عمالقة السيارات يبحثون عن حلفاء في الصين للمركبات الكهربائية
تاريخ النشر: 9th, May 2024 GMT
تسعى شركات صناعة السيارات الأجنبية المتعثرة في الصين إلى الحصول على المساعدة من عمالقة التكنولوجيا المحليين للحفاظ على قدرتها التنافسية في أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم، حيث يزداد الطلب على الشاشات الذكية وبرمجيات المساعدة على القيادة وتكنولوجيا الخرائط المتطورة.
وفي معرض بكين للسيارات الذي أقيم مؤخرا -وهو أكبر معرض للسيارات في الصين- أعلنت شركات أجنبية عدة عن شراكات تكنولوجية، منها مثلا الشراكة بين نيسان وبايدو، وتوقيع تويوتا اتفاقية تعاون مع تينسنت.
وتعد الشركتان اليابانيتان (نيسان وتويوتا) من بين عدد من شركات السيارات التقليدية العملاقة التي كانت تهيمن في السابق على سوق الصين، لكنها تواجه صعوبات اليوم لمواكبة جيل جديد من شركات السيارات الكهربائية المحلية الناشئة.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن تو ليه المدير الإداري لشركة "ساينو أوتو إنسايتس" قوله "إنها شركات محافظة معروفة، ولكن كفاءاتها ليست في مجال التكنولوجيا، لقد حاولت الاستثمار في التكنولوجيا الرائدة بمجال السيارات لكن هذا الأمر لا يتطور على نحو طبيعي".
وأضاف "إنها مضطرة لأن تكون أكثر انفتاحا في مجال التكنولوجيا نظرا للاتجاه الذي يسلكه السوق في الصين والداخلون الجدد إليه، وهي شركات مثل "شياومي" و"هواوي" التي لديها باع طويل في تطوير المنتجات الاستهلاكية عالية التقنية".
وتخوض هذه الشركات اليوم حرب أسعار ضارية مع أكثر من 100 علامة تجارية صينية للسيارات الكهربائية، وكلها تتزاحم من أجل توفير أفضل الأسعار والتكنولوجيا الأكثر تقدما للمستهلكين الأكثر ثراء.
وقال غريغور سيباستيان كبير المحللين وخبير صناعة السيارات الكهربائية في مجموعة روديوم -وهي شركة أبحاث مستقلة- إن الشركات الأجنبية عانت نتيجة لذلك.
وأضاف "إن صانعي السيارات الأجانب في الصين عموما وصانعي السيارات اليابانيين خصوصا تعرضوا لضربة قوية في فترة 12 إلى 18 شهرا مضت في السوق الصينية".
وأوضح أنهم "فقدوا حصتهم في السوق بسرعة، ويرتبط هذا ليس فقط بالمنافسة الصينية الشديدة من منتجين مثل "بي واي دي"، ولكن أيضا من العديد من شركات السيارات الكهربائية الناشئة".
وتغلبت "بي واي دي" -التي تُوجت في السنوات الأخيرة بطلا بلا منازع في القطاع بالصين- على شركة تسلا الأميركية في الربع الأخير من عام 2023 في مبيعات السيارات الكهربائية عالميا.
حديقة مسوّرةشركات صناعة السيارات الأجنبية مضطرة اليوم إلى إيجاد سبل لتعزيز مكانتها في سوق تهيمن عليه بشكل متزايد مجموعة من السيارات منخفضة التكلفة ومزودة بتكنولوجيا متقدمة.
وتعد ميزات التكنولوجيا الذكية من بين المجموعة الجديدة من المتطلبات للحصول على التفوق في سباق السيارات الكهربائية بالصين.
لكن مع اشتداد المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين في السنوات الأخيرة شددت بكين القيود على وصول الشركات الأجنبية إلى المعلومات التي تعتبرها حساسة، مثل المعلومات المتقدمة وأكوام البيانات التي تنتجها السيارات المحلية.
ومن الأسباب الرئيسية التي تجعل شركات صناعة السيارات الأجنبية تسعى إلى إقامة شراكات مع شركات التكنولوجيا المحلية هو الاستفادة من ابتكاراتها، وهو ما أرجعه الرؤساء التنفيذيون في صناعة السيارات الصينية إلى المنافسة الشديدة في القطاع، لكن السبب الآخر المهم هو الوصول إلى البيانات.
وقال رئيس قسم السيارات والتنقل في شركة "إنترالينك" الاستشارية دانييل كولار "نحن أمام ما يشبه سيناريو الحديقة المسورة هنا، تريد الصين أن يُنظر إليها على أنها تلعب وفقا للقواعد، وتسمح للاعبين الأجانب بالوصول إلى السوق، لكنها في الحقيقة لا تريد التخلي عن الجانب الأمني"، ويكمن الحل في العمل مع شريك صيني.
وقال غريغور سيباستيان كبير المحللين وخبير صناعة السيارات الكهربائية "إذا كنت ترغب في تقديم حلول لرسم خرائط متقدمة جدا في الصين فأنت بحاجة إلى العمل مع شركة محلية، وعندها إما أن ترخّص بيانات الخرائط الخاصة بها أو تدخل في مشروع مشترك معها".
عين على المستقبلبدورها، أشادت نيسان باتفاقها مع شركة "بايدو" باعتبارها تسمح لها بتوفير "نظام (أنظمة) معلومات مهمة وخدمات قائمة على الذكاء الاصطناعي للعملاء في الصين وخارجها".
وقالت تويوتا إن اتفاقها مع شركة الألعاب العملاقة "تينسنت" حول الذكاء الاصطناعي سيساعدها على الاستفادة من شهية المستهلكين الصينيين المتزايدة للميزات الذكية المتقدمة في السيارات التي تبيعها بالصين.
من جهتها، بدأت "بايدو" مؤخرا التعاون مع شركة هيونداي الكورية الجنوبية العملاقة للسيارات وشركة كيا التابعة لها.
وقال تو ليه من شركة "ساينو أوتو إنسايتس" إن الشركات الصينية هي التي تتحلى بالخبرة على وجه التحديد في المجال الذي تتخلف فيه الشركات الأجنبية.
وتابع "هذا بالإضافة إلى كون معظم شركات صناعة السيارات ضعيفة بشكل خاص في مجال التكنولوجيا الرقمية، مما يخلق فرصة مثالية لشركتي بايدو وتينسنت لتحقيق هذا التحول نحو مجال التنقل".
وخلال زيارة مفاجئة إلى بكين الأسبوع الماضي التقى إيلون ماسك رئيس شركة تسلا بكبار المسؤولين الصينيين وحصل على ترخيص أمني مهم لسيارات الشركة الكهربائية المنتجة محليا.
وتزامن هذا الاختراق في المجال التنظيمي مع تقارير تفيد بأن شركة تسلا أبرمت صفقة مع شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة بايدو للخرائط والتوجيه أثناء التنقل (الملاحة).
وقال سيباستيان إن الشراكات التكنولوجية مدفوعة بإستراتيجية طويلة المدى تهدف إلى البقاء في موقع متقدم بالسوق الصينية.
وأضاف "نتحدث هنا عن السنوات الـ15 القادمة وليس عن السنتين أو الثلاث التالية، إذا استمرت العلاقات السياسية مع الصين مستقرة ولم تتدهور أكثر فربما تستطيع (الشركات الأجنبية) الاستفادة من بايدو أو تينسنت لمنتجات الجيل التالي في ثلاثينيات القرن الحالي".
وقال تو ليه إن إمكانيات الذكاء الاصطناعي في السيارات الذكية يمكن أن تكون هائلة.
وتابع "تخيل أن النظام المستقل في السيارة لديه إمكانية الوصول إلى جميع بياناتك القديمة إلى جانب بيانات رحلتك وقيادتك وعادات الشراء لديك وتفضيلاتك، هذا يمكن أن يستحدث طرقا لتحقيق دخل منك بناء على عاداتك ومعلوماتك كل بضع دقائق".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات شرکات صناعة السیارات السیارات الکهربائیة الشرکات الأجنبیة فی الصین مع شرکة
إقرأ أيضاً:
كيف سقط نظام الأسد في سوريا.. تفنيد سردية حلفاء النظام تخلّوا عنه
تناولت عدّة تقارير في الإعلام الغربي انهيار نظام الأسد بالتحليل والتعليق، وبدا أنّ هناك سردية طاغية في هذه التغطيات والتحليلات التي نقلتها مواقع ومراكز مثل كارنيغي، وبروكينجز، ورويترز، والأسوشياتد برس، وسكاي نيوز، والبي بي سي، وغيرهم بأنّ أحد أهم أسباب سقوط نظام الأسد هو تخلّي حلفاء نظام الأسد عنه. وتوحي هذه السردية بغض النظر عن هدفها، أنّ الحلفاء كان بإمكانهم مساعدته ولكنّهم قرروا عدم فعل ذلك، والحقيقة أنّ مثل هذا التفسير غير صحيح.
هناك سلسلة طويلة من الأسباب التي يمكن لها أن تفسّر سقوط نظام الأسد السريع منها ما هو آني ومنها ما هو استراتيجي، منها ما يتعلق بهجوم المعارضة، ومنها ما يتعلق بنظام الأسد، ومنها ما يتعلق بحلفائه، والبيئة الإقليمية، لكن ليس من بينها أنّ حلفاءه تخلوا عنه ولهذا سقط.
هناك عدّة عوامل تفسّر سقوط نظم الأسد السريع، منها ما هو آني ومنها ما هو استراتيجي، منها ما يتعلق بهجوم المعارضة، ومنها ما يتعلق بنظام الأسد، ومنها ما يتعلق بحلفائه، والبيئة الإقليمية، لكن ليس من بينها أنّ حلفاؤه تخلوا عنه ولهذا سقط. لعلّ أبرز هذه الأسباب على المستوى الآني ما يتعلق بالمعارضين أنفسهم، تليها عوامل أخرى تابعة أقل أهميّة تتعلق بنظام الأسد نفسه، ومن ثمّ حلفائه في إيران وروسيا، والمطبّعين معه في العالم العربي وأوروبا.
إيران، روسيا، الولايات المتّحدة، وإسرائيل ساهمت بشكل أو بآخر في دعم نظام الأسد أو في إطالة أمده أو في منع سقوطه منذ اندلاع الثورة السورية. خلال اتصالاته الأخيرة، كان الأسد يراهن على أنّ إعادة إنتاج سردية الإرهاب ستدفع هذه الأطراف إلى المساهمة مجدداً في الدعم السريع الذي يحتاج له.أبرز هذه العوامل على الإطلاق هي توقيت الهجوم وسرعته الفائقة. الهجوم جاء في وقت كان النظام يركّز فيه على محاولة تحاشي الإنجرار إلى مأزق النزاع الإسرائيلي ـ الإيراني، وبالتالي فقد كان كل تركيزه على الحسابات الخارجية.
وبالرغم من أنه نجح في ذلك إلى حد بعيد، مما منحه ثقة بالنفس بالاستفادة من الوضع الراهن في تحسين موقعه، إلا أن ذلك جعله عرضة لهجوم داخلي غير متوقع. لقد رأت المعارضة في إتّخاذ النظام موقعاً حيادياً في المواجهة الخارجية بين إسرائيل وإيران، فضلاً عن تفادي النظام اصدار بيانات ادانة لهجمات إسرائيل ضد حزب الله وإيران، بانّه تعبير عن حالة ضعف. وحقيقة أنّ نظام الأسد كان يحاول التموضع بين المعسكرين، فقد كان توقيت الهجوم مثاليا.
ثانيا، طبيعة الهجوم. الهجوم كان سريعا ومنظماً ومعقداً بشكل غير متوقع، وحقيقة أنّه قد تمّ التسويق له على انّه هجوم دفاعي "رد العدوان"، فقد أعطى ذلك انطباعاً أنّه هجوم محدود في الطريقة والأهداف، وأنّه لا يهدف إلى تحرير مناطق من سيطرة النظام، ممّا أبقى النظام في حالة استرخاء نسبي معتبراً أنّه جزء من العمليات التقليدية التي تجري عادة، لكن ما أن بدأ الهجوم حتى تسبب ذلك بصدمة لدى النظام. المعارضة لم تسعى إلى السيطرة على الأرض، وإنما إلى استغلال انهيار الصفوف الأمامية لجيش النظام لتحقيق المزيد من المكاسب.
حاول النظام تدارك الوضع من خلال عدّة مبادرات على المستوى العسكري والسياسي والدبلوماسي لكنها باءت جميعا بالفشل. على المستوى السياسي والدبلوماسي، كانت اتصالات الأسد الأولى في الأزمة في 30 نوفمبر 2024 إلى كل من الإمارات والعراق. الإمارات لديها اتصالات مع إسرائيل والولايات المتّحدة، والعراق لديه اتصالات مع إيران والولايات المتّحدة. لقد كان الأسد يأمل من خلال اتصالاته هذه في حشد أوسع دعم ممكن لنظامه.
كما أنّ عدداً من التقارير تحدّث عن زيارة خاطفة قام بها الأسد إلى موسكو لهذا الغرض، قبل أن يزور وزير خارجية إيران عباس عرقجي سوريا في 1 ديسمبر 2024، ناقلاً رسالة من القيادة الإيرانية تؤكد موقف طهران الثابت إلى جانب نظام الأسد في "محاربته للإرهاب واستعدادها التام لتقديم شتى أنواع الدعم للحكومة السورية لأجل ذلك".
إيران، روسيا، الولايات المتّحدة، وإسرائيل ساهمت بشكل أو بآخر في دعم نظام الأسد أو في إطالة أمده أو في منع سقوطه منذ اندلاع الثورة السورية. خلال اتصالاته الأخيرة، كان الأسد يراهن على أنّ إعادة إنتاج سردية الإرهاب ستدفع هذه الأطراف إلى المساهمة مجدداً في الدعم السريع الذي يحتاج له.
في 2 ديسمبر، أي بعد يومين من اتصال الأسد بالرئيس الإماراتي، نشرت رويترز تقريراً أشارت فيه إلى أنّ الولايات المتّحدة بحثت مع الإمارات رفع العقوبات المفروضة على نظام الأسد، وبالرغم من أنّها أشارت إلى أنّ مثل هذه المحادثات كانت تجري منذ فترة، إلاّ أنّ اللافت أنّها أكّدت أن إسرائيل أيضاً حاولت أيضاً رفع العقوبات عن الأسد للمساعدة.
نعيم قاسم، الأمين العام الجديد لحزب الله، قال في خطاب متلفز له في 5 ديسمبر 2024، أي قبل يومين من إسقاط النظام، بأنّ الحزب سيقف إلى جانب نظام الأسد حتى النهاية، واصفا المعارضة السورية بأنّها مجموعات إرهابية تريد إسقاط النظام وتخريب سوريا وخدمة إسرائيل، ومؤكداً أنّهم لن يتمكنوا من تحقيق أهدافهم حيث سيقف الحزب إلى جانب النظام في إحباط هذه المحاولة.
أمّا الجانب الإيراني، فقد استمر في إصدار البيانات الداعمة لنظام الأسد على مختلف المستويات كما في التزامه في تقديم الدعم العسكري إلى نظام الأسد حتى اليوم الدقائق الأخيرة لانهيار النظام. وكذلك الأمر فيما يتعلق بروسيا، فخلال حضور وزير خارجيتها في منتدى الدوحة، 7 و8 ديسمبر، قال إن بلاده ستواصل دعم نظام الأسد.
أمّا وقد تمت الإطاحة بالنظام، فالمهمة القادمة أصعب خاصة أنّ هناك العديد من اللاعبين الإقليميين والدوليين الذين يتطلعون إلى ما جرى على أنّه ضد مصلحتهم وبالتالي قد يكون تخريب المسار السوري بمثابة أولوية لهم خلال المرحلة المقبلة.عسكرياً، حاول نظام الأسد التستّر على انهيار قواته في المناطق الأماميّة في حلب وحماة مصوّراً ذلك على أنّه انسحاب تكتيكي وأنّ المقصود هو الاستعداد لمعركة كبيرة عند حمص تتيح لجيش النظام شن الهجوم المعاكس واستعادة ما خسره سابقا. لكنّ تصوير النظام حالة الانهيار التي كان قد دخل فيها على أنها انسحاب تكتيكي أرسل رسائل متضاربة إلى أعوانه في الداخل وحلفائه في الخارج وسرّعت من عملية الانهيار.
قوات الأسد التي كانت تنهار لتستمع إلى بيانات تشير إلى أنّ الإنهيار هو في حقيقة الأمر انسحاب تكتيكي أدركت أنّ النظام منفصل عن الواقع. أمّا حلفاء النظام، فقد أشارت بعض التقارير إلى أنّ حزب الله أرسل بالفعل مقاتلين، أمّا القوات الروسية فقد شنّت مقاتلاتهم في 5 ديسمبر أي قبل يومين من انهيار النظام العديد من الغارات من بينها ما لا يقل عن 9 غارات على جسر الرستن بريف حمص الشمالي بهدف فصل مدينة حمص عن ريفها الشمالي المتاخم لمحافظة حماة ومنع تقدم المعارضة.
أمّا إيران، وبسبب سرعة الأحداث، والوضع السيء للنفوذ الإيراني في لبنان وفي سوريا وبسبب مشاكل إيران الداخلية، حاولت طهران الضغط على العراقيين لإرسال ميليشياتهم ريثما يتم إعادة ترتيب المشهد، لكن الحكومة العراقية وعدد من القيادات الشيعية بما في ذلك مقتدى الصدر كانوا قد رفضوا التورّط لأنّهم كانوا يرون مأزق إيران ولا يريدون أن يقعوا في نفس المأزق، حتى أن الصدر أصدر في 5 ديسمبر 2024، أي قبل يومين أيضاً من سقوط النظام بياناً طالب فيه بمنع أي تدخلات عراقية من الحكومة أو الشعب أو الميليشيات أو القوات الأمنية في سوريا.
وبموازاة ذلك، حرص الأسد شخصياً على ألاّ يبلغ أحداً بخطته البديلة، أي الهروب إلى الخارج، وحرص حتى الدقيقة الأخيرة على إبلاغ مسؤوليه العسكريين والمسؤولين في حكومته ومستشاريه والعاملين معه في القصر على أنه موجود وصامد، حتى أنّه في عملية تمويه دقيقة جمع بعض المسؤولين بحسب رويترز وقال لهم إنه سيذهب إلى البيت بعد انتهاء الاجتماع وطلب أن يتم تكليف مستشارته بثينة شعبان بالذهاب إلى منزله لكتابة خطاب له. اأّا حساب الرئاسة السورية فأصدر قبل وقت قليل من هروب بشار بياناً قال فيه إنّ الرئيس يمارس مهامه بشكل معتاد من دمشق. وفجأة أدرك الجميع أنّ الأسد غير موجود، فلم يعد هناك عملياً أي أمل بالبقاء.
وبخلاف الأسباب التي تم ذكرها، هناك عنصر إضافي ساهم في سقوط نظام بشار الأسد بشكل سريع وهو عمليات التطبيع المجاني التي حصلت معه على المستوى العربي والغربي ـ الأوروبي خلال المرحلة الماضية. لقد أعطى التطبيع نظام الأسد انطباعاً خاطئاً بأنّه انتصر وأنّ الأمور حسمت لصالحه وأنّ المسألة مسألة وقت قبل أن يعيد السيطرة على كامل سوريا. جعله هذا الوضع في موقع المسترخي الذي استنفذ كل قواه، كما أقنعت عمليات التطبيع حلفاء الأسد بأنّه على المسار الصحيح لاستعادة سوريا وأنّ الوقت قد حان لتخفيف الأعباء عنهم والتفرغ لتحدّيات الأمنيّة الخاصة فيما يتعلق بأوكرانيا وإسرائيل. ولذلك، فقد رفض الأسد أيضا المضي قدما في أي عملية انتقال سياسي أو مصالحة حقيقية أو تقديم أي تنازل يذكر، مما رسّخ الانطباع لديه بأنّه قوي فيما كان عمليا في وضع المنهار سياسياً واقتصاديا وعسكرياً وكان ينتظر الضربة الأخيرة.
الحقيقة أنّ توقيت هجوم المعارضة وسرعة هذا الهجوم الضوئية تسببت بانهيار معنوي لقوات النظام، وقطعت الطريق على أي عمليات إمداد أو مساعدة خارجية سواء من إيران وروسيا، أو حتى من أمريكا وإسرائيل. أمّا وقد تمت الإطاحة بالنظام، فالمهمة القادمة أصعب خاصة أنّ هناك العديد من اللاعبين الإقليميين والدوليين الذين يتطلعون إلى ما جرى على أنّه ضد مصلحتهم وبالتالي قد يكون تخريب المسار السوري بمثابة أولوية لهم خلال المرحلة المقبلة.