يستعد حزب "دي لينكه" اليساري في ألمانيا لتقديم اقتراح إلى البرلمان يطالب خلاله بوضع سقف لسعر وجبة "دونر كباب (شاورمة اللحم)" السريعة الأكثر شعبية بين الألمان في ظل ارتفاع سعرها.

وتتصدر وجبة "دونر كباب" أطباق طعام الشوارع في المدن الكبرى في ألمانيا، وخاصة بين الشباب، لكن في الأشهر الأخيرة ارتفعت أسعارها بشكل حاد.

وحسب ما أفادت صحيفة "سترن" الألمانية تلقي الحكومة باللوم على ارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة، ووفقا لمسح أجرته خدمة التوصيل "ليفيراندو"، فإن تكلفة كباب دونر في العاصمة تبلغ الآن حوالي 7 يوروهات، في حين تصل في هامبورغ إلى 10 يوروهات.

ويضع الحزب اليساري في الفترة الحالية الخطوط العريضة لـ"سقف سعر الكباب" في المستقبل، بحيث ألا تزيد تكلف الوجبة الخفيفة عن أكثر من 4.90 يوروهات، مطالبا الدولة بتغطية التكاليف الإضافية.

تم طرح الاقتراح من قبل المتحدثة باسم سياسة الشباب في اليسار، كاثرين جبل التي قالت في تصريحات للصحيفة المحلية "من الصعب أن نتوقع أن تخفض صناعة المواد الغذائية ومحلات السوبر ماركت الأسعار الآن. سيظل سعر الكباب مرتفعا إذا لم تغير الحكومة أي شيء".

وحسب ما ورد في مقترح اللجنة التنفيذية للحزب المزمع تقديمها للبرلمان فإنه "في كل عام يتم تناول 1.3 مليار وجبة كباب في ألمانيا بينهم 400 ألف وجبة يوميا في برلين وحدها، وإذا دفعت الدولة 3 يوروهات دعما لكل وجبة، فإن برنامج الدعم هذا سيكلف الدولة 4 مليارات يورو سنويا، وفقا لحسابات "دي لينكه".

ولا يقف مقترح "دي لينكه" عند وضع حد أقصى لأسعار الكباب، بل امتد إلى مطالبة الدولة بحصول جميع المواطنين الألمان على "قسيمة دونر كباب" أسبوعيا يمكنهم من خلالها شراء كباب مقابل 5 يوروهات، وبسعر مخفض للطلاب بقيمة 2.50 يورو، على أن يحصل أصحاب المطاعم على فرق السعر من الولاية.

ويرى الحزب اليساري ضرورة إلزام سلاسل المتاجر الكبرى بضمان تقديم المنتجات الغذائية والنظافة الأساسية "بأسعار معقولة". ووفقا للصحيفة، يجب أن يكون المبدأ التوجيهي هو المعدل القياسي لبدل المواطن للأغذية والمشروبات غير الكحولية.

ورغم أن فرص تنفيذ اقتراح الحزب اليسار من الناحية الواقعية قد تكون منعدمة، فإن من المرجح أن يثير مقترح الحزب حالة استياء من الحكومة لدى الشباب المولع بوجبة الكباب.

وفي وقت سابق من هذا العام تناولت هانا شتاينمولر، عضو البرلمان عن حزب الخضر، قضية ارتفاع أسعار الكباب في البرلمان قائلة "بالنسبة للشباب في الوقت الحالي، إنها مسألة لا تقل أهمية عن المكان الذي سينتقلون إليه عندما يغادرون المنزل".

@die.da.oben

In der Haushaltsdebatte im Bundestag zu Wohnen, Stadtentwicklung und Bauwesen vom 30. Januar spricht Hanna Steinmüller (B90/Grüne) über gestiegene Belastungen verschiedener Personengruppen, die an sie herangetragen werden. Während die gestiegenen Dönerpreise auf Social-Media bereits seit Monaten ein heiß diskutiertes Thema sind, nimmt Steinmüller die Sorgen darüber nun mit in den Bundestag ???????? Was kostet der Döner bei Euch (mit Ortsangabe)?

♬ Originalton – DIE DA OBEN!

وقالت لزملائها من أعضاء البرلمان "أعلم أنها ليست قضية يومية بالنسبة لكثير من الناس هنا، وأنه أيضا شيء قد يكون موضع سخرية، ولكن كان موضوعا مثيرا للجدل على وسائل التواصل الاجتماعي لعدة أشهر. أعتقد أننا كممثلين للناخبين ملزمون بتسليط الضوء على وجهات النظر المختلفة هذه".

وأطلق بعض الشباب دعوات على وسائل التواصل الاجتماعي تطالب بعودة أنجيلا ميركل، بحجة أن سلف شولتز، بصفته مستشارا، كان "يسيطر على سعر الكباب".

وقال دنيز وهو بائع شطائر في كشك بالقرب من محطة فريدريش شتراسه في برلين لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية، "ارتفعت التكلفة من 3.90 يوروهات إلى 7 يوروهات خلال أكثر من عامين فقط، لا أستطيع أن أتوقع كيف سينخفض ​​السعر في أي وقت قريب".

وأضاف "لقد اضطررنا إلى رفع الأسعار بسبب انفجار أسعار الإيجارات والطاقة والمواد الغذائية. يتحدث الناس معنا طوال الوقت عن تضخم سعر الدونر، كما لو كنا نتلاعب بهم، لكن الأمر خارج عن سيطرتنا تمامًا".

وتتكون وجبة "دونر كباب" من شرائح رقيقة جدا من اللحم (لحم البقر أو لحم الضأن) التي يتم وضعها فوق بعض كطبقات، ثم توضع فوق سيخ.

كباب الرئيس الألماني شتاينماير

وأصبح الرئيس الاتحادي فرانك فالتر شتاينماير معتادا على سؤاله عن أسعار الكباب أثناء ظهوره العلني، حتى إن حكومته نشرت في فبراير/شباط الماضي منشورا على منصة إنستغرام توضح من خلاله أن ارتفاع الأسعار يرجع جزئيا إلى ارتفاع تكاليف الأجور والطاقة.

View this post on Instagram

A post shared by Bundesregierung (@bundesregierung)

وبالنسبة للبعض، أصبح الأمر الآن نوعا من النكتة المتداولة أن نطلب من المستشار أولاف شولتز خفض أسعار الكباب في الاجتماعات العامة، ويمكن مشاهدة العديد من مقاطع الفيديو الخاصة بهذا على تيك توك.

وقال شولتز "من اللافت للنظر أنه في كل مكان أذهب إليه، وخاصة من الشباب، يسألني ما إذا كان ينبغي أن يكون هناك كبح لسعر وجبة الكباب".

وفي فبراير/شباط 2022، نادى شاب على شتاينماير أثناء مغادرته اجتماعا في ميونخ قائلا له "سأدفع 8 يوروهات مقابل الكباب. تحدث إلى بوتين! أريد أن أدفع 4 يوروهات".

View this post on Instagram

A post shared by TRT Deutsch (@trtdeutsch)

وخلال رحلته إلى تركيا، اصطحب شتاينماير معه سيخ كباب يزن 60 كيلو كما اصطحب الشيف عارف كيليش تركي المولد وصاحب أكثر محلات الشاورما شهرة في برلين، وجعله يقدم كباب برلين في إسطنبول تعبيرا عن الرابطة الألمانية التركية.

View this post on Instagram

A post shared by Erkan Saka (@sakaerka)

ورد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بوضع الكباب التركي على قائمة الطعام خلال الاجتماع مع شتاينماير احتفاء بمرور 100 عام على علاقات برلين وأنقرة.

وشتاينماير ليس السياسي الألماني الوحيد الذي تغنى بالشاورما التركية، إذ كانت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل مولعة بها، وسط تقديرات بأن مبيعات هذا الطبق تقدر بـ7 مليارات يورو سنويا.

حزب "دي لينكه" اليساري

ويعرف الحزب اليساري الألماني باسم "دي لينكه" ويعتبر نفسه حزبا اشتراكيا ديمقراطيا، تأسس في يوليو/تموز 2007 إثر اندماج حزب الاشتراكية الديمقراطية (بي دي إس) وحزب العمل والعدالة الاجتماعيةـ البديل "دبليو إيه إس جي" (WASG).

ويمثل الحزب أكثر الأطراف يسارية داخل البرلمان الألماني (البوندستاغ) ممثلا بـ5 أعضاء، وتعتبره السلطات الألمانية والعديد من وسائل الإعلام كحزب أقصى اليسار ويراقبه المكتب الاتحادي لحماية الدستور بدعوى ميوله المتطرفة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات

إقرأ أيضاً:

برلين 1927.. سيمفونية مدينة متعطشة للحداثة

مياه متدفقة، أسلاك شائكة، مع شروق شمس يستعد لخوض يوم جديد، ثم تلك السكك الحديدية وذلك القطار، الذي يلهف للوصول إلى المكان المنشود.. إنها الدقائق الأولى، التي تجعلك تعتنق سيمفونيةً تحاكي تسارعا فيزيائيا داخل القطار، لتذهب بتحفة فنية جديدة في إطارك المرجعي، فوجودك داخل هذه السيمفونية ليس كخارجها، وإنما تمهيدٌ لديناميكية ممزوجة بجمال فنيٍّ بارع، تتوارى عندما تقترب من تلك المحطة العظيمة، لترى أمامك كلمة "برلين".

(برلين: سيمفونية المدينة الكبرى) من إنتاج والتر روتمان عام 1927، المعماري والمخرج الألماني، الذي أدخل لمسته الجمالية الفنية في الأفلام الوثائقية الواقعية، وافتعل ثورة كبيرة في عالم السينما الوثائقية، فقد بات من أهم روّاد المدرسة الواقعية في السينما الوثائقية، حتى صنّف فيلمه ضمن كلاسيكيات السينما العالمية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2المؤرخ التركي إلبَر أورطايلي: روح الاستعمار الغربي لا تزال تحكم المنطقةlist 2 of 2أرض الوداع والعلامات السبع لزوال إسرائيلend of list

توحي لك المقدمة بأن هناك ما هو قادم عند وصول مدينة برلين، إذ يبدأ الفيلم بعرض لقطات متعددة من زوايا مرتفعة نسبيا لمدينة برلين عامة، ثم التركيز على ساعة برلين، مع التدقيق في عقاربها، وكأن رحلة الحياة النهارية لبرلين تبدأ الساعة 5 فجرا، حيث لا أناس ولا حيوانات، بل طرق خالية وأبنية صامتة، وكأن هناك من ابتلع لسان المدينة فأصبحت بكماء لا تتكلم، أو ربما طفيليات اجتاحت الأرصفة والنوافذ وجعلتها مدينة أشباح تمتاز بالحداثة والتطور المعماري، الذي أكّد عليه روتمان.

برع روتمان في إظهار الحياة اليومية لبرلين ابتداء من الهدوء النسبي إلى الحركة المستمرة، إذ قسّم الفيلم إلى أجزاء، وكل جزء يتحرك بطريقة ميكانيكية معينة. فعلى الرغم من هدوء المدينة وصمتها مبكّرا، فإن الانتقال في اللقطات والزوايا جعلت الفيلم متحركا وجعلت المدينة متدفقة منذ البداية.

شخصية متدفقة لمدينة حديثة

يتكون الفيلم من مجموعة مركبّات متحركة داخل برلين، إذ أظهر شخصيتها المتدفقة ابتداءً من تدفق الدم من جسم الإنسان وحركة الأعصاب إلى تدفق حركة المرور والماشية، وآلات المصانع، ليبين لنا بأن هناك مسارا عمليا للمدينة الحديثة.

يتحدث الفصل الأول عن بداية العمل الصباحي للفئات المختلفة من الناس، فعمّال المصانع وسعاة البريد لهم النصيب الأكبر في مقتبل الفيلم، وما نراه فيه هو انتقال روتمان من الإنسان للآلات، مبينا أن الحركة الديناميكية هي ما تتفرد به برلين، ثم تصوير الماشية والعمّال بنظرة ماركسية نقدية للرأسمالية، فقد تطرق بعض النقّاد إلى أن عرض اللقطات المتصلة بين الماشية والعمّال بأنهم الطبقة الكادحة، وتحت رحمة أصحاب الأعمال.

تذكّرنا نظرة هؤلاء النقّاد للمشاهد الأولى، بالواقعية الاشتراكية في الأدب، والمنحاز إلى الطبقة العاملة والمعذبين في الأرض بوجه عام، إذ وضع كبار الأدباء الواقعيين في رواياتهم عن طموح الطبقات والصراعات المختلفة، وخريطة عيش الإنسان في حياة آمنة بعيدة عن الأطر الدينية، مثل الجريمة والعقاب – دوستويفسكي، الحرب والسلم – تولستوي، وغيرهم، حيث ربط بعض النقّاد هذه المشاهد بتلك الفلسفة النقدية للرأسمالية.

تعود مدرسة الواقعية إلى ما قبل السينما، فقد كان الأديب الناقد الفرنسي شانفلوري الذي أقر هذا المصطلح أهم منظري هذه المدرسة في الأدب، إذ وضّح هذا المذهب وانتقد الروائيين السابقين على جنوحهم وميلهم إلى الخيال المفرط، والطرق الخطابية والمبالغة الغنائية. ومنها بدأ شانفلوري بوضع أهم هدف للواقعية وهي "التعبير عن التفاهة اليومية"، أي الارتباط بالواقع وتسجيله، بخلاف الرومانسية، التي تخلق عالما من العدم وتبعث فيه الحياة.

أما الواقعية في السينما، فغالبا ما تحمل رسائل ومستويات متعددة، وهذا يخلق تذوقا مختلفا وتفسيرات متنوعة، تبعا لمستوى أو توجهات كل مشاهد أو ناقد. فقد يكون الفيلم الواقعي يشير إلى أشياء مادية وجودية وواقعية، ويمكن أنه يعرض رؤية فنية تجاه الواقع بعين صانعيه. لكنه يمكن أن يكون أيضا دعائيا بطريقة ما، إذا كان يدعو إلى وجهة سياسية محددة بذاتها.

في فيلم (برلين: سيمفونية المدينة الكبرى)، نرى أنه يحاكي الفيلم الوثائقي الواقعي، الذي يظهر ككائن جمالي عبر صور سينمائية وإطارات بصرية تأملية، مكون من مشاهد تثير التذوق الممتع للمتفرج. فالصورة في السينما الواقعية هي لوحات متحركة متنقلة بين مشهد وآخر حتى تبني لنا فيلما يسجل صورة الواقع والحياة اليومية المختلفة، دون تدخل ممثلين محترفين.

يمثل الفصل الثاني في الفيلم، لقطات متنوعة بزوايا مختلفة للإنسان والحيوان، تبدأ بفتح النوافذ وذهاب الطلبة للتعليم والنساء إلى العمل، فقد ترى تدفقا لتنقل الإنسان في المدينة، والقادم إليها من الريف والمدن الأخرى، ثم صورا أخرى لحيوانات متنقلة، والتي تمثل حالة الأسواق والحياة الحيوية في ذلك الوقت من اليوم، إذ ترى مقطعا قريبا من أرجل الإنسان ثم يأتي مقطع آخر من نفس الحجم، لأرجل الحيوان، وغيرها من لقطات، ثم ينتقل ذروة الفصل ذهابا وإيابا بين العملاء، الذين يجيبون على الهواتف والحيوانات (القردة، قتال الكلاب)، وهنا نطرح تساؤلا مهما، هل أراد روتمان فصل نوع العلاقات والتواصل بين الحيوانات والتفاعل البشري الميكانيكي؟ أم أن هناك تفاعلا غير مباشر بين جميع الكائنات؟

أما والأكثر عبقرية في هذا الفيلم فهو طريقة عرض الطبقات الاجتماعية المختلفة، فبالرغم من أنه أُنتج في العشرينيات بمعدات لا تقارن مع عصرنا الحالي، فإن هناك حبكة فنية وتسلسلا زمنيا واضحا، إضافة إلى رسائل متعددة تبين محاكاة الاحتياجات الأساسية بين الفئات المختلفة، مثل وجبة الغداء، فقد عرض روتمان لقطات متسارعة بين غني يستمتع في وجبة الغداء وبين فقير يشبع حاجته من الجوع، ثم لقطات البذخ في المطاعم وأخرى إطعام الحيوانات داخل الأقفاص، وكأن هناك عدم مساواة في الوصول إلى الغذاء. تجعلنا هذه المشاهد نسترجع رؤيتنا لبعض السينما الروائية الحديثة المليئة بالرسائل المختلفة، مثل الفيلم الإسباني "المنصة -Platform".

روتمان ركز على أن الحاجات الأساسية، تختلف بين كل طبقة وليس شرطا أن تعيش الطبقات في حالة صراع (مواقع التواصل)

 

سرد روائي للاشتراكية والرأسمالية

على الرغم من أن فيلم المنصة روائي بامتياز، فإنه عرض الطبقات الاجتماعية والأنظمة الاشتراكية والرأسمالية بوضوح تام، من خلال منصة غذاء تنخفض عند كل طبقة، موضحا أن عدم المساواة في الوصول إلى الغذاء نتيجة جشع الطبقات، وعدم تفهم الفئة الحاكمة لاحتياجات الطبقة العاملة، فندخل معه في حالة صراع بين النزعة الإنسانية وبين إثبات الوجود الغريزي للبقاء على قيد الحياة، وهكذا فيلم "برلين: سيمفونية المدينة الكبرى"، فقد يضعك المخرج في عالم مليء بالرسائل العديدة، والرؤى المختلفة.

ما يمكن أن نراه في الفيلم أنه ركز على أن الحاجات الأساسية، تختلف بين كل طبقة وليس شرطا أن تعيش الطبقات في حالة صراع، فربما الفعاليات الترفيهية هي حاجة أساسية للطبقة الغنية، بينما الملابس النظيفة حاجة أساسية لطبقة أخرى فقيرة.

إن ما يعرض في الفصول الأخرى ما بعد العمل والغذاء، حياة برلين الرياضية والترفيهية، فروتمان يؤكد على أن التدفق مازال مستمرا، ويزداد بازدياد الأنشطة، ويقول لك بألا تحاول متابعة الأشخاص في الفيلم، لأنك لن تفلح في معرفة اتجاهاتهم، وإنما تكتفي فقط بديناميكية المدينة التي ترمز للحداثة، فتنتقل بين سباقات الجري للإنسان ثم مسابقات الكلاب والحيوانات، وأخيرا أو ربما الأهم الترفيه النسائي الليلي.

تحولات الرفاهية في قرن

بعد نحو قرن من إنتاج هذا الفيلم نستطيع رؤية الرفاهية المتدفقة في برلين، مثل المهرجانات والسيرك، ورياضة المصارعة البشرية، والراقصات النسائية. ففي الصباح ربّات البيوت والعاملات، والعمّال والموظفون وطلاب المدارس، ثم فترة التسوق والأنشطة، وبعدها الملاهي الليلية، والقمار وشرب الخمور، مؤكدا روتمان في ذلك، أن المرأة كانت تُستخدم أيضا لأغراض ترفيهية وأداة إغرائية لكسب المتعة والرفاهية في المدينة المتحركة.

روتمان نجح في أن يقودنا إلى نظرة عن تفرّد المدينة وتميزها من خلال تجزئة فصول الفيلم (مواقع التواصل)

ما يميز الفيلم هو التسلسل الزمني والمكاني، إضافة إلى تنوع أحجام وزوايا المقاطع، فقد عرض اللقطات البعيدة واللقطات المتوسطة واللقطات القريبة، ليؤسس كلاسيكية مهمة وقواعد وثائقية تمتد إلى عصرنا الحالي، فبداية الأعمدة في الفصل الأول للمصنع، ثم انتهاء الفصل بزاوية لأعمدة المصنع، تخرج لنا بقصة كاملة مثل أن تبدأ بسباق وتنتهي عند نفس النقطة.

يحاول روتمان في هذا الفيلم أن يصور برلين الكل في وقت واحد، مثل الهندسة المعمارية والآلات والإنسان والحيوان، وهذا ما يجعلنا نتساءل عن التخيلات عندما نقرأ كلمة برلين أو نسمعها، فالعديد من الناس يتخيل بوابة برلين الشهيرة، والبعض الآخر عن الآثار والقصور التاريخية، وهناك من يسأل عن مصانع السيارات، وغيرها من الاهتمامات الفردية لكل شخص، وبالتالي جعل تخيل برلين ككل في وقت واحد أمرا صعبا، لكنه نجح في أن يقودنا إلى نظرة عن تفرّد المدينة وتميزها من خلال تجزئة فصول الفيلم.

خيبات سياسية

أثار والتر الجدل في آراء العديد من النقّاد منهم جون جريرسون البريطاني، الذي أشار إلى عدم وضوح الموقف السياسي للفيلم، ربما لاختلاف التوجهات بين الشخصين، فجريرسون يتبنى فكرة "المعالجة الخلّاقة للأفلام الوثائقية"، إذ يعد من روّاد مبادئ العلاقات العامة، من خلال عمله مع الحكومات البريطانية وإظهار الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية للحكومة في المملكة المتحدة، وهو ما يناقض عفوية روتمان في فيلم برلين، الذي لم يكن يهتم بإظهار موقف سياسي معين، وإنما بتسجيل الحياة اليومية للمدينة من تنقلات، وشجارات، ومناسبات وغيرها، إضافة إلى التأمل في جمالية المباني والصناعات المختلفة.

في حين انتقد البعض الآخر، كمية وجود الآلات مع الإنسان، ونظرتهم للفيلم كتجريد الإنسان واستبداله بآلية ميكانيكية مادية تمهيدا لمحو العمل البشري، وهو ما ينقض منطق الفلسفة العقلانية الديكارتية، التي ترى أنّ العقل وحده هو الذي يقرر المعرفة، دون تدخلٍ من الحواس، ليجري بشكل مستقل عنها، فيفقد الجسد أهميته، وبالتالي يأتي التأثير والسيطرة من أشياء غير مادية.

الأكثر قلقا في هذه الآراء، هو ما صوّره مؤرخ السينما التعبيرية الألمانية سيغفريد كراكور عن الفيلم، بأنه يحمل روحا مسبقة للنازية، فكثرة التدفق الجسدي للإنسان وإثبات وجوده في الفيلم، يناقض فلسفة ديكارت وتؤكد فلسفة فريدريك نيتشه في نظرته للإنسان المتفوق، الذي يجعل القيمة الجسدية هي الأساس للتفوق على كل شيء آخر.

اُنتقد الفيلم لكثرة وجود الآلات مع الإنسان، ونظرتهم للفيلم كتجريد الإنسان واستبداله بآلية ميكانيكية مادية تمهيدا لمحو العمل البشري (مواقع التواصل)

ربما رأى كراكور، أن هذا الفيلم يفسر رؤية نيتشه، الذي يعتبر الواقع بأنه جريان وتدفق لا حدود له، وهذا الطابع التدفقي يجعله غير قابل للضبط أو الإمساك به، ويجعله ينفلت باستمرار من أي محاولة للذات للهيمنة عليه والسيطرة على صيرورته. وبما أننا نتحدث عن نيتشه فلابد من ذكر أن الأب الروحي للحزب النازي "أدولف هتلر" من أكثر المتأثرين بهذا الفيلسوف الكاتب، حتى اعتبر هتلر نفسه هو الإنسان المتفوق، الذي ذكره نيتشه في كتابه (هكذا تكلم زرادشت). تأكيد بعض النقّاد على أن فيلم برلين يحمل نظاما مسبقا للنازية، يأتي ربما بسبب مساعدة والتر روتمان للمخرجة ليني ريفنستال في إخراج الفيلم الدعائي للحزب النازي "انتصار الإرادة" عام 1935.

في المقابل، وجد المؤرخ السينمائي الفرنسي جورج سادول فضائل كثيرة لفيلم "برلين: سيمفونية المدينة الكبرى" لمجرد أن مخرجه أعلن دائما أنه ينتمي إلى نظريات الروسي دزيغا فيرتوف بالنسبة إلى أسلوب "السينما – العين"، والذي راج كثيرا في السينما السوفياتية وفي السينمات التقدمية في العالم أجمع.

بالنهاية، لا يقتصر مستوى الاهتمام الوجودي في الفيلم على الإنسان وحسب، بل برلين ككل، والبطل هنا هو برلين المدينة، التي عبّرت عن نفسها في أوائل القرن الماضي بالحداثة وبأنها مدينة العالم الديناميكي، فجميع عناصر الفيلم تؤكد على أن كل هذه الكائنات متدفقة ورافدة، وأن الباقي هي المدينة، وليس شرطا أن يتم تجريد الإنسان إلى شيء أعمق دون إعطاء مساحة مميزة، أن تكون حركة فلسفية مخصوصة للاشتراكية القومية، ربما هي فقط حياة يومية.

أما الأمر الذي يتفق عليه الجميع فهو أن فيلم برلين، من أوائل من عرض كيفية التعامل مع بعدين أساسيين من أبعاد العلاقة بين السينما والتحليل النفسي الجماعي من ناحية، ومفهوم ولادة المدينة الحديثة من ناحية أخرى. وهنا يمكن القول، إن الواقعية تجاه سينمائي يستمد مشروعيته وأفقه النظرية، باعتبار السينما تجسيدا خالصا للواقع في كامل تجلياته سواء الاجتماعية أو السياسية كذلك الأنطولوجية.

مقالات مشابهة

  • جيش الاحتلال يتبنى رسميا عملية اغتيال"محمد عفيف"
  • برلمانية تكشف تفاصيل مقترحا لوضع تسعيرة للكشف في العيادات
  • رئيس لجنة الإسكان بالبرلمان يوضح حقيقة رفع قيمة الإيجار القديم 5 أضعاف
  • برلين 1927.. سيمفونية مدينة متعطشة للحداثة
  • فصيل عراقي جديد يتبنى تنفيذ "عملية سجيل" داخل إسرائيل
  • فعاليات بألمانيا تناقش الإرث الاستعماري لمؤتمر برلين عام 1884
  • الرد الليلة.. حزب الله يدرس مقترحاً أمريكياً لإنهاء حرب لبنان
  • برنارد هنري ليفي: رئاسة ترامب قد تفتح الباب لصفقة كبرى مع إيران أو انهيار شبيه بألمانيا النازية
  • لبنان يدرس مقترحا أميركيا لوقف إطلاق النار بين حزب الله واسرائيل
  • ضريبة الكاربون تثير الجدل بالبرلمان و نواب مستاؤون من غياب رؤية واضحة لوزارة الإنتقال الطاقي