تونس ورئاسية 2024: بقاء أو فناء؟.. وظاهرة منذر زنايدي (2-2)
تاريخ النشر: 6th, May 2024 GMT
يبدو أن قيس سعيد تفاجأ بوجود مرشحين جديين للرئاسة، وقد كان مطمئنا إلى كون المعارضين مقاطعين لكل استحقاقات 25 تموز/ يوليو الانتخابية بما فيها الرئاسية، لذلك بدا حاسما وحازما معتبرا الأمر "قضية بقاء أو فناء". ولعل أكثر ما جعل سعيد ينتبه لوجود منافس جدي هو ظهور الوزير السابق في زمن حكم الرئيس الراحل بن علي، وهو منذر الزنايدي الذي برز في زمن "الذروة السياسية" بخطاب اعتبره متابعون جاذبا ومُبشّرا ومطمئنا.
لقد بات واضحا أن البلاد دخلت مرحلة الترتيبات للمرحلة القادمة، أي مرحلة ما بعد نهاية عُهدة قيس سعيد الحالية، سواء فاز هو بالانتخابات القادمة أو فاز غيره.
هذه الترتيبات يتداخل فيها السياسي والقضائي والإعلامي والداخل والخارج، وهي ترتيبات خاضعة لموازين قوى تتحددّ على أساسها حظوظ المنافسة وفرص التفاوض ضمن تقاليد العمل السياسي وقاعدة الشدّ والجذب ونظرية "فن الممكن"، حيث المواءمة بين السيادة الوطنية وبين الأمن الإقليمي، وهنا علينا فهم دوافع بعث "الكيان المغاربي" الثلاثي بين تونس والجزائر وليبيا.
الترتيبات يتداخل فيها السياسي والقضائي والإعلامي والداخل والخارج، وهي ترتيبات خاضعة لموازين قوى تتحددّ على أساسها حظوظ المنافسة وفرص التفاوض ضمن تقاليد العمل السياسي وقاعدة الشدّ والجذب ونظرية "فن الممكن"، حيث المواءمة بين السيادة الوطنية وبين الأمن الإقليمي
5- ما موقع حركة النهضة في هذه الترتيبات؟
تظل حركة النهضة دائما هي محور كل عملية سياسية وكل مناسبة انتخابية،لكونها الحزب الأكثر "خزانا انتخابيا" كما يصفها المحللون وكما ينظر إليها الفاعلون السياسيون، وهي محل متابعة دقيقة لكون مواقفها محددة بشكل كبير لنتائج كل انتخابات وخاصة منها الرئاسية.
فهل تشارك الحركة بمرشح للرئاسة؟ أم هل تدعم مرشحا ضمن تحالفها السياسي في جبهة الخلاص الوطني؟ أم هل تعلن دعمها لمرشح آخر ترى لديه مشروع خروج من الأزمة السياسية والاجتماعية؟
في حوارات إعلامية سابقة، ظل أمين عام الحركة العجمي الوريمي يؤكد أن "جبهة الخلاص الوطني" ليست تحالفا انتخابيا إنما هي تحالف سياسي هدفه إسقاط الانقلاب، وعن سؤال حول إمكانية دعم مرشح من بين عدة أسماء مترشحة، أجاب الوريمي بأن الحركة مستعدة للجلوس مع أي مرشح بمن فيهم الرئيس الحالي قيس سعيد للاطلاع على برامج مختلف الأسماء وما يمكن أن يقدموه من حلول للأزمة. وكان يربط دائما موقف الحركة من الانتخابات بتنقية المناخ السياسي وبتوفير شروط ممارسة الناخبين لإرادتهم الحرة في اختيار رئيسهم القادم.
يبدو أن تلك الرسائل الإيجابية لم تتفاعل معها السلطة بأي شكل من الأشكال، بل زادت مواقفها تصلبا بتجاهلها نداءات الحقوقيين وعائلات المساجين، فلم يتغير موقفها في ملف "التآمر على أمن الدولة" ولم تطلق سراح أي سجين ولم "تنزعج" من دخول بعضهم إضراب جوع وحشي.
قد يكون هذا "التصلب" هو الذي سيدفع رئيس جبهة الخلاص الوطني الأستاذ نجيب إلى إعلانه في آخر ندوة صحفية منذ خمسة أيام بأن الجبهة لن تشارك في انتخابات هي "مهزلة"، وأن الظروف الحالية لا تسمح بانتخابات رئاسية، وأن موقف الجبهة هو النضال من أجل "تغيير الشروط"، مع تحميل السلطة مسؤولية الأزمة السياسية.
أمين عام حركة النهضة أعلن أيضا أن "جبهة الخلاص ترفض أن تكون ديكورا في مسرحية انتخابية"، وعدّد شروط المشاركة وأبرزها: إطلاق سراح المعتقلين، واستقلالية هيئة الانتخابات، وعدم "التحرش" بالمترشحين، مع حياد الإدارة وإلغاء المرسوم 54، وضمان مصالحة التونسيين مع الصندوق برفع الوصاية الانتخابية عن التونسيين.
هذه الأجواء "الساخنة" سمحت بطرح سؤال حول إمكانية حصول انتخابات رئاسية في موعدها، خاصة وأن هيئة الانتخابات لم تُعلن حتى الآن عن تاريخ محدد، وأعلنت في بيانها الأخير أن "تحديد تاريخ الانتخابات راجع لرئيس الجمهورية قيس سعيد"
وفي هذه الأجواء "الساخنة" تتراكم مظاهر الاحتجاج وترتفع أصوات جديدة مطالبة بالكف عن ملاحقة المعارضين من سياسيين وإعلاميين وقضاة ومحامين، وقد أعلن عميد المحامين السابق شوقي الطبيب عن دخوله في إضراب جوع في مقر هيئة المحامين، كما بدأ المحامون منذ ثلاثة أيام إضرابا داخل قصر العدالة، وقد منعت السلطة وسائل الاعلام من تغطية الإضراب مما تسبب في احتجاج عدد من الصحفيين ورفعهم شعارات تطالب بحرية الصحافة.
هذه الأجواء "الساخنة" سمحت بطرح سؤال حول إمكانية حصول انتخابات رئاسية في موعدها، خاصة وأن هيئة الانتخابات لم تُعلن حتى الآن عن تاريخ محدد، وأعلنت في بيانها الأخير أن "تحديد تاريخ الانتخابات راجع لرئيس الجمهورية قيس سعيد".
ولما كانت "حادثة" 25 تموز/ يوليو 2021 هي من فعل "الغالب"، فليس مُستبعَدا أن يتصرف هذا "الغالب" وفق تقديرات "علمية" تكشف له نسبة حظوظ فوزه إذا حصلت الانتخابات في موعدها، أو نسبة فوز أحد منافسيه.
وعلينا أن نتذكر دائما قول قيس سعيد عند زيارته السنة الماضي لضريح الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة في ذكرى وفاته، حيث أكد أنه لن يُسلم "الأمانة" إلا لـ"الوطنيين"، كما علينا أن نستحضر ما قاله هذه السنة في نفس المناسبة وفي نفس المكان بأنها ّقضية "بقاء أو فناء".
فهل تشهد تونس في الأيام القادمة تطوراتٍ تدفع باتجاه "قرار" حاسم يتخذه قيس سعيد في موضوع الانتخابات الرئاسية القادمة؟
twitter.com/bahriarfaoui1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه قيس سعيد تونس انتخابات جبهة الخلاص تونس انتخابات الرئاسة قيس سعيد جبهة الخلاص مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جبهة الخلاص قیس سعید
إقرأ أيضاً:
محاكمة تاريخية في تونس
محاكمة ثلة من القيادات المعارضة التي بدأت أمس في تونس في ما عرف بـ«قضية التآمر» هي بلا جدال أغرب محاكمة سياسية عرفتها البلاد منذ استقلالها عام 1956.
كثيرة هي المحاكمات التي شهدتها تونس في العقود الماضية سواء تعلقت بمجموعات يسارية، أو وزراء سابقين أو نقابيين أو قوميين موالين لليبيا رفعوا السلاح ضد الدولة أو إسلاميين، لكنها المرة الأولى التي تجمع فيها محاكمة واحدة كل هذه المثالب جميعها.
المحاكمة تجري، بشهادة كل المحامين، بملف فارغ بالكامل لا يعتدّ به في «مؤامرة ضد أمن الدولة الداخلي والخارجي» فلا وجود لمخطط لتغيير هيئة الدولة بالقوة أو جمع سلاح أو محاولات اختراق للمؤسستين العسكرية والأمنية ولا تخابر مع الخارج. الحقيقة أن الأمر لا يتعدّى مجموعة لقاءات علنية بين شخصيات معارضة تبحث عن سبل لتوحيد صفوفها وتقديم نفسها بديلا، أي هو عمل سياسي شرعي لا معنى لتجريمه أبدا.
وصف قيس سعيّد قادة المعارضة المتهمين بعد أيام قليلة من اعتقالهم بأنهم «إرهابيون»
المحاكمة تجري لزهاء الأربعين شخصية من مشارب مختلفة، وقد تصل العقوبة فيها إلى الإعدام، بملف مثقل بعيوب لا تغتفر أبدا في أي عرف قضائي سليم. ظل المتهمون رهن الإيقاف لأكثر من عامين، لم يُستجوب فيهما أحد، ولم تجر أية مكافحة لهم مع من اتهموهم بالتآمر. أكثر من ذلك، حاكم التحقيق الذي أعد قرار ختم البحث، هارب الآن خارج تونس وملاحق بتهمة «التآمر (هكذاّ)!!. أما مدير الشرطة العدلية الذي أوقف المتهمين فهو في السجن، فيما يقبع شاهد رئيسي في القضية في السجن منذ 2017. وكل ما سبق كفيل وحده بإسقاط القضية لانعدام الذمة الأخلاقية والمهنية لكل من سبق ذكرهم.
المحاكمة تجري في وضع يعيش فيه القضاء «وضعية كارثية تتعمق يوماً بعد يوم، وسنة بعد أخرى، خاصة بعد نزع كل ضمانات الاستقلالية عنه» كما ورد في بيان أخير لجمعية القضاة التونسيين. لقد بات معروفا، وبالأسماء، من هم القضاة الذين وقع طردهم أو نقلهم تعسفيا لاعتبارات سياسية، دون أن ننسى «مجزرة القضاة» التي حدثت صيف 2022 بإعفاء رئيس الدولة لسبعة وخمسين قاضيا رفضت الدولة لاحقا إنصافهم حتى بعد أن أمرت «المحكمة الإدارية» بإعادة معظمهم إلى مناصبهم.
المحاكمة تجري في أجواء تهديد واضحة من رئيس الدولة شخصيا فقد وصف قيس سعيّد قادة المعارضة المتهمين بعد أيام قليلة من اعتقالهم بأنهم «إرهابيون» بل واعتبر أن من «يبرّئهم فهو شريك لهم» في نسف كامل ومسبق لمقومات المحاكمة العادلة. فضلا عن ذلك، يوجه الحقوقيون الاتهامات علنا إلى وزيرة العدل ليلى جفال باعتبارها المهندسة المباشرة لسير التحقيق وتعيين القضاة وفق أوامر سياسية لا علاقة لها بالعدل أو البحث عن الحقيقة.
المحاكمة تجري دون حضور المتهمين إلى قاعة المحاكمة فقد تقرر إجراؤها «عن بعد» في سابقة لم تعتمد إلا خلال جائحة كورونا، لمنع شلل المحاكم وتكدّس القضايا العالقة. لقد رفض المتهمون ألا تكون محاكمتهم مفتوحة وعلنية وأن يقفوا أمام كاميرات جامدة بعد أن انتظروا لعامين هذه الجلسة لدحض ما اتهموا به وجها لوجها، وأعينهم في عيني القاضي الذي ساقه قدره إلى هذا الموقف الذي سيدخل به التاريخ من الباب الذي سيختاره هو لنفسه.
المحاكمة تجري وسط تعتيم إعلامي غير مسبوق، فقد صدر قبل أشهر قرار غريب «يمنع التداول الإعلامي» في القضية مع أنه كان من المفروض أن يقف الرأي العام على تفاصيل خطيرة مزعومة تهدد أمن الدولة والسلم الاجتماعي. وبناء على ذلك، ظلت القضية لأكثر من عامين بعيدة عن الأضواء فلا المتهمون مثلوا أمام المحكمة ليقف الناس على حقائق الأمور، ولا الاعلام سُمح له بالقيام بدوره. ولولا جرأة بعض المحامين والصحافيين وبعض نشطاء حقوق الانسان في الداخل والخارج الذين تحدّوا القرار وخاضوا، في مواقع التواصل خاصة، في تفاصيل القضية وحيثيات تحقيقها لما عرفنا حجم الاخلالات الرهيبة التي شابتها. المفارقة هنا، أن السلطة التي تمنع الصحافيين والمحامين من كشف جوانب من القضية هي نفسها التي تفسح المجال واسعا لأحد أبواقها في برنامج تلفزيوني على قناة خاصة يهذي فيه لأكثر من ساعة دون وجود لرأي آخر، مما يدل على حجم الخوف وغياب الثقة في النفس.
سُمح في جلسة الأمس بدخول أهالي المتهمين، وبعضهم في حالة سراح، وكذلك بدخول الصحافيين، ولكن دون معدّاتهم، في حين كانت كل المحاكمات السياسية التي عرفتها تونس طوال عهدي الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي تجري تغطيتها دون قيود، حتى في أحلك فترات القمع، وكانت الصحف تفرد عديد الصفحات لنقل كل ما يقال في ردهات المحكمة دون رقيب.
المحاكمة تجري والسلطة السياسية في أعلى درجات انكشاف خواء خطابها وفشل سياساتها وتفاهة مؤيديها القلائل وافتضاح كذب ما سبق أن أعلنته من قبل من مؤامرات مزعومة، مثل قضية تسميم الرئيس، مما يجعل من هذه المحاكمة في النهاية محاولة يائسة لاغتيال العمل السياسي، وبالتالي فهي محاكمة لهذه السلطة قبل أن تكون لأي طرف آخر.
المصدر: القدس العربي