تقود متغيرات السياق الراهن المتعلق بمسارات التهدئة داخل قطاع غزة، خاصة على وقع التصعيد الإسرائيلي وقرارها ببدء عملية الاجتياح البري لمدينة رفح وتحديدًا الجانب الشرقي المتاخم للحدود المصرية ومعبر رفح، ومطالبة المواطنين الفلسطينيين بإخلاء تلك المنطقة والنزوح نحو مناطق خان يونس والمواصي، وذلك في أعقاب تصويت مجلس الوزراء الإسرائيلي في 6 مايو 2024 بالإجماع على تنفيذ هذه العملية، وهو ما أعقبه إعلان حركة حماس موافقتها على مقترح وقف إطلاق النار من مصر وقطر نحو عدد من السيناريوهات التي يمكن إجمالها على النحو التالي، وفقًا للمركز المصري لفكر والدراسات الاستراتيجية:

أولا: تمرير اتفاق هدنة مؤقتة بمرونة إسرائيلية محدودة

تتعزز فرص هذا السيناريو وفقًا لعدة مؤشرات من أبرزها:

1- تخفيف المواقف المتشددة داخل الائتلاف:

ينظر مراقبون إلى قرار الائتلاف الإسرائيلي أمس ببدء العملية العسكرية في رفح وتوزيع المنشورات على المواطنين الفلسطينيين، وإخلاء مناطق شرق رفح الفلسطينية، باعتبارها مناورة استهدف بها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو تخفيف المواقف المتشددة للوزراء المتطرفين بتسلئيل سومتريش وإيتمار بن غفير، من خلال تأكيد مصداقية العزم على استكمال الحرب وعدم الرغبة في إنهاءها، وأن عقد اتفاق هدنة لا يعني التخلي عن تحقيق أهداف الحرب والوصول إلى نقطة الانتصار الكامل المرتبط بالقضاء على حركة حماس، وتفكيك ترسانتها العسكرية وما تبقى لها من جيوب داخل القطاع في الجانب الجنوبي بحسب التصورات الإسرائيلية، وذلك من أجل الحفاظ على حالة التعبئة والحشد المتحققة في اللحظة الحالية من جانب الوزراء المتطرفين، لدى أنصارهم من التيار اليميني المتطرف، وهو ما يتعزز معه حظوظهم الانتخابية في آية انتخابات قادمة.

ويسعى نتنياهو إلى فرض مزيد من الضغط على حركة حماس، ليس فقط بدافع ذاتي من جانبها لتجنب سيناريو اجتياح مدينة رفح الفلسطينية، وما سيترتب عليه من إضعاف قدرات الحركة وأصولها العسكرية، وإنما أيضًا لتحفيز الوسطاء الإقليميين وخاصة مصر، في ضوء تحديد الجانب الشرقي لرفح المتاخم للحدود المصرية بالاستهداف، على ممارسة أقصى درجات الضغط على الحركة لإبداء المرونة بشأن مقترح الهدنة والموافقة عليه، وهو ما تحقق بشكل جزئي عبر إعلان حركة حماس الموافقة على اتفاق الهدنة من مصر وقطر.

وفي هذا الإطار، ووفقًا لتقرير موقع «Kikar» العبري، فقد أعلن مكتب رئيس الوزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو في بيان رسمي أن «مجلس الوزراء الحربي قرر بالإجماع أن تواصل إسرائيل العملية في رفح الفلسطينية، لممارسة الضغط العسكري على حماس من أجل دفع عملية إطلاق سراح المحتجزين وتحقيق الأهداف الأخرى للحرب»، مضيفًا: «في الوقت نفسه، وعلى الرغم من أن اقتراح حماس بعيدا عن متطلبات إسرائيل الضرورية، فإن تل أبيب سترسل وفدًا من الوسطاء لاستنفاد إمكانية التوصل إلى اتفاق بشروط مقبولة لإسرائيل».

وصرح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري حول إعلان حركة حماس، قائلا: «نحن ندرس كل إجابة على محمل الجد، ونستنفد كل الإمكانيات فيما يتعلق بالمفاوضات ووقف إطلاق النار، وعودة المحتجزين إلى منازلهم في أسرع وقت ممكن كمهمة مركزة، وفي الوقت نفسه نواصل عملياتنا في قطاع غزة وسنواصل القيام بذلك».

2- ضمان استمرار هدوء العلاقات مع واشنطن:

لا يبدو أن واشنطن قد أعطت الضوء الأخضر الكامل لعملية اجتياح لمدينة رفح الفلسطينية، خاصة في ظل عدم تحقق شرطها المتعلقة بوجود خطط إخلاء تمكن المدنيين الفلسطينيين من النزوح لمناطق أمنة، وهو أمر ليس باليسير تحقيقه في فترة زمنية قصيرة، حددتها بعض التقارير العبرية بالأيام، وانعكس ذلك عبر التقارير التي تحدثت عن مضمون المحادثة الهاتفية التي جمعت الرئيس الأمريكي برئيس الوزراء الإسرائيلي أمس في أعقاب الدعوة لإخلاء شرق رفح الفلسطينية، والتي أكدت أن الرئيس الأمريكي كرر الرئيس الوزراء الإسرائيلي مخاوف واشنطن بشأن العملية العسكرية في مدينة رفح، بينما أوضح مستشار الاتصالات بمجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي في تصريحات للجزيرة القطرية قائلا: «أوضحنا للحكومة الإسرائيلية وجهة نظرنا بشأن الغزو البري الكبير لرفح. لا نزال نعتقد أن صفقة المحتجزين أفضل وسيلة لحفظ حياتهم وتجنب عملية برفح الفلسطينية لمحادثات بشأن المحتجزين لا تزال مستمرة، هذا فضلا عن تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية ماتيو ميللر أمس، (6) مايو (2024) بأن الولايات المتحدة تدرس رد حماس على اقتراح وقف إطلاق النار وستناقشه مع حلفائها في الشرق الأوسط في الساعات المقبلة، مؤكدًا أنه تم تلقي الرد وأن المناقشات ستجري في الساعات المقبلة، كما أن مدير وكالة المخابرات المركزية بيرنز ما زال موجودا في المنطقة للعمل على هذا الأمر في الوقت الحقيقي.

ستحاول واشنطن البناء على موافقة حركة حماس لتعزيز فرص نجاح اتفاق هدنة مؤقتة، قد تتخلى فيه واشنطن عن الضغط على إسرائيل بحيث تكون ضامن لمرحلة ما بعد الهدنة؛ لبدء مرحلة تفاوض بشأن هدنة مستدامة، على غرار ما قد تم تداوله خلال الأيام الماضية، بشأن ملامح اتفاق الهدنة المزمعة.

3- تخفيف الضغط المتوقع من جانب أسر الأسرى الإسرائيليين:

من المتوقع أن تزيد أسر الأسرى الإسرائيليين من ضغوطها الاحتجاجية ضد الائتلاف، إذا ما عزمت تل أبيب على استكمال الأعمال العسكرية التي قد تؤدي إلى خسائر في صفوف ذويهم الأسرى، وانعكست مؤشرات هذا الضغط من خلال توجيه أهالي المختطفين والعائدين من الأسر رسالة حازمة إلى الوزيرين بيني غانتس وغادي أيزنكوت، بشأن التواطؤ مع حكومة نتنياهو، في إفشال اتفاق الهدنة، قائلين: «لقد أصبحتم إضافات في عرض نتنياهو الذي يخرب الصفقة ويترك المختطفين حتى الموت، اعقدوا مؤتمرا صحفيا وأعطوا أجوبة عما حدث أمس».

رفض المسار السياسي

ثانيا : رفض المسار السياسي والبدء الجزئي للأعمال العسكرية في مدينة رفح:

تدفع بعض المؤشرات نحو احتمالية استمرار إسرائيل في موقفها المعلن أمس، ببدء العملية العسكرية في مدينة رفح الفلسطينية، ورفض المسار السياسي، ومن أبرز هذه المؤشرات:

1- عدم مرونة الموقف الإسرائيلي مع إعلان حماس بالموافقة على الهدنة: عكست العديد من التقارير العبرية نقلا عن مسؤولين كبار بالحكومة الإسرائيلية عدم المرونة في التعامل مع موافقة حماس، مبررين ذلك بكونها موافقة على مقترح يتضمن بنود لا توافق عليها تل أبيب، وبحسب تصريحات لمسؤول إسرائيلي لصحيفة «يدعوت أحرنوت» بشأن إعلان حركة حماس أكد إن المؤسسة الأمنية تدرس حاليا اقتراح حماس بعمق، وفي ظاهره، يبدو أن هناك مطلبا بإنهاء الحرب لا يمكن أن نقبله، وعلى حد قوله فإن «نهاية الحرب تبقى أمرا ملموسا وأنهم لن يتخلوا عنها، وفي الوقت الحالي تتواصل الاستعدادات للعملية في رفح كالمعتاد»، كما أفادت بعض التقارير العبرية نقلا عن مسؤولون كبار في إسرائيل بأن «الاقتراح لم يكن مقبولاً لدينا، فهو محاولة من حماس لتقديم إسرائيل على أنها رافضة».

2- المرونة المحدودة لواشنطن في التعامل مع مخطط الاجتياح الجزئي:

تمكنت تل أبيب خلال الأيام الماضية من المفاوضات بإقناع شركاءها في واشنطن بمرونة موقفها تجاه اتفاق الهدنة وهو ما وصفه وزير الخارجية الأمريكي بـ«السخي»، على نحو عزز قدر من مرونة الموقف الأمريكي في التعامل مع مخطط الاجتياح الجزئي الذي يبدو أن تل أبيب تحاول إنضاجه بخطط تراعي من خلالها تخوفات واشنطن وكذلك تخوفات الأطراف الإقليمية، وينعكس ذلك من خلال إعلانها عن التدخل العسكري الجزئي وليس الشامل في مناطق الشرق لمدينة رفح والتي تضم ما يقارب الـ 100 ألف مواطن والسماح لهم بالنزوح نحو خان يونس والمواصي، وهو ما يراعي في جانب منه تحذير واشنطن بشأن التداعيات الإنسانية المحتملة، وارتفاع أعداد القتلى في صفوف المواطنين الفلسطينيين، هذا فضلا عن إعلان البيت الأبيض تأكيد نتنياهو خلال اتصال الرئيس الأمريكي به أمس أنه سيضمن فتح معبر كرم أبو سالم بين إسرائيل وغزة أمام المساعدات الإنسانية، وهو ما سيضمن بدوره توافر المساعدات التي ستخفف من حدة الضغوط الغربية تجاه دعم واشنطن لتل أبيب، وعلى مستوى تخوفات الشركاء الإقليميين، فرغم نظر بعض المراقبين إلى اختيار منطقة شرق مدينة رفح بمكن قراءته في ضوء التعمد الإسرائيلي لممارسة الضغط ضد مصر للضغط على حماس للموافقة على الهدية إلا إن هناك قراءة أخرى مقابلة من ناحية كون هذا الاختيار بالبدء بالمنطقة المشتركة مع الحدود المصرية، تستهدف من خلاله تل أبيب تأمين تلك المنطقة عبر إفراغها بشكل مبدئي من الكثافة السكانية التي قد تندفع نحو الحدود المصرية، تحت وطأة العمليات العسكرية في باقي مناطق مدينة رفح، وبالتالي تخفيف موجة التصعيد من جانب مصر التي رسمت خط أحمر بالقيام بعملية عسكرية بمدينة رفح تدفع بالمواطنين الفلسطينيين نحو حدودها المشتركة مع القطاع.

وتنعكس أيضا هذه المرونة الجزئية للموقف الأمريكي من خلال تصريحات المسؤولين الأمريكيين أمس، والتي تم الإشارة فيها إلى التحفظ على أن تكون عملية الاجتياح البري كبيرة، وهو ما أكده مستشار الاتصالات بمجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، قائلا: «أوضحنا للحكومة الإسرائيلية وجهة نظرنا بشأن الغزو البري الكبير لرفح».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: فلسطين رفح الاحتلال الإسرائيلي غزة قطاع غزة رفح الفلسطينية الوزراء الإسرائیلی إعلان حرکة حماس رفح الفلسطینیة اتفاق الهدنة العسکریة فی مدینة رفح فی الوقت تل أبیب من جانب من خلال وهو ما

إقرأ أيضاً:

خبير: الأيام المقبلة تحمل مزيدا من التصعيد الإسرائيلي| فيديو

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال الدكتور نزار نزال، خبير الشؤون الإسرائيلية، إنه عندما يبدأ الشارع الإسرائيلي بالغليان وعندما تخدش العلاقات الاستراتيجية بين الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية، يعول رئيس الوزراء الإسرائيلي والطبقة الحاكمة دائمًا على عاملين اثنين، أولهما هو الشارع والثاني هو العلاقات الاستراتيجية ما بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

وأضاف نزال خلال مداخلة عبر الإنترنت ببرنامج «الصحافة العالمية»، المُذاع عبر شاشة «القاهرة الإخبارية»، ما دام هذين العاملين غير متوفرين يتحرك نتنياهو في مساحة واسعة جدًا ويتخذ قراراته بعيدًا عن أي اثار أو أي ضغوط ممكن أن تفرض عليه من الأطراف سواء كان من النظام الرسمي الأوروبي أو من المنطقة، مشددًا على أنه يعتقد أن نتيناهو مازال يتحرك ضمن إطار واسع ولدية القدرة على المناورة بشكل كبير، خاصة ان اليوم الإسرائيلي في أقصى اليمين ولم يعد هناك معارضة حقيقة ذات أثر على الشارع أو على مكونات هذه الحكومة.

وأشار إلى أن كل هذا المؤشرات تنذر بمزيد من التصعيد وتنذر بمزيد من العنترية لنتيناهو، مضيفًا أن نتنياهو تحدث قبل يومين في قاعدة عسكرية في النقب، منوهًا أنه  لا يوجد حتى الآن موعد لنهاية هذه الحرب سواء كانت في قطاع غزة أو كانت في لبنان، موضحًا أنه يعتقد أن الأيام القريبة ستشهد وتحمل مزيدًا من التصعيد وليس تخفيض التصعيد.

وتابع، إن إيران اليوم في ظل اقتناع ساستها وقادتها أن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية على انسجام تام فيما يتعلق بالقضاء على حلفائها أو على أذرعها وعلى المقاومة الفلسطينية وحزب الله، وهذه القناعة أصبحت راسخة في ظل الحراك الدبلوماسي وتعنت إسرائيل.

مقالات مشابهة

  • واشنطن بوست: مخدوع من يظن أنه يعرف ما سيحدث.. 7 سيناريوهات لانتخابات الرئاسة الأمريكية
  • خبير: الأيام المقبلة تحمل مزيدا من التصعيد الإسرائيلي| فيديو
  • واشنطن بوست: 7 سيناريوهات لمن يفوز برئاسة أميركا
  • مسؤول أمريكي: واشنطن قد تعلق مساعداتها العسكرية لإسرائيل
  • مسؤول أمريكي: واشنطن قد تعلق المساعدات العسكرية لإسرائيل إذا لم تنفذ مطالبها
  • «الصحة الفلسطينية»: 55 شهيدا و186 مصابا في آخر 24 ساعة بقطاع غزة
  • اتصال جديد بين وزير دفاع أمريكا ونظيره الإسرائيلي لبحث فرص التهدئة الإقليمية
  • حماس تعلن موقفها من وقف مؤقت للحرب في غزة
  • أول تعليق من حماس علي فكرة الوقف المؤقت للحرب في غزة
  • «أكسيوس»: واشنطن وافقت على تقديم رسالة لإسرائيل بشأن اتفاق محتمل مع حزب الله