وكيل الأزهر: الإسلام عقيدة صافية تنير القلوب وشريعة لصلاح الإنسان في حياته ومعاده
تاريخ النشر: 8th, May 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكد الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، أن النسخة الثالثة من ملتقى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بعنوان «اسمعْ وتكلَّمْ» تمثل حلْقةً جديدة في سلسلةٍ متَّصلةٍ بدأت نسختُها الأولى في شهرِ مايو عام 2018م، وتتأكَّدُ أهميَّةُ هذا الملتقى في ظلِّ عالمٍ مشحونٍ باشتباكاتٍ فكريَّةٍ، واستقطابٍ حادٍّ، ومحاولاتٍ مستميتةٍ لتدميرِ دولٍ وشعوبٍ باستخدامِ أساليبَ متنوِّعةٍ، تستهدفُ المادَّةَ الصُّلبةَ للوطنِ، وهم الشَّبابُ، وتسعى إلى قطعِ الشَّبابِ عن عقيدتِهم، وتاريخِهم، وهويَّتِهم.
وأضاف وكيل الأزهر، اليوم الأربعاء، خلال كلمته بالملتقى الذي عقد بمركز الأزهر للمؤتمرات، أنه وإذا كانَ لكلِّ أمَّةٍ ثروةٌ تعتزُّ بها، ورصيدٌ تدَّخرُه لمستقبلِها وقوَّةٌ تبني عليها مجدَها ونهضتَها، فإنَّ في مقدِّمةِ هذه الثَّروةِ الشَّبابَ الَّذي يعدُّ الدُّعامةَ الأساسيَّةَ في المجتمعِ، والثَّروةَ الحيَّةَ الحقيقيَّةَ فيه، والأملَ المرتجى على الدَّوامِ. وإنَّ مِن مظاهر التَّحضُّرِ والرُّقيِّ لدى الأممِ أن تُعنى بالشَّبابِ، وأن تهيِّئَ لهم ما يجعلُهم رجالًا أكفاءَ أقوياءَ تقومُ الأوطانُ على سواعدِهم.
وقال: “إن عنوان الملتقى يُنبِّه الجميعَ إلى مهارةٍ حياتيَّةٍ أوشكت أن تُفقدَ من حياةِ النَّاسِ على اختلافِ درجاتِهم ومستوياتِهم، وهي مهارةُ الكلامِ والاستماع؛ وعلومُنا الأزهريَّةُ تخبرُنا أنَّ الكلامَ هو اللَّفظُ المفيدُ على حدِّ تعبيرِ جمالِ الدِّينِ ابنِ مالكٍ في قولِه: كلامُنا لَفْظٌ مُفِيدٌ كاسْتَقِمْ *** وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ”.
وأشار وكيل الأزهر إلى أنَّ الكلامَ ليس مجرَّدَ حركةِ اللِّسانِ في فمِ الإنسانِ، فما أكثرَ المتكلِّمين إذًا، وإنَّما الكلامُ الَّذي نعنيه هو على حدِّ قولِ الحسنِ البصريِّ رحمه الله تعالى: «لِسَانُ الْعَاقِلِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ، فَإِذَا أَرَادَ الْكَلامَ تَفَكَّرَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ قَالَ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَمْسَكَ، وَقَلْبُ الْجَاهِلِ مِنْ وَرَاءِ لِسَانِهِ، فَإِنْ هَمَّ بِالْكَلامِ تَكَلَّمَ لَهُ وَعَلَيْهِ»، وهو المعنى هو الَّذي اختصره الأخطلُ في قولِه: :"إِنَّ الْكَلَامَ لفي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا *** جُعلَ اللِّسَانُ على الْفُؤَادِ دَلِيلًا"
وتابع أن وراءَ الكلامِ قلبٌ يَقِظٌ والألسنةُ مغارفُ، أو هكذا يجبُ أن يكونَ، ووراءَ الكلامِ عقلٌ مدركٌ لمعاني الكلامِ ومراميه، أو هكذا يجبُ أن يكونَ، ومع الكلامِ إدراك لزمانِ الكلامِ ومكانِه، أو هكذا يجبُ أن يكون، وأيَّ متكلِّمٍ لو راعى مثل هذه الضَّوابطِ قبل أن ينطلقَ لسانُه بما يعرفُ وما لا يعرفُ، وبما ينفعُ وما لا ينفعُ لتخلَّى عن كثيرٍ من الكلامِ، ولجنَّبَ مجتمعاتِنا وشبابَنا ويلاتِ الانحرافِ الفكريِّ والأخلاقِّي.
وبين وكيل الأزهر أن الاستماع كذلك له آدابُه الَّتي تنتجُ مع آدابِ الكلامِ حوارًا إيجابيًّا راقيًا، وعنوان لقائنا اليوم «اسمعْ وتكلَّمْ» وليس «تكلَّمْ واسمعْ» فالأصلُ أن تسمعَ أوَّلًا، وأن تتعلَّمَ أولًا، وأن تفهمَ أوَّلًا ثمَّ تتكلَّم فيأتي الكلامُ مستندًا إلى ركنٍ ركينٍ من العلمِ والفهمِ والحكمةِ والأدبِ.
واستشهد وكيل الأزهر بواقعة من السيرة النبوية قبلَ ألفٍ وأربعِ مئةِ سنةٍ يوم أن قامَ عتبةُ بنُ ربيعةَ في أصحابِه الَّذين يصدُّون النَّاسَ عن دعوةِ رسولِ اللهِ ﷺ، ويبذلون في ذلك ما يستطيعون؛ فقال لهم: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَلَا أَقُومُ إلَى مُحَمَّدٍ فَأُكَلِّمَهُ وَأَعْرِضَ عَلَيْهِ أُمُورًا لَعَلَّهُ يقبلُ بعضَها فَنُعْطِيهِ أَيَّهَا شَاءَ، وَيَكُفُّ عَنَّا؟ فَقَالُوا: بَلَى يَا أَبَا الْوَلِيدِ، قُمْ إلَيْهِ فكلمْه؛ فَقَامَ إلَيْهِ عُتبة حَتَّى جَلَسَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فقال: يا ابن أَخِي، إنَّكَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ علمتَ مِنْ السِّطَة فيِ الْعَشِيرَةِ، وَالْمَكَانِ فِي النَّسَبِ، وَإِنَّكَ أَتَيْتَ قومَك بِأَمْرِ عَظِيمٍ فرَّقت بِهِ جَمَاعَتَهُمْ وسفهتَ بِهِ أحلامَهم وعِبتَ بِهِ آلِهَتَهُمْ وَدِينَهُمْ وكفَّرت بِهِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِمْ، فَاسْمَعْ مِنِّي أعرضْ عَلَيْكَ أُمُورًا تَنْظُرُ فِيهَا لَعَلَّكَ تَقْبَلُ مِنْهَا بَعْضَهَا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قُلْ يَا أبا الوليد، أسمع»، قال: يا ابنَ أَخِي، إنْ كنتَ تُرِيدُ بِمَا جئتَ بِهِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفًا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا، حَتَّى لَا نَقْطَعَ أَمْرًا دُونَكَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ مُلكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ رَئِيًّا تَرَاهُ لَا تَسْتَطِيعُ رَدَّهُ عَنْ نفسِك، طَلَبْنَا لَكَ الطِّبَّ، وَبَذَلْنَا فِيهِ أَمْوَالَنَا حَتَّى نُبْرِئَك مِنْهُ، حَتَّى إذَا فَرَغَ عُتْبَةُ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نَعَمْ قَالَ: «فَاسْمَعْ مِنِّي»؛ قَالَ: أَفْعَلُ. فَقَرأ عليه من سورةِ «فصِّلت»، وأمَّا عُتْبَةُ فقد أَنْصَتَ لَهَا، وَأَلْقَى يَدَيْهِ خلفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا يَسْمَعُ مِنْهُ؛ ثمِ انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَى السَّجْدَةِ مِنْهَا، فَسَجَدَ ثُمَّ قَالَ: قَدْ سَمِعْتَ يَا أبا الوليد ما سمعتَ، فأنت وذاك.
وأكد وكيل الأزهر أن هذه الواقعة يظهر ما فيها من سموٍّ أخلاقيٍّ وجمالٍ سلوكيٍّ وصفاءٍ قلبيٍّ ودعوةٍ إلى الله بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ، ونتوقف عن هذه العباراتِ: «أَقَدْ فَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟»، «فَاسْمَعْ مِنِّي»، وأخيرًا قال له: «قَدْ سَمِعْتَ يَا أبا الوليد ما سمعتَ، فأنت وذاك». فأيُّ لغةٍ تلك الَّتي تصف هذا الجمال والجلال؟!
وتحدث عما حوته هذه الواقعة في فنَّ الإصغاءِ، ذلك الفنُّ الَّذي لا يحسنُه كثيرٌ من الشَّبابِ، ولا يصبرُ عليه كثيرٌ من العقلاءِ، وإن أحسنه بعض النَّاسِ أدبًا فإنَّهم لا يحسنونه فنًّا، فالإصغاءُ أدبٌ وفنٌّ في آنٍ واحد، لافتا إلى أن عتبة تكلَّمَ وعرَّضَ بالتُّهمِ في سياقِ كلامِه عمَّا يعدُّه فرصةً طيِّبةً لصاحبِ الدَّعوةِ، وجمعَ كلَّ حُججِه وبراهينِه، وقدَّم بين يدَي عرضِه واقعًا مبالغًا فيه، في محاولةٍ تزييفٍ وإقناعٍ.
وعقَّب بموقف رسول الله ﷺ مما قاله عتبة، فاستقبل ﷺ كل هذا بالإنصات والإصغاء والاهتمام والإقبال، وهذا الأدب وهذه العناية وهذا الذَّوقَ حين يقولُ، وهو الرَّسولُ المؤيَّدُ بالوحيِ: «أَقَدْ فَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟»، «فَاسْمَعْ مِنِّي»؟ فهل نجدُ هذا الأدَب العظيمَ، والخلَق الكريمَ، في واقعِنا ومجالسِنا ومنتدياتِنا، واجتماعاتِنا العامَّةِ والخاصَّةِ؟!.
وناقش أهمية الإصغاء في حياة كل الناس فقال إنَّ الطَّبيبَ لن يحسنَ تشخيصَ المرضِ إذا لم يحسن الاستماعَ إلى المريضِ، وإنَّ التَّاجرَ قد يخسرُ عملاءَه إذا لم يحسن الاستماعَ إلى وجهاتِ نظرِهم، وإنَّ المسئولَ قد لا يحسن توظيفَ قدراتِ موظَّفيه إذا لم يحسن اكتشافَ مواهبِهم، وأمَّا الدُّعاةُ والمصلحون الَّذين يحرصون على هدايةِ النَّاسِ، فهم أحوجُ ما يكون إلى فنِّ الإصغاءِ والاستماعِ.
ورأى وكيل الأزهر أن هذه اللِّقاءاتِ الَّتي تجمعُ الشَّبابَ، وتتيحُ الفرصةَ للاستماعِ منهم، والكلامِ إليهم ضرورةٌ؛ حتَّى يكونَ شبابُنا على معرفةٍ واعيةٍ بما يدورُ حولَهم في هذا العالمِ سريعِ التَّغيُّرِ، وأيضًا حتى نستفيدَ من رُؤيتهم، ونتفهَّمَ احتياجاتِهم، وخصوصًا تلك القضايا الحسَّاسةُ الَّتي يعملُ مرصدُ الأزهرِ الشَّريفِ على مواجهتِها، والَّتي تُعرضُ في هذا المنتدى من قِبَلِ متخصِّصين، آملين أن تَجِدَ الإشكالِّياتِ جوابًا معرفيًّا يَبُثُّ في النَّاسِ الأَمَلَ ويبعثُهم على الرُّقيِّ والحضارةِ، وهذا هو منهجُ الأزهرِ الشَّريفِ.
وبيَّن وكيل الأزهر أن الإسلامَ عقيدةٌ صافيةٌ تنيرُ قلبَ المؤمنِ، وشريعةٌ تنبضُ بما يُصلِحُ حالَ الإنسانِ في حياتِه ومعادِه، ومنظومةٌ أخلاقيَّةٌ ساميةٌ تُعطِّرُ حياةَ المجتمعِ؛ فيفوحُ منها أريجُ السَّلامِ والطُّمأنينةِ، ولقد ظلَّتِ الأمةُ الإسلاميَّةِ وشعوبُها المؤمنةُ في كلِّ بلدٍ وعصرٍ وجيلٍ متمسِّكةً بإسلامِها محافظةً على دينِها ومقدَّساتِها، معتزَّةً بقيمِها وأصالتِها عاملةً على اجتماعِ شملِها وكلمتِها واعيةً برسالتِها مقدَّرةً لمكانتِها الحضاريَّةِ بين الأممِ، فلم تنطفئ أنوارُ الإِيمانِ فيها، بل كانت الأمَّةُ الإسلاميَّةُ تتمتَّعُ دائمًا بعقولٍ مستنيرةٍ تدركُ النَّصَّ وتستوعبُ الواقعَ فتربطَ برباطٍ وثيقٍ بين الأصالةِ والمعاصرةِ، فتزدادَ الأمَّةُ إيمانًا ويقينًا بربِّها وتمسُّكًا بمبادئِ دينِها وأخلاقِه.
وحذر وكيل الأزهر الشباب من خطر المغرضين الذين يحاولون تقبيحَ الحسنِ، وتحسينَ القبيحِ، ويحاولون تشويهَ القدواتِ والإساءةَ إلى الرُّموزِ، ويحاولون تهوينَ الشَّرِّ في نفوسِكم حتَّى لا يكونَ لكم هويَّةٌ ثابتةٌ تعصمُكم وتحفظُكم، وكلنا وكل مسؤول أمين يدرك أنَّ المسئوليةَ الملقاةَ على عاتقِ مؤسَّساتِ الدِّينِ وعلمائِها كبيرةٌ في ضرورةِ قراءةِ واقعِ النَّاسِ وما فيه من تحدِّياتٍ في كلِّ مجالاتِ الحياةِ: سياسةً واقتصادًا واجتماعًا وتربيةً وغير ذلك، وضرورةِ تقديمِ خطابٍ موازٍ يقابلُ الخطابَ المنحرفَ، فيصونُ عقيدةَ النَّاسِ وإيمانَهم بربِّهم، ويحفظُ عليهم مقدَّراتِ مجتمعاتِهم، ويبقيهم آمنين مطمئنِّين.
وفي ختام كلمته، دعا وكيل الأزهر الجميع إلى التكاتف أفرادًا ومؤسَّساتٍ، شعوبًا وحكوماتٍ، أممًا ومجتمعاتٍ، كي نواجهَ هذا التَّيَّارَ الجارفَ الَّذي يُريدُ أن يَفقدَ أبناؤنا فيه هُويَّتَهم وأن يَتحلَّلوا مِن قيمِ دينِهم، وأن يتنكَّروا لمبادئهِ وقيمهِ وأخلاقهِ، وإنَّ ما يَتعرَّضُ له الشَّبابُ من استهدافٍ خطرٌ يوجبُ أن تُسخَّرَ كلُّ الإمكاناتِ لمواجهتهِ والقضاءِ عليهِ، لِمَا فيه من نتائجَ سلبيةٍ، وإنَّ واجبَ الوقتِ يحتمُ علينَا جميعًا أن نستمعَ للشَّبابِ قبل أن نتكلَّمَ معهم، فلديهم السُّؤالُ وعلينا الإجابةُ والتَّوجيهُ والنُّصحُ.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الأزهر الشريف الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف مرصد الأزهر لمكافحة التطرف وکیل الأزهر أن ف اس م ع
إقرأ أيضاً:
محمد نبيل يكتب: ضي ورامبو وسنو وايت .. مصر تنير مهرجان البحر الأحمر
لم يراوغ المخرج يسري نصر الله، حينما أعرب عن سعادته بتسليم جائزة تكريمه من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي هذا العام تحديدا، وسط حالة الإنتعاشة التي تحيط بالسينما المصرية على كافة المستويات، وبالنظر لما تم انجازه خلال 2024، سواء على مستوى المشاركة في المهرجانات، وحصد الجوائز، أو جني إيرادات كبيرة في شباك التذاكر المصري أو في السوق الخليجي، سوف ندرك أننا نسير بخطى سينمائية ثابتة وواثقة، نحو مزيد من الأمل في غد أفضل وأكثر اشراقا.
ولم يكن من قبيل المصادفة أن يؤكد انطوان خليفة مدير البرامج العربية والكلاسيكية بمهرجان البحر الأحمر السينمائي عن تميز السينما المصرية هذا العام، بل أنه لم يترك فرصة سانحة إلا وتحدث عن فخر المهرجان السعودي باحتضان المواهب والأفلام المصرية على أرض جدة، والدور التي دائما ما تلعبه في ثراء جدول المهرجان وتميزه.
وقد انعكس هذا الأمر على تواجد يتخطى التمثيل المشرف لمصر في فعليات "البحر الأحمر السينمائي الدولي" سواء بتكريم منى زكي في حفل الإفتتاح، والتي وجهت تحية خاصة للفن المصري والحضارية الفرعونية في مستهل كلمتها، أو اقامة جلسة حوارية للمخرج محمد سامي، باعتباره أحد رواد الدراما التلفزيونية في العقد الأخير، أو ترميم عدد من الكلاسيكيات، وافتتاح المهرجان بفيلم "ضي.. سيرة أهل الضي" للمخرج كريم الشناوي، أو المشاركة في المسابقة الرسمية واقتناص جوائز مستحقة.
"ضي.. سيرة أهل الضي"
تعاون سينمائي جديد يجمع المؤلف هيثم دبور بالمخرج كريم الشناوي بعد تقديم فيلمها الأول "عيار ناري"، ولكنها هذه المرة تجربة أكثر شجاعة ونضجا، تحمسا لإنتاجها معا تجنبها ظاهريا للمعاير الجذابة الحاكمة لشباك التذاكر، بطل القصة هو طفل ألبينو "عدو الشمس" من أقصى جنوب مصر، لا يتم الإعتماد فيها على أسماء براقة في التوزيع، ولكنها حكاية ملهمة تعطي لفيلم طريق مزيدا من التحديات، والتشكك والأمل، والصدق في قدرة انجاز المهمة التي تدنو من المستحيل.
الفيلم يتماس مع غيره من الأفلام المصرية الطويلة المشاركة في مسابقة مهرجان البحر الأحمر "رامبو" وسنو وايت" في توفير قدر وافر من المساحة للحكي عن المهمشين، الباحثين عن اعتراف مجتمعي حقيقي بعيدا عن نظرات التعاطف والرأفة، مع توجيه "ضي" تحية هي الأبرز في السينما المصرية للملك محمد منير، سواء في استخدام أغانيه على امتداد الشريط السينمائي، وجعلها جزء لا غنى عنه في القصة، أو ظهوره الساحر مع "بدر" بطل الحكاية ومنحه القدرة والاستطاعه على الحلم من جديد.
البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو"
لم تكن رحلة صناع فيلم "البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو" المخرج خالد منصور والمنتجة رشا حسني أقل روعة من بطله حسن "عصام عمر"، سنوات أمضاها الثنائي في البحث عن دعم وإيمان بالمشروع، حتى العودة بالسينما المصرية إلى مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في قسم افاق اكسترا، ثم العرض بمسابقة مهرجان البحر الأحمر واقتناص جائزة لجنة التحكيم الخاصة في العرض العربي الأول، صحيح ان الفيلم استقرق ما يقرب من 7 سنوات من الكتابة حتى التنفيذ، ولكنها تجربة جديرة بالسرد يمكن أن تعطي لشباب السينمائيين دليلا عن كيفية العمل على مشروع فيلم صعب، وصلا إلى الشاشة.
شاب بسيط مسالم، يعمل حارس أمن، تزين كلمة القاهرة بذلة عمله الزرقاء، يتفادي الإحتكاك بـ كارم، جاره قوي البنيه، لكنه يتورط في أزمة تعصف بحياته بعدما هجم كلبه "رامبو" على كارم "أحمد بهاء" غليظ الطباع، وهنا يتم وضع رأس الكلب رامبو مقابل عودة ربما مؤقته لحسن إلى حياته بشكلها الطبيعي، تدور رحلة من التخبط في شوارع العاصمة، ورحلة أخرى داخل بطلنا من الخوف والفزع إلى التحلى بقدر أكبر من الشجاعة والمواجهة على كافة المستويات.
"سنو وايت"
استحقت الدكتورة مريم شريف بطلة فيلم "سنو وايت" التتويج بجائزة أفضل ممثلة، بعد المنافسة الشرسة ضمن مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي، والتي نالت تقديرا لافتا عن شخصية إيمان من حضور المهرجان ورئيس لجنة التحكيم المخرج الكبير سبايك لي، بعد تألقها في تقديم تمثيل رائع لـ قصار القامة هو الأقوى في السينما المصرية، والأكثر إيلاما وإلهاما لما تعاني منه يوميا، بداية من الوصول لعملها، وحتى رغبتها في الحب، التقدير، دون العزف على أوتار استجداء التعاطف المبالغ فيه أو استدراج المشاعر.
في فيلمها الأول قدمت المخرجة تغريد أبو الحسن حكاية تتسم بالجرأة، الصدق والشجاعة، والتمكن من إدارة أغلب الممثلين، مع الخروج لشوارع القاهرة والتصوير في أرجاء العاصمة المزدحمة، بعيدا عن النمطية في تقديم المهمشين من قصار القامة على الشاشة، وهو ما شكل التحدي الأكبر الذي يغلفالفيلم وحياتهم في البحث عن أبسط حقيقهم منطقية وطبيعية.