السيارات الذاتية القيادة.. الخطر الأكبر في طرقات المستقبل؟
تاريخ النشر: 8th, May 2024 GMT
طالما داعبت فكرة السيارات الذاتية القيادة خيال الحالمين بالمستقبل منذ عصور، إذ احتلت المراكز الأولى في جميع الأعمال الفنية التي تحاول تصور مستقبل بعيد، لذلك تضافرت مساعي العلماء عبر العصور والقارات من أجل إنتاج السيارات الذاتية القيادة والوصول بها إلى المرحلة التي يمكن استخدامها فيها بشكل دائم دون الخوف منها.
رغم أن فكرة السيارات الذاتية القيادة مازالت تبدو مستقبلية بعض الشيء، كوننا لم نصل إليها بشكل كامل ودون تدخل بشري، فإننا قطعنا أشواطًا عديدة في السنوات الماضية، وأصبح الآن بإمكانك اقتناء سيارات تسلا ذاتية القيادة واستخدامها في الطرقات.
ولكن هل يجب علينا أن نطارد هذا الحلم حقا؟ وماهي المخاطر التي يمكن أن تظهر في مستقبل تسوده السيارات الذاتية القيادة؟
البداية عند دافنشييمكن تتبع بداية فكرة السيارات الذاتية القيادة دون تدخل الإنسان إلى العصور الغابرة، وتحديدا القرن الـ16، إذ كان المفكر والمبتكر الإيطالي ليوناردو دافنشي أول من طارد هذا الحلم، وتمكن عبر العديد من المحاولات من الوصول إلى مركبة يمكن قيادتها دون جرها أو دفعها، واستبدلت مصادر الطاقة المعهودة في عصره بالاعتماد على مجموعة من النوابض المضغوطة بشكل مكثف، وعند إطلاق هذه النوابض، كانت المركبة تتحرك إلى الأمام في الاتجاه الذي تم تحديده بشكل مسبق عبر عجلة القيادة في مقدمتها، ويشير البعض إلى هذا الابتكار على أنه أول روبوت يظهر في العالم.
أفكار دافنشي عبرت الأزمنة لتجد آذانا صاغية في مطلع القرن الـ20، وسط الثورة الصناعية وبداية تطوير السيارات في شكلها المعهود، إذ عرض المبتكر فرانسيس هودينا في عام 1925 أول مركبة يمكن التحكم فيها عبر موجات الراديو، إذ تمكن من تشغيل السيارة والتحكم في ناقل السرعة وتوجيه السيارة بشكل تلقائي، ورغم أن سيارة هودينا كانت الأقرب إلى مفهوم السيارات الذاتية القيادة الحقيقية، فإن صعوبة التحكم في المركبة والحاجة إلى مشغل يجلس خلف الراديو جعلت الفكرة تموت قبل أن تنتشر.
وفي عام 1939، عرضت شركة جينرال موتورز أول مركبة كهربائية يتم التحكم فيها عبر مجال مغناطيسي معد مسبقًا، ولكن هذه المركبة أيضا كانت تحتاج إلى قائد يجلس خلف الراديو ليتحكم في توجيهها.
المحطة الثانية في رحلة السيارات الذاتية القيادة كانت في منتصف السباق إلى سطح القمر، إذ بدأ المبتكرون في إيجاد طرق وحلول مختلفة للتحكم في المركبات التي تجوب سطح القمر عن بعد، مما دفع العالم جيمس آدامز لابتكار مركبة ستانفورد، التي كانت مزودة بمجموعة من العدسات ومبرمجة لتتبع الخطوط الأرضية بشكل مستقيم، ويعد آدامز أول من فكر في الاعتماد على الكاميرات لتوجيه السيارة، وفي عام 1977 قامت اليابان بتحسين الفكرة وتطويرها عبر إضافة منظومة تحليل قادرة على التعرف على الصور واستخدام المعلومات الناتجة عنها، وكان يمكن لها السير بسرعة 32 كيلومترا/الساعة.
استمر بالطبع التطوير في قطاع السيارات الذاتية القيادة بالتزامن مع العمل على تطوير السيارات الكهربائية حتى وصلنا اليوم إلى سيارات تسلا ذاتية القيادة إلى جانب دخول المصنعين الكبار مثل مرسيدس-بنز وأودي في مثل هذا المجال.
تسلا تمتلك منظومة تدعى القيادة الذاتية وهي قادرة على تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل كامل لقيادة السيارة ذاتيًا (وكالة الأنباء الأوروبية) طفرة بفضل الذكاء الاصطناعيمع بزوغ أدوات الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتطورة فيه، أصبح من الممكن الآن إنتاج سيارة ذاتية القيادة بالكامل دون أي تدخل بشري، وذلك بفضل تشكيلة واسعة من المستشعرات والأدوات التي يمكنها جمع المعلومات وتحليلها واتخاذ القرار بناءً عليها دون العودة إلى المستخدم البشري.
هذه القدرات المتطورة دفعت العديد من المطورين للكشف عن مفاهيم تصورية لسيارات مستقبلية ذاتية القيادة، وربما تعد سيارة أودي (Audi) التي تدعى غراند سفير (Grand sphere) من أوائل الشركات التي سعت لتسخير هذا المفهوم بشكل كامل، ورغم أنها لم تصدر بعد للعملاء، فإنها عرضت مفهوما مبتكرا لقدرات الذكاء الاصطناعي، إذ صممت السيارة بشكل كامل حتى تعتمد على الذكاء الاصطناعي دون تدخل بشري، كل ما عليك فعله هو إخبارها بالمكان الذي ترغب في الذهاب إليه والجلوس براحة في المقصورة حتى تصل إلى وجهتك.
تعمل منظومة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في السيارة على تحليل الطرق المحيطة بها عبر جمع المعلومات من المستشعرات المثبتة فيها إلى جانب منظومة الكاميرات المثبتة فيها، وفي النهاية يقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل هذه البيانات واتخاذ القرارات المناسبة.
تمتلك تسلا منظومة مماثلة يمكن استخدامها في جميع سياراتها تدعى القيادة الذاتية (Auto Pilot)، وهي كما يوحي اسمها قادرة على تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل كامل لقيادة السيارة ذاتيًا دون تدخل من المستخدم، وربما تعد سياراتها أول ما يتبادر لذهن المستخدم عند ذكر السيارات الذاتية القيادة بفضل التصميم والمقصورة المستقبلية فيها، وهي أيضًا الأكثر انتشارًا كون الشركة طرحتها منذ فترة كبيرة.
مخاوف جمةفي العام الماضي، فشلت سيارة تسلا طراز (Y) من تفادي حافلة مدرسية على طريق ولاية نورث كارولينا السريع لتصدم تيلمان متشل ذو 17 ربيعًا متسببة له في إصابات خطيرة ومتنوعة، وبحسب تقرير واشنطن بوست عن الحادثة ورواية الشهود، فإن نظام القيادة الذاتية لم يبطئ من سرعته أو يحاول التوقف على الإطلاق واستمر في السير على سرعة 70 كيلومترًا في الساعة.
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها في الولايات المتحدة، إذ سجلت الإدارة الوطنية للسلامة على الطرقات السريعة (NHSTA) أكثر من 700 حادثة في الفترة من عام 2019 وحتى عام 2023 بسبب الاعتماد على نظام القيادة الذاتية في سيارات تسلا.
لا تحاول تسلا إنكار هذا الأمر، إذ تشير تقاريرها إلى أن هذه الحوادث تقع مرة واحدة لكل 7 مليون كيلومتر يتم قطعها بالاعتماد على منظومة الذكاء الاصطناعي، ولكن تقارير الإدارة الوطنية للسلامة على الطرقات السريعة تشير إلى أن هذه الحوادث تقع بمعدل أعلى كثيرًا، إذ تحدث مرة واحدة لكل 770 ألف كيلومتر يتم قطعها عبر منظومة القيادة الذاتية.
هذه الحوادث ليست حكرًا على سيارات تسلا فقط، ولكن ربما لأنه الأكثر انتشارًا فإنها تصل إلى عناوين الصحف باستمرار، وبحسب ما نقلته صحيفة ذي غارديان في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2023، فإن شركة "جنرال موتورز" استدعت جميع سيارات كروز (Crusie) ذاتية القيادة الخاصة بها من أجل تحديث نظام تشغيلها، وذلك بعد أن تسبب في حادث لأحد المشاة في سان فرانسيسكو.
انتشار حوادث السيارات الذاتية القيادة في السنوات الماضية تسبب في إضعاف موقفها أمام العملاء المحتملين، إذ لا يرغب أي شخص في سيارة تعرض حياته للخطر، وهذا ما ظهر في الدراسة التي نشرتها فوربس في فبراير/شباط 2024، إذ وجدت أن 93% من المشاركين في الدراسة يشعرون بالخوف من السيارات الذاتية القيادة، و61% لا يثقون فيها على الإطلاق.
حوادث السيارات الذاتية القيادة في السنوات الماضية تتسبب في إضعاف موقفها أمام العملاء المحتملين (رويترز) هل يمكن الوثوق بالتقنية في وضعها الحالي؟الحوادث بشكل عام ليست غريبة عن عالم السيارات سواءً كانت ذاتية القيادة أم لا، ويعد معدل الحوادث التي تجريها السيارات المعتادة أكثر كثيرًا من ذاتية القيادة وذلك لأن الأخيرة لا تتمتع بالانتشار ذاته.
ولكن تطرح هذه الحوادث تساؤلا مهما حول ثقة المستخدمين في التقنية بشكلها الحالي، إذ ما تزال التقنية أضعف في الاستجابة للمؤثرات الخارجية المفاجئة من القادة البشر، ورغم وجود مقاود تحكم في جميع السيارات الذاتية القيادة الحالية، فإن جزءا كبيرا من السائقين لا ينتبهون في الوقت المناسب لتفادي الحادث.
ما زالت تقنية السيارات الذاتية القيادة تحبو خطواتها الأولى وسط الشوارع والمستخدمين، لذلك من المتوقع أن تكون هناك بعض الحوادث والمشاكل، وربما يساعد تطور الذكاء الاصطناعي وقدرته على معالجة المدخلات المختلفة في حل هذه المشاكل، ولكن حتى ذلك الوقت، تظل السيارات الذاتية القيادة تمثل خطرًا على المستخدمين في حالة الثقة بها بشكل كامل، كما ينتظرها الكثير من التطور قبل أن تصدر السيارات الذاتية القيادة التي لا تدع مجالًا للتحكم البشري فيها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات السیارات الذاتیة القیادة الذکاء الاصطناعی القیادة الذاتیة ذاتیة القیادة سیارات تسلا هذه الحوادث بشکل کامل القیادة ا دون تدخل
إقرأ أيضاً:
3 اكتشافات تمت بفضل الذكاء الاصطناعي في 2024
وفي السطور التالية نرصد أبرز تلك الاكتشافات: مخطوطات هيركولانيوم تمكن ثلاثة من الباحثين من من الكشف عن محتوى مخطوطات هيركولانيوم المتفحمة والتي لم تكن قابلة للقراءة، بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي.
وكانت هذه المخطوطات الهشة عُرضة للتفتت، كما أن لونها الأسود جعل من الصعب قراءة أي كتابات عليها، ولكن بفضل الذكاء الاصطناعي والأشعة السينية عالية الدقة، تم فك شفرة أكثر من 2000 حرف داخل المخطوطات.
وكان هذا الإنجاز كشف عن أول مقاطع كاملة من البرديات التي نجت من ثوران جبل فيزوف في عام 79 بعد الميلاد، ضمن بعض القطع الأثرية المتعلقة بروما القديمة واليونان، التي تم إنقاذها مما يُعتقد أنه منزل والد زوجة يوليوس قيصر.
وعن الطريقة التي تم بها فك رموز الكتابة، قال أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة كنتاكي والذي يعمل على فك شفرة المخطوطات منذ أكثر من عقد من الزمان، برنت سيلز، إن الكتابة تكون موجودة في المخطوطات ولكنها تكون مدفونة ومموهة في الورق.
ومن خلال الذكاء الاصطناعي يتم تكثيف هذه الكتابة وتضخيم قابلية قراءة الحبر، وفق سيلز.
التعرف على لغة الحيتان توصل العلماء من قبل إلى أن الأصوات التي تنتجها حيتان العنبر تختلف في طولها الموجي وإيقاعها، ولكن دلالة هذه اللغة ظلت لغزًا محيرًا بالنسبة للعلماء.
ولكن الذكاء الاصطناعي ساعد على تحليل نحو 9000 تسلسل نقرات مسجلة، تسمى الكودات، والتي تمثل أصوات حوالي 60 حوتًا من حيتان العنبر في البحر الكاريبي.
وسمح هذا التقدم في جعل لغة الحيتان قابلة في يومًا ما للتفسير بجانب بعض الحيوانات الأخرى.
وفي التجربة، قام العلماء برصد نهاية أصوات الحيتان، وخلال تبادل النداء، وكذلك الاستجابات بين الكائنات البحرية العملاقة.
ومن خلال عرض تلك الأصوات على أدوات الذكاء الاصطناعي، نتجت أنماط مقطعية أشبه بالأصوات التي ينتجها البشر.
واكتشفت البرامج 18 نوعًا من الإيقاع (تسلسل الفواصل الزمنية بين النقرات)، وخمسة أنواع من السرعة (مدة الكودا بأكملها)، وثلاثة أنواع من الروباتو (الاختلافات في المدة)، ونوعين من الزخارف “نقرة إضافية” تمت إضافتها في نهاية الكودا في مجموعة من الكودات الأقصر.
ويسعى العلماء في المراحل المقبلة لإجراء اختبارات تفاعلية مع الحيتان مع مراقبة سلوكها، بما يفتح الباب لفهم لغتها بشكل كامل.
كشف المواقع الأثرية على غرار المخطوطات الورقية، يعمل الذكاء الاصطناعي حاليًا على كشف المواقع الأثرية والرموز الغامضة المدفونة تحت الأرض في صحراء نازكا في بيرو.
وقديمًا، قضى العلماء ما يقرب من نصف قرن في الكشف عن تلك الآثار وتوثيقها. وغالبًا ما تكون الصور التوضيحية الممتدة، والتي لا يمكن رؤيتها إلا من الأعلى، تصور تصميمات هندسية وأشكال تشبه البشر وحتى حوت قاتل يحمل سكينًا.
وقام العماء بقيادة ماساتو ساكاي، أستاذ علم الآثار في جامعة ياماغاتا اليابانية، بتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي لاكتشاف نحو 430 رمزًا من خلال التقاط صور عالية الدقة لها.
وخلال الفترة بين سبتمبر 2022 وفبراير 2023، بدأ الفريق في التأكد من صحة هذه الرموز عن طريق مسح شامل لصحراء نازكا من خلال الطائرات بدون طيار. ونجح العلماء في إثبات صحة نحو 303 من الرسوم الجيوجليفية التصويرية، مما أدى إلى مضاعفة عدد الرسوم الجيوجليفية المعروفة تقريبًا في غضون أشهر