أثبتت عملية “طوفان الأقصى”، منذ السابع من أكتوبر عام 2023م، وما بعدها من العدوان الإسرائيلي على غزة، وعلى مدى أكثر من “200” يوم، هشاشة هذا الكيان الإسرائيلي الغاصب، وسقوط أساطير قوته، التي لا تقهر، وتلاشي قبضة هيمنته، التي لا فكاك منها، وغير ذلك من مزاعم القوة المطلقة، التي سوقتها منابر الإعلام الإمبريالي، وأبواقها النفاقية في المنطقة، وكرستها الأنظمة الحاكمة العميلة، بهدف تعميم الروح الانهزامية، في الوجدان الجمعي العربي الإسلامي، وبالرغم من سيادة نفسية الخضوع والانكسار، والإقرار الجمعي بالعجز والضعف، على مدى عشرات السنوات، إلا أن عملية “طوفان الأقصى” وما تلاها، قد نسفت تلك التصورات والنفسيات، من أساسها جملة وتفصيلا، وانتصرت للذات العربية الإسلامية، في تموضعها الجمعي الشعبي، وصنعت معادلة صراع وجودي، لمعركة مصيرية كبرى، تقوم على وحدة القضية والمصير، انطلاقا من الواجب الديني والإنساني الثابت.


طالما عمل هذا الكيان “الإسرائيلي” اللقيط – وعمل معه الاستعمار الغربي – على تهيئة ظروف بقائه واستمراره، وشروط تمكينه من القيام بدوره الوظيفي، وهو ما كان واضحا في سلوك الراعي الاستعماري الأول البريطاني، منذ وعد بلفور، واستراتيجيات تنفيذه وتحقيقه، ثم تلاه الراعي الاستعماري الثاني الأمريكي، الذي لم تتوقف رعايته وشراكته لهذا الكيان، على مستوى التمكين السياسي فقط، أو استخدام حق النقض “الفيتو” لصالحه، بل تجاوزه – مؤخرا – إلى إعلان الشراكة الكاملة – على كافة المستويات والأصعدة – لكل جرائمه ومجازره، وحروب الإبادة الوحشية، بحق أبناء الشعب الفلسطيني العزل، دون مراعاة لأبسط شعارات الغرب “الأمريكي” المتحضر، الحامي للحقوق والحريات والديمقراطية والسلام وغيرها، التي طالما ادعى حمايتها، والعمل على تحقيقها بين أبناء المجتمع الإنساني.
سقط الكيان الوظيفي «الإسرائيلي»، بسقوط شروط بقائه واستمراره، وفقدانه البيئة الحاضنة، لتوسع فاعليته الإمبريالية، حتى وصلت إمكانية استعادة قوته ودوره، درجة «الصفر الوجودي»، بالتوازي مع طبيعة خسارته كل مقومات وجوده، التي كانت «دفعة واحدة»، بالإضافة إلى عجزه وفشله الساحق، عن استعادة أدنى جزء منها، على أرض الواقع، رغم دعم ومساندة القوى الإمبريالية الشامل، ورغم المجازر وحرب الإبادة والانتهاكات، وعمليات التدمير الممنهج الكارثية، إلا أن «غزة» بمجاهديها الأبطال، وصمود أهلها، قد أسقطت كل الرهانات الاستعمارية، وأعلنت زوال هذا الكيان الوظيفي، الذي خسر شروط تحقق بقائه، على النحو الآتي:-
١– الشرط الأمني والعسكري.
بما يمثله من مرتكز وجودي أساس، لا بد من توفره لتحقق وجود، أي جماعة أو طائفة أو قومية، ناهيك عن ضرورته القصوى، لقيام وبقاء كيان وظيفي استعماري، وهو ما لم يغب عن سلوك الكيان الإسرائيلي – منذ بدايات احتلاله الأولى – ورعاته الاستعماريين، الذين زودوه بالسلاح اللازم، ودربوا مجاميعه من «الهاجناة» وغيرها، على تنفيذ أبشع المذابح الجماعية، بحق الفلسطينيين العزل، في سياق عمليات الإبادة والتهجير، من أجل الاستيلاء على الأرض، وبناء المستوطنات، ويمكن القول إن الشرط الأمني والعسكري، قد لعب دورا محوريا كبيرا، في توسيع عملية الاستيطان، وفرض الوجود الصهيوني الإسرائيلي، على أرض فلسطين، كأمر حتمي واقعي، لا مناص من التسليم به، خاصة مع ذيوع أسطورة جيشه، الذي لا يقهر، على حساب هزائم الجيوش العربية، وانتشار سمعته الأمنية والمخابراتية القمعية الوحشية اللاأخلاقية، وإجهاض أي فعل مقاوم، والتنكيل بمجاهدي المقاومة، بمساعدة الخونة والعملاء والجواسيس، من الداخل الفلسطيني ودول الجوار.
يمكن القول إن ما بناه الكيان الإسرائيلي الوظيفي المحتل – بدعم رعاته الغربيين – في تعزيز الشرط الأمني والعسكري، على مدى عشرات السنوات المتوالية، قد أسقطته عملية «طوفان الأقصى»، مع إطلالة صباح سبتهم الأولى، وكانت بضع دقائق معدودة، كفيلة بإظهار سقوط الكيان «الإسرائيلي» الغاصب، وشل كل قوته وقدراته التسلطية، ليقف – على مرأى ومسمع من العالم – مرعوبا ذاهلا مسحوقا، مطوقا بعار الذل والهزيمة والعجز والفرار الجماعي، خاصة وأن قوة جيشه الأسطوري، وترسانته العسكرية الفتاكة المتطورة جدا، وأجهزته الاستخبارية الأقوى عالميا، المزودة بأحدث أنظمة الرصد والمراقبة، المسنودة بالأقمار الاصطناعية، وغيرها من الوسائل والإمكانات، قد عجزت تماما، عن مجرد التنبؤ بهذه العملية، أو طرح احتمال وقوعها، وبالتالي الحيلولة دون حدوثها، كما فشلت عملياتها العسكرية، رغم سقفها الإجرامي المفتوح، ودعمها الغربي الأمريكي اللامحدود، عن استعادة هيبة خُرقت، وهيمنة سُلبت، وعجرفة قيادة إجرامية، أخفقت في تحقيق أدنى جزء من أهدافها المعلنة، ورغم فارق التسليح الهائل، استطاعت فصائل الجهاد والمقاومة الفلسطينية، تكريس معادلة التحرير والنصر، في سياق معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، وبسقوط الشرط الأمني والعسكري، أصبح احتمال بقاء واستمرار كيان «إسرائيل» الوظيفي، في خانة «الصفر الوجودي»، ولم يعد في قائمة خياراته المتاحة، ما يمكنه المناورة خلالها، أو تأجيل زواله المحتوم بها، ولو إلى أجل قريب، لأن كل ما تبقى في جعبته، لا يعدو أحد أمرين أحلاهما مرٌّ؛ فما بين الدخول في هدنة، على شروط الفصائل في حركة حماس، أو الإصرار على استمرار حرب فاشلة، ليس أمام دويلة «إسرائيل»، إلا اختيار صنف الهزيمة، ونوع السقوط المفضل لديها، سواء أكان في صورة الهزيمة المعلنة، والسقوط الحتمي العاجل، عبر توقيع هدنة مذلة، على شروط حماس، أو كان في قالب الهزيمة الضمنية، والسقوط الحتمي بالتقسيط المرعب، من خلال إطالة أمد الحرب، والإمعان في ممارسة أبشع صور الإجرام والقتل والتدمير، بحق قطاع غزة أرضا وإنسانا، خاصة في ظل تنامي فعل الجهاد والمقاومة، في مختلف الأراضي الفلسطينية المحتلة.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

من “الحسم الكامل” إلى التهدئة المشروطة.. الجيش الإسرائيلي يضع 4 سيناريوهات للحرب

غزة – ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت”أن الجيش الإسرائيلي رسم أربعة مسارات محتملة للحرب في وقت يتشدد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وشركاؤه في مطلبهم بـ “الحسم العسكري” الشامل.

وبحسب ما نشرته الصحيفة، السيناريو الأول يتمثل في التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم مقابل الإفراج عن جميع الأسرى، وهو خيار يتماشى مع شروط حركة الفصائل الفلسطينية، ويعتبر الجيش الإسرائيلي أنه يعد بمثابة “نصر معنوي” لها، ويستوجب انسحاب الجيش الإسرائيلي الكامل من القطاع، مع ضمانات بعدم تجدد القتال.

إلا أن القيادة الأمنية في إسرائيل ترفض هذا السيناريو في المرحلة الحالية، وترى أنه محفوف بالمخاطر السياسية والأمنية، وتعتبر أنه يشجع على تكرار نماذج عمليات مشابهة لهجوم 7 أكتوبر 2023، ويعزز ما تعتبره إسرائيل “إستراتيجية الاختطاف”.

وترى هذه التقديرات أن الاستجابة لمطالب حركة الفصائل قد تُكرّس استخدام الاختطاف كأداة ضغط إستراتيجية في المستقبل، ليس فقط لتحرير أسرى، كما كان الحال قبل 7 أكتوبر 2023، بل لفرض شروط سياسية على إسرائيل، ودفعها للتنازل كذلك عن أراض.

السيناريو الثاني يتناول إمكانية تنفيذ صفقات تبادل متدرجة على مراحل، يتخللها وقف مؤقت لإطلاق النار، على مدار أسابيع أو أشهر، على أن تُستخدم هذه الفترة لتشكيل تصور لما يسمى بـ”اليوم التالي” لحكم حركة الفصائل في غزة.

هذا السيناريو، وإن كان مفضلا لدى صناع القرار في إسرائيل، غير أن حركة الفصائل ترفضه بشدة، وتصر على ضمانات لإنهاء الحرب على غزة بموجب أي صفقة، وكذلك الانسحاب الشامل لقوات الجيش الإسرائيلي من القطاع.

أما السيناريو الثالث، فيقوم على خيار “الحسم العسكري الكامل” من خلال تعبئة واسعة لقوات الاحتياط وشن هجوم بري واسع النطاق تشارك فيه عدة فرق عسكرية للسيطرة على معظم مناطق القطاع، وتطويق مراكز تواجد السكان، وتدمير شبكات الأنفاق ومرافق المقاومة.

وتدرك القيادات العسكرية الإسرائيلية، بحسب الصحيفة، أن هذا الخيار محفوف بتحديات عملياتية وسياسية، وقد يؤدي إلى سقوط عدد كبير من الجنود، فضلا عن تعريض حياة الأسرى للخطر، إلى جانب تحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن إدارة الشؤون المدنية في غزة، وما قد يترتب على ذلك من تداعيات دولية وقانونية.

ويتمثل السيناريو الرابع، والذي تشير التقديرات الأمنية إلى أنه الخيار الأقرب حاليا، في الاستمرار بالنهج الحالي عبر تصعيد تدريجي في العمليات العسكرية، مع إدخال محدود ومنضبط للمساعدات الإنسانية إلى مناطق محددة تحت رقابة صارمة.

يأتي ذلك فيما تواصل إسرائيل منع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة منذ الثاني من مارس الماضي؛ ويهدف هذا السيناريو إلى زيادة الضغط على حركة الفصائل من جهة، ودفع الغزيين إلى ممارسة ضغط داخلي على الحركة، لإجبارها على القبول بصفقة تبادل أو تفكيك بنيتها العسكرية.

وتؤكد التقديرات أن الجيش الإسرائيلي يفضل إبقاء توزيع المساعدات بيد جهات خارجية أو منظمات دولية، وليس تحت مسؤوليته المباشرة، لتفادي استنزاف قواته المنتشرة ميدانيا وعدم تعريضها لمخاطر أمنية وميدانية.

ووفقا للصحيفة، يواصل الجيش الإسرائيلي إعداد خطط بديلة تحسبا لاحتمال اضطراره إلى الإشراف بنفسه على توزيع المساعدات إذا ما فشلت الجهات الدولية بذلك، لكنه يفضل تفادي هذا السيناريو قدر الإمكان.

وذكرت الصحيفة أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، أجرى سلسلة من الاجتماعات خلال الأسابيع الماضية، منذ تسلمه مهامه، أفضت إلى بلورة تقييم محدّث للوضع، بمصادقة وزير الدفاع يسرائيل كاتس.

ووفقًا للتقرير، يأخذ هذا التقييم بعين الاعتبار القيود السياسية والعسكرية المفروضة على إسرائيل في الظروف الراهنة، ويهدف إلى اشتقاق خيارات عملياتية يطرحها الجيش على الكابينيت السياسي – الأمني. وتشير الصحيفة إلى أن الجيش أعدّ ثلاث خطط عملياتية رئيسية، واحدة فقط منها تتطلب تعبئة واسعة لقوات الاحتياط.

المصدر: وكالات

مقالات مشابهة

  • من “الحسم الكامل” إلى التهدئة المشروطة.. الجيش الإسرائيلي يضع 4 سيناريوهات للحرب
  • “سلمان للإغاثة” يُجري 27 عملية لزراعة القوقعة للأطفال في السنغال
  • شاهد بالفيديو.. سيدة الأعمال السودانية هبة كايرو تتحول لمطربة وتغني داخل أحد “الكافيهات” التي تملكها بالقاهرة
  • الحكايات الأولى للمكبرين الأوائل.. الجامع الكبير ساحة للانطلاق (الحلقة الأولى)
  • “يافا”.. التسمية التي أظهرت غيظ نتنياهو
  • “الأونروا”: الاحتلال الإسرائيلي يستخدم المساعدات “ورقة مساومة” ضد غزة
  • الأمم المتحدة تؤكد أن الكيان الإسرائيلي يمنع دخول المساعدات لغزة منذ 50 يوما
  • القوات المسلحة تستهدف عمق الكيان الصهيوني وحاملتي الطائرات الأمريكية “ترومان” “وفينسون” (تفاصيل + فيديو)
  • “الآلة التي عطشت” .. “من رواية: قنابل الثقوب السوداء”
  • “الحوثي” تكشف تفاصيل عملية استهداف عسقلان و”إيلات” بالمسيّرات والصواريخ