من الطبيعي أن تكون الرؤية بعين واحدة رؤية ناقصة لا تستطيع أن تجلب المشهد كاملا؛ فهي كما توصف بأنها رؤية الأعور للأشياء، يراها ناقصة غير مكتملة، على عكس رؤية الصحيح الذي يرى الأشياء كاملة وواضحة. هذا هو حال كثير من الناس ووسائل الإعلام التي تنظر للأمور من زاوية واحدة فقط وبعين واحدة مع تجاهل للعين الثانية التي تعطي امتدادا طبيعيا للمشهد كاملا.
الرؤية بعين واحدة هي ما يمكن أن نسميه بالتضليل الإعلامي وقلب الحقائق والتركيز على جانب واحد وزاوية صغيرة فقط من المشهد مع تغييب باقي الحقائق والمشاهد الأخرى، وهذه الرؤية العوراء لا ترى سوى ما تريد تحقيقه من أغراض ومآرب سواء أكانت أغراضا سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو أجندات إعلامية مدروسة بعناية لتحقيق تلك الغايات، ورغم معرفة الجميع بهذا النوع من الرؤى العوراء القاصرة فإن البشر دائما ما يقعون في فخ التضليل الإعلامي والتشويه وقلب الحقائق وربما يعزى ذلك إلى عدد من العوامل أبرزها ميل الناس إلى تصديق كل ما هو مثير وصادم من دون التحقق أو التدقيق في صحة ما يُقال ويُنشر.
في زمن الحروب والكوارث يكثر التضليل والانحياز والكذب والتدليس وتختفي الحقيقة وتصبح الفوضى الإعلامية هي السائدة على المشهد ومن يدفع ضحية الحقيقة هو الإنسان البسيط الذي لا يستطيع التمييز بين ما هو حقيقي وما هو زائف مع السطوة الإعلامية المسلطة عليه من وسائل الإعلام ووسائل التواصل الحديثة التي كرست وكثفت الممارسات غير أخلاقية في حق الناس في الحصول على المعلومة الصحيحة والحق في عرض وجهات النظر المختلفة بعينين مختلفتين وليس بعين عوراء واحدة.
الحرب الإسرائيلية على فلسطين منذ أزلها مليئة بالمغالطات والكذب والتدليس وقلب الحقائق وممارسة الرؤية بعين واحدة ومن وجهة نظر واحدة والتأثير الجبري والقسري على العالم بأجمعه من أن ما تقوم به الآلة الإسرائيلية ما هو إلا دفاع عن نفسها وأن المعتدي فلسطيني والمعتدى عليه إسرائيلي وهذا ما صدّقه الكثيرون رغما عن وجود الحقائق الأخرى التي تثبت عكس ذلك غير أن سطوة الآلة الإعلامية الإسرائيلية وأذرعها في كل العالم استطاعت تكريس هذه الرؤية وبات العديد من الناس حتى في عالمنا العربي رهينة لهذه الادعاءات والأكاذيب الإسرائيلية.
الأمم المتحدة المظلة الدولية التي يفترض أن يحتمي بها العالم أجمع في السياسة والاقتصاد والاجتماع والإعلام، حذر أمينها العام في تقرير له من ضراوة انتشار المعلومات المضللة والدعائية حول العالم، مُحددا في تقريره أفضل الممارسات التي يمكن أن يتّبعها القائمون على الاتصال حول العالم للحد من التضليل وتنقية الأرض من الأخبار المضللة قائلا: إن «مكافحة التضليل تتطلب استثمارا دائما في بناء القدرة المجتمعية على الصمود في وجه الآلات الإعلامية المضللة وتعلم الطرق الصحيحة لتلقي الأخبار الصائبة».
ولكن كيف يمكن للفرد أن يعرف أنه وقع تحت التضليل وأن ما يحصل عليه من أخبار هي أخبار زائفة مدروسة بعناية ومصممة للتأثير عليه؟ هنا بيت القصيد؛ فمعرفة أنك وقعت تحت تأثير أخبار كاذبة ليس بالأمر الهيّن؛ فالتقنيات العالية المستخدمة في فبركة الأخبار ليس من السهولة في أغلب الأحيان اكتشافها؛ فكثير من الأخبار يقوم على صناعتها ممارسون وممتهنون للإعلام وعلماء نفس وعلماء السلوك وعلماء لغة يجتمعون لصياغة استراتيجية تضليلية يمكنها من اجتياح العالم بأكمله مجندين بجيش من ناشطين وصحفيين وإعلاميين يقومون بترديد وإرسال ونشر ما يُملى عليهم من تلك المؤسسات المؤدلجة، وعندما ينتهي الأمر إلى الإنسان البسيط يعتقد بأن ما يصل إليه من قنوات موثوقة هي حقائق ثابتة لا يمكن الكذب بشأنها.
هنالك تقنيات عالية في كيفية التحقق من صدق وكذب الأخبار يمكن أن يقرأ عنها الإنسان العادي، لكن تبقى كل تلك التقنيات مجرد نظريات يمكن أن تكون صالحة للقراءة فقط وليس للتطبيق؛ لأن العين الواحدة وإن كانت عوراء إلا أنها تستخدم تقنيات عالية لمحاولة الإيهام والإيقاع بأن الإبصار يمكن أن يكون بكل الزوايا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: یمکن أن
إقرأ أيضاً:
إغلاق مركز أمريكي لمكافحة "التضليل" بعد قطع التمويل
أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، أمس الثلاثاء، أن وكالة تابعة لها تعنى بتعقب التضليل الإعلامي الأجنبي، أنهت عملياتها بعد إلغاء الكونغرس تمويلها، وبعدما ظلت لسنوات هدفاً لانتقادات مستمرة من قبل الجمهوريين.
وأغلق "مركز المشاركة العالمية"، الذي تأسس عام 2016، أبوابه أول أمس الإثنين، رغم تحذير خبراء من خطر حملات التضليل الإعلامي التي يقوم بها خصوم الولايات المتحدة، مثل روسيا والصين.
وأشارت الخارجية في بيان عندما سئلت عن مصير موظفي المركز والمشاريع الجارية بعد الإغلاق، أنها تجري مشاورات "مع الكونغرس بشأن الخطوات التالية".
U.S. Disinformation Agency Shuttered Amid Funding Dispute
The State Department announced the termination of the Global Engagement Center (GEC), the agency tasked with countering foreign disinformation, due to Congress's refusal to extend its funding.
This decision follows… pic.twitter.com/RuYZ8CDkGz
وكان لدى "مركز المشاركة العالمية" ميزانية سنوية تبلغ 61 مليون دولار، وطاقم عمل من نحو 120 موظفاً. ويترك إغلاقه وزارة الخارجية دون أداة متخصصة لتتبع ومكافحة المعلومات المضللة من منافسي الولايات المتحدة.
وسُحب بند تمديد تمويل المركز من النسخة النهائية لمشروع قانون الإنفاق الفدرالي، الذي أقره الكونغرس الأسبوع الماضي. وواجه المركز منذ فترة طويلة تدقيقاً من قبل أعضاء جمهوريين في الكونغرس، اتهموه بفرض الرقابة على الأمريكيين.
كما وجه إيلون ماسك انتقادات شديدة للمركز عام 2023، واتهمه بأنه الأسوأ في "الرقابة الحكومية الأمريكية"، و"تهديد لديمقراطيتنا". ورد مدراء المركز على هذه الآراء بالتشديد على أهمية مكافحة حملات الدعاية الأجنبية.
واعترض ماسك على مشروع قانون الميزانية الأصلي، الذي كان سيحافظ على تمويل "مركز المشاركة العالمية"، دون الإشارة إليه بالتحديد.
والملياردير مستشار للرئيس المنتخب دونالد ترامب، وتم اختياره لإدارة وزارة كفاءة الحكومة "دوج" الجديدة، والمكلفة خفض الإنفاق الحكومي.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، أعلن منسق "مركز المشاركة العالمية" جيمس روبين عن إطلاق مجموعة متعددة الجنسيات مقرها وارسو، لمواجهة التضليل الروسي بشأن الحرب في أوكرانيا المجاورة.
وقالت وزارة الخارجية إن "المبادرة، المعروفة باسم مجموعة التواصل الأوكرانية، ستجمع الحكومات الشريكة لتعزيز الدقة في التقارير عن الحرب وكشف تلاعب الكرملين بالمعلومات". وفي تقرير صدر العام الماضي، حذرت مجموعة التواصل الأوكرانية من أن الصين تنفق مليارات الدولارات على مستوى العالم، لنشر معلومات مضللة تهدد حرية التعبير في جميع أنحاء العالم.