شارك الدكتور نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، في فعاليات مؤتمر الدّوحة الخامس عشر لحوار الأديان، والذي يعقد بعنوان: «الأديان وتربية النشء في ظلّ المتغيرات الأسرية المعاصرة»، تحت شعار «التكامل الأسري.. دينٌ وقيمٌ وتربية»، في الفترة 7 - 8 مايو 2024.

وأكد الأمين العام، خلال كلمته أن هذا المؤتمر يأتي متوافقًا ومنهج الأزهر الشريف بقيادة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في دعم القيم والمبادئ الراسخة، التي تعزّز استقرار الأسرة، وتحافظ على هويّتها الدينيّة والثقافيّة، في ظلّ المتغيّرات المعاصرة، مشيرًا إلى تقدير الأزهر الشريف للدّور الذي تقوم به دولة قطر مع غيرها من الدولة العربية وعلى رأسها الموقف المصري في دعم القضيّة الفلسطينيّة، ورفض تصفيتها، والتنديد بالمجازر المروّعة التي يقوم بها الكيان الصهيونيّ ضدّ الفلسطينيّين الأبرياء، والتي تندرج تحت بند الإبادة الجماعيّة وفق ما أقرّته القوانين الدوليّة، وكذلك ما تقوم به من تقديم يد العون وكافّة أنواع الإغاثة لهذا الشّعب المسكين بالتنسيق مع الدّولة المصريّة التي بذلت - ولا تزال - تبذل جهودًا كبيرةً في وقف هذه الإبادة غير المسبوقة في التاريخ.

وقال الأمين العام إنّ «مركز الدّوحة الدّوليّ لحوار الأديان» قد أسهم - على مرّ تاريخه - في تعزيز الجهود المبذولة لمكافحة التطرّف والكراهية، ومدّ جسور التعاون والتفاهم بين أتباع الدّيانات المختلفة، وقد اتّسمت جهوده بتنوّع واسع، من خلال إقامة مؤتمرات، ونشر مجلّات، وإجراء بحوث ودراسات، وترجمة المعارف ونشرها، وإصدار المنشورات، بالإضافة إلى تنظيم برامج حواريّة وتثقيفيّة متنوّعة تستهدف الشباب وغيرهم، مضيفًا أن فعاليات هذا المؤتمر حول الأديان وتربية النّشء، والمتغيّرات الأسريّة المعاصرة، يأتي في وقتٍ مهمٍّ جدًّا تعيش فيه الأسرة تحديّاتٍ بالغة الخطورة، ليؤكّد أنّ مبادرات حوار الأديان أداةٌ مهمّةٌ في تعزيز التكامل الأسريّ، وبناء جسور التفاهم والتعاون وتبادل الآراء بين مختلف المعتقدات الدينيّة حول قضايا الأسرة المعاصرة، ممّا يسهم في إيجاد أسرةٍ مستقرّةٍ ومجتمعٍ آمنٍ، لذا كان من الضروريّ أن نجتمع اليوم لمناقشة هذه القضيّة، وإبداء موقف الأديان بشكلٍ صحيحٍ ومناسبٍ، بعيدًا عن تحريف الغالين وتأويل المبطلين، واقتراح الخطوات المستقبليّة التي من شأنها أن تحافظ على كيان الأسرة وتربية النشء بشكلٍ سليمٍ في ظلّ المتغيّرات المعاصرة، والتحوّلات الرّاهنة.

أضاف عياد أن الأسرة هي الحصن المنيع لقيم المجتمع وأخلاقه، وهي حائط الصّدّ لجميع المحاولات المشبوهة التي تريد أن تنال من هذه القيم وتلك الأخلاق، لذا اهتمّت جميع الأديان بالأسرة، بدايةً من الزواج، والإنجاب، والتّنشئة، ومنظومة الحقوق والواجبات بين جميع أفرادها، وبما أنّ الدّين هو الضامن الرئيس لكلّ هذه الجوانب فقد اتّفقت الأديان الثلاثة الكبرى على أمورٍ مهمّةٍ، وهي: أولًا: أنّ الأسرة مؤسّسةٌ تخضع في تأسيسها ووظائفها ومسؤوليّاتها إلى التشريع الدّيني، وأنّ الدّين أهمّ العوامل التي تؤثّر على هويّة الأسرة، من حيث القيم والعادات والتقاليد التي تنعكس على سلوكيّات أفراد الأسرة وعلاقاتهم بعضهم البعض، وكذلك علاقاتهم بالمجتمع، فمثلًا، يمكن أن تمثّل قيمٌ دينيّةٌ مثل المحبّة والتسامح والاحترام دورًا كبيرًا في بناء علاقاتٍ صحيّةٍ داخل الأسرة وخارجها، ثانيًا: أنّ الأسرة ليست ضامنةً لاستمرار النّوع الإنسانيّ فحسب، بل ضامنةٌ لاستمرار ثقافة المجتمع وهويّته، حيث إنّها ملزمةٌ - وفق النّصوص الدينيّة - بتوريث القيم والمعتقدات الدينيّة وترسيخها لأفرادها، حتى يمتدّ التفاعل بهذه القيم مع المجتمع المحيط بها.

أمين عام لمجمع البحوث الإسلامية، دكتور نظير عياد

وتابع قائلًا: نحتاج إلى تعزيز قيم التكامل والوحدة الأسريّة التي تشكّل أساسًا قويًّا ومتينًا لبناء أسرٍ قويّةٍ ومستقرّةٍ، نستطيع من خلالها مواجهة التحديات الشاذّة والمنحرفة، رابعًا: أهميّة الدّور المركزيّ والمحوريّ الذي تقوم به الأسرة في تربية النّشء والأطفال، وأنّها بمثابة المدرسة الأولى التي يتلقّى فيها النّشء التربية الأوّليّة والأساسيّة التي تؤثّر على تطوّره الشخصيّ والاجتماعيّ، وتسهم في تنميته عاطفيًّا ومعنويًّا لبناء ثقته بنفسه، وتشكيل هويّته الدينيّة والثقافيّة، مشيرًا إلى أن التّحديات الجسيمة التي تواجه الأسرة والنّشء اليوم تلزمنا بضرورة تضافر الجهود بيننا جميعًا، حتى نستطيع مواجهتها وكبح جماحها، والحدّ من آثارها السيّئة على الأسرة والمجتمع، فقد بدأت هذه التحديات بدايةً من تغيير مفهوم الأسرة في الأساس، فمفهومها الصحيح - كما نعلم جميعًا - أنّها عبارةٌ عن زوجٍ وزوجةٍ، ثم أولادٍ، شريطة أن تكون وفق علاقةٍ دينيّةٍ وشرعيّةٍ وقانونيّةٍ، يتلقّاها المجتمع بالقبول والرّضا.

أوضح الأمين العام أننا اليوم - وللأسف - نجد بعضهم يصرّ على أنّها مجموعةٌ مكوّنةٌ من شخصين أو أكثر بينهما علاقة قرابةٍ سواءً ضاقت أو اتّسعت، وهذا التعريف يعدّ تحديًا صارخًا لما استقرّت عليه جميع الأديان عبر تاريخها الطويل، لأنّه يسمح بتنصّل الأسرة من مسؤوليّاتها، ووظائفها، ويسمح بظهور أسر الشواذّ جنسيًّا، نظرًا لاعتبار العلاقة بين أيّ شخصين (رجلٍ وامرأةٍ، رجلٍ ورجلٍ، امرأةٍ وامرأةٍ) من قبيل العلاقات المشكّلة للأسرة، ثمّ تعدّدت وتنوّعت هذه التحديات فشملت: المفاهيم المغلوطة للصحّة الجنسيّة والإنجابيّة، والتنفير من الزواج المبكّر، وسلب قوامة الرجل، وسلب ولاية الآباء على الأبناء، وحقّ الإجهاض دون ضوابط، واعتبار الإباحيّة من قبيل الحريّة الشخصيّة، والمساواة بين الرجل والمرأة التي تفضي في النهاية إلى اختلال الموازين الصّحيحة في كيان الأسرة، وكلّ هذه القضايا والتحديات لا تراعي حدود الأخلاق والتربية والآداب العامّة، كما لا تراعي خصوصيّة الأديان، أو هويّة المجتمع وثقافته،

وأشار إلى أن أكبر تحدٍّ تواجهه الأسرة والنّشء في هذه الأيام هو: الحروب والنزاعات المسلّحة المتنوّعة، التي نتج عنها: التّشريد، والفقر، وفقدان الأمن والأمان، وتدمير الممتلكات، والتهجير القسريّ، والاضطرابات النفسيّة، وغيرها من الآثار والمشكلات، وما نشاهده اليوم عيانًا بيانًا لمعاناة الأسرة الفلسطينيّة بشكلٍ عامٍّ وقطاع غزّة بشكلٍ خاصٍّ، دليلٌ واضحٌ على مدى تأثير هذه الحروب على كيان الأسرة واستقرارها، حيث إنّ الأسرة الفلسطينيّة هناك تقبع تحت آلة الحرب الصّهيونيّة الغاشمة، فتقتل فيها وتؤسر، وتشرّد وتجوع، حتى ينتهي بها المطاف إلى إبادتها واستئصالها بشكلٍ كاملٍ من على وجه الأرض، ونحن من موقع المسؤوليّة الدينيّة المشتركة اليوم يجب علينا جميعًا أن نبدي رفضنا القاطع لهذه الحرب وتداعياتها السلبيّة على الأسرة والنّشء، ثمّ نبدي - أيضًا - تساؤلاتنا حول موقف المنظّمات الأمميّة الدوليّة، ممّا تعانيه الأسرة الفلسطينيّة اليوم في قطاع غزّة؟!، فقد أثبتت الحرب الصهيونيّة الدائرة الآن على قطاع غزّة مدى ازدواجيّة المعايير الأمميّة في التّعاطي مع قضايا الأسرة الفلسطينيّة بكلّ مكوّناتها الدينيّة والثقافيّة والعرقيّة.

وأشار عياد إلى أن تجربة الأزهر الشريف في مواجهة التحديات المعاصرة الموجّهة نحو الأسرة تعد رائدة، فكما نعلم جميعًا أنّ الأزهر الشريف كان - ولا يزال - يضطلع بمسؤوليّته الدينيّة والتاريخيّة نحو نشر صحيح الدّين الإسلامي، ومواجهة كافّة التّحديات التي واجهت الأمّة الإسلاميّة ولا زالت تواجهها حتى يومنا هذا، بدايةً من الاستعمار الأجنبيّ، ثمّ الغزو الفكريّ، ثمّ العولمة الفكريّة والثّقافيّة، ثمّ التيّارات والحركات النّسويّة المشبوهة التي بذلت جهودًا مضنيةً في سبيل هدم القيم والمبادئ الأسريّة الراسخة، ومن ثمّ فالأزهر الشريف يرى وضع الأسرة وتنشئة الأبناء في هذا العصر همًّا كبيرًا من هموم الإنسانية جمعاء، وأنّ معركتنا الآن هي إنتاج أسرةٍ قادرةٍ على أن تنهض بهذا المجتمع وتتحمّل مسئوليّته.

وأكد على تعدد وتنوّع جهود الأزهر في مواجهة هذه التّحديات على النّحو الآتي:

- أولًا: رفض المبادئ الغربيّة المناهضة للقيم الدينيّة والأخلاقيّة الخاصّة بالأسرة، وبذل الجهود الكبيرة في توجيه الرأي العامّ الشّعبيّ والرّسميّ نحو رفض هذه المبادئ، واعتبارها مبادئ دخيلةً من شأنها زعزعة استقرار الأسرة والمجتمع،

- ثانيًا: تقرير الحقائق الدينيّة في قضايا الأسرة المعاصرة، مثل: العنف الأسري، والتحرّش الجنسيّ، والطلاق التعسّفيّ، وظلم المرأة، والتفكّك الأسري، وظلم العادات والتقاليد للمرأة باسم الدّين، والحكم الصحيح في تعدّد الزّوجات، وسفر المرأة دون محرمٍ، وختان الإناث، والإجبار على الزواج، وضرب الزّوجات، وزواج القاصرات، وحرمان المرأة من الميراث، ونصيب المرأة في ثروة زوجها التي أسهمت في تنميتها، ورفض المثليّة والشذوذ الجنسي، وغير ذلك من القضايا التي حرص الأزهر على أن يبدي الرأي الشرعيّ الصحيح فيها تصحيحًا للمفاهيم الأسريّة المغلوطة، وإسهامًا منه في تعزيز الاستقرار الأسريّ المعاصر،

- ثالثًا: ردّ الشّبهات المثارة حول الأسرة في الإسلام: فعلى سبيل المثال ردّ الأزهر على اعتبار ما تعانيه المرأة الشرقية من تهميشٍ إنّما هو بسبب تعاليم الإسلام، وأكّد أنّه زعمٌ باطلٌ، والصحيح أنّ هذه المعاناة إنّما لحقتها بسبب مخالفة تعاليم الإسلام الخاصّة بالمرأة، وإيثار تقاليد عتيقةٍ وأعرافٍ باليةٍ لا علاقة لها بالإسلام،

- رابعًا: الدّعم الماديّ للأسر الفقيرة والمعوزة، وذلك من خلال "بيت الزكاة والصدقات المصري" والذي يشرف عليه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر بنفسه، وكلّنا نعلم مدى تأثير الدّعم الماديّ في حلّ المشكلات الأسريّة، والإسهام في زيادة تماسكها واستقرارها، كما يجب أن نشيد في هذا المقام بالدّور الكبير الذي قام به "بيت الزّكاة والصدقات المصريّ" في دعم الأسرة الفلسطينيّة في قطاع غزّة، وتقديم كافّة أنواع الدّعم والإغاثة لها، وذلك بالتنسيق التامّ مع الجهات السياديّة والمعنيّة في الدّولة المصريّة،

- خامسًا: يقظة الأزهر الشريف لكلّ ما يحاك بالأسرة المسلمة في الواقع المعاصر، فعلى سبيل المثال: أعلن الأزهر عن تقديره لما تقوم به المؤسّسات الدوليّة ومنظّمات المجتمع المدنيّ من جهودٍ في دعم الدّول الأكثر احتياجًا وتوفير سبل العيش الآمن، والارتقاء بمستوى التعليم والأنظمة الصحيّة في هذه الدول، والتعريف بحقوق الإنسان والمرأة والطّفل، إلّا أنّه حذّر وبشدّةٍ من أن تتّخذ هذه الجهود للتسلّل إلى داخل المجتمعات المسلمة واستهداف الدّين الإسلامي، خاصّةً فيما يتعلّق بمنظومة الأسرة وقواعد الميراث التي حدّدها القرآن الكريم وفسّرتها السّنّة النّبويّة الشريفة، وذلك من خلال محاولة تشويه العدل الإلهيّ الممثّل في قواعد الميراث في الإسلام، وتصويرها بالظالمة للمرأة، والمغتصبة لحقوقها، والزجّ بهذه الدعوات في المؤتمرات والندوات، والمطالبة بتغييرها بدعوى إنصاف المرأة ومساواتها في الحقوق مع الرجل، وغير ذلك من الجهود المبذولة والتي سيبذلها الأزهر الشريف في قضايا الأسرة المعاصرة، والتي تعدّ أنموذجًا حقيقيًّا وواقعيًّا لأهميّة الدّور الذي تقوم به المؤسّسات الدينيّة في دعم الأسرة.

وختم الأمين العام كلمته بجملة مهمّة من التوصيات، منها: ضرورة التعاون الجادّ والبنّاء بين جميع أتباع الأديان، وكذلك المؤسّسات الدينيّة المتنوّعة في تدشين البرامج التوعويّة والتثقيفيّة في كلّ ما يخصّ الأسرة والنّشء في الواقع المعاصر، ونحن إذ نوصي بذلك نعلن استعداد الأزهر الشريف ورغبته الجادّة في التعاون مع جميع المؤسّسات الدينيّة في هذه البرامج وتفعيلها على أرض الواقع، نظرًا لخبرته الكبيرة في مجال التوعية الأسرية، ولمّ شمل الأسرة، ودعم تماسكها، من خلال قطاعاته الرئيسة والفرعية، مع ضرورة سنّ التشريعات ووضع القوانين التي تنظّم شؤون الأسرة وتربية النّشء بشكلٍ يتوافق والقيم والثوابت الدينيّة والحضاريّة، ضرورة تقديم كافّة أنواع الدّعم للمؤسّسات التعليميّة بهدف تعزيز القيم التربويّة والدينيّة للنّشء والشباب، وترسيخ قيم التفاهم والاحترام بين جميع أفراد الأسرة والمجتمع، ضرورة أن يضطلع الإعلام بمسؤوليّته الكبيرة نحو تعزيز القيم الأسريّة والمجتمعيّة الرشيدة.

اقرأ أيضاًبمناسبة عيد العمال.. مجمع البحوث الإسلامية يطلق حملة «فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا»

أمين البحوث الإسلامية يشيد بجهود الإمام الأكبر لدعمه الدائم للجهود العلمية والتثقيفية للمجمع

مجمع البحوث الإسلامية يطلق قافلة توعوية إلى جنوب سيناء

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية البحوث الإسلامية مجمع البحوث الإسلامية الأسرة الفلسطینی ة البحوث الإسلامیة الأزهر الشریف ة الفلسطینی ة قضایا الأسرة الأمین العام ة المعاصرة المؤس سات الأسری ة ل الأسرة الدینی ة من خلال الن شء جهود ا ة التی فی دعم جمیع ا

إقرأ أيضاً:

ابن كيران: القضايا التي دافع عنها "البيجيدي" تظهر حاجة البلاد إلى حزب وطني مستقل معتز بمرجعيته الإسلامية

قال حزب العدالة والتنمية، إن القضايا التي تصدى لها والمواقف التي عبر عنها، تظهر حاجة البلاد إلى حزب وطني مستقل معتز بمرجعيته الإسلامية ووفي لثوابت الأمة الجامعة، ومدافع عن قضايا الوطن والمواطنين بقوة وإنصاف واعتدال واستقلالية.

وأشار الحزب في ثنايا التقرير السياسي الذي قدمه عبد الإله ابن كيران أمينه العام، اليوم السبت في مدينة بوزنيقة، عقب افتتاح مؤتمره الوطني التاسع، إلى أنه وقف في وجه ضرب القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار.

وقال ابن كيران، إن الولاية الحكومية اقتربت من الانتهاء وما يزال عنوانها الأبرز هو تفاقم موجة الغلاء التي تشمل معظم المواد، والغذائية منها على وجه الخصوص.

وهو حسب ابن كيران، غلاء يعبر عن فشل الحكومة الذريع وقصور أدوات التدخل الحكومي في الحد من الارتفاع المهول والمستمر للأسعار، ويظهر حالة الاستسلام الحكومي أمام جماعات المصالح، وخاصة العاملة في قطاع المحروقات وسلاسل الوساطة والتصدير.

مما جعل الخيار الوحيد أمام المواطنين يضيف زعيم « البيجيدي »، هو تقليص نفقاتهم والحد من الحاجيات الأساسية، بعد أن تُرِكُوا فريسةً للوضعيات الاحتكارية والجشع.

وهو وضع نتج عنه وفقا للمسؤول الحزبي، أدنى مستوى للثقة عند الأسر منذ سنة 2008، وبروز آثار عكسية لإجراءات الدعم والإعفاء من رسوم الاستيراد والضريبة على القيمة المضافة في قطاع اللحوم، وأيضا الدعم الموجه إلى النقل الطرقي والعمومي.

ويرى الحزب في تقريره السياسي، أنه على خلاف الوعود التي تضمنها البرنامج الحكومي، فإن الفشل الأكبر الذي يحسب للحكومة، هو تفاقم معدل البطالة الذي تجاوز 13%، وهي نسبة لم يسجلها المغرب منذ 2000، وعجز الحكومة عن الوفاء بإحداث مليون منصب شغل صافي على الأقل خلال ولايتها، وتراجع نسبة مساهمة النساء في سوق الشغل إلى أقل من 19% مقابل تعهد الحكومة برفعه إلى أكثر من 30%، وتزايد عدد الشركات المفلسة، والتي بلغت 12.397 سنة 2022 و14.245 سنة 2023، ومن المتوقع أن تبلغ أزيد من 14.600 سنة 2024.

واعتبر التقرير السياسي، أن هذه  النتائج المقلقة، هي نتائج طبيعية لما وصفه بـ »آفة الريع والجمع بين المال والسلطة، وجعل هذه الأخيرة في خدمة جماعات المصالح المحدودة، والاستئثار بفرص الاستثمار والإنتاج والصفقات العمومية والمشاريع الكبرى ضدا على عموم المقاولات الوطنية، وما ينجم عن كل هذا من تبديد الثقة وخلق أجواء من الانتظارية والإحجام والإحباط لدى الفاعلين الاقتصاديين والمقاولين.

وهي أيضا يضيف التقرير، نتيجة طبيعية لما أسماه بـ »سياسة الحكومة الحالية المعاكسة للاستثمار وللنمو وللتشغيل، ولضعف استباقيتها وتأخرها الكبير في إرساء « التعاقد الوطني للاستثمار »، الذي نادى به جلالة الملك منذ أكتوبر 2022، والتأخر الكبير في تفعيل نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، ونظام الدعم الخاص بتشجيع تواجد المقاولات المغربية على الصعيد الدولي ».

وهي نتيجة أخرى، يؤكد « البيجيدي »،  لما اعتبره « استهدافا لبرنامج المقاول الذاتي بإجراءات ضريبية جديدة تراجعت عن المكتسبات المسجلة بعد أن تجاوز عدد المسجلين 300 ألف مستفيد مع الحكومتين السابقتين ».

وهو نتيجة طبيعية أيضا لما قال إنه « إرباك ومزاحمة الحكومة لبرنامج « انطلاقة » الذي سبق وأعطى انطلاقته جلالة الملك في 2020، والذي خلق دينامية في صفوف الشباب وحقق نتائج مهمة، حيث بادرت الحكومة لتطلق في 12 أبريل 2022 برنامجا جديدا شبيها ببرنامج « انطلاقة » سمته « فرصة » وخصصت له ميزانية بمبلغ 1.25 مليار درهم، وأسندت الإشراف عليه لوزيرة السياحة ومهمة تدبيره للشركة المغربية للاستثمار السياحي وهما وزارة ومؤسسة لا اختصاص لهما ولا علاقة لهما بمثل هذه البرامج، حيث ومنذ انطلاقه، تم اختيار 12.500 مستفيد وإلى حدود الآن مازال هناك تأخر في صرف الدعم والتمويل بالرغم من أن المستفيدين أجبروا على الإدلاء بعقود الكراء وإحداث المقاول الذاتي ».

كما أطلقت برنامج « أنا مقاول »، وقبله أطلقت الحكومة برنامج أوراش على سنتين، وخصصت له ميزانية قدرها 2.25 مليار درهم، وكل هذه البرامج وبالإضافة إلى كونها لا تأخذ بعين الاعتبار البرامج الناجحة القائمة وتدعمها بل تربكها وتزاحمها، فإنها تطرح أيضا سؤال الهشاشة والاستمرارية وشبهات الزبونية التي تخيم على تنزيل هذه البرامج عبر جمعيات معينة أو على مستوى الجماعات الترابية.

وسجل الحزب أنه بعد تأخر كبير وانتظار طويل أفرجت الحكومة مؤخرا عن خارطة طريق فارغة للتشغيل، متراجعة بذلك عن التزامها بإحداث مليون منصب شغل خلال هذه الولاية الحكومية، ورفع مستوى نسبة نشاط النساء إلى 30 في المائة، حيث حددت أهدافا جديدة تتجاوز الولاية الحكومية الحالية وتلغي التزامات البرنامج الحكومي، كما نسجل الضعف الشديد لمضامين هذه الخارطة بالرغم مما سبقها من حملات التبشير والترويج، حيث لم تأت هذه الخارطة يضيف « البيجيدي » بجديد بقدر ما أنها تعتمد أساسا على برامج ومؤسسات دعم وتنشيط التشغيل التي أنشأتها الحكومات السابقة.

وكانت هذه النتائج في التشغيل تكرس التأخر الكبير، في نظر حزب العدالة والتنمية، الذي يعرفه تفعيل برنامج دعم المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة لأزيد من سنتين على صدور القانون الإطار بمثابة ميثاق الاستثمار.

وشدد الحزب على أن خارطة التشغيل تعتمد المزيد من البيروقراطية على مستوى حكامتها وتضخم المتدخلين وكثرة اللجان، وهو ما سيؤدي حتما إلى مزيد من التعقيد والتأخير، عوض التبسيط والتيسير، كما أنها تكشف ما وصفه بـ »هاجس الاستغلال والتنافس الانتخابي بين مكونات الأغلبية الحكومية »، وهو ما عبرت عنه، يوضح الحزب، « مواقفها وبلاغاتها التي أكدت انزعاجها وتخوفها بخصوص الوزراء الذين أسندت إليهم مهمة تنفيذ هذه الخارطة وتوزيع الدعم العمومي على المستفيدين منها، وذلك بسبب تغليب وزراء من حزب رئيس الحكومة وتغييب آخرين ».

مقالات مشابهة

  • حرائق في جنوب أفريقيا تجبر 200 أسرة على الإخلاء
  • البحوث الإسلامية يطلق حملة توعوية لمواجهة رفض الزواج بسبب الفوارق الاجتماعية
  • البحوث الإسلامية: الأزهر لديه وعي كبير بقضايا الأمة وقادر على مواجهة التحديات الفكرية
  • هاني تمام: مرونة الشريعة الإسلامية تؤكد صلاحيتها لكل زمان ومكان
  • توقيع مذكرة تفاهم بين جامعتي الأزهر وسلطان أجونج الإسلامية بإندونيسيا.. صور
  • أمين اللجنة العليا للدعوة: الأزهر الحارس اليقظ للدّين والثقافة والمُؤتمَن على التراث الإسلامي
  • لو بتعمل محتوي ديني.. طريقة مراجعة الأعمال الفنية بمجمع البحوث الإسلامية مجانًا
  • أمين الأعلى للشئون الإسلامية يلقي كلمة وزارة الأوقاف في مؤتمر كلية الشريعة
  • ابن كيران: القضايا التي دافع عنها "البيجيدي" تظهر حاجة البلاد إلى حزب وطني مستقل معتز بمرجعيته الإسلامية
  • أمين البحوث الإسلامية: بناء الأوطان يرتبط ببناء الإنسان عقيدةً وأخلاقًا وعلمًا