لجريدة عمان:
2025-01-31@08:52:26 GMT

عُمان ومؤشر حرية الصحافة

تاريخ النشر: 8th, May 2024 GMT

المفاجآت الكثيرة التي وردت في تقرير حرية الصحافة لعام 2024 الذي تصدره منظمة «مراسلون بلا حدود» كل عام بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يوافق الثالث من مايو، تحتاج إلى وقفة مع النفس من جانب المعنيين بالصحافة والإعلام في السلطنة من مسؤولين ومهنيين وأكاديميين، وذلك حتى يمكن فهمهما في ظل الواقع السياسي والإعلامي العالمي الحالي الذي اختلط فيه الحابل بالنابل.

يمكن القول إن تقدم دولة عربية مثل موريتانيا إلى المرتبة الأولى عربيا والثالثة والثلاثين عالميا، بالإضافة إلى وجود دولتين عربيتين ضمن قائمة الدول المائة الأولى في التصنيف، وهما جزر القمر وقطر، يمثل مفاجأة جيدة للصحافة العربية. في المقابل فإن تراجع دول كبرى كان لها تاريخ طويل في الدفاع عن حرية التعبير وحرية الرأي والصحافة، مثل المملكة المتحدة التي حلت في المركز التاسع عشر، وفرنسا التي تراجعت إلى المركز الحادي والعشرين، والولايات المتحدة الأمريكية التي تقهقرت إلى المركز التاسع والعشرين، ودولة الكيان الصهيوني إلى المرتبة 101، يؤكد إلى حد كبير نزاهة التصنيف من جانب وعدم خضوع «مراسلون بلا حدود» للضغوط الدولية.

من مفاجآت تقرير حرية الصحافة لهذا العام، والذي يغطي الفترة من مايو 2023 إلى نهاية أبريل 2024، أن الصحافة العمانية تقدمت 18 مركزا في التصنيف العالمي لحرية الصحافة وقفزت من المركز 155 إلى المركز 137 من بين 180 دولة شملها التصنيف.

في تقديري أن هذا التقدم الذي أراه كبيرا ومهما، يعود في الأساس إلى المؤشر الأمني وهو واحد من خمسة مؤشرات تقوم عليها منهجية التصنيف إلى جانب المؤشرات السياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية والثقافية. ويتعلق المؤشر الأمني بمجموعة من المعايير التي تبحث في أمن وسلامة الصحفيين في الدولة. وفي هذا السياق، كما يقول التقرير «تُعرّف حرية الصحافة بأنها القدرة على تلقي المعلومات وجمعها ونشرها وفقا لمناهج العمل الصحفي وأخلاقيات المهنة، دون التعرض لمخاطر من قبيل الضرر الجسدي، كالقتل العمد، والعنف، والتعذيب، والاعتقال، والاحتجاز، والاختفاء، والاختطاف، أو الضرر على المستوى المهني، مثل فقدان الوظيفة أو مصادرة المعدات أو نهب المنشآت الإعلامية، بالإضافة إلى أية مشاكل نفسية يتعرض لها الصحفيون نتيجة الترهيب أو الإكراه أو المضايقات أو التجسس أو الإهانة أو خطاب الكراهية أو تشويه السمعة أمام الرأي العام أو لتهديدات أخرى في حق الصحفيين أو أقاربهم».

في هذا المؤشر الذي حققت فيه عُمان المركز 91 على العالم، لم يسجل التقرير أية انتهاكات أو مخاطر يتعرض لها الصحفيون في عُمان، وذلك على خلاف دول أخرى كثيرة شهد الصحفيون في بعضها كل أشكال المخاطر مما أدى إلى تراجعها في التصنيف العام. ولم تتقدم على عمان في هذا المؤشر سوى خمس دول عربية هي موريتانيا وقطر والكويت وجزر القمر والأردن.

المؤشر الثاني الذي جعل الصحافة العمانية تقفز هذه القفزة الكبيرة في التصنيف العالمي هو المؤشر السياسي الذي حققت فيه المركز 130. ويتعلق هذا المؤشر بمدى إيمان النظام السياسي والقيادة السياسية بحرية التعبير والصحافة، ويشمل «درجة الدعم والاحترام لاستقلالية وسائل الإعلام في مواجهة الضغوط السياسية التي تمارسها السلطات أو الصادرة عن بقية الفاعلين السياسيين في المجتمع؛ ومستوى قبول تنوع مناهج الصحافة التي تستوفي المعايير المهنية، بما في ذلك المناهج المتوافقة سياسياً والمناهج المستقلة؛ ومدى الدعم الذي تحظى به وسائل الإعلام للقيام بدورها في مساءلة السياسيين والحكومة بما يخدم الصالح العام».

واقع الحال أن تقدم عُمان في التصنيف العام لحرية الصحافة يطرح أسئلة كثيرة حول مدى تعبير هذا التصنيف عن الواقع الفعلي لحرية الصحافة في سلطنة عُمان؟ وهل يمكن أن يكون هذا التقدم حافزا لتقدم أكبر في السنوات القادمة؟

بالمعايير العلمية يمكن القول إن عُمان لم تتقدم فقط في التصنيف العام، ولكنها تقدمت أيضا على دول كثيرة سبقتها ربما بمئات السنين في التجربة الصحفية وتقهقر مستوى حرية الصحافة فيها في السنوات الأخيرة. تقدمت عُمان على أربع عشرة دول عربية هي على الترتيب: الجزائر، ولبنان، وليبيا، والصومال، والسودان، واليمن، وفلسطين، والإمارات، وجيبوتي، والسعودية، والعراق، ومصر، والبحرين، وسوريا التي جاءت في المركز 179 قبل الأخير. ويمكن إدراك قيمة هذا التقدم إذا علمنا أن التقدم جاء أيضا على حساب ديمقراطيات كبيرة وذات تاريخ طويل في حرية الصحافة مثل تركيا التي جاءت في المركز 158 والهند التي جاءت في المركز 159.

وبعيدا عن التشكيك في دقة التصنيف العالمي لحرية الصحافة وبعيدا أيضا عن أقوال المتشائمين والمتفائلين نقول إن هذا التقدم سوف يكون له انعكاساته على الأداء الإعلامي العُماني في قادم الأيام والسنوات، خاصة مع حالة الانفتاح الإعلامي، وتعدد المنصات الإعلامية، والدعم الكبير الذي يقدمه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله- للإعلام والإعلاميين.

من المتوقع أن يتحسن ترتيب سلطنة عمان في التصنيف العالمي لحرية الصحافة في العام القادم في حال إقرار القانون الجديد للإعلام الذي يناقشه مجلس الدولة حاليا، والذي سوف يحل محل قانون المطبوعات والنشر الذي مرّ على إصداره نحو أربعين عاما، وقانون المنشآت الخاصة للإذاعة والتلفزيون الصادر منذ عشرين عاما، بالإضافة إلى قانون الرقابة على المصنفات الفنية الصادر منذ 23 عاما.

من المؤكد أن المركز الذي وصلت له عُمان حاليا كان يمكن أن يكون أفضل، وأن تنتقل عُمان لتكون ضمن المائة دولة الأولى في حرية الصحافة، لو كان لدينا إطار قانوني مختلف. ويمثل الإطار القانوني والتشريعي الحلقة الأضعف في سجل عُمان، إذ تأتي وفقا له في المركز 168 من بين 180 دولة، علما بأن هذا المؤشر يقيس مدى حرية الصحفيين ووسائل الإعلام في العمل دون رقابة أو عقوبات قانونية أو قيود مفرطة على حرية التعبير، وإمكانيات الوصول إلى المعلومات دون تمييز بين الصحفيين والقدرة على حماية مصادرهم، ومدى إفلات أو عدم إفلات مرتكبي أعمال العنف ضد الصحفيين من العقاب.

إذا استطعنا أن نضيف مزيدا من التحسين على السياق الاقتصادي الذي تعمل فيه الصحافة العمانية، عبر تجاوز «التعقيدات المتعلقة بإنشاء وسائل الإعلام، وخفض مستوى القيود الاقتصادية المرتبطة بالجهات الفاعلة غير الحكومية (المعلنون والشركاء التجاريون)»، فإننا سنكون على بداية طريق مفتوح ليس فقط للوصول إلى قائمة المائة دولة الأولى في مؤشر حرية الصحافة ولكن أيضا لتعزيز صورة عُمان في العالم بما يعود بالخير على المناخين الاستثماري والسياحي في المستقبل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العالمی لحریة الصحافة التصنیف العالمی حریة الصحافة هذا التقدم فی التصنیف هذا المؤشر فی المرکز مان فی

إقرأ أيضاً:

المجاعة تنهش السودان… «لا طعام ولا دواء ولا أي شيء»

في خلال شهرين، دفنت منى إبراهيم اثنين من أولادها قضيا جوعاً في مخيّم للاجئين في السودان الذي تنهشه حرب أهلية منذ نحو سنتين بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، وشهدت هذه الأمّ البالغة 40 عاماً، التي لا حول لها، كيف انطفأت ابنتها رانيا في ربيعها العاشر قبل أن يموت منتصر في شهره الثامن في مخيّم زمزم، حسب تقرير لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وهي باتت تخشى على حياة ابنتها رشيدة (4 سنوات) التي تعاني من فقر حادّ في الدمّ بلا أيّ رعاية طبّية.

وتتحسّر في تسجيل مصوّر أرسلته عبر «واتسابـ» لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أمام مأوى بلا سقف قرب الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور التي تحاصرها «قوّات الدعم السريع» منذ مايو (أيار): «أنا خائفة جداً أن تضيع منّي. نحن متروكون».

وتؤكّد: «ليس هناك طعام ولا دواء ولا أي شيء».

وتروي منى كيف فقدت اثنين من أولادها وهي عاجزة عن مساعدتهما: «ما كان لي سوى أن أضمّهما وهما يحتضران».

وكانت رانيا أوّل من لقي حتفه في المستشفى الوحيد في الفاشر الذي ما زال قيد الخدمة لكنّه يعاني نقصاً شديداً في الطواقم والمعدّات الطبية، في نوفمبر (تشرين الثاني) بعد ثلاثة أيّام من إدخالها بسبب إسهال حادّ. وبعد بضعة أسابيع، لحقها منتصر بعدما انتفخ جسده الصغير بسبب سوء تغذية حادّ.

«هذا كلّ ما لدينا»
أُعلنت حالة المجاعة في مخيّم زمزم الشاسع الذي أنشئ سنة 2004، ويضمّ ما بين 500 ألف ومليون شخص، بالاستناد إلى نظام تصنيف مدعوم من منظمات الأمم المتحدة. وانتشرت في مخيّمين آخرين، وفي بعض أنحاء جبال النوبة في جنوب البلد.

وأنكرت الحكومة الموالية للجيش حدوث مجاعة في البلد، في حين يعاني ملايين الأشخاص نقصاً في التغذية.

في «سلام 56»، إحدى الوحدات الـ48 المكتظّة باللاجئين التي تشكّل مخيّم زمزم، تهزّ أمّهات أطفالهن الذين يعجزون عن المشي من شدّة الإنهاك. وتتشارك عائلات بقايا طبق فول لا طعم له.

وتقرّ راوية علي (35 عاماً)، وهي أمّ لخمسة أطفال: «هذا كلّ ما لدينا». وإلى جانبها دلو فيه ماء عكر من خزّان لمياه الأمطار على بعد ثلاثة كيلومترات، «تشرب منه الحيوانات ونحن أيضاً».

وتعيش في «سلام 56» أكثر من 700 أسرة نزحت من جرّاء الحرب الطاحنة التي تدور منذ أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و«قوّات الدعم السريع» بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب بـ«حميدتي».

ويقول المنسّق المشرف على الوحدة آدم محمود عبد الله، إنه لم يتلقّ سوى أربع شحنات من المساعدات الغذائية منذ اندلاع الحرب، تعود آخرها إلى سبتمبر (أيلول) مع نحو عشرة أطنان من الدقيق، و«مذاك، لم يصلنا شيء».

ويعكس البؤس الذي حلّ بزمزم ضراوة هذه الحرب التي أودت بحياة عشرات الآلاف، وهجّرت أكثر من 12 مليون شخص وتسبّبت بـ«أكبر أزمة إنسانية تسجّل على الإطلاق»، بحسب «لجنة الإغاثة الدولية» (آي آر سي).

«قرارات تدمي القلوب»
وعلى مسافة نحو 700 كيلومتر من جنوب شرقي مخيّم زمزم، ليس الوضع أفضل حالاً.

وأمام أحد آخر المطابخ الجماعية قيد العمل في مدينة ديلينغ في جنوب كردفان، تمتدّ طوابير الانتظار إلى ما لا نهاية له، بحسب ما تخبر نازك كابالو التي تدير مجموعة للدفاع عن حقوق النساء.

وفي الصور التي تشاركتها مع «وكالة الصحافة الفرنسية»، نساء ورجال وأطفال هزلى منتفخو البطون، عظامهم ناتئة، يصعب عليهم الوقوف من شدّة الإنهاك.

وبعد أيام من دون أي لقمة تسدّ الرمق، «ينهار البعض منهم... في حين يتقيّأ البعض الآخر عندما يحصل على بعض الطعام»، بحسب كابالو.

وفي كردفان الجنوب التي كانت فيما مضى منطقة زراعية غنيّة، يقتات بعض المزارعين بذوراً كان يفترض بهم زرعها، أو يغلون أوراق نبات.

وتؤكّد كابالو: «بتنا نلحظ الجوع في مناطق لم تشهد سابقاً مجاعة».

وقد حلّ الجوع بهذا البلد الزاخر بالموارد الطبيعية، حتّى على بعد مئات الكيلومترات من المناطق التي ضربتها المجاعة.

وفي القضارف، على بعد 400 كيلومتر من جنوب شرقي الخرطوم، حيث يعيش أكثر من مليون نازح، تصل عائلات فارة من المعارك الضارية يائسة ومتضوّرة.

وتخبر ماري لوبول، مديرة الشؤون الإنسانية في منظمة «أنقذوا الأطفال» غير الحكومية، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أنها رأت «أطفالاً شديدي الضعف، تسيل أنوفهم، ويعانون التهاباً في ملتحمة العين. ويتّخذ الأهل قرارات تدمي القلوب ليحدّدوا أيّاً من أطفالهم تحتّم عليه الموت».

تداعيات طويلة الأمد
في جنوب العاصمة الخرطوم، أخبر عمّال في برنامج الأغذية العالمي أنهم رأوا أشخاصاً «هم جلد على عظم»، يقتاتون عدساً وحبوباً مغلية، بحسب ما نقلت ليني كينزلي، المسؤولة عن التواصل في البرنامج، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتؤكد المنظمات المعنية بالمساعدات الإنسانية أن الحرب تجعل عملها شبه مستحيل.

وتكشف لوبول: «لا يمكننا بكلّ بساطة أن نحمّل الإعاشات في شاحنة وننقلها إلى المناطق المتأثّرة بالمجاعة. فحواجز العبور وقرارات الرفض وعمليات النهب من جماعات مسلّحة تحرم من هذه المساعدات مَنْ هم في أشدّ الحاجة إليها».

ومن دون تحرّك سريع، قد تعيث المجاعة خراباً في البلد، بحسب منظمات غير حكومية.

وتحذّر لوبول من أن «أشخاصاً يموتون راهناً لكنّ التداعيات الطويلة المدى ستلاحق السودان على مدى أجيال».

ومع حلول الليل في مخيّم زمزم، تتمدّد ابنة منى إبراهيم على الفراش بلا طاقة ومقطوعة النفس. وتقول والدتها: «لا أعلم إلى أي حد يمكننا أن نصبر».

الخرطوم: «الشرق الأوسط»  

مقالات مشابهة

  • شاهد | المقاومة الفلسطينية تنتزع حرية أسراها رغماً عن العدو الإسرائيلي
  • اتحاد نقابات عمال اليمن يدين التصنيف الأمريكي لأنصار الله ويؤكد انحياز واشنطن للعدو الصهيوني
  • المجاعة تنهش السودان… «لا طعام ولا دواء ولا أي شيء»
  • سيدفع صنعاء لفرض معادلة جديدة.. “التصنيف الأمريكي” يفتح أبواب الجحيم على مصالحها في المنطقة
  • وزير الاستثمار يلتقي وفد «موديز» في إطار مراجعة التصنيف الدوري لمصر
  • التوحيد العربي: لإحترام حرية الإعلام والتعبير
  • وزير الاستثمار والتجارة الخارجية يلتقي وفد مؤسسة موديز العالمية في إطار مراجعة التصنيف الدورية لمصر.
  • وزير الاستثمار يلتقي وفد مؤسسة موديز العالمية في إطار مراجعة التصنيف الدورية لمصر
  • وزير الخارجية: تعزيز الحق في حرية الدين لترسيخ قيم المواطنة والتعايش
  • حرصا على حرية الرأي.. «النواب» يحذف المادة 267 من مشروع ‏قانون الإجراءات الجنائية