البابون سيد الغاب: خلل في الطبع ام اختلال في الطبيعة
تاريخ النشر: 6th, May 2024 GMT
دكتور الوليد آدم مادبو
تعاني حظيرة الدندر من كارثة بيئية لا تقل فداحة عن الكارثة البيئية التي اجتاحت البيئة السياسية السودانية منذ ثلاثة عقود ونيف. فمنذ أن غابت الرقابة، ساد الفساد، واضمحلت عرى التواصل بين السلطات الإدارية كافة (الشرطة، الغابات والجيش) تعدّى رعاة الماشية بأبقارهم، خاصة قبائل الأُم بررو، على حدود الحظيرة وشرعوا تقتيلاً في الحيوانات الضارية مثل الأسود والمرافعين التي كانت تشكل خطراً على سَعِيتهم.
وإذ نحيل هذه الواقعة لمقاربة حياتية فنحن نود أن نتساءل عن سبب اكتظاظ الساحة السياسية والإعلامية والعسكرية، وحتى الثقافية بالتافهين والتافهات ومعه تعديهم دون هوادة على قيم ومعتقدات الشعب السوداني؟ ما الذي منحهم هذه الجرأة وقد رأينا بأم أعيننا خطورة تسيدهم الشأن العام واستخفافهم بشرعة الحق وأسس العدالة الإنسانية؟ هل يريد الشعب السوداني لدولته أن تستمر دولة متمردة على الشرعية الدولية (pariah state) دون أي مسوغ فكري أو فلسفي غير رغبة هؤلاء المنحرفين في اتخاذ السودان منصة للترويج للإرهاب، واتخاذه معبراً لتمرير السلاح والمخدرات والذهب واتخاذ أهله رهينة من جراء حربٍ لعينة كي تتحقق لهم رغبتهم في السطو على الثروة والسلطة حتى تؤول لهم سيادة "التنظيم العالمي" الذي لفظهم بعد أن أصبحوا معرة وسُبة يتبرأ منها كل ذي لب وضمير حي.
لقد انتبه العالم بعد غفلة لخطورة التعاطي مع الأنظمة العسكرية ذات التوجهات العقائدية وشرع في معاونة الوطنيين لاقتلاع "ضرس العقل" الذي طالما أعاق نمو الجسد واستبد مُلحقاً الأذى بعافية البلد التي تفرق أهلها بين جريح وطريد أو نازح أجبرته الحروب على مفارقة طرق عيشه ومغادرة مضارب قومه. وإذ كثرت الشكوى هذه الأيام وتعالت الأصوات من جراء الاعتداءات التي طالت المواطنين فقد لزم تبيان حقيقة مفادها أن إنسانيتنا قد انعدمت يوم أن تعامينا وانتقصنا من إنسانية الآخرين، الذين هم في الأصل مواطنون سودانيون حالت العنصرية والطبقية دون التعاطي مع قضاياهم الملحة. فهل تفكرنا يوماً في حال المرأة الدارفورية التي اغتصبها أفراد جهاز الأمن بالسونكي (السكين أعلى البندقية)؟ أم تلكم التي قذفها العسكر من فوق طائرة الهيلوكوبتر بعد أن فشلوا في انتزاع اعتراف منها بشأن "المتمردين" الجنوبيين؟
رغم التصدع الذي أصاب الوجدان السوداني من جراء العنصرية والتجريف الثقافي الذي مارسته الإنقاذ، فإن هنالك فئة من المواطنين الشماليين ظلت وفية لقيم الحق والحرية. منهم من قضى نحبه، مثل المعلم أحمد خير والطبيب علي فضل (رفعهما الله في عليين مع الشهداء والمقربين)، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. لقد علمت جماهير الوسط وعاينت خطورة التماهي مع الدولة الفاشية بيد أن النخبة الإنقاذية التي تنحدر من إثنيات بعينها كانت قد هيأت وأعدت من قطع على ثورة ديسمبر طريقها وحاد بها عن السلمية حتى وقفت على حواف الحرب الأهلية. إن أخطر ما في الوضع الذي نعيشه الأن هو تقلد فئة من شذاذ الآفاق (البابونات) لزمام الأمر بعد أن لزم العقلاء والعلماء بيوتهم واختار كلٌ منهم طريق الخلاص الفردي، فكان الاغتراب خياراً، ثم صار اضطراراً، ثم أصبح ملاذاً، وما ذلك إلّا بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي أحدثه العسكر بصلفهم وغبائهم الذي يتبدى كل يوم في خطبهم المرتجلة البئيسة والعجماء التي لا يتفاعل معها غير الجهلاء.
أعجب ويتملكني الضحك عندما أسمع "جنرالاً إنقاذياً" مثل ياسر عطا متحدثاً عن مشروعية بناء الدولة الحديثة أو أسمع "قائد مليشيا" مثل مالك عقار متطلعاً لتكوين حكومة راشدة. ما هي الأهلية العلمية والمهنية لهؤلاء للتخطيط لدولة النماء والرخاء؟ بل ما هي حيلتهم العسكرية لتخطي المأزق الوجودي الذي وضعهم فيه الكيزان المفسدون؟ الحمد لله الذي هيأ لهؤلاء "سِمّاً قَدُر غَداهم" فأرسل لهم صبياناً يجيدون القتال ولا يعطون ظهورهم للعدو في ساحة النزال. يتولى الترويج هذه الأيام "لمعركة الكرامة" (التي ما زال نصيب الجيش منها في الشوط الأول: 6/0)، بعض الصحفين الرياضيين الذين يظن أحدهم أن حصوله على دكتوراة من جامعة أم درمان الإسلامية يؤهله للرد على شخصي والتعرض بالنقد لمقالاتي التي تفوق مقدرته ومقدرة من يحرضونه على الاستيعاب (لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِىٓ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا).
عموماً، لا يحتاج التصدي للرجال إلى شهادات عليا قدر ما يحتاج إلى وطنية، مهنية ونزاهة أخلاقية كما علمتنا سيرة الاستاذ ومربي الأجيال محجوب محمد صالح (رحمه الله وجعل الجنة مأواه). هذا بالضبط ما تفتقر له "شلة لوسيل" التي وازنت بين مصلحتها الشخصية ومصلحة الوطن فاختارت الأولى. ذلك أنّهم يدركون أنهم لا يملكون ملكات تؤهلهم للعيش، دعك عن الازدهار، في مناخ حر يدلي فيه كلٌ بدلوه حسب قدراته وإمكانياته. ولا يتحسر هؤلاء الأدعياء على ضياع الأوطان ومهانة أهلها قدر ما يتباكون على المجتمع المخملي الذي هيأتهم الصدفة كما الانتهازية والهزيمة المعنوية للعيش في كنفه لفترة من الزمان. واليوم لا يستنكفون عن التحريض على الحرب رغم ضراوتها لأنهم لا يأنفون عن الرجوع لذات المستنقع الآسن، ولو أن يكون ذلك على جماجم البسطاء. لكن هيهات فإن وعي الأجيال القادمة قد تخطاهم بسنين ضوئية وجدد من عزمها على تحمل الصعاب الصبر على المكاره واليقين كي تكون هذه المعركة هي المعركة الفاصلة التي تقصي الانتهازيين من الفضاء العمومي وتضع حدّاً لتغول (البابون) السياسي والاجتماعي على ساحة الشرفاء.
لن نحتاج لقانون لإقصاء أولاء أو للتخلص من حضورهم المؤذي فقد تكفل الوعي الجمعي بلفظهم واعتنوا من جراء أنفسهم باعتزال التجمعات السودانية في الدوحة (قطر) مثلاً واكتفوا ببث سمومهم من وراء ال keyboard ذلك أنهم جماعة بائسة تفتقر إلى الشجاعة وتحس بالخسة التي تجعلها تتهيب لقاء الجمهور وتتفادى المجئ إلى ساحة الحرية التي يلتقي فيها الشرفاء ويأوي إليها النبلاء. كنت ساذجاً أو ماكراً عندما سألت أحدهم يوماً عن سبب تغيبه عن سنوية القدال فاعتذر بأنه لم يعلم أو لم يتم إخطاره بموعد الاحتفائية. لا يخفى على القارئ أن اليمين الأيديولوجي لا ينتج مبدعين، إنما يفرخ فقط قتلة ولصوصا مجرمين. كان حريّا بهم على الأقل أن يحضروا حفل تأبين عميد الصحفيين السودانيين محجوب محمد صالح كي يتعلموا أن الصحافة ليس وسيلة للثراء المادي أو التمظهر الأدبي، وإنما هي أداة للإثراء المعرفي والفكري. فهي السلطة الأخلاقية والرقابية على سلوك الحكام، وليست منصة لتمجيدهم والتستر على جرائمهم. ستظل قيم الأولين حاضرة ومحرِّضة على الخير ما بقي الدهر (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ).
أقام (البابون) الإعلامي ضجة كبيرة مستنكراً ذهابي لمؤتمر باريس والتقائي مؤخراً بمعالي الرئيس حمدوك وآخرين كانت بيني وبينهم قطيعة مذهبية، علماً بأنني قد حجزت خانة لنفسي منذ وقت طويل كوطني مستقل ومثقف قومي تخضع مواقفه لتقديرات ظرفية وتبنى تحالفاته وفق أسس مبدئية. استشعاراً منّا نحن المدعوين لمسئوليتنا الوطنية واهتماما منّا بشأن الأمة السودانية المكلومة فقد لبّينا دعوة كريمة من الخارجية الفرنسية بتاريخ 15 أبريل 2024 للتفاكر حول السبل الناجعة اللازم اتخاذها للمساعدة في تأمين المساعدات وتوفير العون الإنساني للمتضررين. وإذ إن تفاقم الأوضاع الحالية الناتج عن غياب الأمن وانعدام وسائل الإنتاج الأولية فقد آلت المجموعة على نفسها مضاعفة الجهد وتكثيف اللقاءات كلما سنحت الفرصة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السودانيين، سيما أولئك الحادبين على مصلحة الوطن، وذلك بغرض التوصل إلى رؤية سياسية من شأنها أن تسهم في إيقاف الحرب وتساعد على استدامة السلام وتوفير الأمن والاستقرار اللازمين لبناء وطن معافى من أمراض العنصرية والفاشية والتعصب الديني.
ختاماً، إن إلزام العسكر بمهامهم المهنية وتحصين الحياة السياسية بالثقافة الدستورية كفيلٌ بإخراج (البابون) العسكري من الفضاء العمومي. وهو أيضا محجة لاستدفاع السياسيين لخوض المعترك بأدواته الحضارية التي تستلزم العمل وفق منهجية مؤسسية، كما تستوجب إخضاع الأحزاب للأسس البرامجية بعيداً عن الحيل العاطفية والشعارات الغوغائية التي لم تغن عن البلاد شيئاً، بل زادت من حيل الاستقطاب الإثني والقبلي. إن محاولة المدنيين الاستقواء بالعسكريين تفسح المجال (للبابون) العسكري لتخطي التراتبية، و من ثمّ القضاء على الأسود والمرافعين العسكريين. هذا بالضبط ما حدث في الانقلابات الثلاثة الأخيرة (مايو، يونيو، وأكتوبر)، مع ضرورة استثناء انقلاب عبود الذي مثّل إلى حدٍ ما الأرستقراطية العسكرية التي حافظت على هرمية قوات الشعب المسلحة بيد أنها لم تتورع عن تقنين فعل الإبادة الجماعية في جنوب البلاد بدواعي تكريس الهيمنة الثقافية ببعديها الإثني والديني. إن اختلال البيئة السياسية يحرض العسكر على الاستبداد ويستفزهم لتبني قضايا معقدة لم يُهيأوا لها بحكم تأهيلهم المحدود وصلفهم أو بلههم الذي لا يرى للكِبر حدودا. أقصد هنا (البابون) وليس الدود أبو خدود (الأسد)!
الوليد مادبو
Auwaab@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الشيخ كمال الخطيب يكتب .. إن كانت للجدران آذان فإن للملائكة أقلامًا
#سواليف
إن كانت للجدران آذان فإن للملائكة أقلامًا
#الشيخ_كمال_الخطيب
✍️مع كثرة #البلاء النازل على شعبنا، ومع كثرة ما تعانيه أمتنا من كيد #الأعداء ومن خيانة الزعماء ومن خذلان الأشقاء، لكننا على يقين أن الله تعالى سيفرّج عنا ما نحن فيه، وأنه سبحانه سيبدّل ضعفنا قوة، وتفرقنا وحدة، وسيبدّل ذلنا عزًا وهزائمنا مجدًا. فأمام هذا اليقين بفرج الله تعالى، فإن الذي يجب أن نشغل فيه أنفسنا هو صدق علاقتنا مع الله سبحانه وتوبتنا له وصلحنا معه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه جلّ جلاله، لأن هذا سيكون ضمينًا بإذن الله تعالى بمغفرة ذنوبنا وتوبة الله علينا ورحمته بنا ودخولنا جنته.
????جنازة بالإيجار
✍️كان أبان بن عياش يقول: “كنت عند أنس بالبصرة، فخرجت من عنده فإذا بجنازة يحملها أربعة رجال فقط، فقلت مستغربًا: الله أكبر! جنازة لا يحملها إلا أربعة؟! فتبعت الجنازة حتى دُفن الميت، فسألت الرجال الأربعة: عن غياب الناس عن الجنازة، فقالوا لي: إسأل المرأة التي استأجرتنا وأشاروا إلى بيتها عند نهاية الطريق.
✍️ ذهبت إليها في اليوم التالي فسألتها: يا أمة الله! ما بال هذه الجنازة لم يشيع الميت فيها إلا أربعة؟! فقالت: هو ابني وكان شابًا عاصيًا فاسقًا لكنه تاب توبة صادقة قبل أيام، فلما كانت ساعة احتضاره قال: “يا أماه لقنيني الشهادة، ثم إذا متّ لا تخبري أحدًا بجنازتي لأن أهل الحي يعرفون أنني كثير المعاصي، فإذا عرفوا بموتي فلن يصلّوا عليّ، ولكن يا أمي ارفعي يديك إلى الله وقولي: “اللهم إني قد أمسيت راضية عنه فارض أنت عنه يا الله”.
✍️ يقول أبان بن عياش: نظرت إلى المرأة العجوز فإذا هي تضحك، فقلت لها: ما يضحك يا أمة الله؟ قالت: والله لقد فعلت ما طلب مني فرفعت يدي إلى السماء وقلت: “اللهم إني قد أمسيت راضية عنه فارض عنه”، ثم إني نمت ليلتي وإذا بي أسمع من يهتف بي وينادي ويقول: يا أماه يا أماه، لقد متّ على ربّ رحيم كريم غير ساخط ولا غضبان بدعوتك لي”.
✍️ لقد غلب على الشاب المُسرف على نفسه حسن الظن بالله وهو أعلم بنفسه من الناس أجمعين، أن الناس لن يصلّوا عليه إذا مات لكثرة معاصيه وسوء خلقه، لكنه مع كل ذلك فقد ظلّ يلازمه الرجاء برحمة الله ومغفرته، وأن ربّ الناس سبحانه أرحم به من أمه التي ولدته ومن الناس أجمعين.
نعم إن من الناس من يغفروا زلّات وإساءات بعضهم لبعض، لكن الله رب العالمين فليس أنه يغفر السيئات فقط، وإنما يبدل السيئات حسنات {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} آية 70 سورة الفرقان.
✍️ إنك لا تقبل من ابنك ولا من أعزّ الأصدقاء عليك أن يخطئ ويكرر خطأه مرة بعد مرة، لا شكّ أن هذا سيغضبك خاصة بعد أن تكون قد نصحته ولفتّ انتباهه، فإن فعلها فإما أنه سيكون في نظرك مستهترًا وإما أن يكون متمردًا فتعاقبه.
✍️ لكن الله جلّ جلاله لا يعاملنا بما نحن أهله وإنما يعاملنا بما هو أهله سبحانه، فنحن أهل الذنوب والخطايا وهو أهل التقوى وأهل المغفرة. إنه الذي يقول كما ورد في حديث الإمام مسلم: “أَذنَب عبْدٌ ذَنْبًا فقالَ: اللَّهُمَّ اغفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعالى: أَذْنَبَ عبدِي ذَنْبًا، فَعَلِم أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ ربِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: أَذْنَبَ عبدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغفِرُ الذَّنبَ، وَيَأخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَي رَبِّ اغفِرْ لِي ذَنبي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالى: أَذْنَبَ عَبدِي ذَنبًا، فعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنبِ، قد غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ”. فليس معنى الحديث التشجيع على الذنب والمعصية، وإنما التشجيع على الاستغفار والتوبة.
✍️ يروى أن إبراهيم عليه السلام قد مرّ عليه كافر فاستطعمه، فمع أن إبراهيم عليه السلام كان أكرم الناس، لكنه لما علم بكفر الرجل لم يطعمه غضبًا لله تعالى، فولّى الرجل أسفًا على طعام لم ينله، فأوحى الله إلى خليله إبراهيم عليه السلام “إني أطعمه في الليل والنهار منذ ثمانين سنة وأعلم أنه يكفر بي أفلا تطعمه أنت مرة واحدة، فناداه إبراهيم وأخبره بوحي الله إليه ثم أطعمه فآمن الرجل من فوره”.
????اللهم لا تكلني إلى نفسي أو إلى أحد من خلقك
✍️صحيح أننا نعيش ونتقلب بين الطاعة وبين المعصية، وصحيح كما تقدم أن الله سبحانه يقبل توبة العبد، وأنه سبحانه يبدلّ سيئاته حسنات، وأنه حتى لو عصى ثم تاب ثم عصى ثم تاب، فإنه يقبل توبته، لكن الطامة الكبرى والخسران العظيم والفرصة التي لا تعوّض حين يأتي الإنسان أجله وهو مقيم على معصيته غير تائب منها.
✍️ سأل موسى عليه السلام ربه جلّ جلاله فقال: “يا رب كيف تعامل من عصاك؟ فقال الله لموسى عليه السلام: يا موسى من عصاني أمهلته، فإن فعل ذنبًا سترته، فإن رجع إليّ قبلته، فإن عاد إلى الذنب انتظرته، فإن تاب غفرت له وأحببته وإلا خذلته وإلى نفسه وكّلته، كي لا يكون لعبدي حجة وما أنا بظلّام للعبيد”.
✍️ نعم إن حرارة دموع التوبة يقابلها دفء العفو من الله تعالى، فإذا أنت رفعت يديك إلى السماء ودموعك على خديك تقول: يا رب أنا أذنبت، يا رب أنا عصيت، يا رب أنا أخطأت، فلن يكون الجواب من الرحمن الرحيم إلا قوله: عبدي، وأنا غفرت وسامحت وصفحت وسترت.
✍️ من أجمل ما قيل:
أنا مخطئ أنا مذنب أنا عاصي هو راحم هو غافر هو كافي
قابلتهن ثلاثة بثلاثة ولتغلبن أوصافه أوصافي
✍️وما أعظمها أبيات الشعر فيها يناجي الإمام الشافعي ربه سبحانه قائلًا:
يا من عصيتك جاهلًا فسترتني وترد حين أسيء بالإحسان
كم جئت بابك سائلًا فأجبتني من قبل حتى أن يقول لساني
واليوم جئتك تائبًا مستغفرًا شيء بقلبي للهدى ناداني
عيناي لو تبكي بقية عمرها لأصبحت بعد العمر عمرًا ثاني
إن لم أكن للعفو أهلًا خالقي فأنت أهل العفو والغفران
????ساعدني الطبيب مرة
✍️ يروي الدكتور حسان شمسي باشا في كتابه النافع “قلوب تهوى العطاء” قصة ذلك الشيخ فيقول: “هو شيخ كبير، عمره ثمانون عامًا، أصيب فجأة باحتباس في البول، فحمله أبناؤه إلى المستشفى وهناك قام الطبيب بإجراء قسطرة بولية فخرج البول وتنهد الوالد الشيخ المريض عميقًا وانتهت آلامه.
توجه الأبناء والأحفاد للطبيب يشكرونه ويثنون عليه بما قام به بمهنية عالية في علاج والدهم، ثم التفتوا إلى والدهم على صوت نشيجه وبكائه وهو غارق في البكاء، أخذ الأبناء يهدئون والدهم ومعهم الطبيب، ويؤكدون له أن المشكلة انتهت ولن تعود بإذن الله فلم البكاء.
وكانت المفاجأة أن الوالد قد قال لهم ودموعه تسيل على خدّيه ولحيته: لقد ساعدني الطبيب مرة واحدة فاستشعرنا فضله ومعروفه فشكرناه وأثنينا عليه بما هو أهل له، فتذكرت كيف أن الله تعالى قد غمرني بكرمه وإحسانه ثمانين عامًا ولكنني لم استشعر فضله، لقد أزاح عني الطبيب الألم مرة واحدة فشكرته، فكم مرة دفع الله عني من البلايا والخطوب على مدى العمر والسنين ولم أشكره.
إفرح إذا لاح الصباح وأنت تحيا في سلام
واشكر إلٰهك إن سمعت اليوم ترتيل الحمام
ألطاف ربي لا تعدّ وليس يحصيها الكلام
✍️ إنه الله جل جلاله الذي قال: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} آية 18 سورة النمل.
▪️ فإذا أويت في المساء إلى بيتك وأغلقت عليك بابك لتنام بأمان، فتذكر أن لك إخوة قد دُمرت بيوتهم، فليس لهم ما يأويهم إلا خيمة من صفيح أو قماش.
▪️ وإذا استلقيت على سريرك لتنام على فراشك المريح، فتذكّر أن لك إخوة يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.
▪️ وإذا رأيت أولادك وإخوتك وأحفادك يتحلّقون حولك يلعبون ويضحكون، فتذكّر أن لك إخوة لعلّ أحدهم زوج قد فقد وقُتلت زوجته وكل أطفالها، أو لعلّ إحداهنّ زوجة قد قُتل أطفالها، ولعلّه طفل قد قُتل أبوه وأمه وإخوته ولم يبق له أحد يحنو عليه.
▪️ وإذا وقفت أمام ثلاجة بيتك أو جلست على مائدة الطعام فيها من كل أصناف الطعام والشراب مما لذّ وطاب، فتذكّر أن لك إخوة لا يجدون كسرة خبز ولا شربة ماء.
▪️ وإذا وقفت أمام خزانة ملابسك لتختار ما تلبس، فتحتار لكثرة ما فيها من القمصان والبناطيل، فتذكّر أن لك إخوة يلبسون الأسمال ويمشون حفاة أو يلبسون في الصيف ملابس الشتاء وفي الشتاء ملابس الصيف لأنهم لا يجدون غيرها ما يلبسون.
✍️ كان أحد السلف أقرع أبرص البدن أعمى العينين مشلول القدمين والرجلين. وكان دائمًا يردد: “الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرًا من خلقه وفضّلني تفضيلا”. فمرّ عليه رجل فسمعه يقول ما قاله، فقال له: ومما عافاك الله وأنت أعمى وأبرص وأقرع ومشلول فمما عافاك؟ فقال: ويحك يا رجل، لقد جعل لي لسانًا ذاكرًا وقلبًا شاكرًا وبدنًا على البلاء صابراً”.
✍️ فإذا كان الذي يكرمك بفنجان قهوة ترتشفه، فإنك لا تتردد بأن تقول له شكرًا، وإذا كان قد استضافك في بيته وأعدّ لك طعامًا فإنك ستجد في شكره والإطراء والثناء عليه بما قدم لك، فما بالك وأنت الذي ما من نعمة تصيبك إلا منه سبحانه {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} آية 53 سورة النحل.
فأي جحود وأي نكران يكون منك حين لا تشكره سبحانه، ولعلّ أعظم ما يستوجب الشكر هي نعمة الإسلام أنعم بها علينا. فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها من نعمة.
????للملائكة أقلام
✍️اعتاد الناس في ظلّ عيشهم تحت حكم أنظمة بوليسية دكتاتورية، وفي ظلّ وجود عشرات أجهزة المخابرات التي تحصي عليهم أنفاسهم، حتى بات الناس لا يثق الواحد منهم بالآخر خشية أن يكون هذا الآخر هو الأخ أو الأب عضوًا ومخبرًا في أحد أجهزة المخابرات، حتى وصل الحال بالناس لأن يوصوا بعضهم البعض بالحذر والانتباه من العيون والجواسيس بالقول “إن للجدران آذانًا”، أي أن جدران بيتك يمكن أن تتجسس عليك بما تسمع منك في داخل بيتك، وهذا يمثل قمه الخوف والقمع والإرهاب تمارسه الأنظمة ضد الشعوب. فإذا كنا نحذّر بعضنا البعض من أن للجدران آذانًا حتى لا نقول ما قد نحاسب عليه من طواغيت وجبابرة الأرض ونؤاخذ به من بشر مثلنا.
✍️ فالأولى أن ننصح بعضنا البعض ونذكّر بعضنا البعض بالقول أن للملائكة أقلامًا، فننتبه إلى كل كلمة نقولها، ليس لأن المخبر سيبلّغ عنّا فنحاسب على ما قلناه، وإنما لأن الملاك على أكتافنا سيكتب ما نقول ويحاسبنا عليه الله يوم القيامة {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} آية 18 سورة ق. {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ*كِرَامًا كَاتِبِينَ} آية 10+11 سورة الانفطار.
✍️إننا بهذه المقولة سنزرع في أبنائنا الورع والخوف من الله تعالى ومراقبته سبحانه في السرّ والعلن، في كل سكنة وكل حركة، فإذا هممنا بقول أو فعل فنتذكر أن أقلام الملائكة ستكتبه، ويوم القيامة سنسأل عنه ونحاسب عليه. فخشية الله أولى من خشية البشر، وقد قال ذاك الرجل الصالح: “لا تخف إلا ذنبك ولا تخشَ إلا ربك”.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا .
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.