د. محمد بشاري يكتب: ماذا يعني أن يكون معرفياً؟
تاريخ النشر: 6th, May 2024 GMT
إن التساؤل عن إمكانيات إدخال مجال معين أو مفهوم أو سلوك أو حتى دلالة إلى سياق المعرفة والمعرفية يتعدى نسبته السطحية والبسيطة والمجتزئة في انتمائه لكيان يحمل معلومات، حيث أن العديد بل أن معظم إن لم يكن كل الأشياء التي تحيط بنا لا بد من وجود تعريف يمثلها فحين نتفوه بأي مصطلح نجد أن تعريفه يكون من خلال الصورة التي تنعكس في أذهاننا حين نتخيله حتى وإن لم نقم بتعريفه الإجرائي واللغوي وما إلى ذلك.
وفي ذات السياق فإن هناك العديد من الفهومات التي لا بد من الإمعان فيها عند محاولة الانطلاق في القضايا الكبرى التي تشغل الإنسان والتي تعتبر المعرفة إحدها، حيث أنه وبرغم من أن علاقة الإنسان بالطبيعة المادية التي تحيط به، والبحث في هدفه من الوجود، والنضال الإنساني العريض الذي حاول الوصول لحل مشكلة المعيارية وتحديد مصدرها، إلا أن كافة الأسئلة العميقة التي يمكن طرحها في كل من هذه السياقات يصب في صلب معرفة معينة ولكن لا تزال ملامح تلك المعرفة غير واضحة بشكل كامل.
وبمعنى آخر فإن كافة التحديات والتحولات التي يمر بها المجتمع الإنساني فوق هذه البسيطة والجغرافية الممتدة شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً، لا تنفك عن حاجتها الملحة في الاستزادة المعرفية أو الاستمرار من تلك النقطة التي تضع التحديات عندها، وبذلك يمكن القول بأن الاستشرافات التي وضعها الإنسان قبل جائحة كورونا على سبيل المثال لا الحصر لا يمكن مقارنتها بالرؤى المستقبلية المطورة والمنقطعة ذات الأدوات الأكثر تمكناً ومرونة التي وضعها بعد مروره تحت وطغت هذه الجائحة وما فرضته من إملاءات قاسية اضطرته لأن يتكيف معها رغماً عنه وليس باختياره، وفي ذات السياق فإن كافة الأطر التي تحيط بعملية التطوير أو الارتقاء المنظومة المعرفية لا بد وأنها تعوز للتحديث والتنقيح في أسس لطالما سار عليها الإنسان سيما التي انطلقت من مبدأ " هذا ما وجدنا عليه آباؤنا وأجدادنا"، وبالتالي فإن الحاجة تتحقق عندما نجد منهجية واضحة تستطيع التعرف لماهية المعرفة التي يسعى للإبحار في عنانها الإنسان وفي ذات الوقت يجعل من العقل الإنساني أكثر جرأة في اختياره لمنطقية اختياراته في هذا السياق، وبخاصة أن الإنسان اعتاد على الخلط بين المعرفي وغيره في الكثير من المجالات التي يحبها ويرغبها ويجد فيها مساحة معينة من الخيرية كأن يقوم بتعميمها، وبمعنى آخر فإن الأخلاقيات -مثلاً- التي تنعكس سلوكاً رحيماً ولطيفاً على المجتمع مثل مساعدة الفقراء وغيرها من الأنشطة الخيرية تعتبر مهمة وحيوية في رفض الحاجة الإنسانية ولكنها لا تمت للمعرفة بصلة.
إننا لا نحاول أن نعزل المعرفة أو أن نحيطها بهالة من القدسية المغشوشة بل أننا نحاول في هذا السياق السير بمنهجية واضحة بعيدة عن الخلط المفاهيمي والإدراكي الذي وقع في الكثير من الجدليات الفكرية والفلسفية حين درسه الإنسان،
ومن ذلك فإن الحديث عن إنتاج ما هو معرفي، لا بد له من تجاوز كل المحاولات الأولى التي كانت هي السبب في انبثاق المعرفة الحقيقية في صورتها، مع ضرورة اعتمادها على مصادر تعتبر عصب رئيسي في الوصول لبناء معرفي رصين، وذلك بالاستفادة من الجمع بين المعلومات المكتسبة من البيئة التقليدية القريبة من جهة، بالإضافة لما يكتسب الإنسان من بيئته الخارجية، يضاف إلى ذلك ما هي استنتجه من أفكار نابعة من عمق تمعنه، والاستفادة من المكتسبات والمهارات المضافة من مصدر رئيسي وهو الوحي، وصولاً لتحقيق هدف البناء المعرفي.
وعليه، فإن أحكم ما يمكن الاستناد إليه هو النظر في طبيعة ما يرد أمامنا من معلومات وتحكيمها من خلال ميزات المعرفة التي اتفق معظم المفكرين عليها فتأتي بدلالة واضحة، ودقة وحرفية، وموثوقية مدعمة بالأدلة، ومستقلة في بنائها وتشكيلها، بحيث يكون النتاج نقياً من أي اصطفافات أو أيديولوجيات، وبالتالي فهي قابلة للتصديق والاعتماد. ومن هنا نجد أننا بتنا أقرب إلى توصيف المادة المعرفية وعدم الخلط بينها وبين المعلومات الأولية أو حتى معطيات "أطوار"، ومراحل مخاض وولادة المعرفة الإنسانية.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
المرأة الجديدة تنظم مائده مستديرة حول "التقاطعية في السياق المصري "
نظم مشروع مرصد ألوان بمؤسسة المرأة الجديدة بالشراكة مع هيئة دياكونيا، مائدة مستديرة تحت عنوان " التقاطعية في السياق المصري" - تقرير الرصد الأول.
قومي المرأة يشارك في فعاليات منتدي رابطة رائدات الأعمال الأول "WEN" "أهمية التصدي لقضية العنف ضد المرأة بجميع أشكاله" ندوة بإعلام الزقازيقوافتتحت المائدة آية عبد الحميد مديرة مشروع مرصد ألوان، بمقدمة عن التقاطعية وعرض لأهم محاور اليوم
بدأت الجلسة الأولى التي قدمتها مريهان فؤاد الباحثة النسوية، بالحديث عن أهداف التقرير ومنهجيتة، من خلال رصد وتوثيق وقائع تقاطعية العنف ضد النساء في مصر التي عُرضت كقضايا رأي عام، اعتمدت مريهان على 10 عينات قصدية نشرت عبر الصحف المستقله والرسمية، شمل البحث كافة انحاء الجمهورية خلال الـ8 سنوات، كما تطرقت إلى شرح مفهوم التقاطعية كما تبناه التقرير، وثيمات التقاطعية الخمس التي رصدها التقرير، و خُتم التقرير بمجموعة من التوصيات للمجتمع المدني والنسوي.
عقبت نفين عبيد/ المديرة التنفيذية بمؤسسة المرأة الجديدة، بالتأكيد على ضرورة طرح تقرير أولي يرصد أشكال العنف المركب، وكيف يفند التقرير معنى التقاطعية والمقصود منها وانعكاسها على حياتنا كنساء، وانعكاسها على مطالبنا واسهامتنا كنساء ونسويات، وأوضحت كيف ظلت قضايا العنف المركب والتمييز بعيده عن القانون، وتسألت إلى أي مدى يكشف القانون العنف المركب وأشكال التمييز، وإلى أي مدى يتعامل القانون مع الهويات المتعددة للمعنفات، هل من الممكن أن يفرض القانون تعريف لها والتدخلات مناسبه؟
ختمت نيفين الجلسة بسؤال لمحمود عبد الفتاح / المحامي والخبير القانوني، عن تقديره الشخصي لأشكال التقاطعية، وهل من الممكن وجود تشريع لنساء متعددي الهوية.
ووقفا لما أوضحه عبد الفتاح فقد تجاهل المشرع المصري تعدد الهويات ولم يراعي اي تقاطعات كما استثنى العديد من الفئات من الحماية القانونية ففي قانون العقوبات تسامح مع العنف الأسري حيث لا تسري أحكام قانون العقوبات على حوادث العنف الممارس ضد الزوجات والابناء والأخوات مدام مرتكب بنية سليمة، في حين يعاقب على نفس الافعال المرتكبة ضد الأخريات، وبرغم من ذلك فقد وفر القانون الحماية للنساء الحوامل وفقًا للمادة 261 منه على معاقبة "كل من أسقط عمداً امرأة حبلى بإعطائها أدوية، أو باستعمال وسائل مؤدية إلى ذلك، أو بدلالتها عليها، سواء كان برضاها أو لا، بالحبس مدة قد تصل إلى ثلاث سنوات، أما في حال كان الفاعل طبيباً أو قابلة فإن الأمر يتحول إلى جناية تتراوح عقوبتها ما بين الحبس ثلاث سنوات إلى 15 سنة".
أما في قانون العمل استثني العاملات في الزراعة البحتة ومن ثم لا يحصلن على أي حماية قانونية واجتماعية تكفلها احكام هذا القانون. ويجدر الاشارة أن هذة الفئة تشكل الشريحة الأكبر من العمالة الغير منتظمة.
ثم فتح باب النقاش لمشاركات الحاضرين.ات، وخُتم المائدة بتأكيد على الهدف منها وهو توثيق العنف المركب، واستساغت فكرة التقاطعية وادراكها، وهذا المشروع هو استكشافي لمفهوم التقاطعية.
جدير بالذكر أن التقاطعية هي " الطبيعة المترابطة للتصنيفات الاجتماعية مثل العرق والطبقة والجنس ، والتي يُنظر إليها على أنها تخلق أنظمة متداخلة ومترابطة من التمييز أو الحرمان.
يأتي هذا النشاط ضمن مشروع مرصد الألوان بمؤسسة المرأة الجديدة بالتعاون مع هيئة دياكونيا.