بين الإدارة الأمريكية والكونغرس: سنتعلم الحرب في الظلام (2-2)
تاريخ النشر: 6th, May 2024 GMT
عبد الله علي إبراهيم
"لم يُشكل على السودانيين استرداد الديمقراطية متى صادرها ديكتاتور، ولكنهم لم يجربوا من قبل استرداد الدولة بعد تهافتها. وكما قال لقائد ال "سنتعلم الحرب في الظلام" حين نقلوا له أن سهام الفرس غطت السماء فأظلمت الأرض".
بدا من شهادة مندوب أميركا الخاص للسودان توم بيرييلو أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأربعاء الماضي أن الرتق بين المجلس والإدارة الأميركية حول سياسة الولايات المتحدة حيال السودان اتسع على الراتق.
وبدا لي أنه ربما يحول دون أميركا وبلوغ الخطة المبتكرة التي دعا إليها السيناتور ريتش، أنها لا تزال تراوح عند نسخة التحول الديمقراطي في السودان كما توقفت عند الـ15 من أبريل 2023، يوم الحرب. فالحرب، في قول بيرييلو الذي جاء للإدلاء بشهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، هي بين جنرالين، عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو، ضد الشعب السوداني وأمانيه في الديمقراطية. والديمقراطية هي مطلب أميركا، فهي لا تريد وقف الحرب لأجل وقف الحرب فحسب، على جلال المطلب، بل تريد للسودانيين مواصلة مسيرتهم الديمقراطية. ومفهوم بيرييلو للحرب مطابق تقريباً لمفهوم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) حتى في التحذير من أنها حرب أراد منها طاقم نظام الإنقاذ الإسلامي والمتطرفون (الفلول) باباً خلفياً للعودة إلى الحكم. وكاد يسميها، لقوله إنها حرب لجنرالين ضد الشعب، "عبثية" كما هي عند "تقدم". بل وتطابق بيرييلو مع "تقدم" في اتهام الطرفين معاً بارتكاب جرائم حرب وبالقدر نفسه. فلا يذكر بيرييلو جريمة لطرف إلا ذكر أخرى للطرف الثاني بغض النظر عن مقدار السوءة في كليهما طلباً لما يعرف بـ"المعادلة الأخلاقية" (moral equivalence). فجريمة "الجنوسايد" التي قال تشرتشل عن شذوذها إنه لم يكن لها اسم حين وقعت في ألمانيا ضد اليهود والتي نسبها بيرييلو إلى "الدعم السريع" في دارفور تقصر في المقارنة مع قصف الجيش لمقار قال إنها لتخزين العتاد الحربي، على بشاعة الأخيرة حين تخطئ الهدف.
ولبيرييلو رأي حسن في المجتمع المدني السوداني ومتانته في تعلقه بالديمقراطية. لكن مفهومه للحرب صادف أن طابق رأي "تقدم" وهي جماعة كبيرة مهمة. لكن نشأت لأطراف منها ولآخرين لا يقلون عدداً وتأثيراً من "تقدم" آراء ترى العدالة في الحرب إلى جانب الجيش، لا ولعاً به ولا غفراناً لضلاله الفادح في الحكم، بل لأن قوام الدولة الحديثة، ديمقراطية أو لا ديمقراطية، لا يكون إلا به. فمتى انفرط احتكار الجيش للسلاح انفتحت أبواب جهنم على البلد. وخلافاً للرأي الأميركي، فإذا كان ما جاء عند بيرييلو هو هذا الرأي، فيعتقد سودانيون كثيرون بأن الديمقراطية هي آخر ما يشغل البال. فالدول السودانية نفسها، في قولهم، على المحك. ويرون أن انتهاكات الجيش في هذه الحرب مما يقال عنها إنها "مؤسفة" لأنه على الجانب الصواب فيها. أما خروق "الدعم السريع" في الحرب، فـ"إرهابية" صغرت أو عظمت لأنه على الضفة الخطأ فيها.
إذا كان من درس من جلسة شهادة بيرييلو أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، فهو أن تخرج أميركا بمفهوم للحرب غير ما بيدها الآن والذي أثقل كساده على ريتش وانتظر من الإدارة أفضل منه. وربما أتاه هذا الفضل متى اعتبرت أميركا إشفاق كثير من السودانيين لا على الديمقراطية في وطنهم، بل على تلاشي الدولة منه كما عرفوها دائماً. فلم يُشكل على السودانيين استرداد الديمقراطية متى صادرها ديكتاتور، ولكنهم لم يجربوا من قبل استرداد الدولة بعد تهافتها. ولن يتأخروا عن خوض هذا الاسترداد لو لم يكُن منه بد وسيتعلمون آلياته.
قيل لقائد روماني إن سهام الفرس غطت السماء فأظلمت الأرض. فقال "سنتعلم الحرب في الظلام".
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
كاتب إسرائيلي .. الجيش يغرق في حرب العصابات في غزة وتتجه إلى فيتنام جديدة
#سواليف
قال الكاتب الإسرائيلي #إفرايم_غانور، في مقال نشرته صحيفة “معاريف” العبرية، إن #الحرب التي يخوضها #جيش_الاحتلال الإسرائيلي في قطاع #غزة تتجه نحو التحول إلى ” #فيتنام_جديدة”.
وأشار إلى أن الأسبوع الأخير شهد تصاعدًا واضحًا في أساليب #حرب_العصابات، تمثلت بمقتل وإصابة عدد من الجنود.
وأضاف غانور أن الأمريكيين احتاجوا عشرين عامًا ليدركوا أنهم يخوضون حربًا خاسرة في فيتنام، رغم قتلهم نحو أربعة ملايين شخص، وتفوقهم التكنولوجي والعسكري الكبير، إلا أنهم عجزوا عن مواجهة حرب العصابات العنيدة التي قادها مقاتلو الفيتكونغ.
مقالات ذات صلة إعلام عبري .. استئناف الحرب لن يغير مواقف حماس 2025/04/28وأكد الكاتب أن هناك تشابهًا كبيرًا بين الحرب التي قادها الفيتكونغ ضد الجيش الأمريكي، والحرب التي تشنها حماس اليوم ضد جيش الاحتلال، موضحًا أن الافتراض الأمريكي القائم على أن الضغط العسكري الكبير وقتل أعداد واسعة من المقاتلين سيؤدي للاستسلام، كان وهمًا مكلفًا للغاية، وهو ذات الوهم الذي تقع فيه إسرائيل حاليًا في غزة.
وبيّن غانور أن حماس استطاعت بعد 6 أكتوبر 2023 تجنيد آلاف المقاتلين الجدد المفعمين بالدوافع، الذين يستخدمون حرب العصابات بهدف فرض انسحاب إسرائيلي من القطاع، مضيفًا أن الحركة تعتمد على مئات الأنفاق التي لم يكتشفها جيش الاحتلال بعد، وتستغل معرفتها الجيدة بأرض المعركة لاستهداف نقاط ضعف الجنود.
وحذّر من أن سقوط المزيد من الإسرائيليين في هذه الحرب يزيد من التوتر والانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي، بين من يعارض مواصلة القتال خوفًا على مصير الأسرى، ومن يرى ضرورة استمرار الحرب حتى تحقيق نصر مطلق، وهو ما اعتبره الكاتب أمرًا غير ممكن.
واختتم غانور مقاله بالقول إن كل وجود دائم لجيش الاحتلال داخل غزة سيجعل جنوده أهدافًا سهلة لمقاتلي حماس، مؤكدًا أن تحقيق نصر واضح ونهائي في هذه الحرب يبدو أمرًا مستحيلًا.