وظهر ذلك في نتائج بلدية الفاتح بإسطنبول، حيث يقع مركزها، إذ فاز "حزب العدالة والتنمية" بفارق أقل من 4%، مقارنة بفارق حوالي 17% في انتخابات 2019!
الاختراق عمل أيضًا على إعادة تشكيل الصورة الذهنية لحزب "الشعب" لدى المحافظين، بإظهاره حزبًا يحترم الدين ويوقّره، كما يتّضح لدى أكرم إمام أوغلو، الذي يستفيد من نشأته في توظيف المظاهر الإسلامية، في الصراع السياسي.
توظيف الإسلاميينتحتفظ الخبرتان: العربية والتركية بتجارب مريرة تم فيها توظيف "الإسلاميين" لإحداث تغييرات مجتمعية عنيفة ولو على حساب أيديولوجيتهم!.
فقد وظّف عسكر الجزائر حركة الإخوان المسلمين لتدعيم انقلابهم على الجبهة الإسلامية للإنقاذ "السلفية" التي اكتسحت الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية 1991.
أما الخبرة التركية، فلا تزال تحتفظ بمشهد عزل السلطان عبد الحميد الثاني، آخر السلاطين الفعليين للدولة العثمانية، بتدبير أحداث مارس/آذار 1909 من قبل جمعيَّة الاتحاد والترقي "العلمانية" التي وظَّفت طلاب المدارس وبعض العسكريين للنزول إلى الشوارع مطالبين بعودة الشريعة.
فيما تكفل أحد "المشايخ" بكتابة الفتوى التي ستمهّد الطريق لعزل السلطان، وإحداث انقلاب ناعم، سيؤدي إلى زوال الدولة نفسها.
كما لا ننسى أن تنظيم غولن، ذا الوجهة الإسلاميَّة، هو الذي قاد محاولة الانقلاب الدموية في يوليو/تموز 2016، التي تركت آثارًا كارثية على البلاد.
وأخيرًا: فإن معظم الشارع الكردي، داخل تركيا، تم تجييره لصالح يساريي حزب انفصالي.
فيما تفتّتَتْ أصوات الإسلاميين سياسيًا بين أحزاب صغيرة، تعمل لصالح اليسار.
أما أصوات القوميين، فقد تعرضت للتقسيم، بعد انفصال حزب "الجيد" القريب من اليسار.
كل هذا يدل على أن الهندسة السياسية والحزبية داخل تركيا، تعمل بجد؛ لإنهاء حقبة أردوغان، ولصالح اليسار تحديدًا!
وعندئذ سيكتشف الإسلاميون – كما في كل مرة – أنهم كانوا مجرد أحجار على رقعة الشطرنج.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات إلا أن
إقرأ أيضاً:
محاكمة عصابة حديثي الولادة تخطف الأنظار في تركيا
أنقرة– بدأت المحكمة الجنائية العليا في منطقة بكركوي بإسطنبول، الاثنين الماضي، أولى جلسات محاكمة "عصابة المواليد الجدد"، القضية التي كشفت عن ممارسات صادمة في القطاع الصحي التركي، وأثارت غضبا شعبيا واسعا.
ومن المقرر أن تستمر الجلسات على مدار أسبوع كامل، في ظل متابعة مكثفة من الرأي العام التركي ووسائل الإعلام.
وضمت القضية 47 متهما، بينهم 22 رهن الاحتجاز، من أطباء وممرضات وعاملين في القطاع الصحي، يواجهون اتهامات بالتسبب في وفاة 12 طفلا حديثي الولادة، وإصابة آخرين بإعاقات دائمة، والاحتيال على نظام الضمان الاجتماعي لتحقيق أرباح غير مشروعة.
وتوافدت عائلات الضحايا إلى مقر المحكمة، مطالبة بالقصاص العادل وإنزال أشد العقوبات على المتهمين، فيما تجمّع نواب المعارضة ونقابات المحامين دعما لهم. وشهدت أروقة المحكمة أجواء مشحونة وازدحاما كبيرا، دفع الشرطة إلى تعزيز الإجراءات الأمنية.
لحظة القبض على أحد المتهمين في قضية عصابة الأطفال حديثي الولادة (الأناضول) شبكة فسادافتُتحت الجلسة بقراءة لائحة اتهام مؤلفة من 1399 صفحة، بينما شهدت القاعة مشادات بين المحامين بسبب ضيق المساحة، الأمر الذي عكس حجم التوتر المرافق للقضية، التي وصفها الإعلام المحلي بأنها "أكبر فضيحة صحية" تشهدها تركيا.
وكشفت اللائحة الصادرة عن مكتب المدعي العام في منطقة بكركوي تفاصيل صادمة حول القضية، التي وصفها الادعاء بأنها "منظمة إجرامية" خططت ونفذت جرائم مروعة بهدف تحقيق أرباح مالية غير مشروعة.
وبحسب اللائحة، تعاون أعضاء العصابة مع موظفين في مراكز الطوارئ والإسعاف بإسطنبول لإحالة أطفال حديثي الولادة إلى مستشفيات خاصة، سبق أن أبرمت العصابة معها اتفاقيات سرية لإبقاء الأطفال في وحدات العناية المركزة لفترات غير ضرورية، باستخدام أدوية وتقارير طبية مزورة تدعي خطورة حالتهم.
وأوضحت التحقيقات أن العصابة استغلت نظام الضمان الاجتماعي للحصول على مبالغ كبيرة، حيث قامت بتزوير تقارير تظهر الأطفال المتوفين كأنهم أحياء للحصول على مستحقات مالية. وكانت كل حالة تُعتبر فرصة لتقاسم أرباح التأمين اليومي البالغ 8 آلاف ليرة تركية (230 دولارا) لكل طفل يوميا.
وتضمنت لائحة الاتهام أسماء 19 مستشفى ومنشأة صحية متورطة في القضية، حيث أغلقت السلطات 10 منها بشكل نهائي، 9 في مدينة إسطنبول وواحدة في ولاية تكيرداغ.
فيما طالب المدعي العام بتوقيع عقوبات تصل إلى 17 ألف سنة سجنا على المتهمين، مشيرا إلى أن الجرائم تضمنت تلاعبا ممنهجا أضر بصحة الأطفال وأساء إلى النظام الصحي بأكمله.
كما طالبت النيابة العامة بسجن زعيم العصابة، الطبيب فرات ساري، لمدة تصل إلى 582 عاما، بجانب اثنين من الشخصيات الرئيسية الأخرى.
كما يواجه 19 شخصا آخرون، بينهم أطباء وممرضات وعاملون في القطاع الصحي، أحكاما بالسجن تتراوح بين 10 و437 عاما بتهم "القتل العمد بالإهمال".
وأظهرت التحقيقات أن العصابة هدّدت المدعي العام المكلف بالقضية بالقتل، حتى إنها عرضت مبلغ 100 ألف دولار على أحد المشتبه بهم لتنفيذ عملية اغتيال للمدعي العام.
في المقابل، أنكر المتهمون التهم الموجّهة إليهم، مدعين أنهم اتخذوا القرارات الطبية "الأفضل" ضمن الظروف المتاحة، وأن النتائج السلبية كانت خارج إرادتهم.
مطالبات بالإقالةوحظيت القضية باهتمام رسمي رفيع، حيث استقبل الرئيس رجب طيب أردوغان عقب ظهور القضية للرأي العام، وزيري الصحة والعدل واطلع منهما على التفاصيل، قبل تأكيده في تصريحات لاحقة على متابعته القضية شخصيا.
كما حذّر أردوغان من تحميل القطاع الصحي بأكمله وزر هذه الجريمة، مشددا على أهمية حماية سمعة النظام الصحي في البلاد، وقال "لن نسمح بأن يتضرر القطاع الصحي لدينا بسبب فساد قلة قليلة".
بدوره، أعلن وزير العمل والضمان الاجتماعي، فيدات إيشيخان، حزمة إجراءات صارمة شملت إيقاف المدفوعات للمستشفيات المتورطة في القضية وإلغاء عقودها مع مؤسسة الضمان الاجتماعي، في خطوة تهدف إلى محاسبة الأطراف المسؤولة وضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات.
من جانبها، دعت المعارضة التركية إلى إقالة وزير الصحة الحالي كمال مميش أوغلو ومحاسبة جميع المسؤولين عن الجرائم المرتبطة بالقضية.
وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول، قدم حزب الشعب الجمهوري -أكبر أحزاب المعارضة- شكوى ضد وزراء صحة سابقين، إلى جانب الوزير الحالي كمال مميش أوغلو، واتهمهم بـ"إساءة استخدام المنصب" خلال فترة وقوع الجرائم، ومن بين المتهمين الوزير السابق محمد مؤذن أوغلو، صاحب مستشفى "أفجلار" الخاص، الذي كان ضمن المستشفيات المتورطة التي أغلقت لاحقا.
ورغم تصاعد الضغوط الشعبية والسياسية، رفض البرلمان التركي بأصوات نواب حزب "العدالة والتنمية" وحليفه حزب "الحركة القومية" اقتراحا لفتح نقاش عام حول القضية، مما أثار انتقادات حادة من المعارضة، التي وصفت القرار بأنه محاولة لطمس الحقائق وحماية المسؤولين المتورطين.
وزير الصحة التركي كشف أن التحقيقات بدأت بعد شكوى سيدة تركية في مايو/أيار 2023 (الأناضول) رد رسميأكد وزير الصحة التركي كمال مميش أوغلو، أمس الأربعاء، أن الوزارة اتخذت كافة الإجراءات القانونية والقضائية اللازمة لكشف ملابسات قضية "شبكة حديثي الولادة" ومحاسبة جميع المتورطين فيها.
وأوضح الوزير أن التحقيقات بدأت بعد شكوى تقدمت بها سيدة تركية في مايو/أيار 2023، حيث استندت الوزارة إلى هذه الشكوى لفتح تحقيق سري بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والقضائية.
وأضاف "بعد دراسة الشكاوى، أدركنا أن الأساليب الرقابية التقليدية غير كافية، فبادرنا بمخاطبة مديرية أمن إسطنبول وطلب فتح تحقيق قضائي رسمي".
ونفى مميش أوغلو أي تقصير من جانب الوزارة في الرقابة على المنشآت الصحية، مشيرا إلى أن فِرق التفتيش التابعة لها أجرت خلال عام 2024 أكثر من 54 ألفا و885 عملية تفتيش على المستشفيات والمنشآت الصحية الخاصة.
وأسفرت هذه الجهود عن اتخاذ إجراءات صارمة، تضمنت إغلاق منشآت، وفرض غرامات مالية، ورفع دعاوى قضائية ضد المخالفين.
وأكد الوزير أن المنشآت الصحية الخاصة تخضع للتفتيش الدوري مرة واحدة على الأقل سنويا، لافتا إلى أن التحقيق في "شبكة حديثي الولادة" يمثل نموذجا للتنسيق الفعال بين الوزارة والأجهزة الأمنية. كما أشار إلى أن هذه الجهود المشتركة أدت إلى تفكيك الشبكة وكشف ممارساتها غير القانونية.