قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، انه علينا أن نبدأ صفحة جديدة مع الله تعالى ولو مائة مرة في اليوم، فسيد المرسلين ﷺ الذي غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ورفعه الله مقاما عليّا قال: (إِنَّهُ لَيُغَان عَلى قَلْبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ كلَّ يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ), استغفاره من جنس آخر غير استغفارنا، لكنه يعلمنا الاستغفار الذي يتواءم ويتناسب مع طبيعتنا ورتبتنا؛ فالقلب له بابان: باب مفتوح على الخلق ، وباب مفتوح على الحق - سبحانه وتعالى - .

الباب المفتوح على الحق تدخل منه الأنوار وتنكشف به الأسرار.

والباب المفتوح على الخلق يتعامل به الإنسان مع الناس في مصالح الدنيا ومشاغلها.

وسيد الخلق وإمام المرسلين ﷺ أُمر بتبليغ الدعوة من ربه وأرسله الله رحمة للعالمين وللناس كافة، فهو مأمور أن يتعامل مع الناس، فكانت الأنوار تدخل من شدة العبادة والتعلق بالله فتُغلِق باب الخلق، ريح من الأنوار يدخل فيغلق باب الخلق فلا يريد أن يرى أحد، يريد أن يعتزل ؛ لأن مَنْ كان أنسه بالله لا يطيق الناس، وهذا لا يجوز في حقه ﷺ لأن هناك رسالة لابد أن يبلغها، فيستغفر الله - سبحانه وتعالى - لانغلاق باب الخلق عنده حتى يفتح.

أما نحن فغين الأغيار هي التي تغلق باب الحق؛ فننشغل بالأشياء والأشخاص والأحوال والأحداث وننشغل بكل شيء دون الله عز وجل؛ فيجب أن نستغفر حتى تدخل الأنوار  ويُفتح باب الحق.

سيدنا أبو الحسن الشاذلي استشكل الحديث, فمعنى "يُغان" أن تأتي سحابة أو شيء من هذا القبيل ، وقال : كيف يغان على قلب سيدنا رسول الله ﷺ إذا كان أنا لا يغان على قلبي ؟ فرأى النبي ﷺ في المنام وقال له : يا عَليّ غَين أنوار لا غَين أغيار.

غين أنوار دخلت من باب الحق فأغلقت باب الخلق.

فالغَين نوعان: غَين أغيار؛ يغلق باب الحق، وغَين أنوار؛ يغلق باب الخلق، وفي كليهما نستغفر ربنا، لأن إغلاق أي منهما يُعْتَبَرُ نقصا، ولذلك سيدنا النبي ﷺ من اشتغاله بربه وشدة تعلق قلبه بالله تعالى تغيب عنه الرسوم -الاكوان-، فسهى في الصلاة - وهذا في الظاهر - حتى يعلمنا عندما نسهو في الصلاة ماذا نفعل، قالوا :
يا سائلي عن رسول الله كيف سها ** والسهو من كل قلب غافل لاهي
قد غاب عن كل شيء سره فسها ** عما سوى الله فالتعظيم لله
يعني سيدنا رسول الله ﷺ استغرق مع الله، إلى أن ظهر بمظهر النسيان أمام الخلق؛ إِلَّا أن قلبه لم يغفل عن الله، بل غفل عن الرسوم.
أين هذا من نسياني في الصلاة؟
أنا أنسى؛ لأني منشغل بالدنيا.
وهو ينسى؛ لأنه منشغلٌ بالله.
فكلانا يصدق عليه السهو؛ ولكن أين السهو هذا من هذا؟. 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: باب الحق

إقرأ أيضاً:

عالم رباني.. نور في زمن الظلمات

في زمن تكثر فيه الفتن وتتلاطم أمواج الشبهات، يظهر بيننا علماء ربانيون، أنار الله بصائرهم، وأفاض عليهم من علمه، فصاروا نبراسًا يهتدي به الحائرون، وسراجًا يضيء دروب السائرين.

فضيلة الامام العالم الرباني، لم يقتصر علمه على العلوم الشرعية، بل اجتهد في أفرع العلوم الأخرى حتى بلغ فيها المنتهى، فكان موسوعة علمية متنقلة، ينهل من علمه القاصي والداني.

لم يكن علمه حبيس الكتب، بل تجلى في مواقف وطنية عظيمة، فكان خير مدافع عن دينه ووطنه، يقف في وجه الإرهاب بالكلمة ويصدع بالحق، ويفضح زيف المتطرفين، ويدعو إلى الوسطية والاعتدال.

فضيلة الإمام العالم الرباني الجليل على جمعة، كان لتصديه للأفكار الإرهابية أهمية بالغة، فقد كان يدرك خطورة هذه الأفكار على المجتمع، وكيف أنها تستغل الدين لتبرير العنف والقتل، فكان يواجهها بالحجة والبرهان، ويفند شبهاتهم، ويكشف زيف ادعاءاتهم.

كانت كلماته بمثابة سهام الحق، تخترق قلوب الظالمين، وتكشف زيفهم، وتدحض حججهم، فكانت له مواقف مشهودة في الدفاع عن الوطن، والذود عن حياضه، والتصدي لكل من تسول له نفسه المساس بأمنه واستقراره.

لقد كان فضيلة الإمام على جمعة، العالم الرباني نموذجًا فريدًا للعالم العامل، الذي يجمع بين العلم والعمل، وبين الدين والوطن، وبين الأصالة والمعاصرة، فكان بحق قدوة للأجيال، ومصدر إلهام للشباب، ونبراسًا يضيء طريق الحق والخير.

و كما قال الشاعر:

العلم يرفع بيتاً لا عماد له والجهل يهدم بيت العز والشرف

وبمناسبة شهر رمضان الكريم، شهر الطاعة والتقوى، نحث جموع المواطنين على الاقتداء بهذا العالم الرباني الجليل، والزود عن دينه ووطنه، والدفاع عن مذهبه الوسطي المستنير، الذي يدعو إلى التسامح والتعايش، ونبذ العنف والتطرف.

وإذا نظرنا إلى التاريخ، نجد أن علماءنا الربانيين كانوا دائمًا في طليعة المدافعين عن الدين والوطن، فكما كان الإمام العز بن عبد السلام يقف في وجه الظلم والطغيان، ويصدع بالحق، كذلك عالمنا اليوم، فضيلة الإمام على جمعة، يقف في وجه الإرهاب والتطرف، ويدعو إلى الوسطية والاعتدال.

قال الشاعر:

إذا العلم لم تكتنفه شمائل تعليه كان مطية الإخفاق.

وكما كان الإمام النووي يجمع بين العلم والعمل، والزهد والورع، فوريثه الشرعي فضيلة الامام على جمعة، يجمع بين العلم الغزير، والعمل الدؤوب، والزهد في الدنيا، والورع في الدين.

وبما أن العلماء ورثة الأنبياء، فإن عالمنا الجليل يرث عنهم العلم والحكمة، ويشارك السلف الصالح في حمل رسالة الدين، وتبليغها للناس.

فقد قيل في حب العلماء:

العلماء ورثة الأنبياء فحبهم فريضة وتقديرهم إحسان.

وإذا أردنا أن نشبهه بأحد الصحابة العلماء، لكان أشبه بعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، الذي كان من أعلم الصحابة بالقرآن والسنة، ومن أزهدهم في الدنيا، ومن أورعهم في الدين.

وإننا إذ نرى فضيلة الإمام العالم الجليل على جمعة - حفظه الله - يعيش بيننا حيًا يرزق، لندعو الله له بموفور الصحة والعافية، وأن يزيده علمًا وتوفيقًا، وأن يجعله ذخرًا للإسلام والمسلمين، وأن يبارك في عمره وعمله، وأن يجعله من الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء".

رحم الله علمائنا الربانيين الذين سبقوا بالإيمان، وجزاهم عن أمتهم خير الجزاء، وأدام علمائنا الحاليين و جعلهم لنا نبراسًا نهتدي به، وسراجًا يضيء لنا دروبنا، حيا الله فضيلة الإمام على جمعة و كل علماء أمتنا.

في كل أسبوع خلال شهر رمضان، أتشرف بأن تُزين صفحات جريدة الأسبوع بنور عالم من علماء أمتنا الأجلاء، فنسعى جاهدين لنقل قبس من علمهم، ونشر عبق من حكمتهم، ليكونوا لنا نبراسًا يضيء دروبنا في زمن الفتن والشبهات.

مقالات مشابهة

  • صورة محمد حماقي داخل المستشفى تثير قلق جمهوره.. هل تعرض لأزمة قلبية جديدة؟
  • هل الحب بين الولد والبنت حراما؟ علي جمعة: الحبيب له أجر شهيد
  • بعد أن كان رمزاً للفساد والمحسوبيات.. نادي الفروسية بالديماس يفتح صفحة جديدة لفرسان سوريا دون إقصاء أو تمييز
  • أعزَّك الله.. سيدنا عزيزَ الإسلام
  • رئيس جامعة الأزهر يبين سبب حذف حرف النفي في قول الله: وعلى الذين يطيقونه
  • شكل الكون وكائناته.. أسرار مذهلة يكشفها علي جمعة
  • عون الى السعودية لفتح صفحة جديدة في العلاقات
  • مع بداية رمضان 2025.. كيف كان النبي يستقبل الشهر الفضيل؟
  • عالم رباني.. نور في زمن الظلمات
  • أمير منطقة الرياض ونائبه يرفعان الشكر للقيادة لصدور التوجيه الملكي بالعفو عن المحكومين في الحق العام