مفاوضات غزة.. سيناريوهات الحرب بعد موافقة حماس ورفض إسرائيل
تاريخ النشر: 9th, May 2024 GMT
لم يخل الرد الإيجابي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) على مقترح الوسطاء من المطلب الأساسي الداعي لوقف الحرب على غزة، الأمر الذي وجدت فيه الحكومة الإسرائيلية صعوبة في قبوله، فأرسلت دباباتها إلى معبر رفح واحتلته في حركة استعراض للقوة.
وتهدف إسرائيل من هذا التحرك إلى ممارسة ضغوط ميدانية على حماس، بدون أن تضطر لإثارة حفيظة الولايات المتحدة والعالم بعملية شاملة في رفح.
فما حقيقة الموقف الإسرائيلي من المقترح، في ضوء الموقف الأميركي الذي سبق وأبدى تفهما لمصطلح وقف العمليات العسكرية والعدائية بشكل دائم الذي ورد في الاتفاق؟
مطالب أساسيةمن المهم الإشارة إلى أن حماس تجنبت تقديم مقترح جديد كما فعلت في مرحلة سابقة من المفاوضات، وأعلنت موافقتها على مقترح الوسطاء بعد أن عملت معهم على إدخال تعديلات تتوافق مع مطالبها، وتؤمن مخرجا مناسبا للخلافات، وتسمح لحكومة نتنياهو بالنزول عن الشجرة التي اعتلاها برفض وقف إطلاق النار.
فاستخدمت مصطلحا سبق أن قدمته الولايات المتحدة، ويتحدث عن "وقف العمليات العسكرية والعدائية"، وأضافت لها "بشكل دائم".
علما أن التعديلات التي أجرتها هذه الحركة على صيغة باريس نجحت في تثبيت مطالب أساسية، وهي -حسب تصريحات قادتها- وقف العدوان بشكل دائم، وانسحاب الاحتلال من كامل قطاع غزة، وعودة النازحين بدون قيد أو شرط، والإغاثة وإعادة الإعمار وإنهاء الحصار، وإنجاز صفقة تبادل حقيقية وجادة.
وبهذا التكتيك، ظهرت حماس بموقف المسهل للاتفاق، على عكس الصورة التي كان يتمناها نتنياهو ويسوق لها بأنها تعطل الاتفاق، بل إنها رمت كرة اللهب تجاه الحكومة المتشددة.
وبدون شك، فقد قدمت حماس استحقاقات مهمة، مثل تخفيض معادلة تبادل الأسرى لصالح التركيز على المطالب الإغاثية الإنسانية التي تخفف من آلام ومعاناة حاضنتها الشعبية، في ظل معركة طويلة يخوضها الشعب الفلسطيني مع الاحتلال.
كما تمسكت حماس بمطلب عودة النازحين بدون أي عقبات إسرائيلية، عبر التأكيد على انسحاب القوات الإسرائيلية من معبر نيتساريم ودوار الكويت.
غير أن المقاومة لم تكن لتفرط بمطلب انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، ووقف الحرب، إذ لا معنى لتبادل الأسرى، بدون أن يتم النص على عدم قيام جيش الاحتلال بشن عدوان جديد على غزة بعد أن تكون المقاومة فقدت ورقة الأسرى، وهي أهم ورقة تفاوضية لديها.
وقسمت ورقة حماس (نشرت في الجزيرة 2024/5/6) الاتفاق إلى 3 مراحل، وتضمنت تأكيد مطلب رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني بنهاية المرحلة الثالثة.
ومن خلال مراجعة بنود الاقتراح، نجد أن حماس وافقت على خطة حقيقية لوقف الحرب وتبادل الأسرى مع معالجة آثار الحرب وإغاثة الشعب الفلسطيني، على عكس ما يريده الاحتلال من عملية تبادل أسرى فقط.
اجتياح معبر رفح
لم تخف حكومة الاحتلال تفاجئها بإعلان حماس موافقتها على مقترح الوسطاء، ولكنها حرصت على القول إن المقترح جرى عليه تعديلات غير مقبولة لديها، بل إن بعض التسريبات تحدثت عن غضب من موافقة مدير المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وليام بيرنز الذي كان في الدوحة، على مطالب حماس بدون أن يتشاور مع إسرائيل.
وباشرت قوات الاحتلال بعملية عسكرية لاحتلال معبر فتح، واحتلت من أجل ذلك نحو 3.5 كيلومترات من محور صلاح الدين (فيلادلفيا) الذي يمتد بطول 14.5 كيلومترا من البحر المتوسط حتى معبر كرم أبو سالم، وتزامن ذلك مع الإعلان عن إرسال وفد تفاوضي غير مخول لمصر لمناقشة الصيغة الجديدة لمقترح الوسطاء.
وفي التصريح الذي أدلى به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد أن مقترح حماس بعيد عن المطالب الضرورية بالنسبة لإسرائيل، معتبرا أن الهدف منه "نسف دخول قواتنا إلى رفح وهذا لم يحدث".
كما أكد نتنياهو أن إسرائيل لن تسمح لحماس بإعادة بناء قدراتها العسكرية، واستعادة الحكم في قطاع غزة، بمعنى أنه يريد الحصول على الأسرى، ثم يستأنف الحرب على غزة.
وقد كشفت القناة الإسرائيلية 12 عن أبرز الاعتراضات التي يراها نتنياهو وفريقه التفاوضي على المقترح الجديد، ولكن عند التدقيق فيها نجد أنها خلافات على أساس عددي، وهذا على الأغلب لن يشكل عائقا أمام الاتفاق في النهاية.
أما الخلاف الأساسي فيتمثل بالإعلان عن وقف الحرب قبل الشروع بالمرحلة الثانية، إضافة إلى مطالبة إسرائيل بفرض الفيتو على أي فلسطيني من أصحاب الأحكام العالية تطالب به حماس مقابل المجندات.
خلافات إسرائيلية
وعزز الاقتراح الجديد الخلافات داخل حكومة الحرب الإسرائيلية، فعلى خلاف رغبة نتنياهو الذي يريد تعطيل الصفقة ومنع الوصول لاتفاق يؤدي لوقف الحرب وتعريضه للمحاكمات، فإن عضوي المجلس من كتلة المعسكر الوطني، بيني غانتس وغادي آيزنكوت يطالبان بالتوصل لصفقة تؤدي لعودة الأسرى.
ويتناغم موقفهما مع الموقف الأميركي بهذا الصدد، بل ويتعرضان لضغوط من قاعدتهما الانتخابية حول جدوى استمرار وجودهما في حكومة فشلت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وتفشل في إدارة الحرب، وتسعى لإطالة أمدها لأهداف شخصية تخص نتنياهو.
غير أن إدارة نتنياهو للتفاوض سيؤدي إلى زيادة الخلافات داخل ائتلافه، خصوصا في ظل فشل الاحتلال من تحقيق هدفي الحرب بالقضاء على حماس وتحرير الأسرى.
وقد توصلت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مجتمعة على أن الكيان فقد ميزتين أساسيتين في هذه الحرب، وهما: الدعم الأميركي ووحدة الشارع، وأن الحرب وصلت إلى طريق مسدود، وذلك يضرب مبررات نتنياهو للاستمرار بالحرب وتسويق ذلك بشعار النصر الكامل الذي هو غطاء لرغبته في الاستمرار في الحكم، وتجنب محاكمته بالفساد وبالفشل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول وبعدها.
وسيؤدي الموقف المتشدد لنتنياهو إلى تسعير الاحتجاجات من قبل أهالي الأسرى، بما يشكل ضغطا متصاعدا على الحكومة بمختلف أطيافها.
الموقف الأميركي
إن استمرار الهجوم على رفح سيعزز من التباينات مع الحكومة الأميركية، التي تسعى للتوصل إلى اتفاق وقف النار، لإنقاذ شعبيتها التي تضررت كثيرا من فظاعات الحرب التي ارتكبها الإسرائيليون، وتضعضع التحالف الغربي الذي أنشأته مع بداية الحرب، ومطالبة العديد من الدول الأوروبية بوقف إطلاق النار.
كما أن إدارة بايدن تسعى لتحقيق وقف إطلاق نار لإنجاز عملية تطبيع بين إسرائيل والسعودية، وتضغط بقوة من أجل ذلك، لأنها تريد تحسين موقفها في الانتخابات الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام. ولذلك، تضغط على حكومة نتنياهو للتعامل بإيجابية مع مقترح الوسطاء، الذي أدى موافقة حماس عليه إلى توجيه سهام الضغط على الكيان.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر عدة أن الإدارة الأميركية، وبقرار من مجلس الأمن القومي الأميركي أجّلت إرسال شحنات محددة من الأسلحة من إنتاج شركة بوينغ إلى الاحتلال، وتفيد المصادر أن التأجيل تم لأسبوعين فقط، ولكن دلالة الموضوع أنها المرة الأولى منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول التي يتم فيها اتخاذ مثل هذا الإجراء بحق إسرائيل.
على أن هذا الإجراء المحدود لا يقلل من أهمية استمرار الدعم الأميركي، الذي عبر عنه بايدن مؤخرا عندما قال إن "دعم الولايات المتحدة لإسرائيل ثابت ولن يتغير حتى لو كانت هناك خلافات".
ولا ينفي ذلك استمرار تخوف الإدارة الأميركية من قرار نتنياهو باجتياح رفح، حيث قال الناطق بلسان وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر "إن سيطرة إسرائيل على معبر رفح بين مصر وقطاع غزة تبدو بمثابة مقدمة لعملية عسكرية كبيرة".
على أن الإدارة الأميركية تدرك أنها ما لم تنجح في كبح جماح نتنياهو، فإن شن هجوم كبير على رفح سيؤدي إلى توقف المفاوضات، خصوصا أن حماس هددت بذلك في حال تنفيذ الهجوم، وهو ما يؤدي إلى الإضرار بالإستراتيجية الأميركية التي تسعى للهدوء في المنطقة ليس لتوفير الأجواء لعملية التطبيع فقط، بل للحيلولة دون انزلاق المنطقة لتصعيد إقليمي يتعارض مع سعيها للتركيز على الصين وروسيا.
إلى أين تذهب الصفقة؟
من الصعب التكهن بمستقبل الصفقة في ظل التفاعلات داخل إسرائيل، والصيغة التي ستتوصل لها الحكومة في التعامل مع مقترح الوسطاء، والتباينات مع الموقف الأميركي.
ولكن من المرجح أن تستمر المفاوضات أياما أو حتى أسابيع، وستشهد ضغوطا أميركية معتدلة على إسرائيل بما في ذلك محاولة ثنيها عن شن حرب شاملة على رفح.
غير أن هذه الضغوط المعتدلة، مثل تأخير وصول شحنات الأسلحة للكيان قد لا تكون كافية للجم طموح نتنياهو لاستمرار الحرب وتعطيل أي صفقة للأسرى، بما في ذلك المضي قدما في احتلال أجزاء أخرى من رفح مع احتمال التسبب بمجازر، ستؤدي إلى المزيد من تفكك الدعم الغربي لإسرائيل، وتصاعد المواجهات مع حزب الله والحوثيين.
ومن المشكوك فيه أن يحقق العدوان على رفح نجاحا لم يحققه جيش الاحتلال في الشمال والوسط، بل قد يؤدي- حسب تقديرات الأجهزة الأمنية- لمواجهة أفخاخ إستراتيجية أعدتها المقاومة لجيش الاحتلال.
ومن المرجح ألا يتعامل نتنياهو جديا مع المفاوضات إلا بعد أن ينجح بتسويق إكمال مهمته واحتلال كل غزة وتحقيق هدف النصر الكامل، ولكنه قد يضطر مع تصاعد الضغوط الأميركية إلى التعامل الإيجابي مع مقترح الوسطاء قبل اكتمال مهمة احتلال رفح، خصوصا أن شركاءه لا يرون خلافات جوهرية بين ما تريده إسرائيل وبين ما هو معروض في الصفقة.
وقد يسفر ذلك عن الشروع بتطبيق المرحلة الأولى من الصفقة بعد التوصل لحلول مرضية للطرفين، مع استمرار تمسك المقاومة برهن المضي بالمرحلتين الثانية والثالثة ببند صارم يؤكد وقف إطلاق النار.
حيث إن المقاومة تستطيع من خلال تطبيق المرحلة الأولى أن تحقق إنجازات مهمة على صعيد إغاثة الشعب الفلسطيني ووقف جرائم الاحتلال فضلا عن النجاح بالإفراج عن نحو ألف فلسطيني بينهم 250 مقاوما من أصحاب الأحكام العالية والمؤبدات، مع استمرار الاحتفاظ بالورقة الأهم وهم العسكريون.
غير أن نتنياهو وبعد الموافقة على الصفقة بإدخال تعديلات عليها، قد لا يستطيع تسويقها أمام شركائه المتشددين، بما يؤدي لانسحابهم من الحكومة. ولا يشترط أن يؤدي ذلك لانفراط عقد الحكومة، وذلك بعد تعهد خصمه المعارض نفتالي بينيت بتوفير شبكة أمان له إذا ما قرر المضي في الصفقة.
وربما يؤدي شعور الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش بعدم توفر بدائل لهم في حالة الخروج من الحكومة، بالبقاء فيها ومحاولة تعطيل ما يستطيعون من الصفقة.
ولذلك قد يتضمن هذا السيناريو نجاحا للمرحلة الأولى، ولكن نجاح المراحل الأخرى يظل غير مضمون.
وفي كل الأحوال فإن توقيع الصفقة سيؤذن بنهاية حكومة نتنياهو على المدى المنظور، وسيعزز موقع المقاومة ويعطيها الفرصة لالتقاط أنفاسها في معركة مستمرة مع الاحتلال، وسيحبط محاولات إيجاد البديل عنها، مع تفعيل خطة إعادة الإعمار لقطاع غزة من خلال حكومة وطنية ضمن توافق فلسطيني.
وما تؤكده هذه المفاوضات أن المقاومة لا تدخل المفاوضات في حالة ضعف وانكسار، كما أن إسرائيل لا تدخلها ضمن حالة انتصار تستطيع بها فرض شروطها. ولكن معادلات الواقع التي تضغط على الطرفين تحتم عليهما اللجوء لصفقة تبادل ووقف النار ضمن جهود الوساطة العربية والدولية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الشعب الفلسطینی الموقف الأمیرکی مقترح الوسطاء وقف الحرب وقف إطلاق على رفح غیر أن
إقرأ أيضاً:
لماذا لن يعود نتنياهو لقرار الحرب؟
منذ تم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق المراحل الثلاث لوقف النار وتبادل الأسرى في أواخر عهد إدارة بايدن، وبتشجيع من الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، كان جليًا أن حكومة نتنياهو لا تنوي تنفيذه بالجملة، وإنما "بالقطاعي"!
وكان نتنياهو، الذي سبق أن عرض المقترح نفسه على بايدن قبل إعلان الاتفاق عليه، قد تراجع عن مقترحه بعدما أدرك أن تنفيذه سيؤدي بائتلافه الحكومي إلى الانفراط. ولم يتغير البتة موقفه منذ ذلك الحين وحتى الآن. فتنفيذ الاتفاق، كما كان، مرفوض ليس فقط من وزراء عوتسما يهوديت، الذين انسحبوا بسبب القبول بتنفيذ المرحلة الأولى، ولا من وزراء الصهيونية الدينية، الذين ربطوا بقاءهم برفض البدء بتنفيذ المرحلة الثانية، وإنما أيضًا برفض الكثيرين من وزراء الليكود. ومعروف أن نتنياهو وافق على صفقة المراحل كنوع من الاضطرار وبهدف نسف الاتفاق في أول فرصة.
كان نتنياهو يعلم أنه، وبقدر ما لديه من هامش مناورة لدى إدارة بايدن، فإنه لا يملك أي هامش من هذا النوع مع إدارة ترامب، التي يتعامل معها وكأنها نوع من كوارث الطبيعة المستحسن تجنب الصدام معها.
وقد انطلقت إدارة ترامب في البداية من أن اتفاق المراحل جيد لإنهاء هذه الأزمة، لكنها، وبقدر ما كان الوقت يمر، صارت تتقرب من الموقف الإسرائيلي. تشهد على ذلك إنذارات ترامب وتهديداته المتكررة لحماس، ليس فقط بشأن الأسرى، وإنما أيضًا بشأن وجودها.
إعلانوبديهي أنه عندما لاحظ اليمين الإسرائيلي المتطرف أن ترامب يلتف على نتنياهو من جهة اليمين ويشجعه، خصوصًا بعدما عرض خطة تهجير غزة، صار وضع نتنياهو أضعف. صحيح أن نتنياهو ارتاح في وقت ما إلى حقيقة أنه صار أقرب إلى الوسط بين أغلبية شعبية ومؤسسة أمنية وعسكرية تطالب بتنفيذ اتفاق المراحل، وأغلبية يمينية تلح عليه برفضها. فقد بدا أنه مع انتهاء المرحلة الأولى، عاد نتنياهو إلى موقعه المفضل كزعيم أيديولوجي لليمين المتطرف.
وجاء ذلك القرار الإسرائيلي، بعد جلسة أمنية ترأسها نتنياهو، بمشاركة وزير الحرب وكبار المسؤولين الأمنيين وفريق التفاوض، اعتمدوا خلالها الخطوط العريضة التي اقترحها مبعوث الرئيس الأميركي، ستيف ويتكوف، لوقف مؤقت لإطلاق النار خلال شهر رمضان وعيد الفِصح.
ويتضمن إطلاق سراح نصف الأسرى الإسرائيليين، أحياءً وأمواتًا، في اليوم الأول من الاتفاق، وفي النهاية إطلاق سراح الأسرى المتبقين، أحياءً وأمواتًا، إذا تم التوصل إلى اتفاق على وقف دائم لإطلاق النار.
وليس صدفة أن مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، وبعد تصريحاته القوية والمتكررة بشأن وجوب تنفيذ المرحلة الثانية، حتى مع اعترافه بأنها أصعب من المرحلة الأولى، عاد ليعرض مقترح نتنياهو.
وهكذا كانت المحاولة الإسرائيلية الفاشلة لمواصلة تبادل الأسرى وفق مفاتيح التبادل التي كان متفقًا عليها لـ "المرحلة الإنسانية". وربما لتشجيع حماس على القبول بهذه اللعبة، جرى الحديث عن استعداد لمنح عدد أكبر من الأسرى الفلسطينيين مقابل كل أسير حي إسرائيلي.
وتلبي خطة ويتكوف مطالب إسرائيل بالكامل، حيث تسمح بالإفراج عن الأسرى على دفعتين، وتؤجل الحاجة إلى إعلان إسرائيل عن وقف إطلاق نار دائم بضمانة أميركية.
يمنح هذا نتنياهو فرصة سياسية، إذ تؤجل الخطة المواجهة مع بتسلئيل سموتريتش في الائتلاف، وتسمح بالموافقة على ميزانية الحكومة هذا الشهر (إذا لم تتم الموافقة على الميزانية هذا الشهر، فإن الحكومة، وفقًا للقانون، ستسقط وسيتم الإعلان عن انتخابات مبكرة).
إعلانلكن القصة عند حماس ليست فقط تبادل أسرى، بوجود ضلعين آخرين لمثلث صفقة التبادل، وهما إنهاء الحرب وإعادة الإعمار. وإسرائيل لا تريد البتة الدخول في أي مناقشة لإنهاء الحرب أو إعادة الإعمار من دون أن تحقق "أهداف الحرب".
وبكلمات أخرى، فإن إسرائيل تريد أن تحقق بالمفاوضات ما فشلت في تحقيقه بالحرب: تدمير حماس، وإنهاء سلطتها، ونزع سلاح قطاع غزة، ومنعه من أن يشكل أي خطر مستقبلي عليها. ولهذا السبب، رفضت أيضًا المقترحات العربية لإعادة إعمار غزة، والصيغة المصرية لإدارة شؤون الحكم في غزة.
وما إن رفضت حماس الاقتراح الأميركي الذي عرضه ويتكوف عن بعد، حتى بدا لنتنياهو أن فرصته للانقلاب على اتفاق المراحل الثلاث رسميًا قد حانت. وهكذا، بدلًا من عرض اقتراحات جديدة، استغل التأييد الأميركي، وأعلن إغلاق جميع المعابر التي تنقل عبرها المساعدات الإنسانية ووقف إمدادات الوقود والغاز. ولم يكتفِ بذلك، بل أعلن عن قرار حكومي بتجنيد قوات احتياطية قد يصل عددها إلى 400 ألف جندي.
وهكذا، فإن إسرائيل، بدعم أميركي، "تنسف" بشكل أحادي الجانب اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى عبر رفضها تنفيذ خطوتين مركزيتين: إخلاء محور فيلادلفيا، والبدء بمفاوضات المرحلة الثانية.
وهنا بدأت لعبة بوكر بكل الوسائل التهديدية والاحتيالية. فحماس، التي سبق أن أعلنت رغبتها في التفاوض دفعة واحدة لإنهاء الحرب وتبادل كل الأسرى وإعادة الإعمار، اضطرت للرد على اقتراحات مفاتيح التبادل بالمطالبة بما بين 500 إلى 1000 أسير فلسطيني مقابل كل أسير إسرائيلي، وفقًا لمكانته ورتبته. وأدرك كل من في رأسه عقل أن الطرفين يتجهان إلى مسار تصادمي.
حماس، من جهتها، ليست متعجلة للذهاب إلى القتال، خصوصًا أنها عمدت إلى احتواء أغلب الانتهاكات الإسرائيلية التي تمت منذ بدء المرحلة الأولى. وأيضًا، إسرائيل، التي تلوح بالعودة إلى الحرب، تدرك صعوبة ذلك، على الأقل حاليًا، لاعتبارات داخلية وإقليمية ودولية.
إعلانفموقف نتنياهو بالذهاب للحرب ضعيف أمام أغلبية الشارع الإسرائيلي، التي ترى أن الأولوية هي للإفراج عن الأسرى عبر التفاوض ودفع الثمن. كما أنه، ورغم تهديدات ترامب لحماس وإعلانه أنه سيؤيد كل قرار تتخذه إسرائيل، يحاول أن يرسم لنفسه صورة الزعيم الذي ينهي الحروب وليس من يشعلها.
وإضافة لذلك فإن استئناف الحرب يضع الدول العربية أمام خيارات صعبة، خصوصًا أنها وجدت اعتراضًا من إسرائيل وليس من حماس على مخططاتها لغزة.
وربما لهذه الأسباب، تحاول إسرائيل استغلال عدة روافع ضغط تمتلكها حاليًا بدل العودة للحرب التي لن تقف عند حدود غزة. وهناك من داخل الجيش والمؤسسة الأمنية من يرى أنه ينبغي وضع علامة استفهام على مواقف ترامب، لأن من المستحيل معرفة متى "سيغير" مساره ويوقف دعمه.
والسبب الثاني هو أن الإمدادات العسكرية الجديدة، خصوصًا من القنابل مخترقة الملاجئ يراد بها في المقام الأول أن تكون وسيلة تكتيكية ذات تداعيات إستراتيجية، تفكر إسرائيل من خلالها في مهاجمة إيران في مرحلة ما.
صحيح أن إسرائيل توحي بأن العودة للحرب على غزة على الأبواب، أو أن الضغوط العسكرية سوف تتصاعد في الأيام القريبة، وهو أمر ليس مستحيلًا في ظل حكومة نتنياهو اليمينية.
ولكنّ هناك أمورًا لا يمكن تجاهلها، مثل تغيير رئيس الأركان الإسرائيلي وما يستتبع ذلك من إقرار خطط جديدة، ثم الخلافات داخل الائتلاف الحكومي بسبب قانون تجنيد الحريديم والتصويت في الكنيست على الميزانية العامة.
عمومًا، ثمة ثقة في إسرائيل بأن ويتكوف، سيحاول إتمام الصفقة بروح الخطوط العريضة التي وضعها.
وتحاول إسرائيل، التي أعلنت رسميًا بالفعل موافقتها على الخطوط العريضة لمقترحه، مساعدته من خلال إستراتيجية تفاوضية قائمة على سياسة حافة الهاوية والتشدد في المواقف، وكل ذلك بأمل أن يكون قادرًا على إخراج عربة المفاوضات من الوحل الذي هندس نتنياهو الأمور كي تصل إليه.
إعلانوكتب المعلق العسكري في يديعوت أحرونوت، رون بن يشاي: "في الوقت الحالي، كل الكرات في الهواء، ولا توجد علامة واضحة على المكان الذي ستسقط فيه. ويعمل الوسطاء حاليًا على إقناع حماس بقبول خطة ويتكوف الجديدة. وقد وافقت عليها إسرائيل بالفعل. ولذلك فإن عائلات الأسرى ستستمر في المعاناة، وأعصاب الشعب الإسرائيلي ستستمر في الإرهاق، وستواصل حماس شن حرب نفسية تزداد قذارة وقسوة، لأن هذه هي الوسيلة الوحيدة التي تمتلكها للتأثير على صناع القرار في إسرائيل". وذلك لحين انتهاء المفاوضات.
في كل حال، حذر المحامي أورئيل لين في معاريف من أنه: "لم يعد هناك مجال أو مكان للادعاءات، والشروحات والتفسيرات. صفقة التبادل، المرحلة الثانية، يجب إنهاؤهما بسرعة، في فترة زمنية لا تتجاوز بضعة أسابيع، وإلا، فستكون هناك هزة أرضية قومية لم يسبق أن كان لها مثيل حتى اليوم، ولا حتى بعد حرب يوم الغفران. صدع قومي عميق، لم نشهده من قبل. من الصعب التقدير إذا كان سيكون ممكنًا رأبه في عشرات السنين المقبلة. خجل وعار سيحلان إلى الأبد على حكومة تعيق استكمال المرحلة الثانية في صفقة تحرير المخطوفين، ولا يهم ما هي الذرائع لذلك".
كما أن زعيم المعارضة، يائير لبيد، انتقد بشدة قرار حكومة نتنياهو، قائلًا:"لقد تم إيقاف صفقة الأسرى. تم إيقاف المساعدات إلى غزة. وافقت الحكومة على تعبئة 400 ألف جندي احتياطي. ما هو الهدف؟ ما هو الهدف الذي وضعه نتنياهو لنفسه؟ هل قررت الحكومة التخلي عن الأسرى؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا؟ من أجل أي هدف وطني هو الأهم؟ إذا عدنا للحرب، ما هو هدف الحرب؟ من سيحل محل حماس في النهاية؟ مرة أخرى، تتحرك الحكومة الإسرائيلية دون خطة، ودون رؤية. نأمل أن يكون الأمر على ما يرام، فهذا هو أقصى ما تمكنوا من التخطيط له".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
إعلان aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline