حول التنقيب عن الذهب في جزيرة صاي
تاريخ النشر: 6th, May 2024 GMT
□ بمجرد سماعي صباح اليوم بوصول وفد حكومي رسمي إلى جوبا، ومن ضمنها زميل الدراسة بكلية التربية، جامعة الخرطوم، حسين أمين (الوكيل المكلف لوزارة الخارجية)، طلبت لقاء به عبر سفيرنا بجوبا الأستاذ جمال مالك، وبالفعل قام الأخير بتدبير اللقاء الذي وجد أشد الترحيب من قبل زميل الدراسة حسين الأمين، وكم كانت مفاجأتي عندما وجدت أن الاجتماع قد ضم كل اعضاء الوفد، بما في ذلك نائب رئيس مجلس السيادة الفريق شمس الدين كباشي ووزير الدفاع اللواء يس إبراهيم وآخرين ضمن حاشية الوفد.
□ بعد التحايا والمجاملات، تطرقت لموضوع ترخيص التنقيب عن الذهب بجزيرة صاي، وقد أهديتهم النسخة الوحيدة التي امتلكها من كتابي جزيرة صاي .. قصة الحضارة، شارحا لهم خطورة السماح لهم بالتنقيب عن الذهب فيها، واصفا ذلك بأنها جريمة في حق الوطن وفي حق التاريخ وفي حق البشرية جمعاء.
في هذا حكيت لهم القصة التالية:
عندما قرر الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن مع جنرالاته أعلان الحرب من الولايات الشمالية (الاتحادية) على الولايات الجنوبية (الكونفيدرالية)، وخرجوا جميعا من مكتب الرئيس لإعلان الحرب، كان هناك رجل بسيط، رث الثياب، يقف داخل مكتب الاستقبال لمكتب الرئيس لينكولن. قام هذا الرجل بإيقاف الرئيس لينكولن وسط استياء جميع مرافقي الرئيس وقال له: ” سيدي الرئيس، لقد رابطتُ بمكتبك هذا لأيام دون أن يسمحوا لي بمقابلتك”! برغم استعجال مساعدي الرئيس وجنرالات الجيش للرئيس لينكولن، إلا أن الأخير اولى ذلك الرجل البسيط كل انتباهه وسأله: “من أنت”؟ فقال له: “أنا حارس غابة كذا وكذا بولاية كذا ذات الأشجار المعمرة التي يتجاوز عمرها الألف وألفين عاما”! فسأله الرئيس: “وما هي مشكلتك؟” فرد الرجل قائلا: “المشكلة يا سيدي الرئيس أن حاكم الولاية قد أعطى شركات الأخشاب ترخيصا بقطع هذه الأشجار لبناء المنازل!” فاستغرب لينكولن وقال له: “وما هي المشكلة في هذا؟” فرد عليه ذلك الرجل قليل التعليم، رث الثياب قائلا: “يا سيدي الرئيس هذه الأشجار ظلت واقفة في مكانها هذا لآلاف السنين! لا أنت زرعتها، ولا أنا زرعتها، ولا أجداد أجدادنا منذ أن أتوا إلى أمريكا قد زرعوها! ولكنا جميعا جلسنا تحت ظلالها. أوايس من حقنا على الأجيال القادمة أن نحافظ عليها؟”
□ هنا بُهت الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن وبرغم احتجاجات جنرالاته واستعجال مساعديه، أخذ بسد الرجل ودخل به إلى مكتبه وأصدر فرمانا رئاسيا بجعل تلك الغابة محمية بأمر القانون. بل وأمر بتعيين ذلك الحارس حارسا رسميا بصلاحيات اتحادية. ثم بعد هذا خرج إلى جنرالاته ومساعديه المتبرعين وقال لهم: “هذه الحرب التي نحن بصدد إعلانها، مهما استمرت، فلن تستمر لثلاثة آلاف عام. سوف تنتهي الحرب، لكن ستبقى هذه الغابة.
□ وبالفعل، استمرت الحرب لأربعة أعوام فقط (1861م – 1865م)، ولا تزال الغابة (ومعها غابات أخريات مماثلة) باقية إلى اليوم!
***
إن الحرب التي لا يديرها العظماء، قد تظل آثارُها المدمّرة وتستمر لآلاف السنين. فالخيارُ أمامكم: إما أن تكونوا جزءا لا يتجزأ من دمار التاريخ وخرابه، أو أن تكونوا من العظماء الذين يديرون الحرب ليحصروا خرابها في أقل نطاق ليواصلوا مسيرة الحضارة والسلام بمجرد انقضاء أجل الحرب.
***
مع إبداء جميع أعضاء الوفد لعميق تفهمهم، أبدى الفريق أول شمس الدين كباشي اهتماما خاصا بهذا الأمر، واحدا باتخاذ ما يلزم من إجراء.
***
في ختام هذا التقرير لجميع المهتمين بالآثار وتاريخ الحضارة، ثم لأهلي بجزيرة صاي، أختم بهذه الأبيات من قصيدة لي كتبتها عن مسقط رأسي، جزيرة صاي، ذلك احتفالا بالعيد الفضي لاتحاد طلاب صيصاب (صاي) عام 1980م:
في جبين الصّخر ماضينا وفي ظلّ النّخيلْ
واسمُنا ينطِق بالتّاريخ والمجد الأثيل
كم هزمنا الدّهرَ والأجيالَ بالأصل الأصيل
وحّدتنا لغةٌ يسمو بها الشّعبُ النّبيل
وهنا فوق ضفاف النّيل قد غنّى الخليل
وشدا للقوم ألحاناً لعزٍّ لا يدول
برهةً ثمّ افترقنا إذ طغى النّهرُ الجليل
وانتهكنا حرمةَ التّاريخ في الوادي الظّليل
وذرفنا الدّمعَ والآهاتِ في يوم الرّحيل
وطفقنا نذرع الآفاق في العهد الذّليل
وفقدنا كلَّ شيءٍ غيرَ حبٍّ لا يميل
وذهبنا دون تعويضٍ يواسي أو بديل
غير أنّا مثلما كنّا سنبقى كالشّهابْ
***
قد رجعنا يا بلاداً زانها المجدُ العتيقْ
يا بلاداً شعبُها أمسى فريقاً وفريق
يا بلاداً اسمُها التّاريخُ والمجدُ الخليق
قلبُها عبري وحلفا ضمّها الوادي الغريق
دنقلا تهتف يا أسوانَ عودي للفريق
وتنادي شعبَ سوبا أن هلمّوا يا رفيق
قد رجعنا وجموعٌ خلفنا تقفو الطّريق
ولنا بالعلم شأنٌ ولنا فيه صديق
لنُعيد المجدَ والتّاريخَ للشّعب العريق
نهضةً نوبيّةً اليوم فيها نستفيق
قد أهاجت في بنيها نخوةَ الماضي الوريق
فتباروا يصنعون المجدَ في الأرضِ الخرابْ
○ د. محمد جلال أحمد هاشم
*MJH*
جوبا – 4 أبريل 2024م
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
انتشال جثمان شاب سقط فى حفرة بعمق 30 متر خلال التنقيب عن الآثار بالأقصر.. صور
نجح رجال الحماية المدنية بالتعاون مع إحدى الشركات للنقل الثقيل بمحافظة الأقصر، اليوم السبت، فى انتشال جثمان شاب يدعى فارس سلطان سقط فى حفرة بعمق 30 متر فى جبل مدينة أرمنت غرب المحافظة، وذلك خلال البحث والتنقيب عن الآثار برفقة آخرين وظل جثمانه فى الحفرة أكثر من 10 أيام حتى تم انتشاله اليوم.
وبدأت تفاصيل الواقعة بتلقى غرفة النجدة بمديرية أمن الأقصر، إخطاراً من الأهالى يفيد بإختفاء جثمان شاب يدعى "فارس سلطان" يبلغ من العمر 24 سنة، عقب وفاته داخل حفرة على عمق 30 متراً أثناء التنقيب عن الآثار، بناحية جبل المحاميد بحرى بمركز ومدينة أرمنت بالبر الغربى لمحافظة الأقصر، وتم على الفور التحرك والتعاون بين رجال الحماية المدنية وإحدى الشركات المتخصصة فى النقل الثقيل وتم إنتشال جثمانه بعد مرور 13 يوماً من البحث فى المنطقة الجبلية عن جثمانه، وتم نقله لمشرحة مستشفى حورس التخصصى التابعة لهيئة الرعاية الصحية بمدينة أرمنت لإتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة تجاه الواقعة، وفحصها من رجال الطب الشرعى لحين التصريح لذويه بالدفن.
وفى نفس السياق أصدرت وزارة الداخلية بيان صحفى منذ أيام فى هذا الشأن، أكدت فيه على إن مصدر أمنى أوضح أن مقطع الفيديو الذى تم تداوله على عدد من الصفحات التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية عبر مواقع التواصل الاجتماعى والذى يتضمن استغاثة أحد المواطنين لاستخراج جثمان نجله "المتوفى" الذى لقى مصرعه إثر إنهيار حفرة عليه بأحد المنازل بدائرة مركز شرطة أرمنت بالأقصر ترجع حقيقته إلى أنه بتاريخ 10 الجارى تبلغ لمركز شرطة أرمنت بمديرية أمن الأقصر من "مزارع" بإنهيار حفرة وبداخلها أحد الأشخاص أثناء عمله بمنزله الكائن بذات الدائرة، حيث انتقلت الأجهزة الأمنية على الفور لمحل البلاغ وتم ضبط 6 عناصر إجرامية "من بينهم المُبلغ". لقيامهم بأعمال حفر بمنزل المُبلغ بقصد التنقيب عن الآثار بطريقة غير مشروعة فى منطقة جبلية بمدينة أرمنت.
وأشارت وزارة الداخلية فى بيانها، إلى أنه تبين مصرع أحدهم داخل حفرة دائرية بقطر 2 متر، وعمق حوالى 30 مترا، نتيجة إنهيار التربة عليه وقد قامت قوات الحماية المدنية باتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاولة أستخراج جثمان المذكور رغم صعوبة التربة الرملية وعمق الحفرة بالمنزل محل الواقعة، كما وافقت النيابة العامة على طلب والد المتوفى بالتعاقد مع إحدى الشركات المتخصصة فى أعمال الحفر على نفقته الخاصة تحت إشراف قوات الحماية المدنية، وأكدت الداخلية فى بيانها أن تناول الواقعة بذات الأسلوب يأتى فى إطار ما دأبت عليه الجماعة الإرهابية من تزييف الحقائق لتضليل الرأى العام فى محاولة لإثارة البلبلة بعد أن فقدت مصداقيتها.
الحماية المدنية بالأقصر تنجح في إنتشال جثمان توفى في حفرة بعمق 30 متر
انتشال جثمان توفى في حفرة بعمق 30 متر خلال التنقيب عن الآثار
جانب من العمل فى البحث عن جثمان الشاب بحفرة بعمق 30 متر
رحلة البحث عن جثمان الشاب بالحفرة فى أرمنت
عمليات البحث عن جثمان الشاب على مدار 13 يوماً