دبي: عهود النقبي
لخص منخفض «الهدير»، الحالة الجوية الاستثنائية التي شهدتها الإمارات، مدى أهمية أن يكون لدى الحكومات فن امتلاك الفرص لتجاوز العواقب، وقد سارعت الحكومة الرشيدة لاكتساب الإيجابيات واستكشاف نقاط القوة والضعف، والعمل على الجاهزية للمستقبل، وأطلقت مؤسسة دبي للمستقبل تقريرًا بعنوان: «الفرص المستقبلية: 50 فرصة عالمية 2024»، كشف رؤية المؤسسة حول مستقبل العالم عبر فرص ملهمة لتحقيق مستويات جديدة من النمو والازدهار وجودة الحياة.

التقرير الذي تبنى الرؤية الحكيمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بأن «صناعة المستقبل تكون بامتلاك أدوات المعرفة والعلوم والتكنولوجيا الحديثة والابتكار»، حمل إشارات تنبئية ودراسات دقيقة لما قد يحدث في العالم.

بالنظر إلى بعض الفرص التي يستعرضها تقرير مؤسسة دبي للمستقبل، نكتشف أن بعضها قد يكون في مراحل الاستكشاف المبكرة، وبعضها قد يشكل مصدر إلهام للمزيد من الرؤى المتعمقة، والبعض الآخر قد يبدو صعب المنال في المستقبل القريب.

امتلاك الفرص

كشف منخفض «الهدير» أهمية أن يكون لدى الحكومات فن امتلاك الفرص لتجاوز العواقب الوخيمة التي يُمكن أن تتعرض لها البلدان على كل الصعد، وإشارة لما ذكره محمد القرقاوي نائب رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب لمؤسسة دبي للمستقبل حينما قال: العجلة نحو المستقبل تدور بسرعة تفوق ما كنا نتوقعه ونتخيله، وتفوق في زخمها ما توقعه أسلافنا حول انعكاسات دوران العجلة للمرة الأولى قبل آلاف السنين على تطور مستقبل البشرية، ليصبح العالم المترامي الأطراف باختلاف تضاريسه قرية صغيرة تلتقي فيها الحضارات والثقافات والأفكار والمعارف والعلوم. على مر العصور أدركت الأمم قبلنا أهمية التخطيط للمستقبل، فكان المصريون القدماء والبابليون والسومريون يرصدون حركة النجوم والشمس والقمر لتخطيط حركتهم الملاحية وتحديد مواسم الزراعة وتواريخ المناسبات الدينية والرحلات التجارية وأوقات الحروب.

ولفت القرقاوي إلى أن العقل البشري منذ فجر التاريخ تحدى حدود الزمان وتفرد في ابتكار الحلول التي ساهمت في وصولنا إلى هذا العصر من النهضة العلمية الشاملة، وأصبحنا اليوم أمام حاجة مُلحَّة لتطوير أدوات استشراف المستقبل بشكل لحظي، مع ظهور تقنيات ثورية كالحوسبة الكمومية التي تتجاوز سرعتها سرعة الحواسيب الفائقة المستخدمة اليوم ب158مليون مرة، أو الذكاء الآلي الذي سيفوق الذكاء الاصطناعي الحالي بمراحل.

وفي تقرير «الفرص المستقبلية: 50 فرصة عالمية»، توجد فرص واعدة للجهات المعنية والشركاء المحليين والدوليين باعتباره مخططاً للمستقبل، حيث يشمل وصفاً تفصيلياً لأبرز المتغيرات غير المعروفة التي تُمَكِّن الحكومات من استكشاف نقاط القوة والضعف، وتسلط الضوء على الفرص والتحديات التي قد تنشأ على مدى السنوات ال50 المقبلة.

كما يتضمن التقرير شرحاً لأهم الفرضيات التي يمكننا من خلالها مراقبة تطورات بعض الحقائق التي تُعتبر من المسلّمات، وهو أمر في غاية الأهمية، نظراً لتأثير أي تغيير قد يطرأ على تلك الفرضيات في تحول الأسس التي تُبنى عليها الفرصة المستقبلية بالكامل.

المؤشرات الظاهرة

تضمَّن التقرير متغيرات أساسية مهمة ومُحرِّكة لجميع الفرص، منها الطبيعة والأنظمة، حيث إن من أبرز التساؤلات التي تدور حول مستقبل النمو والازدهار وجودة الحياة، هل ستؤدي التكنولوجيا المبتكرة وجهود الحوكمة إلى تمكين الطبيعة من ترميم نفسها؟ وهل ستصل الأنظمة لدرجة المرونة الكافية لتلبية الاحتياجات الإنسانية المتغيرة؟ حيث تؤثر الضغوط المتزايدة في الطبيعة والمناخ والموارد الطبيعية سلباً على سلاسل الغذاء والعمليات الطبيعية.

ونستدل بذلك على المؤشرات الظاهرة، كتعزيز الأمن الغذائي والأمن المائي، وتعزيز النظام البيئي والتنوع الحيوي، والحد من انبعاثات الغاز الدفيئة، وزيادة الاستثمار في الاستدامة البيئية، وارتفاع درجات الحرارة العالمية ومستوى سطح البحر، وزيادة حالات الإصابة بالأمراض حيوانية المنشأ، وزيادة معدلات انقراض أنواع الكائنات الحية، وتدهور التربة والنظام البيئي، وهو ما يطرح تساؤلاً آخر حول هل ستتأقلم الأنظمة باستمرار مع المتغيرات وتصبح أكثر مرونة في مواجهة التحديات الناشئة والفرص الجديدة؟

واعتبرت الفرصة ال36 في التقرير أن التأثير قريب المدى، والجمع بين التعاون الرسمي بين الحكومات وآليات تخطيط السيناريوهات واستشراف المستقبل، قد يدعم جهود التعاون العالمي لمواجهة التحديات بشكل استباقي، وذلك من خلال دمج السيناريوهات والدراسات المستقبلية في التفاوض والدبلوماسية العالمية، حيث تضمن القطاعات المتأثرة كالصحة والبنية التحتية والبناء والتأمين وإعادة التأمين، والخدمات اللوجستية والشحن والنقل، ووسائل الإعلام والترفيه، والخدمات المهنية، والسفر والسياحة والمرافق العامة، وهي القطاعات التي واجهت التحدي الأكبر خلال منخفض الهدير.

الواقع الحالي

في الواقع الحالي، تتطلب مواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ والطاقة المستدامة والأوبئة، اعتماد منهاج وأطر عمل متعددة الجوانب بحيث تجمع بين العلوم والسياسة الخارجية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما بات يعرف ب«الدبلوماسية العلمية» وهو مفهوم يقوم على دمج الخبرات العلمية في صنع السياسات، وأدى إلى تغييرات هيكلية في الحكومات التي اعتمدت هذا الأسلوب، والأمر مماثل بالنسبة للسيناريوهات المستقبلية، إذ يجب على الشبكات العلمية والتكنولوجية العالمية إيجاد حلول للتحديات المستقبلية العالمية المعقدة.

وهناك بالفعل بعض الأمثلة على دمج السيناريوهات المستقبلية في العمل الدبلوماسي، حيث يعمل مختبر «أهداف التنمية المستدامة» على تنظيم مناقشات مع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التي تعمل على نشر الوعي حول الاتجاهات العلمية المستقبلية السائدة، وبناء جسور التواصل والتعاون بين الجهات الفاعلة والمبتكرين استعداداً للتحديات المتوقعة، كما تعتمد بعض الجهات آليات تشاور لدعم صانعي القرار تشمل أطرافاً متعددة وتركز على المستقبل، مثل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، والشراكة العالمية للذكاء الاصطناعي.

دولة تتعلم

يعد استشراف المستقبل جزءاً بالفعل من عملية التخطيط الاستراتيجي وصناعة السياسات لدى العديد من الحكومات حول العالم، وذلك من خلال تبني ممارسات مسح الأفق للوقوف على التهديدات والفرص المستقبلية، واستكشاف المشهد المعقد للتكنولوجيا والعلوم والتنمية المستدامة.

ومن الأمثلة على ذلك جهود وزارة شؤون مجلس الوزراء ومكتب التطوير الحكومي والمستقبل بالإمارات، وليس هناك مشهد دقيق مُشبع بالحرص كالذي شهد عليه العالم خلال فترة المنخفض، الذي تبعه اجتماع مجلس الوزراء برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، معتمداً ملياري درهم لمعالجة الأضرار التي لحقت ببيوت المواطنين ومساكنهم.

وفي حين أن العديد من الحكومات تعتمد استشراف المستقبل في عملياتها المتعلقة بالتخطيط الاستراتيجي والإدارة، فإن توسيع نطاق ممارسته ليشمل جميع الدول، يمكن أن يُحسِّن من عمليات التفاوض والتنسيق للوصول إلى رؤية مشتركة طويلة الأجل، ويمكن للدول تنسيق التعاون الاستشرافي الثنائي أو متعدد الأطراف من خلال آلية رسمية تجمع بين الحكومات لتقييم محركات التغيير وتخيل المستقبل.

وفي هذه الحالة ستستفيد الدول من تنوع الخبرات ومشاركة المعرفة، وستعمل على وضع حلول وسياسات استباقية للتحديات المُلحَّة والمعقدة، ما من شأنه أن يساعد في تطوير السياسات ودفع عجلة التعاون، وذلك بتحديد الأهداف المشتركة المرتبطة بتحقيق النمو والازدهار وتحسين جودة الحياة قبل أن تتفاقم التحديات العالمية، وهو ما تعنيه كلمة «الدبلوماسية»، ويتحقق ذلك في التصور الدقيق المدروس لسيناريوهات المستقبل بالتعاون مع الدول، لتستعد للتغيرات الكبرى التي قد لا تتوقعها عند العمل بمفردها، وبالتخلي التام عن الاستخدام السيئ لأدوات استشراف المستقبل، بانحياز بعض الدول لتوجهات معينة.

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات الإمارات استشراف المستقبل من خلال

إقرأ أيضاً:

محمد القرقاوي.. قائد أوركسترا النجاح الحكومي

اختتمت القمة العالمية للحكومات 2025 أعمالها، ولكنها لم تغلق أبوابها، لأن الأبواب التي تفتح للعالم لا تُغلق، بل تبقى مشرعة للفكر والتغيير. لم تكن القمة حدثًا ينعقد ثم يذوب في روتين المؤتمرات، بل كانت ساحة يلتقي فيها العقل مع الإرادة، والمستقبل مع من يجرؤون على صناعته.
في تغريدة من ذهب، كتب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، شاكرًا القادة والخبراء والمفكرين، مشيرًا إلى أن الإمارات حينما تبني، تبني الجسور، وحينما تخطط، تخطط للأفق البعيد، وحينما تتحدث عن الحكومات، فإنها لا تتحدث عن المؤسسات البيروقراطية الجامدة، بل عن المنصات التي تنهض بالشعوب وتُحسن من جودة الحياة. هذه القمة، كما قال، لم تكن استعراضًا، بل كانت وعدًا بأن المستقبل يمكن أن يكون أفضل، متى ما صمّمنا له مسارات جديدة تليق بالإنسان.
أما الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، فقد حمل شعلة أخرى من الفكر والتأمل، مؤكدًا أن الإمارات لم تُبنَ على الشعارات، بل على “الوعد الصادق” الذي قطعه الآباء المؤسسون، وعلى رؤى جعلت من الأمن والاستقرار والتنمية ثلاثية لا تنفصم عُراها. ولم يكن حديثه مجرد خطاب، بل كان شهادة على تجربة دولة لم تكتفِ بأن تكون ناجحة، بل أرادت أن تكون مصدر إلهام. حينما تحدث عن “الفارس الشهم 3”، لم يكن يتحدث عن مبادرة عابرة، بل عن موقف، عن إنسانية تحضر حيثما دعت الحاجة، عن يد تمتد بالخير حيثما استغاث الملهوف.
لكن من يقود كل هذا الزخم؟ من يدير دفة هذه السفينة التي تمضي وسط أمواج التحديات؟ إنه معالي محمد عبد الله القرقاوي، الرجل الذي لا يرى في القمم مجرد تجمعات، بل يراها مراكب نحو المستقبل. قال في كلمته، وكأنه يرسم بوصلة للحكومات: “إن التعاون بين الدول ليس رفاهية، بل ضرورة، وإن تبادل المعرفة ليس ترفًا، بل أساس للنجاح.” لم يكن يتحدث عن إدارة حكومية تقليدية، بل عن إدارة تعيد تعريف معنى العمل الحكومي، عن رؤية تجعل الحكومات قادرة على احتضان المستقبل بدلًا من ملاحقته. بفضل جهوده، أصبحت القمة منصة للعالم، ومختبرًا للأفكار، وميدانًا للحلول. لم تعد مجرد مؤتمر، بل باتت مرجعًا لكل من يريد أن يعرف كيف تتحول الأفكار إلى إنجازات، وكيف تُكتب استراتيجيات النجاح لا على الورق، بل على الأرض. لقد كان القرقاوي بحق قائد أوركسترا النجاح الحكومي، يرسم سيمفونية الإبداع الإداري، ويوجه دفة السفينة نحو شواطئ المستقبل بمهارة ربان لا تغفل عينه عن أي تفصيلة.
لقد أصبحت القمة العالمية للحكومات أكثر من مجرد مؤتمر سنوي، بل تحولت إلى حدث استثنائي ينتظره العالم بفارغ الصبر كل عام، حيث تجتمع العقول الأكثر تأثيرًا، ويجري تبادل الرؤى والأفكار التي ترسم ملامح المستقبل. إنها ليست منصة عابرة للحوارات، بل مختبر فكري واستراتيجي، حيث تصاغ السياسات التي ستؤثر على أجيال قادمة. إنها المكان الذي تجتمع فيه الحكومات، وتتلاقى فيه الأفكار، وتُصنع فيه الحلول، فلا عجب أن تكون وجهة للقادة والمفكرين، ومرجعًا لمن يسعى لفهم التحديات الكبرى وكيفية تحويلها إلى فرص. لقد رسّخت هذه القمة مكانتها كواحدة من أهم الفعاليات العالمية، وأصبحت بوصلة تستشرف المستقبل، ومنصة يتطلع إليها الجميع كل عام، ليس فقط لاستشراف الاتجاهات الجديدة، بل للمشاركة في صناعتها.
وفي الأرقام، كما في الكلمات، كانت القمة حديث العالم. 17 تريليون دولار تُهدر سنويًا على النزاعات والصراعات، وكأن البشرية لم تتعلم بعد أن الحرب ليست استثمارًا. 50% من النمو العالمي يأتي من الصين والهند، و70% من الشرق، والعالم ما زال مترددًا بين الاعتراف بهذه الحقيقة أو محاولة عرقلتها. 1000 مرة تضاعفت قدرة الذكاء الاصطناعي على التعلم خلال عام واحد، وكأننا أمام عقل جديد يولد، لا نعرف هل سيكون لنا أم علينا. 7% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في خطر بسبب تراجع العولمة، وكأن العالم الذي تقارب بدأ يعيد التفكير في المسافات.
لكن وسط كل هذه التحديات، كانت الإمارات تقول شيئًا آخر: “المستقبل لا يُنتظر، بل يُصنع”. هذه ليست دولة تحلل المشهد فحسب، بل هي دولة ترسم المشهد. لم تقل إن العولمة تنهار، بل تساءلت: كيف يمكن إعادة تشكيلها؟ لم تقل إن الذكاء الاصطناعي خطر، بل فكرت: كيف نجعله أداة للإنسان لا عليه؟ لم تنظر إلى النزاعات وتكتفي بالتعليق، بل مدت يدها بالعون، وقالت للعالم: “يمكن أن نكون أكثر إنسانية، إذا اخترنا ذلك.”
وحينما أُسدلت ستائر القمة، لم يكن ذلك إعلانًا لنهاية شيء، بل بداية لشيء آخر. فمن عرف الإمارات، يعرف أنها لا تنظر إلى المؤتمرات على أنها محطات للخطابات، بل محطات للانطلاق. كل ما قيل في القمة، سيجد طريقه إلى التنفيذ. كل فكرة، ستتحول إلى مشروع. كل توصية، ستُترجم إلى سياسات. لأن الإمارات لا تتحدث عن الغد، بل تصنعه.
وهكذا، كما في كل عام، انتهت القمة، ولكنها لم تنتهِ. بقيت الفكرة، بقي الطموح، بقيت الرسالة التي أرسلتها دبي إلى العالم: “تعالوا، لنعمل معًا، لأن المستقبل ليس لمن ينتظر، بل لمن يجرؤ على تشكيله.”

مقالات مشابهة

  • ميقاتي: لعدم اضاعة الفرص المتاحة لتطبيق الإصلاحات التي عملت حكومتنا على دراستها
  • أمل الحناوي: الجهود المصرية نجحت في تذليل العقبات التي تواجه اتفاق الهدنة بغزة
  • صحف ومواقع عالمية: قمة الحكومات منصة ريادية لاستشراف المستقبل وتعزيز الشراكات
  • وسائل إعلام مصرية: مصر وقطر نجحتا في تذليل العقبات التي كانت تواجه استكمال تنفيذ وقف إطلاق النار
  • محمد القرقاوي.. قائد أوركسترا النجاح الحكومي
  • ثاني الزيودي يجري محادثات مع ممثلي الحكومات من آسيا وأفريقيا وأوروبا والأميركتين
  • ثاني الزيودي يجري محادثات مع ممثلي الحكومات من آسيا وأفريقيا وأوروبا والأمريكيتين
  • الإمارات تنضم للمركز العالمي لتكنولوجيا الحكومات في برلين
  • حكومة الإمارات تنضم للمركز العالمي لتكنولوجيا الحكومات
  • متطوعون: قمة الحكومات المساحة الأفضل لاستكشاف الفرص