"إذا اضطررت للعراك عليك أن تضرب أولا".. كيف غير بوتين وجه روسيا؟
تاريخ النشر: 7th, May 2024 GMT
تقام اليوم، 7 مايو 2024، مراسم تنصيب الرئيس الروسي المنتخب فلاديمير بوتين. وبذلك يتابع بوتين مسيرة ربع قرن، تمكن خلالهما من تحقيق إنجازات تحاول RT إلقاء الضوء على أهمها.
إقرأ المزيدلقد تمكنت روسيا، في عهد بوتين (خلال 4 فترات رئاسية، وفترة كرئيس للحكومة)، من استعادة جزء كبير من النفوذ الدولي المفقود بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، كما تمكن بوتين، بسياساته من حماية الاقتصاد من التهديدات الخارجية، والصمود أمام أعتى موجات الحصار والعقوبات التي فرضت على روسيا بعد استعادة شبه جزيرة القرم عام 2014، ثم تصاعدت وتيرتها لتبلغ مستويات هائلة وغير مسبوقة في التاريخ، بعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا.
فما الذي أثمرت عنه علاقة بوتين وروسيا بعد ربع قرن
كفاءة الاقتصاد
لعل أحد أبرز سمات حكم بوتين هي قدرته الفائقة على الاستعادة الكاملة للسيادة الروسية على مقدرات الاقتصاد، والقدرة على تحقيق أقصى مستوى معيشي متاح، وأقصى كفاءة ممكنة للدفاع والقدرات العسكرية للبلاد، حيث تشير وكالة "بلومبرغ" إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تنفق على الدفاع وحده ضعف ما تنفقه روسيا على كل شيء، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية.
وذلك في الوقت الذي تتفوق فيه إمكانيات التعليم والرعاية الصحية في روسيا على مثيلاتها في الولايات المتحدة على سبيل المثال. كذلك تتابع "بلومبرغ" أن الحذر الذي أبداه بوتين بعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا في الشأن الاقتصادي جعل الميزانية العمومية لروسيا، في ظل الصراع، واحدة من أكثر الميزانيات صحة في العالم، وحظيت بإشادة وكالات التصنيف وصندوق النقد الدولي.
المرونة الاقتصادية
تمكنت إدارة الرئيس بوتين من جعل الاقتصاد الروسي أكثر قدرة على استيعاب الصدمات الكبيرة، وهو ما سمحت به وفرة الموارد المالية الكبيرة لروسيا، وديونها الخارجية المنخفضة، وقدرة إدارة الكرملين على التعبئة الداخلية والحشد في مواجهة التهديدات الخارجية، دون اللجوء لاقتصاد الحرب.
إقرأ المزيدشعبية جارفة
يتمتع الرئيس بوتين بأوسع دعم داخل المجتمع الروسي، تمثّل مؤخرا في حصوله على نسبة 87.28% من مجموع أصوات الناخبين، فيما سجلت المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الفترة من 15-17 مارس الماضي رقما قياسيا في تاريخ روسيا الحديثة بلغت 77.44% ممن لهم حق الاقتراع، حيث صوت 87.1 مليون مواطن.
ولا يتعلق الأمر فقط بالنجاحات السياسية الخارجية لبوتين، واستعادته لهيبة الدولة الروسية في المحافل الدولية، ولكن، وفي المقدمة، اهتمام الدولة في عهد بوتين برفاهية المواطنين ومستواهم المعيشي وإمكانيات البنى التحتية والتعليم والصحة المتاحة للشعب.
فقد ارتفع متوسط الرواتب في روسيا، وزاد المعاش التقاعدي بسرعة تعادل ضعفي سرعة ارتفاع أسعار النفط، وتضاعف الإنتاج المحلي الإجمالي في روسيا، وزاد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي عند تعادل القوة الشرائية ثلاث مرات تقريبا.
ومن حيث معدل نمو المؤشر الرئيسي، تحتل روسيا المركز الحادي عشر وتتقدم على المتوسط العالمي، وقد انخفض معدل التضخم في عهد الرئيس بوتين من 36.5% في عام 2000 إلى 2.7% في عام 2017، فيما استقر عند 7.4% على أساس سنوي في يناير الماضي فيما تسعى السلطات إلى الوصول إلى 4%، وتلك أرقام قياسية في فترة ما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، تتماشى مع مستويات التضخم في الدول المزدهرة، لا سيما في ظل الأوضاع الاقتصادية المتوترة والحرجة حول العالم.
انخفاض الدين العام
انخفض حجم الدين العام من 158 مليار دولار إلى 56 مليار دولار، وهو واحد من أدنى المعدلات في العالم.
انخفاض الاعتماد على النفط
وعلى مدى ربع قرن، نمت صناعات المواد الغذائية بنسبة 200% تقريبا، ونما إنتاج الآلات والمعدات بنسبة 140%، وإنتاج المعدات الكهربائية والإلكترونية بنسبة 300% تقريبا، وصناعة المعادن والكيماويات بنسبة 120%، فيما تزداد قدرات التكنولوجيا الفائقة في الناتج المحلي الإجمالي لروسيا باطراد.
وبهذا استعادت روسيا الصناعات التحويلية والصناعات كثيفة المعرفة، وتخلصت نسبيا من اعتمادها بشكل أساسي على النفط والغاز.
الاستقرار السياسي
شهدت البلاد في عهد بوتين استقرارا سياسيا مستداما، حيث ولى عصر الثورات والصراعات الداخلية والانقلابات التي عصفت بالبلاد لفترة طويلة في الماضي. وفي عام 2000 توقفت الحرب في الشيشان، وتم وقف "استعراض السيادات" بين جمهوريات الاتحاد الروسي، وتم إنشاء نظام قوي لإدارة الدولة.
علاوة على ذلك، طرح بوتين نفسه، بالنسبة لأعداء روسيا الخارجيين، كعدو خطير وشرس، لهذا لا تدخر وسائل الإعلام الغربية إطلاق أوصاف من عينة "الطاغية" و"الديكتاتور" عليه، فيما يرد بوتين دائما أن الغرب يكره دائما الحقيقة المرة، أن روسيا دولة قوية وعظمى وشاسعة مترامية الأطراف وموحدة، وستظل كذلك، ولو كره الكارهون.
في الوقت نفسه، تظهر كثير من استطلاعات الرأي في الخارج أن المواطنين هناك يرغبون في أن يتولى رئاستهم أفراد لا يقلون عن رئيس روسيا في الثقل السياسي والصفات، خاصة ما يتعلق بالانطلاق دائما من المصلحة العليا للبلاد.
لقد دخل فلاديمير بوتين التاريخ بالفعل باعتباره السياسي الأكثر نفوذا وتأثيرا في مطلع القرن الحادي والعشرين، وباعتباره سيد الصياغات الجديدة.
انخفاض معدل الجريمة
جنبا إلى جنب مع ارتفاع مستوى الرخاء، انخفض معدل الجريمة بشكل ملحوظ، حيث انخفض عدد جرائم القتل العمد ومحاولات القتل أكثر من أربع أضعاف من 33600 حالة عام 2001 إلى 7948 جريمة عام 2019.
إقرأ المزيدضمان الأمن الغذائي
اختفت ظاهرة ما سمي بـ "أرجل بوش" الأمريكية (مساعدات غذائية من بينها "أفخاذ الدجاج" كانت تقدمها الولايات المتحدة لروسيا في تسعينيات القرن الماضي إبان عهد الرئيس جورج بوش)، التي لا تنساها الأجيال الأكبر سنا في روسيا. في المقابل أصبحت روسيا من بين أكبر مصدري الأغذية في العالم، في مجال القمح وغيره من الأغذية.
الجيش والبحرية
عادت روسيا لإحياء قواتها المسلحة وأسطولها البحري، والتي كانت في حالة مزرية تسعينيات القرن الماضي، وانتقل الجيش إلى نظام العقود، وتم تحديث الجيش وإعادة تسليحه، وتفوقت روسيا في إنتاج الأسلحة فرط الصوتية الروسية على منافسيها الغربيين، ودخلت الترسانة القتالية للقوات المسلحة أنظمة تسليح فريدة من نوعها من عينة "أفانغارد" و"كينجال" و"تسيركون" و"بوسيدون" وغيرها مما لم يتم رفع السرية عنه بعد.
العالم الروسي والأعداء في الداخل
يؤكد بوتين على أن من يقولون "روسيا للروس" هم أشخاص إما غير صادقين، أو لا يفهمون ما يقولون، وهم حمقى أو محرضين، لأن روسيا دولة متعددة الجنسيات والقوميات.
ويقول بوتين في حديثه عن أعداء الداخل: "هل نريد عشرات من هذا الـ (ساكاشفيلي) (الرئيس السابق لجورجيا) يركضون في ساحاتنا؟ وهل نريد مثل ساكاشفيلي كي يزعزع استقرار بلادنا؟ هل نريد أن نقلق من ثورات مثل ميدان أوكرانيا؟ بحيث نشهد محاولات انقلابية؟ لقد مررنا بكل هذا من قبل. وأنا على يقين أن الغالبية العظمى من مواطنينا الروس لا يريدون ولن يسمحوا بذلك".
ويشير بوتين إلى من يصرخون بالتوقف عن تمويل بعض الجمهوريات، استنادا لما مرّت به من صراعات وقلاقل سياسية (القوقاز مثالا)، سيصرخون في اليوم التالي "توقفوا عن إطعام سيبيريا"، وهي الوصفة الأكيدة التي تسببت في انهيار الاتحاد السوفيتي.
ويؤمن بوتين بأن الشعب الروسي هو الذي يشكل دولته استنادا إلى حقيقة وجود روسيا التي تضطلع في العالم بمهمة توحيد الحضارة وتعزيزها.
ويؤكد بوتين على أن العودة إلى المفاهيم البدائية للتطرف القومي والعرقي، وإلقاء الوحل على بعض ممثلي المجموعات العرقية الأخرى، يؤدي إلى تدمير البلاد، وهو ما لا يريده الشعب الروسي قطعا. ويتابع: "أريد أن تبقى روسيا موحدة نابضة بالحياة، استنادا إلى مصلحة الشعب الروسي، وبهذا فأنا قومي حقيقي وفاعل".
ويقول: "أنا روسي، لكني حينما أرى أمثلة على بطولة شاب مثل نورمحمدوف حاج محمدوف من داغستان أقول إنني داغستاني، وشيشاني، وإنغوشي، وروسي، وتتري، ويهودي، وأوسيتي".
من لا يندم على انهيار الاتحاد السوفيتي رجل بلا قلب
لعل من أشهر المقولات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين: "من لا يندم على انهيار الاتحاد السوفيتي رجل بلا قلب، ومن يريد إعادة إحيائه رجل بلا عقل".
يقول بوتين: "لا يمكن هزيمة روسيا إلا من الداخل. وقد تم القيام بذلك خلال القرن العشرين مرتين، مرة بعد الحرب العالمية الأولى، ثم في التسعينيات. ومن فعل ذلك؟ أشخاص في الداخل يحركهم نفوذ أجنبي".
ويرى بوتين أن قوة روسيا تكمن في شعبها وتقاليده وثقافته، فيما تستمد الدولة الروسية قوتها من اقتصادها وأراضيها الشاسعة ومواردها الطبيعية الغنية، ويضمن ذلك كله قدرات دفاعية تقف وراءها جبهة داخلية مستقرة تدعم قواتها المسلحة وتمدها بكل ما تحتاجه لأداء مهمتها الدفاعية على أكمل وجه.
إقرأ المزيدبوتين والنظام "القائم على القواعد"
واجه بوتين ولا زال يواجه ما يطرحه الغرب من "نظام قائم على القواعد". حيث يتساءل بوتين دائما في كثير من أحاديثه وتصريحاته: "من أين أتوا بهذه القواعد؟ من رأى هذه القواعد؟ من وافق عليها؟"، ويصفها بوتين بـ "الهراء" و"الخداع التام"، و"المعايير المزدوجة"، ويقول إنها "مخصصة للحمقى".
ويرى بوتين أن روسيا قوة عظمى عمرها ألف عام، وهي حضارة راسخة، ولن تعيش وفق مثل "هذه القواعد" الزائفة والمختلقة.
ويتابع بوتين: "إن الجشع، الذي يحمل نية الحفاظ على الهيمنة غير المحدودة، هو السبب الحقيقي وراء الحرب الهجينة التي يشنها الغرب الجماعي ضد بلادنا. إنهم لا يريدون لنا الحرية، بل يريدون النظر إلينا كمستعمرة، لا يريدون التعاون الندي متبادل المصلحة، وإنما يريدون السرقة".
إذا اضطررت للعراك، عليك أن تضرب أولا
بالأخذ في الاعتبار عدد من العوامل، وليس فقط العسكرية، ولكن استنادا إلى التاريخ والجغرافيا وحالة الجبهة الداخلية، فإنه يمكن القول بثقة أن روسيا اليوم أقوى من أي معتد محتمل.
يقول بوتين: "لقد علمتني شوارع لينينغراد (بطرسبورغ الحالية) القاعدة التالية: إذا كان القتال أمرا لا مفر منه، فعليك أن تضرب أولا"، ويتابع: "وقد أصبح من الواضح تماما، من خبرتنا في التسعينيات وأوائل الألفية، أنه كلما تراجعنا واختلقنا الأعذار، كلما أصبح خصومنا أكثر وقاحة، وتصرفوا بشكل أكثر استهتارا وعدوانية".
إقرأ المزيد
استعادة الهيبة
استعادت روسيا جزءا كبيرا من القوة الجيوسياسية التي كان يملكها الاتحاد السوفيتي، حيث عزز الرئيس الروسي علاقاته مع الصين، ودول الخليج، وأمريكا اللاتينية، وإفريقيا، وعادت روسيا للظهور كلاعب رئيسي مؤثر في الشرق الأوسط، واتسع نفوذها في إفريقيا لأول مرة منذ فترة طويلة.
توسيع الحدود
يعد الرئيس فلاديمير بوتين أول سياسي منذ عقود عديدة تبدأ معه روسيا في توسيع أراضيها، واستعادة أراض كانت مملوكة لها تاريخيا، أهدرها أسلافه. ويدور الحديث هنا عن شبه جزيرة القرم، وعن جمهوريتي دونباس ولوغانسك ومنطقتي خيرسون وزابوروجيه. كما تضع روسيا كل من بريدنيستروفيه وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية تحت الحماية، بينما عاد مئات الآلاف وآلاف المواطنين الروس إلى ديارهم. وتظهر الاستفتاءات واستطلاعات الرأي مدى شعبية مثل هذه الإجراءات، ورغبة الشعب الروسي في العودة إلى أراضيه.
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: فلاديمير بوتين الاتحاد السوفیتی فلادیمیر بوتین الشعب الروسی إقرأ المزید فی العالم روسیا فی أن روسیا فی روسیا فی عهد
إقرأ أيضاً:
التحديات التي تواجه الشراكة بين روسيا وإيران في مجال الطاقة
الاقتصاد نيوز - متابعة
من بين التحديات العديدة التي تواجهها إيران مع انهيار تحالفاتها الإقليمية، أنها تعاني أيضاً من أزمة طاقة حادة على الرغم من امتلاكها ثاني أكبر احتياطيات من الغاز في العالم.
أدت هذه الأزمة إلى اضطرابات واسعة النطاق في المنازل والقطاعات الصناعية ومحطات الطاقة. في خريف العام الماضي، بلغ العجز اليومي في الغاز 90 مليون متر مكعب. ومن المتوقع أن يتسع الفارق بين الإنتاج والاستهلاك إلى 300 مليون متر مكعب هذا الشتاء.
تباطأ نمو إنتاج الغاز إلى حوالي 2% سنويًا خلال السنوات الثلاث الماضية، مقارنةً بـ 5% سنويًا في العقد السابق . في الوقت نفسه، ارتفع الاستهلاك بشكل حاد. ويتفاقم النقص بسبب تقادم البنية التحتية، لا سيما في حقل غاز جنوب فارس ، الذي يُمثل 75% من إنتاج الغاز الإيراني، بالإضافة إلى العقوبات التي تُقيد الوصول إلى التكنولوجيا والخبرات المتقدمة. ويقدر الخبراء أن إنعاش قطاع النفط والغاز الإيراني سيتطلب استثمارًا لا يقل عن 250 مليار دولار.
من بين عواقب الأزمة انقطاعات متكررة للكهرباء، وتشغيل مصافي البتروكيماويات بنسبة 70% فقط من طاقتها، وانخفاض إنتاج الصلب بنسبة 45% . كما أن هناك آثارًا سلبية كبيرة على صحة الإيرانيين، إذ يؤدي اعتماد إيران المتزايد على وقود المازوت الرخيص والقذر إلى تلوث هواء شديد.
واستجابة جزئية لهذا النقص، وقعت شركة النفط الوطنية الإيرانية وشركة غازبروم، وهي شركة طاقة تسيطر عليها روسيا، مذكرة تفاهم بقيمة 40 مليار دولار في يوليو/تموز 2022 بهدف تسهيل تطوير حقول النفط والغاز البحرية.
وقعت روسيا وإيران اتفاقية جديدة لاستيراد الغاز الروسي عبر أذربيجان خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى موسكو.
صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمر صحفي عقب محادثاته مع بزشكيان بأن العمل جارٍ على إنشاء خط أنابيب غاز من روسيا إلى إيران . وأضاف: “يُعد ممر الشمال-الجنوب وخط أنابيب الغاز إلى إيران مشروعين قيد التنفيذ، يتمتعان بأهمية بالغة وجاذبية كبيرة”. وتابع : “فيما يتعلق بمستويات التوريد المحتملة، نعتقد أنه ينبغي البدء بكميات متواضعة، تصل إلى ملياري متر مكعب، ثم زيادة كمية الغاز المُسلّم إلى إيران إلى 55 مليار متر مكعب سنويًا” .
بعد انخفاض واردات الغاز من الاتحاد الأوروبي نتيجةً للصراع الدائر في أوكرانيا، تسعى روسيا إلى تنويع أسواقها للطاقة. ومن شأن شحنات الغاز إلى إيران أن تُعزز العلاقات الثنائية ذات البعد العسكري والأمني الكبير والمتنامي . إلا أن هناك العديد من العقبات التي يجب التغلب عليها.
شهد إنتاج الغاز الطبيعي في إيران اتجاهات متقلبة في السنوات الأخيرة. ارتفع الإنتاج من 262.3 مليار متر مكعب في ديسمبر 2022 إلى 275 مليار متر مكعب في ديسمبر 2023. ومع ذلك، شهدت الدولة انخفاضًا طفيفًا في الإنتاج على مدى السنوات الخمس السابقة، بمعدل نمو سنوي مركب ( CAGR) بلغ -0.03 في المائة. إن التوقعات للمستقبل أكثر تفاؤلاً، حيث تشير التوقعات إلى معدل نمو سنوي مركب بنسبة 3 في المائة من عام 2024 إلى عام 2028. ويؤكد هذا التفاوت بين الأداء التاريخي والتوقعات المستقبلية على التحديات التي تواجه قطاع الغاز الطبيعي في إيران، بما في ذلك الاستثمار غير الكافي والقيود التكنولوجية وتأثير العقوبات الدولية. ومع ذلك، يشير النمو المتوقع إلى إمكانية التحسن إذا عالجت إيران هذه العقبات واستفادت من احتياطياتها الضخمة إلى جانب الاستثمارات المخطط لها في أنشطة الاستكشاف والإنتاج.
لمعالجة النقص الحالي، اقترح المسؤولون الحكوميون إعادة توجيه صادرات الغاز إلى محطات الطاقة المحلية وتشجيع تحديث المركبات ووسائل النقل العام. وأعلن وزير النفط الإيراني آنذاك، جواد أوجي، في يوليو/تموز 2024 أن إيران ستستورد 300 مليون متر مكعب من الغاز الروسي يوميًا عبر خط أنابيب بحر قزوين المُخطط له. ويأمل المسؤولون الإيرانيون في ترسيخ مكانة إيران كمركز إقليمي للغاز من خلال إعادة تصدير الغاز الروسي إلى باكستان وتركيا والعراق.
تعكس مذكرة التفاهم بين إيران وروسيا تنامي توافقهما الجيوسياسي. فهما تسعيان إلى تقويض الهيمنة الغربية في أسواق الطاقة من خلال العمل معًا في منصات مثل مجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون لإنشاء ممرات طاقة بديلة. وقد يشهد هيكل تجارة الطاقة العالمية مزيدًا من التقلبات من خلال مبادرات استخدام العملات المحلية، مما سيقلل الاعتماد على الدولار الأمريكي.
من خلال إنشاء مسارات جديدة وتعزيز الروابط بين الدول ذات موارد الطاقة الوفيرة، يُمكن لاتفاقية الغاز بين روسيا وإيران أن تُغير ديناميكيات تجارة الطاقة. ومع ذلك، فإن طموحات إيران في أن تصبح مركزًا إقليميًا للغاز تُثير الشكوك بسبب اعتمادها على الغاز المستورد لتلبية الطلب المحلي. ويزداد عدم اليقين بسبب تزايد التوترات الجيوسياسية، وضعف البنية التحتية، والعقوبات الإضافية المحتملة إذا فرضت إدارة ترامب الجديدة سياسة “الضغط الأقصى” الثانية على إيران.
هناك مخاوف جدية أخرى بشأن الجدوى الاقتصادية للصفقة. فنظرًا لانخفاض إيراداتها من العملة الصعبة بسبب العقوبات، فإن قدرة إيران على سداد ثمن وارداتها الكبيرة من الغاز موضع شك. كما أن إعادة بيع فائض الغاز إلى الدول المجاورة مثل العراق وتركيا وباكستان تواجه تحديات عملية وجيوسياسية. وتُعدّ الديناميكيات الإقليمية المعقدة وإنشاء بنية تحتية جديدة لدعم هذه الصادرات الثانوية أمرًا أساسيًا لنجاح هذه الاستراتيجية. علاوة على ذلك، يتجلى حجم مشاكل الطاقة المحلية في إيران بوضوح في الحجم المتوقع لواردات الغاز الروسي، والتي ستمثل ما يقرب من ثلث الإنتاج اليومي لإيران.
علاوة على ذلك، لا يزال الإطار القانوني والتنظيمي لمثل هذه الصفقة الضخمة لتجارة الغاز غير واضح. كان من أبرز بنود اتفاق يوليو/تموز بناء خط أنابيب جديد تحت بحر قزوين، والذي من المفترض أن تتحمل روسيا تكلفته. إلا أن هناك قيودًا تقنية وسياسية على مد خطوط الأنابيب تحت بحر قزوين، وهي منطقة ذات جوانب جيولوجية وبيئية معقدة.
قررت روسيا وإيران الآن بناء خط أنابيب غاز عبر أذربيجان، ربما كبديل لخط أنابيب تحت البحر يمر عبر تركمانستان أو بحر قزوين. يبدو الطريق البري أكثر عمليةً نظرًا لانخفاض تكلفة إنشائه وصيانته، وعدم الحاجة إلى موافقة جميع دول بحر قزوين. يمكن أن تصبح أذربيجان مركزًا لتبادل الغاز، مما يعزز أهميتها الاستراتيجية في الممر الشمالي الجنوبي .
هناك مسألة حاسمة أخرى، وهي تكلفة إمدادات الغاز إلى إيران. فهناك تساؤلات حول جدوى نقل الغاز من احتياطيات روسيا السيبيرية إلى إيران من حيث التكلفة.
من غير الواضح أيضًا ما إذا كانت الإمدادات الروسية قادرة على حل مشاكل الطاقة المزمنة في إيران. سيكون من الصعب التغلب على نقص الاستثمار في البنية التحتية، وسوء الإدارة المنهجي، والعقوبات الأجنبية، وقد يعيق ذلك نجاح المشروع.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام