إنترسبت: مايكروسوفت عرضت أداة ذكاء اصطناعي لدعم أنظمة إدارة القتال بالجيش الأميركي
تاريخ النشر: 6th, May 2024 GMT
اقترحت شركة مايكروسوفت في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، استخدام أداة توليد الصور الشهيرة "دال-إي" (DALL-E)، التي تطورها شركة "أوبن إيه آي"، لمساعدة وزارة الدفاع الأميركية في تصميم برمجيات لتنفيذ العمليات العسكرية، وفقًا لمواد داخلية للعرض التقديمي التي اطلع عليها موقع "ذا إنترسبت" (The Intercept)، وأشار لها في تقريره الصادر في أبريل/نيسان الماضي.
جاء هذا الكشف بعد مرور أشهر قليلة على إنهاء حظر "أوبن إيه آي" استخدام تقنياتها في الأعمال العسكرية، وهو أمر حدث في صمت ولم تكشف عنه الشركة إعلاميًا وفقًا للتقرير.
كانت مايكروسوفت قد استثمرت أكثر من 10 مليارات دولار في شركة "أوبن إيه آي"، وارتبط اسمها باسم الشركة الناشئة خلال الفترة الماضية فيما يخص تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
ندوة تدريبية للبنتاغونتوفر مواد العرض التقديمي الخاصة بشركة مايكروسوفت، بعنوان "الذكاء الاصطناعي التوليدي باستخدام بيانات وزارة الدفاع" والذي حصل عليه موقع ذا إنترسبت، تفاصيل عامة حول كيفية استفادة البنتاغون من أدوات وتقنيات تعلم الآلة الخاصة بشركة أوبن إيه آي، التي تشمل روبوت المحادثة الشهير "شات جي بي تي" ومولد الصور "دال-إي"، وذلك لمهام تتفاوت بين تحليل المستندات والمساعدة في صيانة الآلات.
تلك الوثائق التي قدمتها مايكروسوفت مستخرجة من مجموعة مواد كبيرة عُرضت في ندوة تدريبية لوزارة الدفاع الأميركية حول "الإلمام والتثقيف بتقنيات الذكاء الاصطناعي" نظمتها وحدة القوات الجوية الأميركية في لوس أنجلوس في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتضمنت الندوة مجموعة مختلفة من العروض التقديمية من الشركات المتخصصة في مجال تعلم الآلة، بما فيها شركتا مايكروسوفت وأوبن إيه آي، حول ما يمكن أن تقدمه تلك الشركات للبنتاغون.
وقد ظهرت الملفات المتاحة للجمهور على الموقع الإلكتروني لشركة "أليثيا لابز" (Alethia Labs)، وهي شركة استشارات غير ربحية تساعد الحكومة الفدرالية في مجال الاستعانة بالتكنولوجيا، واكتشف تلك الملفات الصحفي بموقع "ذا إنترسبت" جاك بولسون.
عملت شركة "أليثيا لابز" بصورة مكثفة مع البنتاغون لمساعدته على دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي بسرعة في ترسانة أسلحته، ومنذ العام الماضي تعاقدت الشركة مع مكتب الذكاء الاصطناعي المركزي في البنتاغون.
الوثائق التي قدمتها مايكروسوفت مستخرجة من مجموعة مواد كبيرة عُرضت في ندوة تدريبية لوزارة الدفاع الأميركية (شترستوك) تدريب أنظمة إدارة القتالإحدى صفحات العرض التقديمي من مايكروسوفت تبرز العديد من الاستخدامات الفدرالية "الشائعة" لتقنية أوبن إيه آي، بما في ذلك استخدامها للأغراض العسكرية.
وجاء في إحدى النقاط، تحت عنوان "تدريب رؤية الحاسوب المتطورة": "أنظمة إدارة القتال: استخدام نماذج دال-إي لإنشاء صور لتدريب أنظمة إدارة القتال".
وكما يبدو من الاسم، فإن نظام إدارة القتال هو مجموعة برمجيات للقيادة والتحكم تزود القيادات العسكرية برؤية عامة لسيناريو القتال في أرض المعركة، مما يتيح لهم تنسيق عناصر تخص المعارك مثل قذائف المدفعية وتحديد أهداف الضربات الجوية وتحركات الجنود على الأرض، وفقًا للتقرير.
تقترح الإشارة إلى تدريب الرؤية الحاسوبية أن بإمكان الصور التي يولدها نموذج "دال-إي" مساعدة حواسيب البنتاغون على "رؤية" الأوضاع في ساحة المعركة بصورة أفضل، وهي ميزة خاصة لتحديد الأهداف وتدميرها.
ولا توفر ملفات العرض التقديمي تفاصيل أخرى حول كيفية استخدام نموذج "دال-إي" بالضبط في أنظمة إدارة القتال في ساحة المعركة، إلا أن تدريب تلك الأنظمة قد يتضمن إمكانية استخدام "دال-إي" لتزويد البنتاغون بما يُسمى ببيانات التدريب الاصطناعية، وهي مشاهد تخيلية ومصطنعة تحاكي إلى حد كبير مشاهد العالم الحقيقي.
على سبيل المثال، يمكن عرض كمية هائلة من الصور الجوية المزيفة، لمدرجات هبوط الطائرات أو صفوف الدبابات، التي ينتجها نموذج "دال-إي" على البرمجيات العسكرية التي صُممت لاكتشاف أهداف العدو على الأرض، بهدف تحسين قدرة تلك البرمجيات على التعرف إلى مثل تلك الأهداف في العالم الحقيقي.
وفي مقابلة الشهر الماضي مع مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، تصور الكابتن م. كزافييه لوغو، من البحرية الأميركية، تطبيقا عسكريا للبيانات الاصطناعية مثل النوع الذي يمكن أن ينتجه "دال-إي" تمامًا، مقترِحًا إمكانية استخدام تلك الصور المزيفة لتدريب الطائرات دون طيار على رؤية العالم تحتها والتعرف إليه بصورة أفضل.
وقد أُدرج اسم لوغو، وهو قائد مهام فريق عمل الذكاء الاصطناعي التوليدي في البنتاغون وعضو في مكتب رئيس الذكاء الرقمي والاصطناعي في وزارة الدفاع، كجهة اتصال في نهاية ملف العرض التقديمي من مايكروسوفت.
تعمل القوات الجوية الأميركية حاليًا على إنشاء نظام إدارة القتال المتطور، وهو الجزء الخاص بها من مشروع البنتاغون الأكبر الذي تبلغ تكلفته عدة مليارات من الدولارات والمسمى "نظام القيادة والتحكم المشترك لجميع المجالات" (JADC2)، الذي يهدف إلى ربط الجيش الأميركي بأكمله معًا لتوسيع نطاق التواصل بين الفروع العسكرية الأميركية وتحليل البيانات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وتحسين القدرة على القتال في نهاية المطاف.
يتصور البنتاغون من خلال هذا المشروع مستقبلًا وشيكًا تتبادل فيه كاميرات الطائرات المسيّرة التابعة للقوات الجوية، ورادارات السفن الحربية التابعة للبحرية، ودبابات الجيش، وقوات المارينز على الأرض، البيانات حول العدو بسلاسة لتدميره بطريقة أفضل.
وفي 3 أبريل/نيسان الماضي، كشفت القيادة المركزية الأميركية أنها بدأت فعلا في استخدام عناصر من هذا المشروع في الشرق الأوسط.
لكن حتى في حال تنحية أوجه الاعتراضات الأخلاقية جانبًا، فإن فعالية هذا الأسلوب قابلة للنقاش، إذ تقول هايدي خلاف، مهندسة سلامة تعلم الآلة التي عملت سابقًا مع أوبن إيه آي: "من المعروف أن دقة النموذج وقدرته على معالجة البيانات بصورة صحيحة تتراجع في كل مرة يتدرب فيها على محتوى من إنتاج الذكاء الاصطناعي".
وتضيف "الصور المولدة من دال-إي أبعد ما تكون عن الدقة ولا تنتج صورًا تعكس واقعنا الفعلي حتى لو جرى ضبطها على مدخلات نظام إدارة القتال في ساحة المعركة. لا تستطيع نماذج توليد الصور إنتاج عدد صحيح من الأطراف أو الأصابع البشرية بدقة، فكيف نعتمد عليها لتكون دقيقة فيما يتعلق بتفاصيل الوجود الميداني الحقيقي".
"أوبن إيه آي" أنهت حظر استخدام تقنياتها في الأعمال العسكرية، في صمت ولم تكشف عنه إعلاميا بحسب تقرير إنترسيبت (غيتي) تحول جذريقالت مايكروسوفت في تصريح لموقع "ذا إنترسبت"، عبر البريد الإلكتروني، إنه بالرغم من عرضها على البنتاغون استخدام "دال-إي" لتدريب برمجياتها في ساحة المعركة، فإنها لم تبدأ في تنفيذ الأمر.
وذكرت: "هذا مثال على حالات الاستخدام المحتملة التي استندت إلى محادثات مع العملاء حول ما يمكن أن يقدمه الذكاء الاصطناعي التوليدي".
لم تشرح مايكروسوفت، التي رفضت أن تنسب هذا التصريح إلى شخص محدد داخلها، سبب تصنيف حالة استخدام "محتملة" على أنها ضمن الاستخدامات "الشائعة" في عرضها التقديمي لوزارة الدفاع الأميركية.
وصرحت ليز بورجوس، المتحدثة باسم أوبن إيه آي، بأنه لم يكن لشركتها أي دور في عرض مايكروسوفت، وبأنها لم تبرم أي صفقات بيع لأدوات أو تقنيات لصالح وزارة الدفاع.
وأضافت: "تحظر سياسات أوبن إيه آي استخدام أدواتنا لتطوير أو استخدام الأسلحة، أو إلحاق الضرر بالآخرين أو تدمير الممتلكات".
وتابعت "لم نشارك في هذا العرض التقديمي ولم نجرِ محادثات مع وكالات الدفاع الأميركية فيما يتعلق بحالات الاستخدام الافتراضية التي يصفها العرض".
في توقيت هذا العرض التقديمي، يبدو أن سياسات شركة أوبن إيه آي كانت ستحظر استخدام نموذج "دال-إي" عسكريًا.
وقد ذكرت مايكروسوفت لموقع "ذا إنترسبت" أنه في حال استخدم البنتاغون أداة "دال-إي"، أو أي أداة أخرى من أدوات أوبن إيه آي، بموجب تعاقد مع مايكروسوفت، سيخضع ذلك لسياسات الاستخدام الخاصة بشركة أوبن إيه آي.
لكن مع هذا، فإن أي استخدام تقنيات الشركة لمساعدة البنتاغون على القتل والتدمير بفعالية أكبر سيشكل تحولا جذريا بالنسبة لأوبن إيه آي، التي وصفت مهمتها بأنها "تطوير ذكاء اصطناعي يركز على السلامة ويستهدف تحقيق الفائدة للبشرية بأكملها".
تقول بريانا روزين، وهي باحثة بجامعة أكسفورد تركز على أخلاقيات التكنولوجيا: "ليس من الممكن إنشاء نظام لإدارة القتال بأسلوب لا يسهم في إلحاق الضرر بالمدنيين، على الأقل بصورة غير مباشرة".
وأوضحت روزين، التي عملت في مجلس الأمن القومي في عهد إدارة أوباما، أن تقنيات أوبن إيه آي قد تستخدم بسهولة لمساعدة الناس كما يمكن استخدامها لإلحاق الضرر بهم، واستخدامها في هذا الخيار الأخير بواسطة أي حكومة هو خيار سياسي.
وأكدت "ما لم تحصل شركات مثل أوبن إيه آي على ضمانات مكتوبة من الحكومات بأنها لن تستخدم التقنية لإلحاق الضرر بالمدنيين، وهو أمر غير ملزم قانونًا على الأرجح، لا أرى أي وسيلة تمكن الشركات من الإعلان بثقة أن هذه التقنية لن تُستخدم (أو يُساء استخدامها) بأساليب لها آثار عدائية".
وقالت آنا ماكانجو، نائبة رئيس قسم الشؤون العالمية في "أوبن إيه آي" في يناير/كانون الثاني الماضي، إن عمل الشركة العسكري يركز على تطبيقات مثل مبادرات الأمن السيبراني ومنع انتحار المحاربين القدامى، وإن أدوات الشركة الرائدة في مجال تعلم الآلة تظل بعيدة عن التسبب في الأذى أو التدمير.
غير أن المساهمة في تطوير أنظمة إدارة القتال سيضع أعمال أوبن إيه آي العسكرية أقرب ما تكون إلى الحرب نفسها، ففي حين أن ادعاء أوبن إيه آي بتجنب الأذى المباشر قد يكون صحيحًا من الناحية التقنية، في حال لم تكن برمجياتها تشغّل أنظمة الأسلحة بصورة مباشرة، فإن استخدامها في أنظمة أخرى، كتخطيط العمليات العسكرية أو تقييم الأوضاع في ساحة المعركة، سيؤثر في النهاية على مواقع انتشار تلك الأسلحة أو تنفيذ المهام العسكرية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الذکاء الاصطناعی التولیدی وزارة الدفاع الأمیرکیة فی ساحة المعرکة أوبن إیه آی ذا إنترسبت تعلم الآلة القتال فی
إقرأ أيضاً:
ما فرص نجاح هاريس في إدارة الاقتصاد الأميركي؟
مع اقتراب يوم الانتخابات الرئاسية الأميركية، تزداد التساؤلات حول مدى قدرة كامالا هاريس على تحقيق رؤية اقتصادية جديدة تعزز من استقرار ونمو الاقتصاد الأميركي في حال فوزها.
تتصدر خطتها الاقتصادية أولويات حملتها، حيث تَعِد بإصلاحات عميقة تهدف إلى دعم الطبقة الوسطى، وتحفيز الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة، وتعزيز فرص العمل في قطاعات جديدة.
وفي ظل التحديات التي تواجه الاقتصاد، مثل التضخم، وتباطؤ النمو، وتنامي الدين العام، تثير خطة هاريس ردود فعل متباينة بين الاقتصاديين والمستثمرين. تتوقع هاريس أن يؤثر برنامجها بشكل مباشر على خفض البطالة ورفع مستوى الأجور، لكنها تواجه في الوقت ذاته تساؤلات حول تمويل برامجها الطموحة وتأثيراتها على العجز المالي، مما يجعل نجاح خطتها رهناً بقدرتها على إدارة التوازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة المالية.
في هذا السياق، يشير تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" إلى أنه على الرغم من إلحاح أصوات الجمهوريين المؤيدين لـ "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى" على التقليل من قوة الاقتصاد الأميركي، فإن التعافي الاقتصادي الذي شهدته الولايات المتحدة على مدى الأعوام القليلة الماضية لم يكن أقل من معجزة.
ونقلت الصحيفة عن صندوق النقد الدولي أن "صناع السياسات في الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات الكبرى نجحوا في كبح جماح أسوأ تضخم في أربعة عقود دون الانزلاق إلى الركود". كما رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي الأميركي على مدى العامين المقبلين، مؤكداً أن أكبر اقتصاد في العالم تمتع بأقوى تعافي من الجائحة مقارنة بأي دولة متقدمة.
وتضيف الصحيفة: حققت الولايات المتحدة هذا الوضع لأن بنك الاحتياطي الفيدرالي المستقل تمكن من السيطرة على التضخم؛ ودفع الرئيس جو بايدن بقوانين رئيسية أدت إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية والتكنولوجيا الجديدة (وحث القطاع الخاص على القيام بنفس الشيء)؛ وساهمت سياسات أخرى في تحرير الإنفاق الاستهلاكي (من بين أمور أخرى، من خلال توفير مليار دولار للمستهلكين في تكاليف الأدوية وتوفير حافز كبير ).
كما يشير إلى تحذيرات وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين من تفجير التقدم الذي تحقق بالفعل. وقالت: "منذ اليوم الأول، رفضنا الانعزالية التي جعلت أميركا والعالم أسوأ حالاً، وسعينا إلى قيادة الاقتصاد العالمي الذي يدعم الاقتصادات في مختلف أنحاء العالم ويجلب فوائد كبيرة للشعب الأميركي والاقتصاد الأميركي". وأشادت يلين بالعلاقة التكافلية بين الحكومة الفيدرالية والقطاع الخاص، مشيرة إلى أن "الاستثمارات العامة في مجال الطاقة الخضراء قوبلت بأكثر من خمسة أضعاف الاستثمارات الخاصة".
نهج ناجح
"توضح هذه الصيغة الناجحة لماذا تعد الخطط الاقتصادية لنائبة الرئيس كامالا هاريس، التي تستند إلى هذا النهج الناجح، أفضل كثيرا من صيغة دونالد ترامب (الحمائية، وتخفيضات الضرائب الضخمة للأثرياء، وإلغاء قانون خفض التضخم، وما إلى ذلك). ويتفق العديد من خبراء الاقتصاد مع هذا"، بحسب التقرير.
يشار هنا لاستطلاع أجري مؤخراً لآراء 39 خبيراً اقتصادياً في صحيفة وول ستريت جورنال . وقد حظي اقتراح هاريس بإعفاء ضريبي بقيمة 6000 دولار للمواليد الجدد بموافقة 74 بالمئة، وحظيت خطتها لزيادة معدل ضريبة الشركات بتأييد 59 بالمئة، وحصل مفهوم تحديد أسعار الأنسولين عند 35 دولارًا للجميع على دعم 64 بالمئة. (كان تحديد سقف للإنفاق من الجيب على جميع الأدوية الموصوفة متعادلًا في الأساس). وأضاف:
"على النقيض من ذلك، فضل 8 بالمئة فقط جعل تخفيضات ترامب الضريبية دائمة، ولم يؤيد أي خبير اقتصادي خطة التعريفات الجمركية، ودعم 5 بالمئة فقط إلغاء الضرائب على إعانات الضمان الاجتماعي". ووفقًا لتقدير واحد، فإن خطة ترامب فيما يخص التعريفات من شأنها أن تخفض الناتج المحلي الإجمالي بنحو 9 بالمئة.
وعلى نحو مماثل، أوضح مجموعة من خبراء الاقتصاد الحائزين على جائزة نوبل "إن سياسات ترامب، بما في ذلك التعريفات الجمركية المرتفعة حتى على السلع من أصدقاء وحلفاء أميركا، والتخفيضات الضريبية التراجعية للشركات والأفراد، ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وعجز أكبر، وعدم مساواة أكبر".
وزعموا أن سياسات هاريس التي تركز على الطبقة المتوسطة "ستفعل أكثر بكثير من سياسات دونالد ترامب لزيادة القوة الاقتصادية ورفاهية أمتنا وشعبها".
ووفق التقرير، فإن من بين أهم العوامل التي تحدد النجاح الاقتصادي سيادة القانون واليقين الاقتصادي والسياسي، وترامب يهدد كل هذا".
ويوضح تقرير الصحيفة الأميركية في الوقت نفسه أنه من المرجح أن تنتج الاستثمارات التي اقترحتها هاريس (على سبيل المثال، في الإسكان، وفي الشركات الناشئة، وفي تقنيات القرن الحادي والعشرين )، وخطة لتوسيع مدخرات الأدوية الموصوفة والمساعدة الإضافية للمستهلكين (على سبيل المثال، ائتمان ضريبة الأطفال، ائتمان ضريبي آخر للأطفال بقيمة 6000 دولار) في إحداث نتائج ناجحة.
"وإذا كان الأميركيون يدركون بشكل أفضل النجاح الاقتصادي الأميركي والسياسات التي ساعدت في تحقيقه، فقد يدركون بشكل أفضل لماذا تحظى خطة هاريس بإشادة كبيرة من جانب خبراء الاقتصاد، بينما تتعرض خطة ترامب لانتقادات شديدة. وإذا لم يكن هناك سبب آخر، فإن خطة ترامب للتعريفات الجمركية ــ وهي نفس النوع الذي ساعد في إدخال فترات الركود في تسعينيات القرن التاسع عشر وثلاثينيات القرن العشرين ــ ينبغي أن تكون سبباً لرفض خطته"، وفق التقرير.
والآن أصبح لدى الناخبين خيار: صيغة هاريس التي ساعدت في تحقيق انتعاش تاريخي (بناء على قصة النجاح الاقتصادي غير العادية التي حققتها أميركا) أو صيغة يكاد يكون من المؤكد، كما يظهر التاريخ، أنها تنطوي على مخاطر الكارثة الاقتصادية، بحسب وصف التقرير.
عوامل النجاح
يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
نجاح كامالا هاريس في إدارة الاقتصاد الأميركي يعتمد على عدة عوامل؛ من أبرزها الظروف الاقتصادية السائدة وقت توليها المسؤولية، والسياسات التي يمكن أن تتبناها، وقدرتها على التعاون مع الكونغرس لتحقيق إصلاحات هيكلية واقتصادية فعالة. إذا تمكنت من وضع سياسات تعزز الابتكار، وتدعم الطبقة المتوسطة، وتخفف من حدة الفقر، فستكون لديها فرصة لتحقيق النجاح. كذلك، سيعتمد نجاحها على كيفية تعاملها مع قضايا مثل التضخم والديون الوطنية والتغير المناخي والعدالة الاجتماعية، علاوة على التعاون الدولي فى الملفات و القضايا السياسية وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط وأيضاً على قدرة فريقها الاقتصادي. وجود قاعدة من الخبراء الاقتصاديين ومحللين استراتيجيين بجانبها، واستمرار الدعم الشعبي، سيكون له دور كبير في تعزيز فرصها.ما الذي تكشفه استطلاعات الرأي؟
لكن على الرغم من أن هاريس ضيقت الفارق بينها وبين ترامب في الاقتصاد مقارنة بالرئيس جو بايدن، إلا أن استطلاعات الرأي أشارت إلى أن الأميركيين يفضلون ترامب بشدة من حيث التأثير على شؤونهم المالية الشخصية.
أظهر أحدث استطلاعات الرأي، أن الأميركيين يميلون إلى المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب على المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس باعتباره الخيار الأقوى لقيادة الاقتصاد، حيث يقف الاقتصاد الأميركي عند نقطة تحول محتملة قبل الانتخابات.
الاستطلاع الذي أجرته صحيفة نيويورك تايمز وكلية سيينا أظهر أن 52 بالمئة من المستجيبين يثقون في أن ترامب سيقود الاقتصاد مقارنة بـ 45 بالمئة لهاريس، خارج هامش الخطأ البالغ 2.2 نقطة مئوية للعينة.
كما أظهر استطلاع مشترك أجرته فاينانشال تايمز وكلية روس للأعمال بجامعة ميشيغان أن 44 بالمئة من الناخبين يفضلون ترامب لرعاية الاقتصاد مقارنة بـ 43 بالمئة لهاريس، ضمن هامش الخطأ البالغ 3.3 نقطة مئوية في الاستطلاع.
كذلك فإن استطلاع "سي إن بي سي" الأميركية وجد أن ترامب يتمتع بميزة 13 نقطة مئوية بين الناخبين الذين يعتبرون التضخم والاقتصاد بشكل عام من أهم قضاياهم في هذه الدورة.
أظهرت استطلاعات رأي رئيسية أخرى أن ترامب يتصدر المرشح المفضل لقيادة الاقتصاد على نطاق واسع، بما في ذلك استطلاع أجرته وكالة أسوشيتد برس-نورك في سبتمبر الماضي والذي أفاد بهامش 43 بالمئة إلى 41 بالمئة يفضل ترامب في هذه القضية.
تحديات واسعة
وإلى ذلك، يشير مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، بلال شعيب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن:
الاقتصاد الأميركي يواجه عدة أزمات وتحديات معقدة في ظل إدارات أميركية متعاقبة؛ إذ تجد الولايات المتحدة نفسها تحت ضغوط سياسية وعسكرية متزايدة. تتصاعد التوترات مع استمرار الحرب في أوكرانيا، التي لم تُحسم بعد، في حين تقدم الولايات المتحدة دعماً كبيراً لكييف. وفي الشرق الأوسط، تقدم الولايات المتحدة دعماً مفتوحاً لإسرائيل، مما يعقد فرص السلام في المنطقة ويوسع دائرة الحرب لتشمل دولاً مثل إيران ولبنان، بالإضافة إلى التهديدات التي تواجهها في مضيق باب المندب من قبل الحوثيين. كل هذه الأزمات تشكل تحديات ضخمة للمرشح الرئاسي، ولها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد الأميركي. هذا بجانب تحديات أخرى يعاني منها العالم ككل، مثل أزمة ارتفاع أسعار الفائدة التي زادت من أعباء الديون العالمية (..) كذلك، هناك مشكلات التضخم الحاد وتذبذب أسعار السلع الاستراتيجية، خاصة النفط، والركود التضخمي الذي أثر أيضاً على اقتصاد الصين، التي تعاني من انخفاض كبير في معدلات النمو والطلب على المنتجات. وبالتالي، يواجه الرئيس الأميركي القادم ملفات معقدة متعددة، سواء كانت سياسية، اقتصادية، أو تجارية، خاصة في ظل المنافسة المتصاعدة مع الصين على زعامة الاقتصاد العالمي.ويضيف: أعتقد بأن هناك احتمالاً كبيراً أن تنجح كامالا هاريس -حال فوزها في الانتخابات- في التعامل مع الملف الاقتصادي إذا ما قورنت بدونالد ترامب، خاصة أنها تنتقد التوترات العسكرية وتفضل أسلوباً أكثر استقراراً وأماناً من الناحيتين العسكرية والسياسية، مما قد ينعكس إيجاباً على الاقتصاد. فالولايات المتحدة دولة مؤسسات، تعتمد على نظام مؤسسي في إدارة ملفاتها، مما يمنع الرئيس من التفرد بالقرارات الاقتصادية.
أما بالنسبة للتعامل مع الصين، فمن المتوقع أن تتبع أية إدارة النهج ذاته، إذ أن التعامل معها يمثل تحدياً استراتيجياً ثابتاً، بحسب شعيب.
تحسين الاقتصاد
وفي السياق، تعتقد خبيرة أسواق المال، الدكتورة حنان رمسيس، بأنه بإمكان هاريس المساهمة في تحسين الاقتصاد الأميركي، لكن الاقتصاد لا يعتمد عليها بالكامل؛ إنما يتم الاعتماد على الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وعلى دور رجال الأعمال.
وتوضح لدى حديثها مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أنه إذا أصر الناخبون على اختيار هاريس، فستسير الأمور بأمان، لأن أهم ما يسعى إليه الأميركيون هو السيطرة على الاقتصاد العالمي والبقاء في الصدارة. ولهذا السبب أبرموا اتفاقيات تجارية مع عديد من الدول، ويسعون لتعزيز علاقاتهم مع دولة مختلفة، كما يعملون على تقوية تحالفهم مع اليابان لدعم خطتهم الاقتصادية القادمة.
وتضيف: "لكن المشكلة من ناحية أخرى تتعلق ببعض سياسات الديمقراطيين، حيث إنهم غالبًا ما يثيرون الجدل ويدعمون تغييرات سياسية مثيرة للجدل (..) أما الجمهوريون، فيميلون للتركيز على الشؤون الداخلية أكثر من الخارجية، ما يجعلهم أكثر قبولًا لدى أطراف خارجية أخرى".