الوكالة الذرية تواجه عراقیل في مراقبة برنامج إيران النووي
تاريخ النشر: 8th, May 2024 GMT
وصل المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، إلى طهران، أمس الاثنين، في زيارة تستغرق يومين وتوجه إلى مدينة أصفهان وسط إيران، بحجة المشاركة في مؤتمر حول التقنية النووية تقيمه إيران، وفي الواقع يأمل غروسي تعزيز رقابة الوكالة على البرامج النووية الإيرانية من خلال مفاوضات مع وزير الخارجية ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانيين.
ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة بأم "الاتفاق النووي" خلال رئاسة دونالد ترامب في عام 2018، فقد انهار الاتفاق ودخل في مرحلة الموت السريري، ورغم الإعلان بأن الهدف من الاتفاق هو الحد من أنشطة إيران النووية مقابل الرفع الجزئي للعقوبات المفروضة على إيران فإن الإدارة الأميركية السابقة وعلى لسان رئيسها وصفته بالاتفاق السيئ الذي لن يمنع إيران من ممارسة أنشطتها النووية.
وبالمقابل ورداً على استئناف العقوبات التي ألغيت بموجب الاتفاق النووي صادق البرلمان الإيراني على قرار يلزم الحكومة الإيرانية بالتراجع عن التزاماتها بهذا الاتفاق والعودة إلى الأنشطة النووية إلى أن ترفع العقوبات وتعود كافة الأطراف إلى التزاماتها وعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي هي بيت القصيد.
إلى ذلك رفعت إيران درجة تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وهي قريبة جداً من نسبة 90% المطلوبة لإنتاج الأسلحة النووية، وتشير التقديرات إلى أن كمية اليورانيوم بتركيز 60% في إيران قد وصلت إلى مستوى يسمح لها في حالة التخصيب الإضافي بتصنيع قنبلتين ذريتين.
وتقول القوى الغربية إن هذا المستوى من التخصيب ليس له أي مبرر مدني وتزعم الحكومة الإيرانية من ناحيتها أن أهداف البرنامج النووي الإيراني سلمية تماما.
وفي تقرير لـ"رويترز" نشرته بالتزامن مع زيارة غروسي لإيران، سلطت الضوء على العلاقات المتوترة بين طهران والوكالة النووية الدولية للطاقة الذرية، وقد استعرض التقرير البيانات والعقبات والمشاكل التي تواجهها الوكالة الدولية لمراقبة البرامج النووية الإيرانية.
عمليات التفتيش المفاجئ
لقد أعلنت إيران التزامها الكامل بتنفيذ البروتوكول الإضافي وفقا للاتفاق النووي المبرم في عام 2015 بين إيران والقوى العالمية المعروفة باسم 5+1 وفي إطار البروتوكول الإضافي الذي هو في الواقع بين الوكالة والدول الأعضاء، يمكن للوكالة الدولية للطاقة الذرية تفتيش أي منشأة بأي وقت تريد معلنة كانت أم غير معلنة.
وأعلنت الحكومة الإيرانية، التي تواصل التراجع عن التزامها بموجب بنود خطة العمل الشاملة المشتركة، أعلنت في يناير 2022 أنها ستوقف العمل بالبروتوكول الإضافي، ونتيجة لذلك، ستتوقف عمليات التفتيش المفاجئ التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
نطاق الرصد والتفتيش
وباعتبارها دولة موقعة على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (NPT)، تخضع إيران منشآت إيران النووية لعمليات تفتيش مستمرة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية مثل منشأتي نطنز وفردو لتخصيب اليورانيوم.
ولكن بناءً على الاتفاق النووي اتسع نطاق الرصد والمراقبة من قبل الوكالة الدولية ليشمل المزيد من المنشآت والأنشطة، ومن الأمور المهمة التي أخذتها الاتفاقية النووية بعين الاعتبار، إشراف الوكالة على صنع وتركيب أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم وعددها، وكذلك عملية إنتاج وحجم الكعكة الصفراء، وأكسيد اليورانيوم المركز الذي يتم تخصيبه بواسطة أجهزة الطرد المركزي، إلا أن الحكومة الإيرانية منعت في يناير 2022 الوكالة الدولية للطاقة الذرية من القيام بهاتين المهمتين من قائمة المراقبة الخاصة بها.
ونتيجة لتوقف إيران عن التعاون في هذه المجالات، منذ نحو عامين، منعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من إمكانية الحصول على معلومات مستمرة من عدة مجالات تتعلق بالأنشطة النووية الإيرانية، بما في ذلك عدد أجهزة الطرد المركزي المصنعة والنشيطة، وقد زاد هذا الوضع من المخاوف حول إمكانية قيام إيران ببناء مراكز تخصيب سرية، ومن دون عمليات التفتيش المفاجئ من قبل الوكالة، يصبح الاطلاع على هذه الأنشطة أكثر صعوبة من ذي قبل.
كاميرات المراقبة
إلى ذلك توصلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبهدف التعويض عن تعليق تعاون إيران في مجال التفتيش المفاجئ والذي أعلن عنه في يناير 2022، توصلت إلى اتفاق مع طهران يقضي باستمرار عمل كاميرات المراقبة وسائر الأجهزة المراقبة في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة، لكن ستبقى المعلومات التي تم جمعها بواسطة هذه المعدات ستبقى في حوزة الحكومة الإيرانية وهي مختومة بالشمع الأحمر.
منع الوكالة من الوصول إلى المعلومات
وفي يونيو 2022، أجبرت إيران الوكالة الدولية على إزالة الكاميرات ومعدات المراقبة الأخرى، وفي مارس 2023، أعلنت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية اتفاقهما على حل بعض الخلافات في "بيان مشترك" إلا أن هذا البيان لم يحدد الكثير من التفاصيل، واعتبرت الوكالة، هذا الاتفاق بمثابة التزام من قبل إيران بتعاون واسع النطاق، بما في ذلك إعادة تركيب كاميرات المراقبة.
وفي الأشهر التي تلت الاتفاق، تم تركيب عدد صغير من الكاميرات التي كانت الوكالة قد قررت تركيبها في المنشآت النووية الإيرانية، لكن بحسب الوكالة الدولية لم يتم منذ يونيو 2023، إحراز أي تقدم بشأن الأهداف الواردة في "البيان المشترك".
المفتشون
وفي سبتمبر 2023، حظرت الحكومة الإيرانية سفر العديد من كبار خبراء شؤون التخصيب في الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران وبحسب مصادر دبلوماسية، نتيجة لهذا القرار، لم يبق في إيران سوى خبير واحد من قبل الوكالة في مجال تكنولوجيا التخصيب شديدة الحساسية.
ودانت الوكالة الدولية الإجراء الإيراني، وأعلنت أنه بالرغم من أن مثل هذا القرار مسموح به من الناحية الفنية من قبل الدول الأعضاء، فإن الإجراء الإيراني غير مسبوق وسيوجه "ضربة قاسية" لإمكانية الوكالة في مجال تنفيذ مهمتها في إيران بشكل صحيح.
آثار اليورانيوم في مواقع لم تعلن عنها إيران
وتطالب الوكالة الحكومة الإيرانية منذ سنوات من طهران تقديم توضيحات حول اكتشاف آثار لليورانيوم في منشآت قديمة لم تعلن عنها إيران من قبل.
إلى ذلك أصدر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارا في يونيو 2022، طلب بموجبه من إيران التعاون الفوري مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بخصوص هذه المواقع، وفي القرار التالي الذي صدر في نوفمبر 2022، أمر المجلس إيران بالتعاون مع تحقيقات المفتشين، مؤكدا ضرورة التعاون مع الوكالة في أسرع وقت ممكن.
وترى الحكومة الإيرانية أن هذه القرارات ذات دوافع سياسية و"معادية لإيران"، وأكد آخر تقرير رفعته الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مجلس المحافظين في هذه الوكالة أن الحكومة الإيرانية لم تقدم أي مبرر فني موثوق فيما يتعلق باكتشاف آثار لليورانيوم في المواقع المذكورة.
البند المعدل
وتشكل الفقرة 3.1 المعدلة جزءا هاما من لوائح الوكالة الدولية للطاقة الذرية فيما يتعلق بالتزامات إيران في مجال التنفيذ الكامل لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، والتي تلزم طهران "بتقديم جميع المعلومات المتعلقة بتصميم المنشآت النووية الجديدة بمجرد اتخاذ قرار بناء المنشأة أو الموافقة عليها وتلك التي تحظى بالأولية في البناء إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
وأعلنت إيران أنها لن تلتزم بتنفيذ هذا البند اعتبارا من فبراير 2021، لكن الوكالة تقول إن تنفيذه التزام قانوني ولا يمكن لإيران تعليقه.
وهذا النزاع الذي لم يتم حله يثير مرة أخرى القلق من أن إيران قد بدأت سرا في بناء أو تصميم منشآت نووية جديدة، لاسيما أن الحكومة الإيرانية أعلنت مؤخرا عن قرارها ببناء محطات جديدة للطاقة النووية وبدأت في البناء من دون إخطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
المصدر: وكالة خبر للأنباء
كلمات دلالية: الوکالة الدولیة للطاقة الذریة النوویة الإیرانیة الحکومة الإیرانیة الاتفاق النووی من قبل الوکالة الإیرانیة من فی مجال
إقرأ أيضاً:
هل عزل همتي بداية المواجهة بين الحكومة والبرلمان في إيران؟
طهران- على وقع تدهور الاقتصاد الوطني المتمثل في تراجع قيمة العملة الوطنية وارتفاع معدلات التضخم، أقال البرلمان الإيراني أمس الأحد وزير الاقتصاد والمالية عبد الناصر همتي، وذلك بعد مرور نحو 6 أشهر فقط على منح النواب الثقة لجميع الوزراء في التشكيلة الحكومية للرئيس مسعود بزشكيان.
وفي سابقة هي الثانية من نوعها منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979، خسر همتي في التصويت على حجب الثقة عنه، ليسجل ثاني أسرع استجواب في تاريخ الجمهورية الإسلامية بعد وزير الداخلية الأسبق علي كردان الذي أقاله البرلمان عام 2008 على خلفية فضيحة تزويره شهادة الدكتوراه بعد 3 أشهر فقط من تولّي منصبه.
وهذه المرة، رغم محاولة الرئيس مسعود بزشكيان لثني النواب عن عزل وزيره، إذ قال تحت قبة البرلمان إن البلاد تواجه حربا اقتصادية هي الأسوأ والأصعب منذ الحرب العراقية الإيرانية (1988-1980)، وإن المشكلات الاقتصادية الراهنة غير مرتبطة بشخص واحد، صوّت 182 برلمانيا لمصلحة سحب الثقة من أصل 273 حضروا الجلسة المخصصة لإقالة همتي (من أصل 290 عضوا) في حين عارض 89 نائبا وامتنع نائب واحد عن التصويت.
ويرى مراقبون سياسيون في طهران تأييد نحو 66% من نواب البرلمان المحافظ عزل همتي ضربة قاصمة لشعار "الوفاق الوطني" الذي رفعه بزشكيان منذ تنصيبه وطبقه بشكل عملي عبر تعيينه شخصيات من التيار السياسي المنافس في مناصب عليا بحكومته.
من ناحيته، كتب محمد علي أبطحي -وهو ناشط سياسي إصلاحي ورئيس مكتب الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي- على منصة إكس "لا بد أن يعتبر المجلس الوزاري من استجواب همتي عقب 6 أشهر فقط من تولّيه منصبه، عليه ألا يقبل بالوفاق من جانب واحد، وأن يتعامل مع البرلمان بناء على الأسس القانونية فحسب".
وانتقد أبطحي توجه الحكومة لفتح المجال أمام عناصر التيار المنافس تحت شعار "مسايرة البرلمان"، مضيفا "عليكم أن تعلموا أن بزشكيان هو الفائز في الرئاسيات السابقة. لا تسمحوا للأطراف الأخرى أن تتدخل في شؤون الحكومة حتی تكون النتيجة مشابهة لما كان يراد لها في حال فوز المرشح المقابل".
إعلانورغم أن الريال الإيراني كان قد استعاد جزءا بسيطا من قيمته عقب الإعلان عن فوز بزشكيان في رئاسيات الصيف الماضي، إذ تراجع آنذاك سعر الدولار الأميركي من 610 آلاف إلى 590 ألف ريال، واصلت العملة الإيرانية خسارة قيمتها منذ يوليو/تموز المنصرم حتى بلغت 930 ألف ريال للدولار الواحد تزامنا مع عقد جلسة الاستجواب صباح يوم أمس.
تنافس سياسيوعلى وقع الجدل المتواصل إثر تقديم الأغلبية المحافظة في 11 يناير/كانون الثاني الماضي مشروع الاستجواب، يرى الإصلاحيون في استجواب همتي محاولة لتشفّي خصومهم بعد أن أخفقوا في إقالة محمد جواد ظريف مساعد الشؤون الإستراتيجية للرئيس بزشكيان من منصبه، وكذلك فشلهم في إحباط برامج بزشكيان الرامية إلى رفع القيود عن الإنترنت وتعليق قانون الحجاب الإجباري.
لكن بعد مرور سويعات على عزل همتي، نقلت وكالتا أنباء "تسنيم" و"فارس" المقرّبتان من الحرس الثوري عن مصادر مقربة من الحكومة أن ظريف قد قدم استقالته للرئيس بزشكيان الذي لم يتخذ قرارا بعد بشأنه.
في غضون ذلك، هاجم السياسي المحافظ إحسان صالحي -الذي سبق أن تقلد منصب سكرتير المجلس الإعلامي لحكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي- كلمة بزشكيان تحت قبة البرلمان دفاعا عن همتي وحديثه عن دور الضغوط الخارجية في تشديد الأزمات الاقتصادية، مضيفا في تغريدة على منصة إكس أن "الرئيس بزشكيان قدم صورة ضعيفة عن البلاد في مواجهة نظيره الأميركي دونالد ترامب".
من ناحيته، دافع همتي عن سجله، معتبرا أن سعر الصرف في البلاد ليس حقيقيا وإنما نابع عن التوقعات التضخمية. وتوعد بخفضه حتما، مضيفا أن "المشكلة الأخطر في اقتصاد البلاد هي التضخم المزمن الذي يعاني منه اقتصادنا منذ سنوات".
إعلانوفي كلمته تحت قبة البرلمان قبيل التصويت على سحب الثقة منه، قال همتي إنه "لا يريد الكشف عن معلومات تسعد الأعداء"، لكنه تعمّد أن يكون صريحا مع النواب عندما خاطبهم بأن الضغط على الموازنة والسيولة سيستمر وسعر الدولار سيزداد ما دامت القضايا الدولية قائمة وأن معالجة التضخم في البلاد ستستغرق وقتا.
وبينما ركزت كلمات المستجوِبين تحت قبة البرلمان على إخفاقات الوزير المعزول في احتواء التضخم، وإصلاح النظام المصرفي، وانهيار قيمة العملة الوطنية إثر إطلاقه خطة لتوحيد أسعار الصرف مما أدى إلى تفاقم الوضع المعيشي وسقوط شريحة كبيرة أخرى من المواطنين تحت عتبة الفقر، يرى الطيف المقابل أن همتي راح ضحية التنافس السياسي في البلاد.
في المقابل، يرد المؤيدون بأن همتي نجح بالفعل في ترميم عجز الموازنة وكبح جماح التضخم من 42% إلى 32% وأن فترة 6 أشهر لم تعد كافية لإصلاح ما أفسدته الحكومات السابقة، فضلا عن الأزمات الاقتصادية المتراكمة جراء العقوبات الأميركية وارتفاع منسوب التوترات الإقليمية.
أول الغيثيأتي الجدل بين مؤيدي حكومة بزشكيان ومعارضيها بعد مرور 192 يوما على تصويت 192 نائبا الصيف الماضي لمصلحة تولي همتي وزارة الاقتصاد والمالية، مما يطرح علامة استفهام عما إذا كانت الموافقة البرلمانية على جميع أعضاء التشكيلة الحكومية المقترحة متأثرة بالتطورات الأمنية التي أعقبت تنصيب بزشكيان، ولعل أبرزها اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران.
وبذلك، يرى الكاتب مهرداد خدير -في مقاله نشره بموقع "عصر إيران" الناطق بالفارسيةـ أنه بناء على ديدن البرلمان المحافظ وموقفه من الرئيس بزشكيان وحكومته فإن المستغرب هو منح هذا البرلمان ثقته لجميع الوزراء المقترحين وليس سحب الثقة من همتي.
وفي مقاله بمناسبة أول مواجهة عملية بين البرلمان والحكومة، توقع خدير استمرار وتيرة المواجهة السياسية بينهما خلال الفترة المقبلة على أن تطيح بعدد آخر من وزراء حكومة بزشكيان، مضيفا أن تسمية البديل للوزير المعزول ستحدد إذا كان بزشكيان سيتراجع أمام ضغوط البرلمان أم يتخذ قرارا بعدم التغيير في فريقه الاقتصادي.
إعلان