تحدثت في أعمدة سابقة فى هذه المساحة عن خطة لنقل الدولة من إستثمارات حكومية فى المحافظات ذو عائد متواضع، رغم كل ما نمتلكه من عناصر إقتصادية فى كل أرجاء الوطن، يجعلنا من أكبر الدول فى منظومة الإقتصاد العالمى فقط بحسن الإدارة وإختيار الكفاءات القادرة على إدارة هذه العناصر الإقتصادية بسياسات إستراتيجية مركزية وإدارة تعتمد كليًا على اللامركزية وهذا مقالى الأخير فى هذه السلسلة من المقالات التى تحمل إقتراحات لصاحب القرار السياسي فى الدولة وإلى مجلس النواب المصرى وكذلك إلى السادة علماء وأساتذة الإدارة والإقتصاد فى مصر ممن يهتمون بالشأن الوطنى فى هذا الإتجاه، ومقالى اليوم ينصب على أهمية وجود وزارة للأقاليم الإقتصادية بديلًا عن عدة وزارات مثل الإستثمار والإدارة المحلية والتعليم والتعليم العالى، وحيث أننى فى مقالاتى السابقة تعرضت لفكرة الإقليم الإقتصادى على أنه مكون من عناصر إقتصادية فى منطقة جغرافية من مصر !!
وضربت مثلًا بأقليم " كأقليم  أسوان " وما يشمله هذا الأقليم من بحيرة "السد العالي" وجزء من شاطيء "البحر الأحمر" وجزء من الواحات وجزء من "توشكي" و"شرق العوينات"، وأن تتفاعل هذه العناصر الإقتصادية لكي يكون هناك ناتج إجمالي محلي محترم لهذا الأقليم المقترح، يضخ جزء من ناتجه في الناتج الإجمالي القومي، ولا يعتمد الأقليم علي ماتضخه الموزانة العامة في الدوله سنويًا للأقليم.

 
وهكذا يمكن أن يكون لدينا مجموعة من الأقاليم الأقتصاديه، حسب تقسيم "مصر" تقسيمًا إداريًا جديدًا يعتمد علي ما فوق الأرض وتحت الأرض من ثراوت، ومن بشر يؤهلون حسب أحتياجات الأقليم علميًا وفنيًا وخدميًا، ويكون هناك تكامل حقيقي بين أقاليم "مصر"، وتقوم الإدارة الإقتصادية لكل أقليم بتنفيذ خطة أستراتيجية مركزية، مع تمتع الإدارة في الأقليم بلامركزية مطلقة، وهنا يأتي دور البنية الأساسية لكل أقليم علي حده وهي من وجهة نظري.
( البشر، والتعليم بكل مراحلة وكذلك البحث العلمي ) فمن غير المقبول أن يدرس طالب في أقليم "الإسكندرية" ما يدرسه طالب في أقليم "أسوان"، وليس من المقبول أو المعقول أن تكون أهداف أقتصاد أقليم في شمال "مصر" هي نفس أهداف أقتصاد أقليم في جنوب البلاد، حيث تختلف العناصر الأقتصادية الداخله في بنية كل أقليم عن الأخر، حيث أقليم مثل " أسوان"  يتمتع بما تحتوية عناصره الأقتصادية وتنوعها – بحيرة مياه طبيعية وما تشمله من ثروات سمك وتماسيح وما حول البحيرة من أراضي شاسعة تتمتع بخصوبة التربة ونقائها، وبيئة طبيعية غير ملوثة تسمح بزراعات نقية متخصصة مطلوبة في جميع أرجاء العالم، وبالتالي يحتاج هذا المكون قوي بشرية مؤهله علميًا لزراعات متخصصة وكذلك تحتاج لخريجين يعملون علي الصناعات القائمة علي هذه الأنواع من الزراعات، هذا نوع واحد ومكون واحد من أقتصاد قائم علي بحيرة "السد العالي" مفقود وغير مرئي وغير مدروس-في الوقت الذي تنشأ فية دول لا تتمتع بهذا المكون الطبيعي، نفس المكون صناعيًا للأستفادة منه ولا شك بأن التعليم في مثل هذا الأقليم سوف تكون له أهداف مختلفة عما هو جاري الأن، مطلوب تعليم جامعي يبدأ من حيث أنتهي "الأمريكان"  حينما أصدروا تقريرًا تحت عنوان ( أمه في خطر ) في عهد الرئيس " كلينتون "، لكي ينقذ مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية بأساليب تعليم مختلفة عما كان يحدث.
مطلوب الأهتمام بالتعليم في هذا الأقليم علي سبيل المثال وليس الحصر يعتمد علي خريجين وبحوث علميه في الطاقة وفي وسائل الصيد وتطوير الصناعات القائمة علي الثروات السمكية والزراعية مطلوب تعليم جامعي يهتم بخدمة المواني وأرصفة الحاويات والنقل بالسكك الحديدية كمًا ونوعًا مطلوب أبحاث علمية في الثروات المعدنية ( رخام، جرانيت، ذهب، بترول، غاز ) أن مايشمله طبيعة جيولوجيا هذا الأقليم منه ماهو معروف، ومنه مالم نكتشفه بعد حيث جاء بالتقارير العلميه الدوليه أن ما يتم أكتشافه لا يتعدي عن 10 % ممن لم يتم أكتشافه حسب ماجاء بتقارير علميه وعالميه المصدر والتخصص !! 
لن يكون لمصر ولمستقبلها قائمة ولا مكان وسط الأمم  المتقدمه إلا بأن نغير نظرتنا في تقسيم مصر الإداري وفي توجيه كل أهتمامنا بحسن إدارة ما نمتلكه أحترافيًا.......!!
أ.د/ حماد عبد الله حماد
   [email protected]   Hammad

المصدر: بوابة الفجر

إقرأ أيضاً:

محمد غنيم يكتب: مع الشيخ محمد رفعت

بعد أن فقد بصره وهو ابن ثلاث سنوات سأل والده: "متى النهار يطلع يا بابا؟"، فبكى الأب بحرقة وقال "سترى بقلبك يا بني أكثر مما ترى بعينيك"، لم يعرف الأب وقتها أن صوت ابنه سيكون كالشمس في تاريخ مصر، لا يبدأ النهار إلا بسماعه عندما تشير عقارب الساعة إلى تمام السابعة صباحا.

إنه الشيخ محمد رفعت -رحمه الله- الذي تلاحم صوته مع نسيج الوعي المصري ووجدانه، فأراد الله أن يحيا صوت الشيخ رفعت في مناسبتين، الأولى طوال العام عند الساعة السابعة صباحا عبر أثير إذاعة القرآن الكريم، هذا الوقت الذي يتعلق بذاكرة كل مصري أثناء ذهابه إلى المدرسة ونزوله إلى عمله صباحًا، إذا سمع صوت الشيخ رفعت أدرك أن الشمس قد أشرقت إيذانًا بميلاد يوم جديد مصحوب بصوت الشيخ محمد رفعت.

وأما الثانية فطوال شهر رمضان المبارك مع أذان المغرب، هذا الأذان الذي إن سمعه المصريون في أي وقت استشعروا بنسمات شهر الصيام، ارتبط أذان الشيخ محمد رفعت بالإعلان عن وقت الإفطار كل يوم في رمضان، فأصبح له خصوصية يتفرد بها عن أي أذان آخر.

الشيخ محمد رفعت هذا الصوت الملائكي الخالد الذي تجددت فيه معجزة القرآن، إلا أن التسجيلات التي وصلتنا لم توفه حقه، ذلك لأن أغلب التسجيلات كانت قديمة تحتاج إلى ترميم وإصلاح، فغير المونتاج الصوتي شيئا من حقيقة صوت الشيخ رفعت، والأمر الثاني أن التسجيلات بدأت في فترة مصاحبة المرض لهذا الصوت، كما قال موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب في إحدى لقاءاته إن تسجيلات الشيخ محمد رفعت تحمل تأثير مرضه وكأنك تسمع صوتا جميلا لكن عليه مسحة من المرض، وذكر أن تسجيل سورة مريم هو الذي يعطي بعضا من صوت الشيخ رفعت في اكتماله وشبابه ومقدرته.

في حي المغربلين بمنطقة الدرب الأحمر ولد الشيخ محمد رفعت سنة 1882 لأب يعمل ضابط شرطة بقسم الخليفة، وأم طيبة ترعى بيتها وتقوم على شئون الزوج والأولاد، واسم محمد رفعت هو اسم مركب أما والده فاسمه محمود رفعت وهو اسم مركب أيضًا، ولأن كل إنسان منا يسير إلى قدره المكتوب في الحياة، فقد واجه الشيخ محمد رفعت مصيره في الحياة مبكرا، المأساة الأولى عندما فقد بصره وهو في الثالثة أو الرابعة من عمره، والمأساة الثانية عندما فقد والده وهو ابن تسع سنوات.

ولأن في المنع عطاء، وفي كل محنة منحة، فكانت المأساة الأولى هي سبب العطاء الأعظم في حياة الشيخ محمد رفعت بعد أن قرر والداه أن يهباه للقرآن، وأتم حفظ القرآن وتجويده وهو طفل صغير في مسجد فاضل باشا، والذي عين فيه قارئا للسورة يوم الجمعة إلى أن أقعده المرض، وأما المأساة الثانية فكانت السبب في أن يتحمل الشيخ رفعت مسئولية أسرته الصغيرة المكونة من أمه وخالته وأخيه الأصغر بعد أن أصبح هو العائل الوحيد لهم، وظل على هذا الحال حتى ذاع صيته وأصاب سحر صوته كل من سمعه وتأثر به.

الشيخ محمد رفعت هو معجزة القرن العشرين في تلاوة القرآن الكريم، كان لصوته مفعول السحر على مستمعيه، فلا تسمع تلك الصيحات أثناء تلاوته كما يحدث في السرادقات مع قراء اليوم، ولكن طريقة قراءة الشيخ رفعت بما فيها من هيبة ووقار وإبهار كانت تجعل المستمعين لا يحركون ساكنا، يخشعون رهبة وإجلالا لعِظم ما يُقرأ عليهم.

تقليد الشيخ رفعت يحتاج لإمكانيات صوتية خاصة ولطبقة صوت اختص بها الله الشيخ رفعت، فيصعب جدا تقليده، تمتع الشيخ رفعت بصوت ماسي حاد جدا رنان كأنه الياقوت والمرجان، وبصوت عميق عريض جدا كأنه زئير الأسد في أدنى طبقات صوته، والعجيب أن في علو صوت الشيخ رفعت وهبوطه لا يشعر المستمع بأنه ينتقل بين القرار والجواب فهو يقرأ بطريقة السهل الممتنع، يلون الآيات بصوته وبما يناسب كل آية، فالموهبة وحدها لا تكفي، ولكنها تحتاج لذكاء يوظفها بطريقة صحيحة، والشيخ محمد رفعت وهبه الله من الذكاء الفطري والبصيرة الربانية ما جعله يقرأ القرآن بوعي وتدبر وذكاء.

عاش الشيخ محمد رفعت واهبًا حياته لخدمة القرآن الكريم ينشر صوته في كل مكان ويلبي الدعوات بعفة نفس خدمة للقرآن، لم يكن طالب مال ولا شهرة أو جاه، ترك لأبنائه ساعة يد وروشتة طبيب ومصحفًا، كما أخبر بذلك ابنه الأكبر محمد رحمه الله، وأصيب الشيخ رفعت بمرض الزغطة الذي اتضح أنه سرطان الحنجرة، فتوقف عن القراءة سنة 1943 بعد أن حبسه المرض وهو يقرأ ولم يخرج صوته في بعض الآيات فسكت ثم غادر المسجد وسط بكاء كل الحاضرين، وظل يعاني من هذا المرض الذي فشل الطب في علاجه، كان راضيا صابرا ولم يسخط، وفي يوم التاسع من مايو سنة 1950 أخذ يردد (الحمد لله) ويسأل زوجته عن أولاده، ويقول (الحمد لله) ثم فاضت روحه إلى رب العالمين، ليترك لنا صوتا لم ينطفئ يومًا، هذا الإرث الذي يشهد له بما قدمه في حياته لخدمة القرآن وإيصال رسالته، رحم الله قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت.

مقالات مشابهة

  • لقاء أحمد العوضي وتوفيق التمساح.. أحداث مشوقة في الحلقة 2 من مسلسل «فهد البطل»
  • أحمد العوضي يعلن سؤال مسابقة مسلسل فهد البطل الحلقة 2
  • فهد البطل الحلقة الثانية: مصرع والد أحمد العوضي وزوجته
  • تشافي هيرنانديز مطلوب في الدوري الإنجليزي.. وكيله يبدأ المفاوضات
  • تشافي مطلوب في ناد بالدوري الإنجليزي
  • ترحيل روسي من مصر إلى روسيا مطلوب بسبب تورطه باختطاف وابتزاز رجل أعمال
  • مفاجأة.. «ظاهرة» مارسيليا مطلوب في ليفربول
  • محمد حامد جمعة يكتب: شكرا مصر
  • محمد أبو زيد كروم يكتب: رمضان شهر الجهاد، وبل الجنجويد
  • محمد غنيم يكتب: مع الشيخ محمد رفعت