بقلم : جعفر العلوجي ..
أريد بهذا المقال أولاً أن أعرج على فكرة ومفهوم التحديث والتجديد بأساليب العمل والحاجة الماسة إليه ويكمن القصد بمفهوم الحداثة بأنه أسلوب تغيير في نمط الأفكار، والنظريات، والتوجهات، والأساليب والإدارة ورفض مخلفات الماضي القديمة المضرة التي عفا عليها الزمن، في كل جوانب الحياة السياسية، والأدبية، والاجتماعية،والعملية والإدارية طالما أثبتت فشلها وعدم أهليتها والتوجه نحو التطور، والتحديث المجرب بالعلم والمعرفة، والانفتاح على الجديد المفيد والمناسب، والتركيز على أساليب الطاقات الإبداعية التي تولد ثورة معرفية وأخرى تشحذ الهمم، فترتكز هذه الطاقات على أفكار مبتكرة غير مألوفة تنتج أفراداً يتوزعون بين فئة لها القابلية على صنع التغيير، في الوقت الذي تظل فيه فئة أخرى قديمة مترددة خائفة من المغامرة، في تقبل ما هو جديد على ثقافتها.
اتخذت هذه المقدمة لأشير بها الى صورة واضحة للعيان ومثل لا نتردد في طرحه لإيجابيته وطاقته الإيجابية الفاعلة ويتجسد بآلية حركة وتصرف الدكتور عقيل مفتن رئيس اللجنة الأولمبية الذي يعتمد التحديث والتجديد بأسلوب علمي مدروس مجرب ستكون ثماره الناضجة واضحة للعيان كما سيكون من يعترض على التحديث والتجديد ظاهراً هو الآخر ومنبوذاً خارج السرب، ولو تتبعنا مثلاً تواصله ودعمه للمنتخب الأولمبي العراقي بكرة القدم منذ المباراة الأولى او قبل أن تبدأ التصفيات لشهدنا حالة التطور في التعاطي مع المنتخب حتى مع خسارته المباراة الأولى والوعد بالتكريم والوصول الى المنتخب وشد أزره ومتابعته وزيادة التواصل معه وصولاً الى تأهله الى أولمبياد باريس وتكريمه واستقباله جماعات ومنفردين للوقوف على جميع مفردات العمل مبكراً، فضلاً عن تأمين معسكرات توازي حجم المهمة وعمل آلية جديدة مباشرة لتجاوز جميع مشاكل اللاعبين حتى الشخصية منها وحلحلتها وتوظيف فريق من المتابعين لهذا الأمر، وهو بالذات ما يحصل مع أكبر الفرق العالمية من حولنا، كما أنه نتاج لخبرة وتجربة وتغيير بالأساليب، وهنا لا أتكلم عن منتخب بلعبة جماعية فقط بل إن الأولمبية بتحديث عملها تراها تتواصل وتتفاعل مع جميع الألعاب وتدعم بأقصى درجات الدعم من يريد التغيير الى الأفضل والتميز وتحقيق الإنجاز العالي وهو غاية ما نريد ونبتغي
همسة …
الصبر على نتائج العمل أفضل من تسقيطه والنيل منه، ننتظر ونرى ونسجل حتى لا يطال الندم كل من يحاول التصيد والتقاط صورة ضبابية بالنسبة إليه ولا يرى سوى هالة الفشل أمام ناظريه، ولكنها واضحة وضوح الشمس الى من يفتح قلبه وعقله ونجزم أن دور الإعلام سيكون عظيماً في إحداث نقلة نوعية في الرياضة وإسناد من يحث الخطى نحو التغيير الإيجابي.
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
مفاهيم الإصلاح والتغيير في الرؤية الإسلامية.. مشاتل التغيير (13)
تحيط بفكرة الإصلاح الإسلامي غيوم كثيرة أحدها تتعلق بالطروحات الإسلامية في هذا المقام، وأغلبها نشأت من التوجه العلماني في العالم العربي والذي خاض حربا ضروسا مع التوجهات الإسلامية؛ وبعضهم انتقل من المتدينين الى الدين ذاته، وبدا لهؤلاء أن يهيلوا التراب على كل ما هو إسلامي فيهجمون على الأصول كما يهجمون على التراث. من دون هوادة بدا لهؤلاء الذين يعتنقون العلمانية الفجة أن كل ما هو ديني وجب علينا لو أردنا تقدما وحداثة وتحديثا أن نعلن في بيان عام للأمة قطيعة واضحة شاملة فاصلة مع الدين وحتى مظاهر التدين العام؛ وقالها البعض أن الدين سبب تخلفكم؛ فاطرحوه أرضا يخلو إليكم طريق نهضتكم وتقدمكم.
يقول الدكتور عبد الوهاب الطريري: "تبقى عبارة الإصلاح الديني حمالة وجوه، ولفظة مجملة يمكن تفسيرها بأكثر من معنى بحسب من يستخدمها، فإذا أردنا الإصلاح الديني بمعناه العام وهو "إعادة الناس إلى الدين الصحيح منـزها عما لحقه من انحراف في الفهم، وما تراكم من أخطاء في حياة المسلمين خلال عصور الركود والانحطاط"، فسنجد مجالات الإصلاح الديني في الإصلاح العقدي لتطهر العقائد من المظاهر الوثنية والعبادات من غنوصية الغلو الصوفي، وإصلاح علمي يبث الحياة في فقه الأمة وفكرها بحيث يستوعب التلاحق السريع لإيقاع الحياة المعاصرة، وإصلاح الوعي والفكر بحيث نفتح الآفاق للتألق والإبداع.
والإصلاح بهذا المعنى عملية واسعة ضخمة، ومنجز كبير وهدفه أكبر من العبور إلى الحضارة بل استصلاح عام لواقع المسلمين، وهذا معنى تجديد الدين وحقيقة عمل المجددين في تاريخ الأمة، وسيكون المنجز الحضاري إحدى نتائجه، فإن الإسلام دين حضارة وبالتالي لم ولن يقع في صدام مع الحضارات، وهو بالنسبة لحضارة الغير مهذبٌ أخلاقي. وهذا السر في أن المسلمين في فجر إسلامهم استوعبوا أعظم حضارتين في وقتهم بصورة مذهلة، وكانت بوابة الإسلام أوسع بكثير من الحضارات التي مرت عبرها، ولم يكن بين الإسلام والحضارة جدلية ممانعة، بل علاقة صحيحة ممكنة لصناعة الإسلام داخل الحضارة أو صناعة الحضارة داخل الإسلام".
ويواصل حجته في فهم الإصلاح: "لو أن قُطرا إسلاميا ممثلا في قيادته الفكرية والسياسية أراد العبور إلى طريق الحضارة، فهل سيجد في فهمه لدينه ما يمنعه من إصلاح سياسي يعطي الناس حرية التعبير والمشاركة في الحكم والالتزام بحكم القانون، ومن الأخذ بما هو لازم للدولة الحديثة من مؤسسات اقتصادية وإعلامية وتربوية وإدارية، وهل سيجد ما يمنعه من إقامة علاقات مع دول إسلامية وغير إسلامية يرى من مصلحته إقامة العلاقة معها، ومن الإفادة من كل أنواع العلوم التقنية وتوطينها في قطرهم، هل سيجد ما يمنعه من الاجتهاد لإيجاد حلول لمشكلات عصره لا تتنافى مع الكتاب والسنة بحسب الفهم المُجمع عليه (أما ما لا إجماع عليه فلا إلزام فيه). إن الإجابة عن ذلك ستكون بالنفي، وستكتشف أن الصدام لن يقع في منجز الحضارة العلمي ولا التقني ونحوه، ولكن سيقع الصدام بين الدين وما هو من أهواء الحضارة الغريبة التي صاحبت نهضة الغرب مجرد مصاحبة ولم تكن من أسبابها ولا شرطا لنهضتها، ولا هي مما يُلزم البشرية به عقل ولا خلق وإن رآها البعض من شروط التقدم والمعاصرة".
ومن هنا، وجب علينا أن نتحرك صوب مفهومين يرتبطان لزوما ألا وهما مفهوما "المعاصرة" ومفهوم "التنوير الإسلامي"؛ ضمن رؤية تأسيسية تستند إلى المعايير الكلية في هذين المضمارين وغيرهما. إن الأخذ بكل أسباب الحضارة ممكن إسلاميا، وذلك أن العقل جزء لا يتجزأ من الدين، وأن هذا الدين بهدفه الأسمى يحقق "تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها"، وهو دين لا يُلزم الناس إلا بما هم قادرون عليه في ظروفهم الزمانية والمكانية: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسا إِلَّا وُسْعَهَا" (البقرة: 286)، ولأنه دين إنساني لا يأمر ولا ينهى إلا بما هو متعلق بالإنسان بما هو إنسان لا بكونه ابن هذا الزمان أو ذاك المكان أو تلك الثقافة. بل إن هذه المفاهيم العمرانية المتعلقة بالبناء الحضاري هي من صميم الرؤية الإسلامية بناء ومعيارا، وهي في كل الحضارات لا تقتصر على حضارة بعينها؛ أرادت أن تفرض مركزيتها وهيمنتها وشروط أن تكون وتستمر غالبة مهيمنة، ومن تلك المفاهيم الحضارة، والثقافة والمدنية المجتمعية والعمرانية.
في يوم ما التقيت أحد هؤلاء من العلمانيين الأخف درجة في مستويات العلمانية والعلمنة؛ وكان يعرف توجهي وأنني حتى أكاديميا أعتبر نفسي جزءا من المشروع الإسلامي ومهتما بدراساته ومستقبله؛ وطفق يملي علي محاضرة حول عورات الخطاب الإسلامي ومطالبا في النهاية بتجديده. ورغم أنني كنت مقتنعا بضرورة تجديد الخطاب الإسلامي والديني وملحقاته لدواع تختلف عن تلك الدواعي التي ألقاها ضمن حواري معه؛ ولكن ألقيت عليه سؤالا يبدو أنه لم يتوقعه؛ مفاده أنكم ألقيتكم علينا بعضا من ضرورات تجديد الخطاب الإسلامي؛ فهل من الممكن أن تعطيني في حديثكم طرفا من ضرورات تجديد الخطاب العلماني الذي يبدو مقلدا لإرث استشراقي أو يجتر دولة بين العلمانيين نفس الحجج وذات الأساليب، بل محاكاة وبحرفية الأسئلة بنصها وفصها.
إن نقد المفاهيم الشائعة بما يسوغ عملية التغيير، يمكن إجمال هذا الموقف في التحفظ على مفاهيم مثل: اليقظة والصحوة والنهضة والبعث، وهي وإن اقترنت في الغالب بوصف "الإسلامية"، فإنه من الأصلح اعتبارها تمثيلا لمرحلة تاريخية لا مستغرقة لمفهوم التغيير بكافة امتداداته وشموله كما ورد شرعا، كما أنها لا تعطي نفس الدلالات المهمة لمفاهيم شرعية مثل: التغيير، التجديد، الإحياء، الإصلاح؛ وجب التوقف عليها وعندها، صحيح أن هذه المفاهيم الشرعية قد تجد لها منافسا من خلال البدائل المطروحة في كتابات علم السياسة المعاصرة مثل: التحديث (الخطأ لغويا والصحيح الإحداث أو الحداثة)، والتنمية، والتقدم، والتطور، والتصنيع والتقنية، وبناء الأمة والمعاصرة والعصرية، إلا أن النظر العميق والبصير وعيا وسعيا لتلك البدائل يستبطن بل ويستظهر مفهوم العلمانية كإطار فكري لفهمها مما يجعلها غير صالحة، كما أنها تستند إلى مقاييس غربية مما يجعل التقليد لها بلا بينة يقع في إطار حركة التغريب، وهو ما يتطلب ضرورة إعادة النظر في استخدامها جميعا.
وخلاصة القول، إن المفاهيم الشرعية مثل: التجديد والتغيير والإصلاح والإحياء؛ هي الأولى بالاستخدام، بل يحق لها أن تنفرد بذلك عما عداها من مفاهيم أخرى؛ حيث تكفّل الكتاب بحفظها محددا إياها في مجمل نصوصه وآياته، ومن ثم يمكن ضبط الانحراف عنها فكرا وحركة أو تلبيسا وتشويها، ذلك أن تلك المفاهيم كلمات الله، "وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقا وَعَدْلا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (الأنعام: 115)، كما أن تبني هذه المفاهيم الغربية دون مراجعتها يفرض اتخاذ مواقف سلبية من الدين والتراث والسلف.. إلخ، هذا من جانب، ومن جانب آخر يؤدي إلى عدم وضوح أساسي للسعي وللحركة ومقاصدها؛ وبناء مشروع حضاري للمستقبل يتخذ من الغرب القدوة والبوصلة في كل ذلك.
كما أن تبني تلك المفاهيم؛ كالتغيير: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" (الرعد: 11)؛ والنهوض: "كفعل يشكل منظومة الارتقاء والرقي وينتقد مفهوم النهضة المحمل بحمولات الغرب وتاريخه"، والإصلاح: "إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ" (هود: 88) كمفاهيم مظلة، والتجديد: "إن الله يبعث في هذه الأمة على رأس كل مئة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها"، والإحياء: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ" (الأنفال: 24)، والانبعاث: "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّة وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ" "التوبة: 46"؛ كمفاهيم داعمة ضمن منظومات التغيير والإصلاح والنهوض؛ يؤكد على الأبعاد المنظومية التي تدعو تلك المفاهيم بعضها بعضا؛ فهي كالجسد الواحد أو البنيان يشُد بعضه بعضا.
ومن هنا يبدو لنا أن الوعي بالإصلاح الإسلامي ومنظوماته والسعي الحركي بمقتضاهما؛ إنما يعبر عن إمكانات الوعي والسعي في مسار مشاتل التغيير من وجل أو خوف ومن دون خلل في الرؤية أو وهن، فمشاتل التغيير كما يعلمنا مفهوم الإصلاح الإسلامي إنما تعبر عن أشواق الأمة في التغيير وتحرك الطاقات صوب مشروع إصلاحي مكين ورصين واعٍ وبصير.
x.com/Saif_abdelfatah