الجزيرة:
2025-03-04@14:58:01 GMT

أن تصبح إسرائيل تاريخًا

تاريخ النشر: 6th, May 2024 GMT

أن تصبح إسرائيل تاريخًا

هل تصبح إسرائيل تاريخًا؟ ليست لديَّ إجابة عن السؤال، لكن لديَّ ما أقوله عن مسوغات طرحه، بعدما دخلت الحرب على غزة شهرها الثامن، وتعددت أصداؤها في أنحاء العالم المختلفة، وأحدثها ما جرى في 58 جامعة ومعهدًا علميًا في الولايات المتحدة. وهي المفاجأة التي لم تخطر على البال في ظل التوأمة التاريخية بين واشنطن وتل أبيب.

ولم يكن هناك من تفسير لتلك المفاجأة سوى أنها دليل على قوة وعمق الزلزال الذي وقع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إذ تجاوزت أصداؤه وهزاته الشرق الأوسط وأدخلتنا في عالم جديد لم تتبلور بعد كل قسماته، وإن لاحت في الأفق بعض مقدماته.

***

سنتوقف لحظة أمام مشهد التظاهرات الجامعية الأميركية، الذي أزعم أنه يساعدنا على ملاحظة خلفية السؤال الذي طرحته للتوّ، ذلك أنّها حدثت في أحد معاقل النفوذ الأميركي التي تمثل الشريك الرئيسي في حملة إبادة الفلسطينيين.

وأهمية تلك التظاهرات تكمن في أنها أعادت إلى الأذهان الأدوات التي لجأ إليها نشطاء الجامعات الأميركية منذ 1968 إزاء حرب فيتنام، وكذلك نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. ذلك أنهم لم يعارضوا فقط أهوال الحرب وفظائعها ولكنهم ضغطوا لسحب الاستثمارات من جنوب أفريقيا التي حظيت بدعم الغرب للأقليات البيضاء لنظامها العنصري والاستعماري، والتي ساهمت – ضمن عوامل أخرى- في عزلته واتساع الضغوط السياسية لمقاطعته الدولية، ومن ثم سقوطه بعد ذلك بسنوات.

وهذا هو الحاصل الآن في الحراك الطلابي بالولايات المتحدة الذي انتقلت أصداؤه إلى أرجاء أوروبا، وهو ما يعني أنّ أحداث الحرب حين فضحت الوجه الحقيقي لإسرائيل أمام العالم الخارجي، فإنها خسرت الرأي العام الغربي، الذي يعدّ رصيدًا إستراتيجيًا لها.

وذلك يعدّ أحد تفسيرات الرد الهستيري الذي أقدمت عليه في غزة، وإدراكها لخسرانها قضيتَها، فإن أنصار إسرائيل في أميركا لجَؤُوا إلى إجراءات متطرفة لمواجهة منتقديها ومعارضيها، مثل عزل رؤساء الجامعات، وتهديد الطلاب في مستقبلهم التعليمي واحتمالات توظيفهم، وتأييد قمع الشرطة لهم، الأمر الذي ضاعف من غضب واستفزاز الحركة الطلابية. وقد غطى ذلك على الدعايات الإسرائيلية التي حاولت تشويه التظاهرات بالادعاء بأنها معادية للسامية، أو مموّلة من حماس وحزب الله، والزعم بأنّ الفلسطينيين مخرّبون وإرهابيون.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، لأن خسران الرأي العام الغربي استصحب تناميًا لدور اليهود الليبراليين الذين ظهرت لافتاتهم أثناء المظاهرات الجامعية رافعة شعار: «يهود مع فلسطين». وأتاحت هذه الأحداث فرصة لارتفاع بعض الأصوات الرافضة للصهيونية بينهم، والتي كانت ملتزمة الصمتَ سنواتٍ طويلةً. عبّرت عن ذلك الكاتبة الكندية الشهيرة نعومي كلاين في مقال لها بالغارديان (24/4) بعنوان: «نحن بحاجة إلى هجرة الصهيونية»، كتبت ما نصه: «نحن لا نحتاج ولا نريد صنم الصهيونية الكاذب، لكننا نريد التحرر من المشروع الذي يرتكب الإبادة الجماعية باسمنا».

***

إن زلزال السابع من أكتوبر/تشرين الأول فضح بشاعة وجه إسرائيل الذي لم يكن معلومًا للكافة منذ احتلالها فلسطين في 1948، كما أنه أسقط خرافات عدة جرى الترويج لها منذ ذلك الحين، أبرزها ما تعلق بجيشها «الذي لا يقهر»، أو ديمقراطيتها التي أخفت بؤس العنصرية في النظام الذي تفرضه على الفلسطينيين، لكنّ هناك أوجهًا أخرى لها لم تلقَ ما تستحقّه من اهتمام.

من ذلك بعد ارتدادات الحرب التي لا تزال تتفاعل داخل إسرائيل، منها ما برز بعد الهزيمة العسكرية من استقالات غير مألوفة في رئاسة جهاز الاستخبارات ورئاسة أركان الجيش وقادة الفرق. لكنني ألفت النظر إلى أمرين مسكوت عنهما، هما تنامي دور الصهيونية الدينية التي أصبحت قوة مؤثرة في القرار السياسي وممثلة في الحكومة والكنيست. والأمر الثاني يتمثل في التراجع الموجع في الاقتصاد الذي بات يهدّد مستقبل التنمية في دولة الاحتلال.

فالصهيونية الدينية بأطيافها المختلفة التي تحكم إسرائيل منذ 1977 تعتبر أنه لا وجود أصلًا لشعب فلسطيني، ومن ثم ترفض إقامة دولة فلسطينية لأسباب عقيدية وتزعم أن شعب إسرائيل وحده صاحب «الحق الحصري» في الأرض. ومن ثم لا يجوز التنازل عن أجزاء منها. وذلك يعني أنه من الضروري العودة إلى احتلال غزة ونشر المستوطنات في أرجاء القطاع. وفي الوقت ذاته لا مكان لموضوع حل الدولتين الذي يعتبرونه من قبيل العبث السياسي والإعلامي، بينما يتحركون بهمة على الأرض للحيلولة دون التفكير فيه من الناحية العملية.

ومثل هذه المواقف التي كان ينظر إليها باعتبارها راديكالية أو متطرفة أصبحت تتغلغل في أوساط التيار الرئيسي في المجتمع، ولم تعد هامشية أو محدودة، كما ذكرت إيناس إلياس في صحيفة «يسرائيل هيوم» 31 يناير/كانون الثاني الماضي، ونتيجة لذلك أصبح طلاب المدارس الدينية يمثلون مشكلة حادّة داخل إسرائيل.

فطلاب المدارس الدينية (60 ألفًا) يمثلون مشكلة داخل إسرائيل؛ لأنهم معفون من التجنيد ويتقاضون راتبًا مقابل تفرغهم للدراسة والعبادة والدعاء لجيش الاحتلال بالنصر. لكن القوى المدنية تستنكر إعفاءهم من التجنيد وتكلف الجيش وحده بالقتال مع مكافأة الحريديين لتفرغهم للدعاء. ولحاخامهم الأكبر يتسحاق يوسف تصريحات هدد فيها بسفر جماعي خارج البلاد في حالة إجبارهم على الالتحاق بالجيش، خصوصًا أنهم يمثلون قوة تصويتية وازنة تعتمد عليها أحزاب اليمين في انتخابات الكنيست.

***

أما أزمة الاقتصاد فهي أكبر. وهو ما عبّرت عنه دراسة نشرت في مجلة فورين بوليسي (في 30 يناير/كانون الثاني الماضي) بعنوان «نهاية الازدهار في إسرائيل». وصاحبها هو ديفيد روزنبرغ المحرر الاقتصادي لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية. إذ ذكر أن الإسرائيليين كانوا قد اقتنعوا قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول بأنهم تجاوزوا فكرة أسلافهم القائلة؛ بأن حربهم دائمة، ذلك أنهم اطمأنّوا إلى استقرار أوضاعهم بعدما تم تقليص الصراع بحيث استقرت أوضاع الفلسطينيين تحت الحكم الإسرائيلي دون منحهم دولة، خصوصًا بعدما تم التطبيع مع بعض دول الخليج ودخلت إسرائيل في شراكات اقتصادية مع العديد من دول الإقليم والدول المجاورة.

وهو ما منحهم شعورًا بالأمان والثقة أدى إلى خفض الإنفاق الدفاعي من 15.6 % من الإنتاج المحلي الإجمالي في 1991 عشية اتفاق أوسلوا إلى 4.5 % عام 2022. وزادت نسبة الشباب الذين حصلوا على إعفاء من الجندية إلى أقل من 50 % عام 2021. وذلك تغير كبير في المواقف الإسرائيلية؛ بسبب اعتماد الجيش الإسرائيلي على التكنولوجيا والقوات الجوية بدلًا من الدبابات والمشاة للردع.

وفي رأي الباحث أن انخفاض العبء العسكري وازدياد الشعور بالأمن والاستقرار أعطى دفعة قوية للنمو الاقتصادي أكبر كثيرًا من الزيادة في الإنفاق العسكري، إلا أن ذلك اختلف تمامًا بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

فتغطية تكاليف الحرب رفعت الإنفاق الدفاعي بنسبة تقترب من 80 % هذا العام، وهذه الزيادة سوف تستمرّ لأن 7 أكتوبر/تشرين الأول علّم الإسرائيليين أن التكنولوجيا لها حدودها، وأن لا شيء يمكن أن يحل محل القوات البرية.

ولذلك لا مفر من التوسع في زيادة التصنيع العسكري وتمديد مدة التجنيد وإنفاق المزيد من الأموال على مخزونات السلاح. وسوف يتردد صدى هذه التغيرات حتمًا على الاقتصاد مما يؤثر على النمو الاقتصادي، وهو ما حدث في وقت مبكر من الحرب، لأن وكالات التصنيف الائتماني ستنادرد آند بورز وموديز وفيتش، خفضت توقعاتها لإسرائيل إلى سلبية.

***

بقيت عندي ملاحظتان؛ إحداهما أن الهجمة الوحشية التي تشنها إسرائيل التي بلغت حد إقدامها على الإبادة الجماعية يحركها شعورها الدفين بأنها مستعمرة استيطانية موشكة على النهاية. يؤيد ذلك بعض المؤرخين النقديين، مثل إيلان بابيه وجوزيف مسعد، الذين يذكروننا بالسنوات الأخيرة لجميع مستعمرات المستوطنين التي تميزت بوحشية طويلة الأمد من قبل المستعمرين. ذلك أنه كلما زادت مقاومة السكان الأصليين المستعمرين، خاصة خلال حروب التحرر الوطني، أصبح المستعمر أكثر وحشية، كما رأينا في جنوب أفريقيا، وناميبيا والجزائر.

الملحوظة الثانية؛ أستلهمها من فكرة أفول الدول العظمى والحضارات التي باتت من الموضوعات ذات الاهتمام من جانب الباحثين والمؤرخين. ومن أشهر هؤلاء في زماننا المؤرخ والفيلسوف الفرنسي اليهودي إيمانويل توب الذي تنبأ بانهيار الاتحاد السوفياتي في مؤلفه الذي صدر عام 1976 بعنوان: «السقوط الأخير». وأتبعه بكتاب: «ما بعد الإمبراطورية» في 2021 الذي قدّم فيه حُججه على أفول أميركا كقوة عالمية مهيمنة. وبعد ذلك واصل طرحه في كتابه: «هزيمة الغرب» الذي عالج فيه حرب أوكرانيا وتداعياتها الأوروبية، وأسباب الهزيمة الاقتصادية والسياسية والأخلاقية التي توقعها.

وحين نستعرض حلقات الضعف ومسلسل الهزائم التي منيت بها إسرائيل، فإن ذلك يسوغ لنا أن نستعيد فكرة الأفول التي ترشح المشروع الصهيوني بجدارة لكي ينضم إلى صفحات التاريخ. إذ رغم أن إسرائيل لا هي إمبراطورية أو حضارة أو دولة عظمى، وإنما هي نبت شيطاني زرعه الغرب وتبنته الولايات المتحدة بالإكراه في قلب العالم العربي، بعدما أصبح الآن في أضعف حالاته منذ نشأتها.

وإذا رأينا البدايات بأعيننا في غزة خلال الأشهر الماضية، فقد صار من حقنا أن نتساءل عما إذا كان الوقت قد حان الآن لإعادة النظر في تصنيفها لكي تخرج من عداد دول هذا الزمان لتدرج محملة بسجلها وخرافاتها ضمن صفحات التاريخ الغابرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات السابع من أکتوبر تشرین الأول وهو ما ذلک أن

إقرأ أيضاً:

الدمار في غزة.. ارتكاب إسرائيل جرائم حرب ضد البيئة

خلفت الحرب في غزة خسائر فادحة في البيئة، وتلوثت إمدادات المياه، وتدفقت مياه الصرف الصحي الخام إلى البحر الأبيض المتوسط، ودمرت التربة الخصبة، وجردت الأرض من الأشجار.

أدت الحرب إلى قطع إمدادات المياه وتعطيل مرافق معالجة مياه الصرف الصحي، مما تسبب في تدفق النفايات الخام عبر الأرض، مما أدى إلى تلويث البحر الأبيض المتوسط واحتياطيات المياه الجوفية الضرورية لري المحاصيل.


كما تضرر أكثر من ثلثي الأراضي الزراعية في غزة، بما في ذلك الآبار والدفيئات الزراعية، أو دُمر بسبب القصف والأعمال العسكرية.

وتظهر الصور التفصيلية التي التقطتها الأقمار الصناعية منذ بدء وقف إطلاق النار في التاسع عشر من يناير، أن 80% من أشجار غزة قد ضاعت. فضلاً عن ذلك، عانت الأراضي الرطبة الحيوية، والكثبان الرملية، والمياه الساحلية، والنهر الوحيد المهم، وادي غزة، من أضرار بالغة.


ويحذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أن تجريد الأشجار والشجيرات والمحاصيل من الأشجار ألحق أضراراً بالغة بالتربة في هذه المنطقة التي كانت خصبة ومتنوعة بيولوجياً وذات مياه وفيرة، مما يجعلها تواجه خطر التصحر على المدى الطويل.

قال سعيد باقري، المحاضر في القانون الدولي بجامعة ريدينج في المملكة المتحدة، إن الطبيعة هي “الضحية الصامتة لحرب إسرائيل على غزة”.

في ظل توقف مرافق المياه، تلجأ الأسر الفلسطينية إلى أخذ المياه من آبار ملوثة محتملة أو من صهاريج غير خاضعة للرقابة.

لجنة دولية لتقصي الحقائق وتقييم الأضرار

وفي الأسبوع الماضي، دعا العالم أحمد حلس، رئيس المعهد الوطني للبيئة والتنمية، وهو مركز أبحاث فلسطيني رائد، إلى تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق “لتقييم الأضرار ووضع الأساس لاستعادة البيئة والتعافي على المدى الطويل”.

وقال حلس، هذه اللجنة يجب أن “تعطي الأولوية لإعادة تأهيل مصادر المياه، وإصلاح التربة، واستعادة الأراضي الزراعية”.

وكشف تقرير تفصيلي لمنصة Yale Environment 360، الكثير من الأرقام والحقائق والوثائق والمصادر بشأن ما تتعرض لها البيئة في غزة، حيث تمتد أراضي غزة الفلسطينية على طول 24 ميلاً على طول ساحل شرق البحر الأبيض المتوسط، ورغم صغر مساحتها، فإنها تشكل نقطة ساخنة للتنوع البيولوجي، حيث تلتقي الحياة البرية من أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.

وتضم أكثر من 250 نوعًا من الطيور و100 نوع من الثدييات، من القطط البرية والذئاب إلى النمس وجرذان الخلد، وفقًا لأبحاث أجريت على مدى العقدين الماضيين من قبل الخبير الأول في حيوانات ونباتات المنطقة، عبد الفتاح عبد ربه من الجامعة الإسلامية في مدينة غزة، حيث كانت احتياطيات المياه الجوفية الوفيرة سبباً في دعم الحياة البرية والبشرية في غزة.

فيما قال مارك زيتون، المدير العام لمركز جنيف للمياه، الذي يدافع عن السلام من خلال الدبلوماسية بشأن المياه: “لقد وفرت الآبار الرملية الضحلة إمداداً وفيراً من المياه العذبة التي تمنح الحياة”، وكانت هذه المياه، التي تغطيها تربة خصبة، السبب وراء فرار العديد من الفلسطينيين إلى غزة بعد طردهم من ديارهم على يد الميليشيات في أعقاب إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948.

ولكن عدد سكان غزة ارتفع منذ ذلك الحين إلى أكثر من مليوني نسمة، مما يجعلها واحدة من أكثر الأماكن كثافة سكانية على وجه الأرض ــ وهي تنافس سنغافورة، ولكن من دون ناطحات السحاب.

أدى هذا إلى فرض ضغوط هائلة على المياه الجوفية، وكان الاستخراج قبل الحرب أكبر بثلاث مرات من إعادة تغذية المياه من مياه الأمطار والتسرب من وادي غزة، الذي تقلص بسبب السدود المقامة أعلى النهر في إسرائيل.

 المياه الجوفية

وتناولت مضة Yale Environment 360 ، وضع المياه الجوفية وما تسبب فيه من تسلل مياه البحر المالحة إلى طبقة المياه الجوفية، والتي وصلت إلى أن أكثر من 97% من المياه الجوفية التي كانت حلوة ذات يوم في غزة أصبحت مع 2023 غير صالحة للشرب، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، وعلى نحو متزايد، اقتصر استخدام مياه الآبار على ري المحاصيل.

وتأتي إمدادات المياه العامة إلى حد كبير من محطات تحلية مياه البحر التي تم بناؤها بمساعدة دولية، بالإضافة إلى المياه التي يتم توصيلها من إسرائيل عبر ثلاثة خطوط أنابيب عبر الحدود.

ولكن منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر 2023، تقلصت الإمدادات العامة بشكل كبير ففي أكتوبر الماضي، أفادت سلطة المياه الفلسطينية بأن 85% من مرافق المياه أصبحت معطلة جزئيا على الأقل، وانخفض إنتاج ابار إمدادات المياه بأكثر من النصف، وتفتقر محطات تحلية المياه إلى الطاقة، في حين قلصت إسرائيل الإمدادات عبر خطوط الأنابيب.

ووجدت دراسة استقصائية، كشفت عنها منصة Yale Environment 360 ، أن 14% فقط من الأسر لا تزال تعتمد على الإمدادات العامة، وكان معظمهم يأخذون المياه من آبار مفتوحة ملوثة أو من صهاريج خاصة غير خاضعة للتنظيم.

وفي سبتمبر، اتهم بيدرو أروجو أجودو، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في مياه الشرب الآمنة والصرف الصحي، تقييد الوصول إلى المياه النظيفة “بأنه يستخدم بوضوح كسلاح في غزة ضد السكان المدنيين الفلسطينيين”.

بعد بدء الحرب، أصبحت محطات معالجة مياه الصرف الصحي خارج الخدمة، وأظهرت صور الأقمار الصناعية سحبًا من مياه الصرف الصحي تتدفق إلى البحر.

تسرب مياه الصرف الصحي إلى المياه الجوفية
وأصبح مصير المياه الجوفية الوفيرة ذات يوم ــ شريان الحياة لكل من الحياة البشرية والطبيعية ــ معلقاً بخيط رفيع.

ومع توقف معظم الآبار حالياً عن الاستخدام في الزراعة المروية، ربما يكون سحب المياه من طبقة المياه الجوفية قد انخفض، ولكن الحرب أدت إلى زيادة تلوث ما تبقى من المياه.

وتتعدد التهديدات، إذ يحذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أن الجهود الإسرائيلية لاستخدام مياه البحر لإغراق ما يقدر بنحو 300 ميل من الأنفاق التي حفرتها حماس تحت غزة قد تؤدي إلى تلويث المياه الجوفية تحتها.

كما تختنق البيئة البحرية بمياه الصرف الصحي، ففي عام 2022، نجح عالم البيئة الإسرائيلي جدعون برومبرج، الذي يرأس منظمة إيكوبيس الشرق الأوسط غير الحكومية العابرة للحدود الوطنية، في إقناع السلطات الأمنية الإسرائيلية بالسماح لغزة باستيراد الأسمنت لبناء ثلاث محطات جديدة لمعالجة مياه الصرف الصحي على طول الساحل.

واكتمل العمل، وفي الصيف التالي، تمكن الفلسطينيون والإسرائيليون، لأول مرة منذ سنوات عديدة، من السباحة بأمان من شواطئهم المتوسطية دون مواجهة مياه الصرف الصحي الخام في غزة.

وعادت الأسماك وتم تسجيل فقمة البحر الأبيض المتوسط لأول مرة على الإطلاق قبالة غزة.

ولكن بحلول بداية عام 2024، بعد بضعة أشهر من بدء الحرب، كانت جميع المحطات معطلة وأظهرت صور الأقمار الصناعية أعمدة من مياه الصرف الصحي تتدفق إلى البحر.

تدمير البيئة المبنية في غزة يشكل أيضاً تهديداً للبيئة الطبيعية. وتقدر وكالات الأمم المتحدة، أن الحرب خلفت أكثر من 40 مليون طن من الأنقاض، التي تحتوي على بقايا بشرية، وأسبستوس ومواد خطرة أخرى، وذخائر غير منفجرة.

يؤكد بعض المحامين الدوليين، أن إسرائيل مذنبة بارتكاب جرائم حرب ضد البيئة الطبيعية في غزة بقدر ما ترتكب جرائم حرب ضد شعبها، وتحظر اتفاقية جنيف الحرب التي قد تسبب “أضراراً واسعة النطاق وطويلة الأمد وشديدة للبيئة الطبيعية”.

ووجدت تحليلات صور الأقمار الصناعية التي أجرتها مجموعة Forensic Architecture، وهي مجموعة متعددة التخصصات من الباحثين في كلية جولدسميث، وهي جزء من جامعة لندن، مكرسة لكشف “عنف الدولة والشركات”، أن أكثر من 2000 مزرعة ودفيئة ومواقع زراعية أخرى قد دمرت، “غالبًا لتحل محلها أعمال ترابية عسكرية إسرائيلية”.

ومن بين الكنوز البيئية الأخرى التي لحقت بها أضرار بالغة منطقة المواصي، وهي شريط ضيق خصيب من الكثبان الرملية بالقرب من الحدود مع مصر.

ففي الماضي كانت قليلة السكان وغنية بالحياة البرية التي تجتذبها المستنقعات الصغيرة التي تتشكل وسط الكثبان الرملية حيث تطفو المياه الجوفية على السطح.

وقد سجل 135 نوعاً من الطيور هناك، بما في ذلك العديد من طيور الشمس الفلسطينية، فضلاً عن 14 نوعاً من الثدييات و20 نوعاً من الزواحف، وتكشف صور يين للمنطقة عن فقدان شبه كامل للأشجار منذ مايو، والتي حلت محلها في بعض الأحيان حفر القصف.

كل هذا يشكل نبأ سيئاً ليس فقط بالنسبة للناس، بل وأيضاً بالنسبة للحياة البرية، فالمساحة المتاحة للطبيعة للازدهار في غزة محدودة للغاية، ومع ذلك، فقد توصلت الأبحاث طويلة الأمد التي أجراها عبد ربه إلى أنه على الرغم من الضغوط السكانية البشرية، فقد انتعشت بعض الأنواع في السنوات الأخيرة.

فبعد إخلاء سلسلة من المستوطنات الإسرائيلية في المنطقة في عام 2005، “تسللت العشرات من الذئاب العربية وغيرها من الحيوانات آكلة اللحوم بشكل متقطع عبر ثغرات في الحدود إلى الشرق من قطاع غزة”.

حفرت الحيوانات جحورًا تحت الأسوار الأمنية الإسرائيلية للوصول إلى الماشية والدواجن المنزلية، بالإضافة إلى الفرائس الصغيرة التي تعيش في مكبات النفايات ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي.

ولكن هناك أيضًا عوامل جذب طبيعية للحياة البرية، فوادي غزة، الذي يقسم المنطقة، يعد محطة توقف مهمة للطيور المائية المهاجرة، بما في ذلك طيور البلشون واللقالق وطيور النحام والطيور الجارحة، فضلاً عن كونه موطنًا لطائر الشمس الفلسطيني، الطائر الوطني للمنطقة.

ولا يزال الوادي يتمتع بجاذبية كبيرة على الرغم من معاناته الشديدة في العقود الأخيرة من تحويلات المياه إلى المنبع ومياه الصرف الصحي التي يتم تصريفها من مخيمات اللاجئين.

وفي عام 2000، جعلت السلطة الفلسطينية من الوادي المحمية الطبيعية الوحيدة في المنطقة، وفي عام 2022، بدأ العمل في مشروع للأمم المتحدة بقيمة 50 مليون دولار للحد من التلوث واستعادة بيئته.

ولكن مع بدء الحرب توقفت هذه الأعمال، وعلى مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية، تحول الوادي مرة أخرى إلى مجاري صرف صحي ومكب نفايات

مقالات مشابهة

  • معاريف : هذا هو الكنز الذي استولت عليه حماس من “إسرائيل”
  • مناطق ج قلب الضفة الغربية الذي تخنقه إسرائيل
  • الدمار في غزة.. ارتكاب إسرائيل جرائم حرب ضد البيئة
  • ما هي الدول الأوروبية التي ستشارك في "تحالف الراغبين" من أجل أوكرانيا؟
  • ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
  • بِحُجة الظلم الذي تتعرض له إسرائيل .. تل أبيب وواشنطن تدرسان رسميًا الانسحاب من محكمة العدل الدولية
  • الجزيرة نت تكشف كيف اخترقت إسرائيل البروتوكول الإنساني في غزة
  • ما الذي تريده إسرائيل من سوريا الجديدة؟
  • من هو الصحفي الذي أشعل الحرب داخل البيت الأبيض بين ترمب وزيلينسكي؟
  • بعد عقم لأكثر من عقدين.. أربعينية تصبح أماً بأعجوبة في كركوك