موقع النيلين:
2024-10-05@07:07:38 GMT

د. مزمل أبو القاسم: ليسوا سوءا

تاريخ النشر: 8th, May 2024 GMT


استراتيجيتهم بسيطة.. وإن شابتها بعض السذاجة، فهم يريدون إخفاء انحيازهم المشهود للمليشيات المجرمة، ومداراة كراهيتهم الشديدة للجيش، ليزعموا أنهم محايدون ومحبون للسلام وكارهون للحرب ويقفون على مسافة واحدة من طرفيها.. لذلك اجتهدوا لتقسيم البلاد والعباد إلى معسكرين لا ثالث لهما برؤيتهم الخاصة!

معسكر (لا للحرب) الذي يمثلهم.

. ومعسكر (نعم للحرب)، الذي يضم كل مساندي الجيش، أو (البلابسة) كما يصفونهم!

فات عليهم أن تلك الاستراتيجية تعاني من مشاكل حقيقية، وعيوب خَلقية، تجعلها صعبة التطبيق، وعصيةً على التصديق!

أولها أن حلفاءهم صعّبوا مهمتهم إلى الدرجة القصوى، بجرائمهم المروعة، وانتهاكاتهم الشنيعة وأفعالهم المريعة، وبالحرب المجنونة التي شنوها على المواطنين قبل الجيش!
ما دخلت المليشيات مكاناً إلا فرَّ منه أهله فرار الصحيح من الأجرب، ومصيبة داعمي المليشيات أن الملايين الذين يهربون من مواقع انتشار المليشيات يتجهون من فورهم إلى مناطق سيطرة الجيش!

لماذا؟
في الإجابة البسيطة على ذلك السؤال الساذج تتضخم محنة المليشيات المجرمة وداعميها المنافقين.. لأن المواطنين يعلمون أن الجيش والمرتزقة ليسوا سواء!

ثاني الأسباب التي تجعل استراتيجية داعمي المليشيات عصيةً على التصديق والتطبيق أن شهود جرائم المرتزقة كانوا بالملايين، ممن يصعب؛ بل يستحيل عملياً على (المتقزمين) إقناعهم بأن المرتزقة والجيش سواء، لأنهم عايشوا ورأوا بعيونهم عِظَم الفارق بين هذا وذاك!
في مدينة مدني على سبيل المثال، كان الناس يعيشون بالملايين.. ويتمتعون بالأمان.. يشترون ويبيعون في أسواق مفتوحة وآمنة، ويسكنون في بيوتهم آمنين مطمئنين، ويقودون سيارتهم في طرقات آمنة، من دون أن يخشوا عليها من الشفشفة، وكانوا يتعالجون في مستشفيات حكومية وخاصة يتوافر فيها الحد الأدنى من العناية الصحية، ويتعاملون مع بنوك تجارية تعمل بانتظام وتتعامل معهم باحترام، وكانوا يستخرجون أوراقهم الثبوتية ومستنداتهم من مراكز خدمات تتبع للدولة التي يمثلها الجيش، ويحظون بخدمات الماء والكهرباء بما يتناسب مع ظروف الحرب، والصعوبات التي صنعتها المليشيات المجرمة!

كل ذلك ضاع وتلاشى في اليوم الأول الذي احتل فيه المرتزقة مدينة ود مدني، حيث ضاعت الطمأنينة، وسادت الفوضى، وعمَّت جرائم القتل والسرقة والاغتصاب، وتم نهب مؤسسات الدولة والبنوك والأسواق والمستشفيات والصيدليات وتحولت المدينة الحالمة إلى خراب ينعق فيه البوم (البعجبو الخراب)!

ما أن اقتحم جراد المليشيات مدني حتى اختفت منها كل مظاهر الحياة، وعادت إلى العصر الحجري، وخرج المواطنون بالملايين فارين منها إلى سنار والمناقل وكوستي والقضارف والدويم وغيرها بحثاً عن الأمان المفقود.. ومعلوم للكافة هوية الجهة التي تسيطر على المدن المذكورة!

حتى في الخرطوم، غابت كل مظاهر الحياة الطبيعية إلا في محلية كرري الواقعة تحت سيطرة الجيش، حيث يتوافر للمواطنين الأمان والمستشفيات والأسواق والخدمات العامة والبنوك وغيرها، وفي أم درمان نفسها انعدمت الحياة تماماً في الأحياء القديمة، بمجرد احتلال الجنجويد لها، وما أن نجح الجيش في دحرهم وطردهم منها حتى عاد المواطنون إليها، ودبت فيها الحياة من جديد، وتم رفع الآذان في المساجد ودقَّت أجراس الكنائس!
لماذا؟ لأن المواطنين يعلمون تماماً أن الجيش والمرتزقة ليسوا سواء!

وفي ولاية الجزيرة التي تعرضت كل مدنها وقراها إلى اجتياح تتار العصر الحديث اختفت مظاهر الحياة وضاعت الطمأنينة ما خلا في مدينة المناقل والقرى المحيطة بها، حيث يوجد الجيش ويوجد معه الأمان!
فهل يمكن بعد ذلك كله أن نقول إن الجيش والمرتزقة سواء؟

ثالث الأسباب التي تجعل استراتيجية داعمي المليشيات عصيةً على التصديق والتطبيق أن إقناع الناس الجيش والمرتزقة في الإجرام سواء مستحيل، مهما تفنن المتقزمون في إبراز تجاوزات أو انتهاكات منسوبةً للجيش وعلى رأسها القصف الجوي، لأن الناس يعلمون يقيناً أن الجيش لا يستهدفهم بالقصف، حتى إذا صاحبته أخطاء وأدت إلى إزهاق أرواح بريئة!

الجيش يقصف المرتزقة لا المواطنين، ولو كان يستهدف المدنيين عمداً لقصفهم في كوستي وسنار وسنجة والدمارين وربك وشندي وعطبرة والدامر وبربر وكريمة ودنقلا والقضارف وكسلا وغيرها من المدن التي يسيطر عليها، وسكانها بالملايين، بل إن تلك المدن احتضنت ملايين الفارين من جحيم الجنجويد المجرمين!

لن يصدق الناس أن الجيش والتتار سواء حتى إذا ارتكب أفرادٌ من الجيش جرائم أو انتهاكات كبيرة، لأن المواطنين يعلمون بدءاً أن الجيش ليس المدينة الفاضلة، وأنه ليس مكوناً بكامله من الملائكة، وأنه (كأي مؤسسة أخرى) يضم متفلتين، وأفراداً غير مسئولين، يخرقون القانون ولا يحترمون الضوابط التي تحكم عمل المؤسسة التي ينتمون إليها.. لكن الثابت أن هؤلاء قِلَّة لا يُعتدُّ بها، خلافاً للمعسكر الآخر، الذي قلَّما تجد فيه أسوياء لا يقتلون وينهبون ويغتصبون ويدمرون ويحرقون!

رابع الأسباب التي تجعل استراتيجية داعمي المليشيات عصيةً على التصديق والتطبيق أنهم (وعلى كثرة ترديدهم لشعار لا للحرب) يتعمدون غض الطرف عن دول مجرمة، تعمل بكل قوتها وإمكاناتها لتطبيق شعار (نعم للحرب)؛ وتزيد نيران الحرب اشتعالاً، وخسائرها استفحالاً!
دول تقتل أهل السودان مع المرتزقة بدمٍ بارد وتساعد على توسيع رقعة الحرب وتضخيم فواتيرها بتقديم السلاح وكل أدوات الموت للمليشيات المجرمة، ومع ذلك لم نسمع لأبالسة (تقدم) إدانةً لهم، ولم يحدث أن وصفوهم بالبلابسة، أو نعتوهم بمسعّري الحرب، مثلما لم نسمع لهم حتى مناشدةً خجولةً لتلك الدول بأن تكف يدها عن التدخل في السودان، وتتوقف عن توريد السلاح والذخائر والمدافع والتاتشرات وكل أدوات الموت للمليشيات، والسبب معروف لأهل السودان كافة!

انظروا بالله عليكم كيف هبَّ كل مناصري (تقدم) لإدانة الجيش ووصمه بأنه يضم دواعش وجماعات متطرفة بمجرد ظهور فيديو يمثل فيه أفراد (تزعم تقدم أنهم ينتمون للجيش) بجثة.. حيث تسابقوا من دون فرز للتنديد بجريمةٍ نوافقهم على أنها منكرة، وأن مرتكبيها ينبغي أن يُلاحقوا ويحاكموا، وأن تُغلّظ لهم العقوبة سيما إذا كانوا ينتمون إلى الجيش فعلاً، لقبح فعلهم، ولأنه يشكل جرماً مُنكراً، وخرقاً فادحاً ومستهجناً لكل الضوابط والقوانين التي تحكم عمل المؤسسة التي ينتمون إليها!

لكن.. وفي المقابل (كما يقول صاحب الاتجاه المعاكس) ينسى المتقزمون في غمرة اندفاعهم لتجريم الجيش أن بياناتهم تلك تدينهم وتصفهم بالجبن والانتهازية والتناقض والانحياز ابتداءً، لأن مرتزقة الدم السريع ارتكبوا انتهاكات أوسع وأشنع من الجرم المعزول الذي استنكرته (تقدم)، عندما قتلوا أكثر من 15 ألفاً من سكان مدينتي الجنينة وأردمتا في أيام معدودة، ومثلوا بجثثهم، ودفنوا معظمهم في مقابر جماعية، بل قبروا أبناء قبيلة المساليت أحياء، ولم يفتح الله على المتباكين حالياً ببيان أو كلمة رفض واستهجان، الشيء الذي يفضح انحيازهم، ويكشف عدم استوائهم على جادة الحق والصراط المستقيم، ويؤكد أن تقدم والمرتزقة سواء، مهما تخفوا وتذاكوا وتباكوا بدموع التماسيح!

لذلك لم يتأخر غالب أهل السودان عن دعم الجيش ومناهضة المرتزقة وداعميهم، وملاحقتهم في مواقع التواصل الاجتماعي وفي كل مكان يظهرون فيه على الملأ، لتمام علمهم بأنهم والمرتزقة سواء، وأن الجيش والمليشيات ليسوا سواء، حتى ولو تجاوز بعض منسوبي القوات وارتكبوا جرائم معزولة، لا تشبه المؤسسة المهنية العريقة والمحترمة التي ينتمون إليها!
ليسوا سواء.. ولن يصدق أهل السودان أنهم كذلك، مثلما لن يكفوا عن ربط أوغاد آل دقلو بجنجويد (تقدم).. لتمام علمهم بأن الكدمول يربطهم، مهما تفننوا في إخفائه وأمعنوا في إنكاره!

د. مزمل أبو القاسم
المصدر :(صحيفة الكرامة)*

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: على التصدیق أن الجیش

إقرأ أيضاً:

خبير عسكري: إسرائيل تعاني عمى استخباريا في لبنان وستخسر سواء دخلت أم لم تدخل

قال الخبير العسكري العميد إلياس حنا إن الكمين الذي وقعت فيه القوات الإسرائيلية اليوم الخميس خلال محاولة تسللها إلى مارون الراس جنوبي لبنان تؤكد حالة العمى الاستخباري التي تعيشها إسرائيل في هذه العملية.

وأشار حنا إلى أن دخول لواء غولاني واللواء السابع وفرقة إيغوس النخبوية إلى مارون الراس يؤكد بحث إسرائيل عن معلومات تخص منظومة القيادة والسيطرة والتمركزات الخاصة بحزب الله، مؤكدا أن إسرائيل لا يمكنها التضحية بقواتها في منطقة دون تحصيل الحد الأدنى من المعلومات.

وعن محاولات قوات الاحتلال التوغل في مناطق بعينها على الحدود مع لبنان، قال حنا إن التحركات تعكس محاولة إسرائيل السيطرة على المرتفعات بحيث تتمكن من مراقبة لبنان وتمنع الحزب من مراقبة شمال إسرائيل.

محاولة السيطرة على المرتفعات

وأشار حنا إلى أن الواقع الميداني والجغرافي يفرض توغلات محددة في أماكن محددة، مؤكدا أن الحرب اليوم مختلفة تماما عن حرب 2006، لأن مقاتلي حزب الله تمرسوا على القتال وأعدوا نفسهم لصد هذه التوغلات خلال العام الماضي تحديدا.

وفيما يتلعق بالمناطق التي يدور فيها القتال حاليا، قال حنا إنه يتركز في أصبع الجليل كونها منطقة عسكرية وفي المطلة (بوابة فاطمة) التي تمثل عقدة قتالية أساسية لحزب الله في الطريق إلى نهر الليطاني، مشيرا إلى أنها تفصل بين قوة الرضوان وقوات بدو ونصر وعزيز.

ورجح الخبير العسكري أن تحاول إسرائيل السيطرة على هذه المناطق لحماية الجليل الأعلى، لأنها ذهبت إلى العديسة التي ترتفع 900 متر عن سطح البحر، وكذلك كفر كلا الملاصقة للجدار الإسرائيلي على الحدود.

وبشأن ما حدث في مارون الراس، قال حنا إن لواء غولاني واللواء السابع وقوات إيغوس الخاصة ذهبت إلى هناك للاستطلاع والاستعلام وليس لتنفيذ هجوم كبير، وهو ما يؤكد وجود حالة "عمى استخباري" كتلك التي عانتها إسرائيل في قطاع غزة.

وأعلن حزب الله اللبناني أنه فجّر عبوات ناسفة في قوات إسرائيلية أثناء محاولتها التسلل اليوم الخميس عبر الحدود، وأوقع قتلى وجرحى في صفوفها، كما قصف مدينة طبريا ومستوطنات الجليل بعشرات الصواريخ، في حين تجددت الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق أخرى في لبنان.

وقال الحزب في بيان إن قوة إسرائيلية تسللت إلى محيط بلدة مارون الراس بجنوب لبنان، حيث جرى تفجير العبوتين فيها.

وأضاف أن مقاتليه فجّروا عبوة ناسفة في قوة من لواء غولاني كانت تحاول الالتفاف من الجهة الغربية للبلدة، وأوقعوا أفرادها بين قتيل وجريح.

التوغلات تؤكد عمى إسرائيل استخباريا

وقال حنا إن هذه العملية تؤكد جاهزية حزب الله للقتال وتعكس عدم تأثر قوة الرضوان باغتيال قائدها إبراهيم عقيل قبل أقل من أسبوعين، لأنها هي التي تخوض المواجهة حتى الآن دون الحصول على إسناد من قوات أخرى، وفق قوله.

ولفت الخبير العكسري إلى أن "كل كمين وكل خسارة هما درس لإعادة تقييم العمل العسكري"، مشيرا إلى إسرائيل ذهبت إلى منطقة أصبع الجليل لأنها الأسهل في الاختراق.

وقال حنا إن حزب الله لا يوجد بشكل كبير في إصبع الجليل، وبالتالي فإن أي خرق في هذه المنطقة لا يمثل خطرا كبيرا عليه، ومع ذلك فقد تمكن من الإيقاع بالقوات الإسرائيلية عندما دخلت على الأرض.

وخلص إلى أن إسرائيل تحاول المناورة والهرب من المواجهة المباشرة، في حين أن حزب الله يريد العكس ويحاول جرها إلى مسافة صفرية قد تكون في حدود المدى المؤثر لصواريخ كورنيد وليست كتلك التي نراها في غزة، مؤكدا أن جيش الاحتلال قد يسيطر على بعض المناطق بالنار، لكن ليس لفترة طويلة لأن الطائرات لا تحقق حسما كاملا.

وقال حنا إن إسرائيل ستخسر إذا دخلت لبنان وإذا لم تدخل أيضا، لأنها أعلنت أهدافا عالية قبل التوغل، مؤكدا أن حزب الله لن يترك الحدود من أجل الدفاع عن العمق إلا بعد إلحاق خسائر كبيرة في صفوف الإسرائيليين.

وعن المدرعة "إم 113" التي تركتها قوات الاحتلال بعد انسحابها من كفر كلا، قال حنا إنها مدرعة مسيرة يتم التحكم بها عن بعد، لأن إسرائيل توقفت عن استخدامها منذ فترة.

ولفت إلى ضرورة عدم الاقتراب من أي آلية عسكرية يتم تركها في ساحة المعركة، خصوصا أن إسرائيل استخدمت هذه المدرعة في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة كآلية مفخخة.

وظهرت المدرعة مصفوفة إلى جانب أحد المنازل، وقد نقلت الجزيرة عن مصدر أمني لبناني أنها قد تكون مفخخة.

مقالات مشابهة

  • معمم شهير يكشف عن اجتماع خطير أقر خطة اغتيال عبدالملك الحوثي وقيادة المليشيات (فيديو)
  • رحلة مزمل للتحرر من الخرافة
  • ما الذي قاله قائد أنصار الله عبد الملك الحوثي عن الضربة الصاروخية الإيرانية التي أرعبت “إسرائيل”؟
  • بيان جديد لحزب الله عن العبوات التي استهدفت الجيش الاسرائيلي.. هذا ما جاء فيه
  • خبير عسكري: إسرائيل تعاني عمى استخباريا في لبنان وستخسر سواء دخلت أم لم تدخل
  • قائد الثورة يكشف تفاصيل حساسة بشأن الهجوم الإيراني على كيان العدو والمواقع التي تم استهدافها وما الذي حدث بعد الضربة مباشرة
  • خطة اغتيال ‘‘عبدالملك الحوثي’’ جاهزة بمساعدة أحد مقربيه.. ووضع اسم البديل لقيادة المليشيات
  • قحط (تقدم) خائفة من تقدم الجيش وإنتصاره
  • تعيش في كوكب آخر.. تصريح لافت من مراد عن المدارس الخاصة
  • المتحدث العسكري لـ الراديو 9090: أسطورة الجيش الذي لا يقهر تحطمت تحت أقدام المصريين