صحيفة التغيير السودانية:
2025-04-10@08:35:49 GMT

السباحة في البحر القديم

تاريخ النشر: 6th, May 2024 GMT

السباحة في البحر القديم

عمر العمر

التفوق العسكري في المعارك يصب الماء على النار لكنه لا يكتب الانتصار الحاسم في الحروب . فوفقاً للمؤرخ البروسي كارل فون كلاوزفيتز (لا يمكن تقييم الحرب تقييما عسكريا بحتا لأنها عملٌ سياسيٌ بحت). لذلك يصبح التنافس على حتمية كسب الحرب بمعزل عن الشعارات والغايات السياسية ضرب من أعراض القصور العقلي.

ابن خلدون أدرج الحرب في(البغي الفتنة ،الجهاد والعدل) حسب معايير أخلاقية جذّرها في الإنتقام عدواناً أو دفاعاً. لا تتباين التصنيفات الحديثة للحرب بعيدا عن الإطار الخلدوني حتى عندما تجنح لتأطيرها بين حرب عادلة أو حرب ظالمة.. كما يُقسّم الاستراتيجيون الحروب إلى أربعة أجيال؛ الجيل الأول قوامه حشود الرجال،الثاني يعتمد على فعالية السلاح، الثالث يرتكز إلى الخطط والمناورات.
*****

أما الجيل الرابع فيوظّف كل شبكات السياسة، الإقتصاد، الإجتماع بالإضافة إلى العسكرية .هذا جيل يطمس الفواصل بين القتال والسياسة،بين الحرب والسلام،بين الجنود والمدنيين كما بين جبهات المعارك والمناطق الآمنة. حربنا القذرة إبنة مشوّهةٌ لهذا الجيل .مصطلح الجيل الرابع برز على عتبة ثمانينيات القرن السابق. هي حرب تستهدف حسب الأكاديميين تهشيم مؤسسات الدولة،تفتيت عضدها بغية تحويلها إلى( دولة فاشلة). الجماعات المتطرفة والمنطمات الإرهابية أعطت المصلح نمازج حية على الأرض.
*****

هكذا أمست الجيوش مضطرة إلى البحث عن معينات خارج الكاتالوغ العسكري التقليدي. هناك حالات استعانت فيها جيوش دولٍ كبرى بميلشيات أو تكتيكاتها. كما فعلت روسيا. هناك دول أخرى استعانت بوكلاء لخوض حروبها، كما في العراق ،اليمن وسوريا. لكن العديد من الدول أخفقت في استيعاب مستحدث حرب الجيل الرابع المتمثل في تبني أدوات الحرب الناعمة بغية استهداف تقويض تماسك قاعدة الدولة. هو هدفٌ يسهل في ظل الغفلة السياسية والإنغماس في مستنقع الفساد العام.
*****

غفلتنا الوطنية الكبرى أننا لم نر في هدم جدار برلين في العام١٩٨٩ نهاية الأنظمة الشمولية كما إزاحة الفكر الايديولوجي التقليدي من على الحلبة السياسية. ذلك التحول أسماه المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما مغاليا ً(نهاية التاريخ) .فعقب هدم الجدار انتشرت مفاهيم الديمقراطية وقيم الليبرالية مقابل انحسار قبضات أجهزة القمع أمام صعود موجات النضال السلمي. نحن سبحنا عمدا مع سبق الإصرار في البحر القديم فغرقنا في الشمولية حد بلوغ قاع الاستبداد الفردي. كما توغلنا في مصادرة حقوق التفكير والتعبير حد تعذيب حملة الرأي الآخر. غلّظنا أجهزة القمع فشكّلنا وحدات عسكرية وميليشيات تفننت في صنوف التعذيب ،الإذلال والإبادة بالمفرّق والجملة.
*****

حتى إذا ما أفقنا من ثباتنا الطويل الأمد ما استطعنا فرك غفلتنا الملبّدة عن أعيننا . لذلك لم نستبصر سبيلاً لغدٍ متوقع أو مأمول .فانطلقنا نتدافع في زحام بالمناكب دون تحديد محطات للإنجاز على خارطة طريق لواقع متخيل أو مشتهى.
مرة أخرى عدنا نسبح ضد التيار في البحر القديم.إذ أننا لم نحسن قراءة التاريخ بينما تتعالى أصوات بعض المنظرين – ياللمفاقة المبكية- بضرورة إعادة كتابة التاريخ .فنحن لم نقرأ ما مضى لنستوعب ماجدّ . لازلنا نعيش بأدمغة ماقبل هدم سور برلين. لا نزال مطالبين بإعادة قراءة أحداث ثورتنا السلمية لنستوعب كيف أتاحت أمواج بناة الغد وجموع الكادحين لأشباه الساسة الانتهازيين الإمساك بزمام الأحداث ليُدخلوا الشعب والوطن في جب بلا قاع.
*****

نحن أبناء الخيبات الثلاث – اكتوبر ، أبريل وديسمبر -مطالبون قبل الآخرين من المبتئسين التفكير بصوت جهور ناقد لعجزنا أزاء قراءة التاريخ ومن ثم مواصلة السباحة عكس التيارات المعاصرة، وفي البحر القديم ذاته. أبعد من ذلك نحن ملاحقون للاعتراف بدورنا ،بل سلبيتنا ، تجاه دفع الشعب إلى نفق الاستبداد الشرس والفساد الشره طوال عقودا ثلاثة. ما استوعبت نخبنا المستنيرة انتقال مراكز القوة الموجهة من صالونات الساسة- غالبيتهم انتهازيون – و من رموز التنوير والتثقيف إلى قيادات الميادين الجماهيرية الشابة ودور النقابات ومنظمات المجتمع المدني. تلك هي أبرز خلاصات حركة الثورات الشعبية السلمية نهار انبثاق قيم الديمقراطية ومفاهيم الليبرالية عقب هدم حائط برلين.
*****

النخب لم تفقد أمكنتها التقليدية في هرم المجتمع .لكن المتغيرات المعاصرة فرضت عليها استبدال أدوارها .في البدء أصبح عليها التخلي عن مقاعدها الفوقية والتجرد من أنانيتها المفرطة. لكن المهمة الجديدة المكلفة لا تتمثل فقط في بث الوعي بل أكثر من ذلك نشر ثقافة النقد بالتزامن مع تقديم قدوات حيوية على الأرض في تنفيذ هذه المهام . هذه الأدوار تتطلب النزاهة والشفافية في الأداء العام كما تشترط الزهد في المغانم.هذه الثقافة باتت المعيار الحاسم لقياس الوعي على المستوى الفردي وإيقاع ترقي المجتمع على درج الحضارة.
*****

فعمليات التقتيل المتوحشة ،التفحش في انتهاكات حقوق الإنسان والتدمير العشوائي للممتلكات العامة والخاصة هي ليست فقط ضرب من العدوان .بل كذلك أحد صنوف ممارسة الإنتحار الجماعي. فبغض النظر عن التوصيفات المتباينة لهذه العدوانية الوحشية ضد بنات وأبناء الوطن فهي في الحقيقة ليست غير صراع بدائي على السلطة يجسّد مقولة فرويد (الإنسان كالذئب في تعامله مع أخيه الإنسان حتى يمتنع عن عدوانيته ووحشيته.) حتماً لاسبيل إلى الخروج من من فرو الذئب مع استمرار إذكاء غرائز التوحّش ،إلهاب العصبية وضخ هستيريا الشعور العدواني في عُلب الشحن الديني.على درج الرقي الحضاري لا موطئ قدم للكهنة حرسة كراسات الأيديولوجيات العتيقة وحارقي البخور في المقامات والأضرحة الوهمية .
*****

من دفعنا على هذه الطريق الوعرة لا يملك الرؤية أو الجرأة من أجل إخراجنا منها أو إعادتنا إلى حيث كنا.نحن دفعنا ،ولا نزال ، فاتورة باهظة .لكن لايزال في وسعنا بذل تضحيات بغية وضع نهاية حاسمة لهذه الكارثة وصنعتها. فقط علينا الإستعصام بأحلام طازجة يطبخها أصحاب رؤى ثاقبة وإرادة فتية. كما علينا إعادة قراءة التاريخ القريب أولا بعيون شابة.ربما هذه أبسط مؤهلات الخروج من البحر القديم.

الوسومعمر العمر

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: عمر العمر فی البحر القدیم

إقرأ أيضاً:

«إي آند الإمارات» تختبر نطاقات 6 جيجاهرتز و600 ميجاهرتز لشبكة الجيل الخامس

أبوظبي (الاتحاد)
 أعلنت «إي آند الإمارات»، اليوم، عن إجراء اختبار رائد للنطاقات الترددية 6 جيجاهرتز و600 ميجاهرتز، التي خصصتها هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية مؤخراً لخدمات الاتصالات المتنقلة الدولية «IMT». 
وحقق نطاق 6 جيجاهرتز سرعات فائقة تصل إلى 10 جيجابت بالثانية، مدعوماً بنطاقات التردد FR1 TDD باستخدام تجهيزات مقر العميل التجارية الخاصة بالشبكات «CPE- Customer Premises Equipment»، وبذلك تظهر «إي آند الإمارات» أيضاً قدرة النطاق 600 ميجاهرتز على توسيع نطاق تغطية شبكة الجيل الخامس لأكثر من 6 كم. وستسهم هذه الاختبارات في تطوير أداء شبكة الجيل الخامس في دولة الإمارات، وسيكون لها فوائد تحويلية كبيرة للمنازل والشركات والاقتصاد الرقمي في الدولة.
وقال مروان بن شكر، الرئيس التنفيذي بالإنابة للتكنولوجيا وتقنية المعلومات في «إي آند الإمارات»، إنه من خلال وصول نطاق 6 جيجاهرتز إلى سرعة 10 جيجابت بالثانية، وتجاوز تغطية شبكة الجيل الخامس لنطاق 600 ميجاهرتز مسافة 6 كم باستخدام التجهيزات التجارية «CPE»، فإننا لا نحقق إنجازات تقنية وحسب، بل نمهد الطريق للمزيد من استخدامات شبكة الجيل الخامس المتقدمة، ومن ثم الجيل السادس، لمستقبلٍ رقميٍ أكثر ذكاءً واتصالاً.
ومن خلال الاستفادة من تجهيزات مقر العميل التجارية «CPE» الخاصة بالشبكات لتنفيذ هذه الاختبارات على أرض الواقع، تتيح «إي آند الإمارات» الاستخدام الأمثل لنطاقات الطيف هذه لاستكمال ريادتها في شبكتها الحالية للجيل الخامس. وهو ما يعزز مكانة دولة الإمارات بوصفها إحدى الدول الرائدة عالمياً في مجال تكنولوجيا الجيل التالي من الاتصالات اللاسلكية.
وبالنسبة لعملاء «إي آند»، فإن هذه الاختبارات ستتيح لهم الحصول على اتصال لاسلكي من المستوى التالي، إذ يتيح النطاق 6 جيجاهرتز إمكانية إجراء البث السلس للمحتوى بدقة 8K UHD، والحصول على تنزيلات فائقة السرعة، واختبار الواقع الافتراضي بسهولة، فيما يتيح النطاق 600 ميجاهرتز الحصول على تغطية موثوقة لشبكة الجيل الخامس، حتى في المناطق ذات الكثافة السكانية والمواقع النائية، وسيتمتع المستخدمون كذلك باتصال دائم دون انقطاع مع تغطية شبكة الجيل الخامس التي تتجاوز 6 كم.
أما بالنسبة للشركات، فستسهم هذه الاختبارات في توسيع استخدام نطاق لاسلكي مرن من الجيل الخامس، إذ يوفر النطاق 6 جيجاهرتز إنترنت واسع النطاق وفائق السرعة للأعمال السحابية وإنترنت الأشياء والتحليلات القائمة على الذكاء الاصطناعي، بينما يضمن النطاق 600 ميجاهرتز تغطية واسعة ومستقرة لعمليات نشر إنترنت الأشياء الصناعية وتطبيقات المدن الذكية. وستحظى الشركات بذلك على مزيد من المرونة والقدرة على التوسع وتعزيز الكفاءة التشغيلية.
ويسهم تخصيص هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية للطيف الترددي في عام 2024 في الجهود الرامية لتعزيز مكانة دولة الإمارات وجعلها في طليعة الدول التي تشهد تطوراً في مجال شبكة الجيل الخامس. إذ يدعم الإنترنت واسع النطاق 350 ميجاهرتز للنطاق الترددي 6 جيجاهرتز الاتصال عالي السعة في المناطق السكنية، في حين يضمن النطاق الترددي 600 ميجاهرتز تغطية واسعة النطاق يصل أكثر الأماكن الداخلية. وستعمل هذه التطورات على تسريع مبادرات المدن الذكية والأتمتة الصناعية والتحول الرقمي على مستوى الدولة.
وتتوقع دراسة أجرتها وحدة المعلومات التابعة للجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول GSMA Intelligence أن تُسهم تقنية الجيل الخامس في تعزيز الاقتصاد العالمي بنحو كبير يتجاوز 610 مليارات دولار أميركي في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030.
وتجدر الإشارة إلى أنه من المتوقع أن يكون طيف الجيل الخامس متوسط النطاق هو المحرك الرئيسي لهذا النمو، بمقدار يصل إلى 65 بالمئة تقريباً من إجمالي القيمة الاقتصادية الناتجة عن الجيل الخامس، وهو ما يسلط الضوء على الدور الكبير لطيف النطاق المتوسط في زيادة المزايا الاجتماعية والاقتصادية لتكنولوجيا الجيل الخامس، ويؤكد على أهمية السياسات الاستراتيجية لتخصيص الطيف.
وتشير التوقعات العالمية إلى أن الطيف الترددي المتوسط والمنخفض مثل 6 جيجاهرتز و600 ميجاهرتز يسهم في دعم الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات، لذا فإن الاختبارات التي تجريها «إي آند الإمارات» مع هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية ستسلط الضوء على قدرة نطاق 6 جيجاهرتز في الحصول على بيانات عالية السرعة والتغطية بعيدة المدى للنطاق 600 ميجاهرتز، مما يمهد الطريق للجيل الخامس المتقدم ومن ثم التحول إلى الجيل السادس.
ومن خلال دمج النطاق C مع النطاقات 6 جيجاهرتز و600 ميجاهرتز، ستتمكن «إي آند الإمارات» من بناء منظومة مرنة مستقبلية للجيل الخامس. إذ يضمن النطاق C الحصول على اتصال عالي السعة في المناطق السكنية، بينما يتيح النطاق 6 جيجاهرتز الحصول على إنترنت واسع النطاق وفائق السرعة، أما النطاق 600 ميجاهرتز فيضمن الحصول على تغطية واسعة تمتد على كامل الدولة.

أخبار ذات صلة تحالف استراتيجي بين «اتصالات المغرب» و«إنوي»

مقالات مشابهة

  • المنطقة الشرقية.. حرس الحدود ينقذ مواطنًا من الغرق أثناء السباحة
  • وزير الدفاع الأمريكي يصل القاهرة ويلتقي بنظيره المصري لمناقشة ملفات الحرب في المنطقة
  • التحصين الإخباري.. سلاح الجيل لصد التضليل (1)
  • “حرس حدود الشرقية” ينقذ مواطنًا من الغرق أثناء ممارسة السباحة
  • لافروف: روسيا تحاول إيقاظ الغرب في الكفاح ضد محاولات إعادة كتابة التاريخ
  • مواطن يحول منزل عائلته القديم إلى كنز تراثي في ⁧‫جازان‬⁩.. فيديو
  • السيسي: مصر خسرت 7 مليارات دولار خلال عام 2024 نتيجة أزمة البحر الأحمر
  • 380 مشاركًا في السباحة المفتوحة وكرة الماء بـ”دبي الدولية للألعاب المائية”
  • من يقتل الحقيقة لا يستطيع أن يكتب التاريخ
  • «إي آند الإمارات» تختبر نطاقات 6 جيجاهرتز و600 ميجاهرتز لشبكة الجيل الخامس