عندما أبدى أردوغان ردَّ فعلٍ قويٍ بقوله: "دقيقة واحدة" لرئيس الدولة الإسرائيلية شمعون بيريز في دافوس، حيث كنت حاضرًا أيضًا بصفتي المستشار الصحفي لرئيس الوزراء آنذاك أردوغان، واجهت صعوبة بالغة في إدارة هذه الأزمة الكبيرة.

فبعد رد فعل أردوغان الشجاع والقاسي على الرئيس الإسرائيلي حينها أمام وسائل الإعلام العالمية، أدرك الجميع أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل لن تعود كما كانت.

وكان يُشاع باستمرار أن إسرائيل ستستخدم رأسمالها وإعلامها وقوة لوبياتها لوضع تركيا في موقف صعب للغاية.

تعرّض أردوغان للانتقاد؛ بسبب هذا الموقف ليس فقط في وسائل الإعلام العالمية، بل أيضًا في وسائل الإعلام المحلية في تركيا، لكنه تلقّى كذلك دعمًا كبيرًا من المواطنين والمسلمين في العالم. ومن جهتها، حاولت إسرائيل فعل أسوأ ما لديها، ولكنها لم تستطع أن تلحق الكثير من الأذى بتركيا.

لطالما اعتبر أردوغان أن إسرائيل لا يمكن الاعتماد عليها

في وقت لاحق، رأيت أيضًا الرئيس الأميركي أوباما يتصل بأردوغان ويحاول إقناعه بإصلاح العلاقات مع إسرائيل. وقد حمل أوباما، أردوغان على الاتصال بنتنياهو، بينما توسّل إليه نتنياهو عمليًا لإصلاح العلاقات. وقد سمعت ذلك بأذني. لم يتراجع أردوغان عن هذا الموقف أبدًا، ولم يندم عليه. في ذلك الوقت، قال لأوباما ومن حوله: "إسرائيل لم تفِ أبدًا بوعودها، ولم تحترم أبدًا اتفاقاتها، ودائمًا ما كانت تعكّر صفو السلام في المنطقة".

في عام 2009، اتخذ أردوغان خطوات مهمة لتحسين العلاقات بين سوريا وإسرائيل وفلسطين، وتوصلت هذه الأطراف إلى اتفاق. مع ذلك، هاجمت إسرائيل لبنان ونقضت الاتفاقات مرة أخرى.  ومنذ عام 1967، نقضت إسرائيل وعودها مع الجميع بما في ذلك الولايات المتحدة، ومصر، واستمرت في احتلال الأراضي الفلسطينية وقتل الفلسطينيين.

وفي الواقع، وافقت تركيا في عملية التطبيع التي بدأت العام الماضي تحت اسم اتفاقات "أبراهام" على تطبيع العلاقات مع إسرائيل. لكن بسبب استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية تحت اسم المستوطنات الجديدة، وقتل المدنيين وعدم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، لم يتم الوفاء بالوعود التي قُطعت في ذلك الإطار.

في العملية التي بدأت مع غزو غزة وأثّرت على العالم أجمع، تدهورت العلاقات مع تركيا مرة أخرى. وهذه المرّة، تركت تركيا قنوات الاتصال مفتوحةً مع إسرائيل على أمل أن تساهم في حل المشكلة. ورغم ردود فعل الرأي العام وقاعدته الانتخابية، لم يقطع أردوغان العلاقات التجارية مع إسرائيل بشكل كامل، ولم يفرض حظرًا. وقد لعب وزير الخارجية هاكان فيدان ومدير المخابرات إبراهيم كالين دورًا تيسيريًا في المفاوضات بين مصر، وقطر، وحماس، وإسرائيل. لكن تجاهلت إسرائيل كل هذه الجهود وواصلت مجازرها بقتل أكثر من 34 ألف فلسطيني.

وقف كامل للعلاقات التجارية مع إسرائيل

في الأسبوع الماضي، شدّدت تركيا من إجراءاتها ضد إسرائيل، بقطع جميع العلاقات التجارية مع إسرائيل والانضمام للدعوى القضائية التي رفعتها جنوب أفريقيا. وعلى الرغم من انتقاد الرأي العام المحلي لهذه الخطوة باعتبارها خطوةً متأخرة، فإن تركيا ربما كانت أول دولة في المنطقة تتخذ مثل هذه الخطوة الملموسة.

حقيقة فرض تركيا حظرًا تجاريًا بمفردها وانحيازها إلى جانب جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية لا يغير كثيرًا من الأمر. وينبغي على الدول الإسلامية الأخرى أن تتبنى موقفًا مماثلًا، وإلا فلا يمكن إجبار إسرائيل على التراجع.

يجب على الدول الأخرى أيضًا فرض حظر تجاري

إنّ الرأي العام في تركيا حساس للغاية بشأن غزة. وعلى الرغم من أن أردوغان كان يتحدث بقسوة شديدة ضد إسرائيل ونتنياهو في كل اجتماع علني، فإن الناس كانوا يرفعون أصواتهم من أجل اتخاذ إجراءات ملموسة. وأخيرًا، استمع أردوغان إلى هذه الأصوات بقطع جميع أشكال التجارة مع إسرائيل. وقد أخبرني وزير التجارة عمر بولات أنه يأمل أن يكون هذا القرار عبرةً للآخرين. وهو لا يقصد بالطبع الدول الغربية، بل الدول الإسلامية الأخرى- إخوة الفلسطينيين في الدين.

سنرى ما إذا كانت هذه الخطوات التي اتخذتها تركيا ستصبح مثالًا يحتذى به.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات مع إسرائیل

إقرأ أيضاً:

تناقضات العلاقات التركية-الاسرائيلية

أنقرة (زمان التركية) – يلفت الرئيس رجب طيب أردوغان، الأنظار بسياساته وخطاباته المعادية لاسرائيل التي يواصلها لسنوات أمام الرأي العام، لكن بالنظر عن كثب إلى الوضع الفعلي على الساحة وخبايا هذه الخطابات يتبين أن الوضع أكثر تعقيدا مما يبدو عليه.

وأضر أردوغان بخصوم اسرائيل في المنطقة باتباعه السياسات التي دمرت سوريا وهذا الوضع أسهم بشكل غير مباشر في أمن اسرائيل.

على الجانب الآخر ساهمت تركيا بشكل مهم في أمن اسرائيل من الطاقة من خلال تزويدها بنفط أذربيجان وكردستان العراق وجزء من النفط السوري. وفي المقابل دعمت تركيا خلال الفترة الممتدة لهجمات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول حركة حماس ولا يمكن تجاهل الادعاءات بأن نتنياهو يهمش القضية العادلة للفلسطينيين.

ودفعت تهديدات أردوغان لليونان وقبرص خلال السنوات الماضية إسرائيل إلى التقارب مع هذه الدول، وبالطريقة عينها مهد تدهور العلاقات مع مصر الطريق لإقامة منصة غاز شرق المتوسط التي تحييد تركيا وتعزز تأثير اسرائيل بالمنطقة.

واللافت في هذه النقطة أيضا هو شراء أردوغان لمنظومة الدفاع الصاروخي الروسية اس 400، فشراء تركيا لهذه المنظومة طردها من برنامج مقاتلات الاف 35 وجعل اسرائيل هى المالك الوحيد لتلك المقاتلات بشرق البحر المتوسط.

وفي النهاية أصبحت موازين القوة بالمنطقة في صالح إسرائيل بفعل الخطوات التي اتخذتها حكومة أردوغان.

وعلى الرغم من أزمة سفينة مافي مرمرة، لم تفرض حكومة أردوغان أية حظر على إسرائيل، ومن1 عام 2010 وحتى عام 2022، ارتفع حجم التجارة بين تركيا واسرائيل 3.5 أضعاف ما كان عليه وارتفعت أرباح عائلة أردوغان خلال تلك المرحلة بشكل ملفت.

وعلى الرغم من كل هذا، واصل أردوغان التظاهر بوجود أزمة مع إسرائيل.

على الجانب الآخر، يلفت الانتباه محاولة أردوغان الحصول على دعم سري خلال لقاءاته مع ممثلي اللوبي اليهودي في كل زيارة إلى الولايات المتحدة.

قد تطول القائمة، لكن ما يهم هو النظر إلى الأفعال والسياسات المطبقة بالفعل وليس الخطابات الرنانة.

والآن، بات التدقيق في عمق هذه العلاقات في المرحلة التي يتحدى فيها أردوغان اسرائيل شفاهية أكثر مغزى.

استيعاب هذا الوضع المتناقض بالسياسة الخارجية التركية سيساهم في استيعاب الديناميكيات وعلاقات القوة في المنطقة بشكل أفضل.

Tags: - العلاقات التركية الاسرائيليةالتجارة بين تركيا واسرائيلالحرب الاسرائيلية على قطاع غزةحماسمافي مرمرة

مقالات مشابهة

  • أردوغان يحذر الاحتلال من عواقب اجتياح لبنان.. "عينا إسرائيل على تركيا"
  • أردوغان يحذر الاحتلال من عواقب اجتياح لبنان.. عينا إسرائيل على تركيا
  • تناقضات العلاقات التركية-الاسرائيلية
  • عاجل | مراسل الجزيرة: جرحى إثر قصف إسرائيلي استهدف معهد الأمل الذي يؤوي نازحين غرب مدينة غزة
  • تراجع حزب الله يجعل تركيا في مواجهة إيران
  • أردوغان: إسرائيل ستوجه أنظارها إلى تركيا بعد فلسطين ولبنان.. إذا لم تُردع
  • مسؤول أمريكي: الهجوم الإيراني على إسرائيل سيشمل مسيرات وصواريخ باليستية
  • أردوغان: تركيا أرسلت 30 طنا من المساعدات الإنسانية إلى بيروت
  • هل رفضت روسيا انضمام تركيا إلى مجموعة البريكس؟
  • الجزيرة ترصد حجم الدمار الذي خلفته الغارات الإسرائيلية في تمنين بالبقاع