صحيفة التغيير السودانية:
2025-02-07@07:49:19 GMT

السباحة في البحر القديم

تاريخ النشر: 6th, May 2024 GMT

السباحة في البحر القديم

عمر العمر

التفوق العسكري في المعارك يصب الماء على النار لكنه لا يكتب الانتصار الحاسم في الحروب . فوفقاً للمؤرخ البروسي كارل فون كلاوزفيتز (لا يمكن تقييم الحرب تقييما عسكريا بحتا لأنها عملٌ سياسيٌ بحت). لذلك يصبح التنافس على حتمية كسب الحرب بمعزل عن الشعارات والغايات السياسية ضرب من أعراض القصور العقلي.

ابن خلدون أدرج الحرب في(البغي الفتنة ،الجهاد والعدل) حسب معايير أخلاقية جذّرها في الإنتقام عدواناً أو دفاعاً. لا تتباين التصنيفات الحديثة للحرب بعيدا عن الإطار الخلدوني حتى عندما تجنح لتأطيرها بين حرب عادلة أو حرب ظالمة.. كما يُقسّم الاستراتيجيون الحروب إلى أربعة أجيال؛ الجيل الأول قوامه حشود الرجال،الثاني يعتمد على فعالية السلاح، الثالث يرتكز إلى الخطط والمناورات.
*****

أما الجيل الرابع فيوظّف كل شبكات السياسة، الإقتصاد، الإجتماع بالإضافة إلى العسكرية .هذا جيل يطمس الفواصل بين القتال والسياسة،بين الحرب والسلام،بين الجنود والمدنيين كما بين جبهات المعارك والمناطق الآمنة. حربنا القذرة إبنة مشوّهةٌ لهذا الجيل .مصطلح الجيل الرابع برز على عتبة ثمانينيات القرن السابق. هي حرب تستهدف حسب الأكاديميين تهشيم مؤسسات الدولة،تفتيت عضدها بغية تحويلها إلى( دولة فاشلة). الجماعات المتطرفة والمنطمات الإرهابية أعطت المصلح نمازج حية على الأرض.
*****

هكذا أمست الجيوش مضطرة إلى البحث عن معينات خارج الكاتالوغ العسكري التقليدي. هناك حالات استعانت فيها جيوش دولٍ كبرى بميلشيات أو تكتيكاتها. كما فعلت روسيا. هناك دول أخرى استعانت بوكلاء لخوض حروبها، كما في العراق ،اليمن وسوريا. لكن العديد من الدول أخفقت في استيعاب مستحدث حرب الجيل الرابع المتمثل في تبني أدوات الحرب الناعمة بغية استهداف تقويض تماسك قاعدة الدولة. هو هدفٌ يسهل في ظل الغفلة السياسية والإنغماس في مستنقع الفساد العام.
*****

غفلتنا الوطنية الكبرى أننا لم نر في هدم جدار برلين في العام١٩٨٩ نهاية الأنظمة الشمولية كما إزاحة الفكر الايديولوجي التقليدي من على الحلبة السياسية. ذلك التحول أسماه المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما مغاليا ً(نهاية التاريخ) .فعقب هدم الجدار انتشرت مفاهيم الديمقراطية وقيم الليبرالية مقابل انحسار قبضات أجهزة القمع أمام صعود موجات النضال السلمي. نحن سبحنا عمدا مع سبق الإصرار في البحر القديم فغرقنا في الشمولية حد بلوغ قاع الاستبداد الفردي. كما توغلنا في مصادرة حقوق التفكير والتعبير حد تعذيب حملة الرأي الآخر. غلّظنا أجهزة القمع فشكّلنا وحدات عسكرية وميليشيات تفننت في صنوف التعذيب ،الإذلال والإبادة بالمفرّق والجملة.
*****

حتى إذا ما أفقنا من ثباتنا الطويل الأمد ما استطعنا فرك غفلتنا الملبّدة عن أعيننا . لذلك لم نستبصر سبيلاً لغدٍ متوقع أو مأمول .فانطلقنا نتدافع في زحام بالمناكب دون تحديد محطات للإنجاز على خارطة طريق لواقع متخيل أو مشتهى.
مرة أخرى عدنا نسبح ضد التيار في البحر القديم.إذ أننا لم نحسن قراءة التاريخ بينما تتعالى أصوات بعض المنظرين – ياللمفاقة المبكية- بضرورة إعادة كتابة التاريخ .فنحن لم نقرأ ما مضى لنستوعب ماجدّ . لازلنا نعيش بأدمغة ماقبل هدم سور برلين. لا نزال مطالبين بإعادة قراءة أحداث ثورتنا السلمية لنستوعب كيف أتاحت أمواج بناة الغد وجموع الكادحين لأشباه الساسة الانتهازيين الإمساك بزمام الأحداث ليُدخلوا الشعب والوطن في جب بلا قاع.
*****

نحن أبناء الخيبات الثلاث – اكتوبر ، أبريل وديسمبر -مطالبون قبل الآخرين من المبتئسين التفكير بصوت جهور ناقد لعجزنا أزاء قراءة التاريخ ومن ثم مواصلة السباحة عكس التيارات المعاصرة، وفي البحر القديم ذاته. أبعد من ذلك نحن ملاحقون للاعتراف بدورنا ،بل سلبيتنا ، تجاه دفع الشعب إلى نفق الاستبداد الشرس والفساد الشره طوال عقودا ثلاثة. ما استوعبت نخبنا المستنيرة انتقال مراكز القوة الموجهة من صالونات الساسة- غالبيتهم انتهازيون – و من رموز التنوير والتثقيف إلى قيادات الميادين الجماهيرية الشابة ودور النقابات ومنظمات المجتمع المدني. تلك هي أبرز خلاصات حركة الثورات الشعبية السلمية نهار انبثاق قيم الديمقراطية ومفاهيم الليبرالية عقب هدم حائط برلين.
*****

النخب لم تفقد أمكنتها التقليدية في هرم المجتمع .لكن المتغيرات المعاصرة فرضت عليها استبدال أدوارها .في البدء أصبح عليها التخلي عن مقاعدها الفوقية والتجرد من أنانيتها المفرطة. لكن المهمة الجديدة المكلفة لا تتمثل فقط في بث الوعي بل أكثر من ذلك نشر ثقافة النقد بالتزامن مع تقديم قدوات حيوية على الأرض في تنفيذ هذه المهام . هذه الأدوار تتطلب النزاهة والشفافية في الأداء العام كما تشترط الزهد في المغانم.هذه الثقافة باتت المعيار الحاسم لقياس الوعي على المستوى الفردي وإيقاع ترقي المجتمع على درج الحضارة.
*****

فعمليات التقتيل المتوحشة ،التفحش في انتهاكات حقوق الإنسان والتدمير العشوائي للممتلكات العامة والخاصة هي ليست فقط ضرب من العدوان .بل كذلك أحد صنوف ممارسة الإنتحار الجماعي. فبغض النظر عن التوصيفات المتباينة لهذه العدوانية الوحشية ضد بنات وأبناء الوطن فهي في الحقيقة ليست غير صراع بدائي على السلطة يجسّد مقولة فرويد (الإنسان كالذئب في تعامله مع أخيه الإنسان حتى يمتنع عن عدوانيته ووحشيته.) حتماً لاسبيل إلى الخروج من من فرو الذئب مع استمرار إذكاء غرائز التوحّش ،إلهاب العصبية وضخ هستيريا الشعور العدواني في عُلب الشحن الديني.على درج الرقي الحضاري لا موطئ قدم للكهنة حرسة كراسات الأيديولوجيات العتيقة وحارقي البخور في المقامات والأضرحة الوهمية .
*****

من دفعنا على هذه الطريق الوعرة لا يملك الرؤية أو الجرأة من أجل إخراجنا منها أو إعادتنا إلى حيث كنا.نحن دفعنا ،ولا نزال ، فاتورة باهظة .لكن لايزال في وسعنا بذل تضحيات بغية وضع نهاية حاسمة لهذه الكارثة وصنعتها. فقط علينا الإستعصام بأحلام طازجة يطبخها أصحاب رؤى ثاقبة وإرادة فتية. كما علينا إعادة قراءة التاريخ القريب أولا بعيون شابة.ربما هذه أبسط مؤهلات الخروج من البحر القديم.

الوسومعمر العمر

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: عمر العمر فی البحر القدیم

إقرأ أيضاً:

طرد المستأجرين من العقارات بنهاية عقود الإيجار القديم في هذا الموعد

تبدأ اعتبارا من الشهر المقبل زيادة الإيجار القديم بنسبة 15% من آخر إيجار شهري مدفوع، وفقا لما نص عليه القانون رقم 10 لسنة 2022، الذي يلزم المستأجرين بدفع هذه الزيادة سنويا ولمدة خمس سنوات، على أن تُطبق هذه الزيادة بداية من مارس من كل عام حتى عام 2027، حيث سيتم إنهاء جميع عقود الإيجار القديمة الخاصة بالأشخاص الاعتبارية.

متى يصدر قانون الإيجار القديم؟ عضو بإسكان النواب يجيببعد طرد ورثة من شقة إيجار قديم..متى يطبق الحكم على المستأجرين

وتهدف هذه التعديلات إلى تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر في عقود الإيجار القديم للأشخاص الاعتبارية، والتي تشمل الشركات، والجمعيات، والمؤسسات، والنقابات. 

إنهاء العقود القديمة في مارس 2027

بحسب القانون، ستنتهي كافة عقود الإيجار القديم بعد مرور خمس سنوات على تطبيقه، أي في مارس 2027. 

بعد ذلك، إذا رغب المستأجر في الاستمرار في شغل الوحدة، سيكون عليه تحرير عقد جديد باتفاق الطرفين، لضمان تحقيق التوازن بين حقوق المالك والمستأجر.

مفهوم الشخص الاعتباري

يشير مصطلح الشخص الاعتباري إلى كيانات مثل الشركات، الجمعيات، المؤسسات، النقابات، والهيئات العامة التي تستأجر العقارات بموجب عقود الإيجار القديم. 

هذه الكيانات تتمتع بشخصية قانونية مستقلة عن الأشخاص الطبيعيين، وتنطبق عليها أحكام القانون الجديد لتنظيم العلاقة الإيجارية.

حكم المحكمة الدستورية


في خطوة قضائية مهمة، أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمًا بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981، التي كانت تتعلق بتحديد الأجرة السنوية للأماكن السكنية. 

وجاء الحكم ليؤكد ضرورة إعادة النظر في آلية تحديد الأجرة، في ظل تطورات سوق الإيجارات.

وسيتم تطبيق الحكم اعتبارا من اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي الحالي لمجلس النواب، لإتاحة الوقت الكافي أمام المشرعين لوضع ضوابط جديدة تضمن عدالة تحديد الأجرة المستقبلية.

مقالات مشابهة

  • هكذا اغتال الاحتلال التاريخ والتراث في غزة.. أبرز المواقع المدمرة (خريطة تفاعلية)
  • حرس الحدود بالمدينة المنورة ينقذ مقيمًا من الغرق أثناء السباحة
  • إنقاذ مقيم من الغرق أثناء ممارسة السباحة
  • “حرس حدود المدينة المنورة” ينقذ مقيمًا من الغرق أثناء ممارسة السباحة
  • محافظ الدقهلية يوجه بسرعة الانتهاء من أعمال تطوير حمام السباحة بمديرية التعليم
  • حالتان لاستعادة شقة الإيجار القديم.. هل يمكن بيع الوحدة بسعر السوق؟
  • وزير الحرب الصهيوني يقرر إعداد خطة للسماح لسكان غزة بمغادرتها “طواعية”
  • وزير الشباب يستقبل السباحة راندا المهدي تقديرًا لإنجازاتها الدولية
  • طرد المستأجرين من العقارات بنهاية عقود الإيجار القديم في هذا الموعد
  • إدارة الجيل وطموح الصعود