أضحت حديقة "القيتارية" في العاصمة الإيرانية طهران أحدث نقطة خلاف بين مواطنين إيرانيين عاديين والمتشددين على خلفية مشروع للسلطات لبناء مسجد فيها.
وقالت صحيفة "فايننشال تايمز" إن "الخلاف بشأن خطة بناء مسجد في مساحة خضراء نادرة، يسلط الضوء على الانقسامات بالمجتمع الذي يعاني من استقطاب متزايد".
وقال محمد درويش، وهو ناشط بيئي يقود حملة على مشروع المسجد، لصحيفة "فايننشال تايمز"، إن الحديقة التي تبلغ مساحتها 12 هكتارا ببركها ومسارات المشي ومئات الأشجار، وتقع في منطقة راقية شمال العاصمة، "بمثابة رئة لطهران وتوفر مساحة للتنفس في مدينة ملوثة".
ومع ذلك، لم يقتصر الجدل على الناشطين السياسيين والبيئيين اليائسين للحفاظ على المساحات الخضراء القليلة في العاصمة طهران، وإنما امتد لإيرانيين عاديين وقفوا بمواجهة المتشددين في النظام، مما يعزز الانقسامات وانعدام الثقة في المجتمع الإيراني، بحسب الصحيفة.
وأصبحت خطة مجلس مدينة طهران لإنشاء مجمع مساحته 800 متر مربع في حديقة "القيتارية" تحظى بمعارضة واسعة، إذ جمعت عريضة ضد المشروع حتى الآن على ما يقرب من 150 ألف توقيع.
ورغم رفض المشروع، أكد رئيس بلدية طهران، علي رضا زاكاني، موقفه، قائلا إنه سيمضي قدما.
ويقول زاكاني إنه تم إعادة تصميم الخطط لضمان عدم تدمير أي أشجار ناضجة ونقل عشرات الشتلات فقط. لكن درويش شكك في ذلك متسائلا: "كيف يمكن بناء هيكل بارتفاع 28 مترا وحفر بعمق 20 مترا دون قطع شجرة واحدة؟".
ويقول محللون إن الإيرانيين أصبحوا أكثر وعيا بالقضايا البيئية، إذ يحث معارضو المسجد الجديد سلطات المدينة على التركيز بدلا من ذلك على معالجة المشكلات الملحة مثل ازدحام الطرق والبناء غير القانوني.
وقال رئيس بلدية طهران السابق، بيروز حناشي، لوسائل الإعلام المحلية مؤخرا، إن "أولئك الذين يريدون بناء المسجد يتجاهلون هواء طهران الملوث وحركة المرور والمساحات الخضراء القليلة. وبدلا من ذلك يريدون التظاهر بأنهم متدينون".
وكانت "القيتارية" في الأصل حديقة خاصة مملوكة للعائلة المالكة في عهد أسرة قاجار، التي حكمت البلاد من 1789 إلى 1925، وخصصتها العائلة كحديقة عامة خلال السبعينيات.
"لا يوجد مصلين"وكان الغضب الشعبي متصاعدا بالفعل قبل الإعلان عن خطة بناء المسجد في مارس، وسط فضيحة تورط فيها إمام صلاة الجمعة في طهران كاظم صديقي.
واتهم رجل الدين البارز بالحصول على حديقة مساحتها 4200 متر مربع على أرض تبلغ قيمتها ملايين الدولارات بجوار مدرسته الدينية في شمال طهران بشكل غير قانوني.
ورفض صديقي اتهامات الفساد، زاعما أن توقيعه على الوثائق مزور، وقال إن الأرض ستعاد إلى الملكية العامة.
وقال أستاذ علم الاجتماع بجامعة طهران، تقي آزاد أرمكي، لصحيفة "فايننشال تايمز" إن قرار بناء المسجد في حديقة يفضلها الناس يمثل حالة من سوء الإدارة، وليس التوتر بين المجتمع الديني والعلماني.
وأضاف: "حتى الشريحة الأكثر علمانية في المجتمع الإيراني لم تعارض بناء المساجد. والاقتراح البديل أن تقوم البلدية ببناء المسجد في قطعة أرض فارغة بدلا من ذلك".
ويأتي ذلك الجدل في وقت تشدد فيه إيران من القيود الداخلية، بما في ذلك عمليات الإعدام وتوقيف معارضين وعودة دوريات شرطة الأخلاق لمراقبة التزام القواعد الصارمة للباس في البلاد.
وشهدت إيران اعتبارا من سبتمبر 2022 احتجاجات واسعة إثر وفاة الشابة، مهسا أميني (22 عاما)، بعد أيام من توقيفها من قبل شرطة الأخلاق في العاصمة لعدم التزامها تلك القواعد.
واعتمدت السلطات القبضة الصارمة في التعامل مع هذه الاحتجاجات التي تراجعت بشكل ملحوظ في أواخر العام ذاته. إلا أن "القمع" الذي تمارسه السلطات، وفق توصيف المنظمات الحقوقية، "دخل مرحلة جديدة" خلال الفترة الأخيرة.
ويشعر بعض رجال الدين بالقلق من أن السلوكيات القاسية من قبل السلطات تدفع الناس بعيدا عن الدين.
ووفقا لتقرير صادر عن مركز البيانات الثقافية الإيرانية، فإن العديد من المساجد الإيرانية البالغ عددها 85 ألف مسجد لا يرتادها إلا عدد قليل من الناس، ونحو 40 بالمئة منها ليس بها إمام.
وذكر التقرير أن عدد الإيرانيين الذين يصلون يوميا انخفض أيضا في السنوات الأخيرة. وقال رجل الدين المحلي، ناصر نقويان، "حتى لو قمت ببناء مساجد في جميع المتنزهات، فسيكون ذلك عديم الفائدة طالما لا يوجد مصلون".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: بناء المسجد مسجد فی
إقرأ أيضاً:
"جريمة حرب مكتملة الأركان".. "أنصار الله" تتوعد أمريكا ردًا على العدوان
◄ مقتل 31 معظمهم من النساء والأطفال في عدوان أمريكي على اليمن
◄ روسيا تدعو أمريكا إلى وقف الهجمات والدخول في حوار سياسي
◄ إيران تهدد باتخاذ "خطوات حاسمة" ردًا على أي تهديد
◄ الحوثيون يهددون باستئناف الهجمات على السفن الإسرائيلية بالبحر الأحمر
واشنطن، عدن- رويترز
أعلنت جماعة أنصار الله "الحوثي" اليمنية اليوم الأحد استعدادها "لمواجهة التصعيد بالتصعيد" بعد غارات أمريكية استهدفت الجماعة المتحالفة مع إيران ردا على تهديدها باستئناف هجماتها على حركة الملاحة في البحر الأحمر.
وأثارت الغارات الأمريكية على اليمن ردود فعل دبلوماسية غاضبة من موسكو وطهران.
وأودت الغارات بحياة 31 شخصا على الأقل وجاءت في بداية حملة قال مسؤول أمريكي لرويترز إنها قد تستمر لأسابيع، وهي أكبر عملية عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط منذ تولي الرئيس دونالد ترامب منصبه في يناير كانون الثاني.
ووصف المكتب السياسي للحوثيين الهجمات بأنها "جريمة حرب مكتملة الأركان".
وقال في بيان "قواتنا المسلحة اليمنية على أتم الجاهزية لمواجهة التصعيد بالتصعيد".
ووجه ترامب أيضا تحذيرا لإيران، داعم الحوثيين الرئيسي، بأنه يتعين عليها وقف دعمها للحركة فورا. وقال إنه إذا هددت إيران الولايات المتحدة، "فسوف تحملكم أمريكا المسؤولية كاملة، ولن نتهاون في هذا الأمر".
وردا على ذلك، قال القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي إن الحوثيين يتخذون قراراتهم الاستراتيجية والعملياتية بأنفسهم وإن طهران سترد بحزم على أي تحرك ضدها.
وقال سلامي لوسائل الإعلام الرسمية "نحذر أعداءنا من أن إيران ستتصدى لأي تهديد بحزم وسيكون ردها مدمرا إذا نفذوا تهديداتهم".
وقالت وزارة الخارجية الروسية اليوم الأحد إن الوزير سيرجي لافروف اتصل بنظيره الأمريكي ماركو روبيو لحثه على "الوقف الفوري لاستخدام القوة وتذكيره بأهمية انخراط جميع الأطراف في حوار سياسي".
وجاءت دعوة لافروف لوقف الضربات في الوقت الذي يطالب فيه ترامب موسكو بالتوقيع على مقترح أمريكي لوقف القتال بين روسيا وأوكرانيا لمدة 30 يوما، وهو المقترح الذي قبلته أوكرانيا الأسبوع الماضي لكن روسيا قالت إنه بحاجة إلى إعادة صياغة.
ويسعى ترامب أيضا إلى إقناع طهران بالجلوس إلى طاولة المفاوضات لمناقشة برنامجها النووي مع تكثيف الضغوط عليها بالعقوبات.