السباحة في البحر القديم
تاريخ النشر: 6th, May 2024 GMT
عمر العمر
التفوق العسكري في المعارك يصب الماء على النار لكنه لا يكتب الانتصار الحاسم في الحروب . فوفقاً للمؤرخ البروسي كارل فون كلاوزفيتز (لا يمكن تقييم الحرب تقييما عسكريا بحتا لأنها عملٌ سياسيٌ بحت). لذلك يصبح التنافس على حتمية كسب الحرب بمعزل عن الشعارات والغايات السياسية ضرب من أعراض القصور العقلي.
*****
أما الجيل الرابع فيوظّف كل شبكات السياسة، الإقتصاد، الإجتماع بالإضافة إلى العسكرية .هذا جيل يطمس الفواصل بين القتال والسياسة،بين الحرب والسلام،بين الجنود والمدنيين كما بين جبهات المعارك والمناطق الآمنة. حربنا القذرة إبنة مشوّهةٌ لهذا الجيل .مصطلح الجيل الرابع برز على عتبة ثمانينيات القرن السابق. هي حرب تستهدف حسب الأكاديميين تهشيم مؤسسات الدولة،تفتيت عضدها بغية تحويلها إلى( دولة فاشلة). الجماعات المتطرفة والمنطمات الإرهابية أعطت المصلح نمازج حية على الأرض.
*****
هكذا أمست الجيوش مضطرة إلى البحث عن معينات خارج الكاتالوغ العسكري التقليدي. هناك حالات استعانت فيها جيوش دولٍ كبرى بميلشيات أو تكتيكاتها. كما فعلت روسيا. هناك دول أخرى استعانت بوكلاء لخوض حروبها، كما في العراق ،اليمن وسوريا. لكن العديد من الدول أخفقت في استيعاب مستحدث حرب الجيل الرابع المتمثل في تبني أدوات الحرب الناعمة بغية استهداف تقويض تماسك قاعدة الدولة. هو هدفٌ يسهل في ظل الغفلة السياسية والإنغماس في مستنقع الفساد العام.
*****
غفلتنا الوطنية الكبرى أننا لم نر في هدم جدار برلين في العام١٩٨٩ نهاية الأنظمة الشمولية كما إزاحة الفكر الايديولوجي التقليدي من على الحلبة السياسية. ذلك التحول أسماه المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما مغاليا ً(نهاية التاريخ) .فعقب هدم الجدار انتشرت مفاهيم الديمقراطية وقيم الليبرالية مقابل انحسار قبضات أجهزة القمع أمام صعود موجات النضال السلمي. نحن سبحنا عمدا مع سبق الإصرار في البحر القديم فغرقنا في الشمولية حد بلوغ قاع الاستبداد الفردي. كما توغلنا في مصادرة حقوق التفكير والتعبير حد تعذيب حملة الرأي الآخر. غلّظنا أجهزة القمع فشكّلنا وحدات عسكرية وميليشيات تفننت في صنوف التعذيب ،الإذلال والإبادة بالمفرّق والجملة.
*****
حتى إذا ما أفقنا من ثباتنا الطويل الأمد ما استطعنا فرك غفلتنا الملبّدة عن أعيننا . لذلك لم نستبصر سبيلاً لغدٍ متوقع أو مأمول .فانطلقنا نتدافع في زحام بالمناكب دون تحديد محطات للإنجاز على خارطة طريق لواقع متخيل أو مشتهى.
مرة أخرى عدنا نسبح ضد التيار في البحر القديم.إذ أننا لم نحسن قراءة التاريخ بينما تتعالى أصوات بعض المنظرين – ياللمفاقة المبكية- بضرورة إعادة كتابة التاريخ .فنحن لم نقرأ ما مضى لنستوعب ماجدّ . لازلنا نعيش بأدمغة ماقبل هدم سور برلين. لا نزال مطالبين بإعادة قراءة أحداث ثورتنا السلمية لنستوعب كيف أتاحت أمواج بناة الغد وجموع الكادحين لأشباه الساسة الانتهازيين الإمساك بزمام الأحداث ليُدخلوا الشعب والوطن في جب بلا قاع.
*****
نحن أبناء الخيبات الثلاث – اكتوبر ، أبريل وديسمبر -مطالبون قبل الآخرين من المبتئسين التفكير بصوت جهور ناقد لعجزنا أزاء قراءة التاريخ ومن ثم مواصلة السباحة عكس التيارات المعاصرة، وفي البحر القديم ذاته. أبعد من ذلك نحن ملاحقون للاعتراف بدورنا ،بل سلبيتنا ، تجاه دفع الشعب إلى نفق الاستبداد الشرس والفساد الشره طوال عقودا ثلاثة. ما استوعبت نخبنا المستنيرة انتقال مراكز القوة الموجهة من صالونات الساسة- غالبيتهم انتهازيون – و من رموز التنوير والتثقيف إلى قيادات الميادين الجماهيرية الشابة ودور النقابات ومنظمات المجتمع المدني. تلك هي أبرز خلاصات حركة الثورات الشعبية السلمية نهار انبثاق قيم الديمقراطية ومفاهيم الليبرالية عقب هدم حائط برلين.
*****
النخب لم تفقد أمكنتها التقليدية في هرم المجتمع .لكن المتغيرات المعاصرة فرضت عليها استبدال أدوارها .في البدء أصبح عليها التخلي عن مقاعدها الفوقية والتجرد من أنانيتها المفرطة. لكن المهمة الجديدة المكلفة لا تتمثل فقط في بث الوعي بل أكثر من ذلك نشر ثقافة النقد بالتزامن مع تقديم قدوات حيوية على الأرض في تنفيذ هذه المهام . هذه الأدوار تتطلب النزاهة والشفافية في الأداء العام كما تشترط الزهد في المغانم.هذه الثقافة باتت المعيار الحاسم لقياس الوعي على المستوى الفردي وإيقاع ترقي المجتمع على درج الحضارة.
*****
فعمليات التقتيل المتوحشة ،التفحش في انتهاكات حقوق الإنسان والتدمير العشوائي للممتلكات العامة والخاصة هي ليست فقط ضرب من العدوان .بل كذلك أحد صنوف ممارسة الإنتحار الجماعي. فبغض النظر عن التوصيفات المتباينة لهذه العدوانية الوحشية ضد بنات وأبناء الوطن فهي في الحقيقة ليست غير صراع بدائي على السلطة يجسّد مقولة فرويد (الإنسان كالذئب في تعامله مع أخيه الإنسان حتى يمتنع عن عدوانيته ووحشيته.) حتماً لاسبيل إلى الخروج من من فرو الذئب مع استمرار إذكاء غرائز التوحّش ،إلهاب العصبية وضخ هستيريا الشعور العدواني في عُلب الشحن الديني.على درج الرقي الحضاري لا موطئ قدم للكهنة حرسة كراسات الأيديولوجيات العتيقة وحارقي البخور في المقامات والأضرحة الوهمية .
*****
من دفعنا على هذه الطريق الوعرة لا يملك الرؤية أو الجرأة من أجل إخراجنا منها أو إعادتنا إلى حيث كنا.نحن دفعنا ،ولا نزال ، فاتورة باهظة .لكن لايزال في وسعنا بذل تضحيات بغية وضع نهاية حاسمة لهذه الكارثة وصنعتها. فقط علينا الإستعصام بأحلام طازجة يطبخها أصحاب رؤى ثاقبة وإرادة فتية. كما علينا إعادة قراءة التاريخ القريب أولا بعيون شابة.ربما هذه أبسط مؤهلات الخروج من البحر القديم.
الوسومعمر العمرالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: عمر العمر فی البحر القدیم
إقرأ أيضاً:
ABB تطلق الجيل الجديد من مغيرات السرعة ذات الجهد المتوسط
أعلنت شركة "ايه بي بي"، الشركة المتخصصة في مجال تكنولوجيا الطاقة والأتمتة، عن إطلاق أحدث تقنيات مغيرات السرعة ذات الجهد المتوسط (ACS8080) ذات التبريد الهوائي، والذي يعد بمثابة ثورة تقنية في مجال تكنولوجيا الطاقة، حيث يستند إلى أكثر من 50 عاماً من الخبرة في تصنيع مغيرات السرعة لخدمة التطبيقات الصناعية من خلال الارتقاء بالموثوقية والأداء والمرونة إلى المستوى التالي بفضل تطبيق آليات التحكم المبتكر في تشغيل مغيرات السرعة واعتماد التصاميم الحديثة متعددة الاستخدامات وتعزيز القدرات الرقمية.
مغير السرعة قد تم تصميمه بحيث يتمكن من تحقيق كفاءة تصل إلى 98%، مما يستهدف الأداء الأمثل لنظام المحرك بأكمله، وتعمل تقنية التحكم في الجهاز الجديدة (MP3C) على دفع الكفاءة وسهولة استخدام المحرك إلى أقصى حد، مع الحفاظ على الأداء الديناميكي والمتانة لـتقنية (DTC) السابقة، كما أنه يقلل من التشوهات التوافقية بحوالي 50 %مقارنةً بمخططات التحكم والوقاية التقليدية، وبالتالي إطالة عمر المعدات وتحقيق مستويات جديدة في كفاءة الطاقة.
ولقد تم تصميم مغيرات السرعة ذات الجهد المتوسط (ACS8080) ذات التبريد الهوائي الجديدة بحيث تكون متعددة الاستخدامات مما يمكنها من سهولة التكامل والتكيف مع مجموعة واسعة من التطبيقات في مختلف المجالات، كما يتضمن التصميم المعياري والمرن إمكانية استخدام محول خارجي وتحديد خيار مرشح جيبي (Sine Filter)، مما يجعله الخيار الأفضل ليس فقط للتطبيقات الجديدة، ولكن أيضاً لتعديل أنظمة تشغيل مغيرات السرعة الحالية أو التشغيل المباشر من مصدر الكهرباء (DOL). كما يتميز بدرجة عالية من المرونة بفضل الميزات الرقمية المتقدمة: حيث يتيح دمج منصة البرامج المفتوحة (كريلايزر TM) في نظام تشغيل مغيرات السرعة ايه بي بي وقدرات برمجية متطورة تتيح تطوير وظائف مبتكرة خاصة بالتطبيقات المختلفة، مما يقلل من الاعتماد على وحدات التحكم الخارجية.
قال كريس بوينتر، رئيس قسم أنظمة مغيرات السرعة بقطاع الحركة في ايه بي بي: "في شركة "إيه بي بي"، نحرص دائما على الاستثمار في البحث والتطوير لتقديم حلول جديدة تعزز الإنتاجية مع تقليل الانبعاثات وتكاليف التشغيل، كما ندرك أهمية الموثوقية والمرونة من خلال أكثر من 50 عاماً من الخبرة في التطبيقات الصناعية و الخدمية، ولهذا السبب فإن مواصلة التطور من خلال دمج تصميمات صديقة للبيئة وقابلة للتكيف، وتعزيز قدرات الاختبار لدينا، ودمج أحدث التقنيات الرقمية قد أصبح حتميا، و يعكس هذا المنتج التزامنا بتحسين الموثوقية والأداء والمرونة لمساعدة القطاع الصناعي وجميع شركائنا على التميز والعمل بشكل أكثر كفاءة في استخدام الطاقة والحفاظ على البيئة."
بالإضافة إلى ذلك، يتضمن التصميم الأصغر حجماً لمغيرات السرعة ذات الجهد المتوسط (ACS8080) ذات التبريد الهوائي عددا أقل من المكونات مقارنة بسابقاته، مما يزيد من الاعتمادية وكذلك يُبسط عمليات الصيانة والخدمة. كما أن مغيرات السرعة هذه تتميز بقدرتها الفائقة على تحمل الظروف القاسية، والتي تم اختبارها من خلال اختبارات صارمة متسارعة لدورة حياة مغيرات السرعة والتي أُجريت في منشأة اختبار تشغيل مغيرات السرعة بشركة "إيه بي بي" في إستونيا، والتي تحاكي 20 عاماً من العمليات.
علاوة على ذلك، فإن مغيرات السرعة ذات الجهد المتوسط (ACS8080) ذات التبريد الهوائي تتميز بإمكانات الاستشعار المحسنة وأجهزة التحكم من الجيل التالي والتي تتيح جمع ما يصل إلى 10 أضعاف البيانات التشخيصية للحصول على حلول مراقبة أفضل وأسرع.
كما تتيح ABB Connectivity Edge Gateway الاتصال سواء في أماكن العمل أو عن بُعد، مما يجعلها مناسبة تماماً لتلبية العديد من الاحتياجات الرقميةـ كما تتيح حلول الاستشعار المدمجة إمكانات إدارة الأصول والأداء (AHPM) ومراقبة الموثوقية والفحص المدعوم بالبيانات لاستكشاف الأخطاء واكتشاف الأعطال وإصلاحها بشكل أسرع.
وتشتمل مغيرات السرعة الجديدة على أنظمة أمان وحماية متطورة مصممة لإدارة المواقف غير المتوقعة بشكل فعال. وقد تم تطوير مغيرات السرعة ذات (ACS8080) الجديد لحماية المستخدمين من الوصول غير المُصدق عليه و الفيروسات و اختراقات البيانات والاتصال غير الآمن مما يسمح للعملاء بالاستفادة من جميع الخواص الرقمية الحديثة.