مرحى بالصغيرة التي أشعلت هذه الحرب الكبيرة
تاريخ النشر: 6th, May 2024 GMT
في السنة الثانية من الحرب الأهلية الأميركية، نوفمبر/تشرين الثاني 1862، التقى الرئيس الأميركي لينكولن، بهارييت ستاو، مؤلفة الكتاب الأشهر آنذاك: "كوخ العم توم". نهض لينكولن من مقعده ليصافحها قائلًا: أهلًا بالمرأة الصغيرة التي أشعلت هذه الحرب الكبيرة. التحقت ستاو بالحرب الثقافية منتمية إلى تيار الإلغائيين Abolitionism، وهي حركة خاضت نزالًا ثقافيًا وأخلاقيًا ضد العبودية لما يزيد عن قرن من الزمن.
رأى كتاب: "كوخ العم توم" النورَ في العام 1852، قبل الحرب الأهلية بتسعة أعوم. تجري أحداثه حول عبد أسود، طيب القلب، ما إن يستقر به المقام في منزل حتى يُباع إلى مالك جديد ومنزل آخر. في آخر المطاف يعثر عليه أبناء المالك الأوّل، وكان قد ربّاهم في طفولتهم، وهو يلفظ أنفاسه في مشهد يأخذ الأنفاس. هزّت الرواية أميركا، ونافست الإنجيل على لقب الكتاب الأكثر مبيعًا.
أخذ العنف أشكالًا لطالما اعتقد الناس أنها صارت جزءًا من الماضي. فقد تفرغت الصحافة الألمانية للتجسس على حسابات الفنانين والمثقفين على السوشيال ميديا من أجل اغتيالهم الواحدَ تلو الآخر
كانت العبودية سرًّا مفتوحًا ومعضلة نائمة، وكان المساس بها يهدد الأصول الاقتصادية والسياسية لأميركا. المعضلة العصية على الحل، كما هي عادة التاريخ، ينتهي بها المطاف إلى أن تأخذ معها كل اللاعبين إلى حافة الهاوية. فما إن رفع كتاب: "كوخ العم توم" الغطاء عن البئر حتى خرجت الشرور جميعها، وبات على البلاد أن تقاتل نفسها لأعوام حتى تضع الشرور، مرّة أخرى، تحت السيطرة. هذه المقدمة تخدم الصورة التي سأضع القارئ بإزائها.
قبل أحداث أكتوبر/تشرين الأول، 2023، تفاخر مستشار الأمن القومي الأميركي سلوفان قائلًا: إن الشرق الأوسط لم ينعم بهذه الدرجة من الاستقرار منذ عقود. كانت فلسطين معضلة نائمة، واعتقد الساسة المعنيون بالمسألة أنه صار ممكنًا تجاهلُها أو حتى إنكار وجودها. غزّة "الصغيرة" لا يمكنها أن تغيّر الأقدار، لا بحجمها ولا عبر صواريخها البدائية.
تواطأ الشرق الأدنى على ترتيبات معقدة، في السياسة والأمن والاقتصاد، واعتُقد أن المسألة الفلسطينية – كما كان الحال مع العبودية – ستبقى نائمة إلى الأبد. كمثل التحسينات الشكلية التي أدخلت على حياة العبيد في أميركا، سيكون ممكنًا احتواء المسألة الفلسطينية من خلال تحسينات في الحياة العامة: دعم مالي، بنية تحتية، تخفيف القيود، والمزيد من عقود العمل، للعمل في إسرائيل. كان سلوفان واثقًا من المعادلة التي توصلت إليها الإدارة الأميركية، مع شركائها في الشرق الأدنى. سلوفان، مثل سائر رجال البيت الأبيض، لا يرون في التاريخ مادّة تصلح لأخذ المعرفة ولا العبرة.
وعلى حين غرّة أشعلت غزة الصغيرة الحرب الكبيرة، وقسمت العالم إلى شمال وجنوب، ثم زجّت الشمال في أَتون حرب ثقافية داخلية، ودفعته ببطء إلى استقطاب حاد. "فرنسا منقسمة، والعالم ينظر إلينا"، كتب ميلونشون، رئيس حزب فرنسا الأبية (يسار، تأسس 2016)، على منصة "إكس". مثل ميلونشون ترى قيادات من حزبه أن السلطات الفرنسية تلجأ إلى قوانين مكافحة الإرهاب في مواجهة حرية التعبير. اختبار "غزة الصغيرة" أسقط المعلمين الكبار الذين حشروا أنوفهم في كل شؤون العالم.
أبدت الدول الديمقراطية مقدرة عالية، وجهوزية منقطعة النظير، على مصادرة حريّة التعبير، وفرض أحكام عرفية. لم يعد بالمقدور حصر المثقفين والإعلاميين الذين فقدوا وظائفهم، أو تعرضوا للمساءلة؛ بسبب رأي أو حتى حركة إعجاب على السوشيال ميديا. خلال وقت قصير كان جميع الساسة على خط واحد من اليسار إلى اليمين. تشابه الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا مع حزب البديل اليميني الراديكالي. كما لو أنَّ الأحزاب كلها حزب واحد، وأنهم إنما يختلفون في الطريقة التي ينطقون بها كلمة بطاطا، كما سخرت صحفية أميركية من ساسة بلادها.
تحت عنوان "معاناة الفن في ألمانيا تحت طائلة مكافحة السامية" استهلت "واشنطن بوست" تقريرها- ديسمبر/كانون الأول، 2023- بما جرى للفنانة الجنوب أفريقية، اليهودية، كانديس برايتس في ألمانيا. المعرض الذي كان مقرّرًا أن يفتتح في ولاية سارلاند أُلغي فجأة. الأسباب تبدو مروّعة ومضحكة أيضًا. على حسابها في "إنستغرام" أدانت برايتس ما قامت به حماس فور حدوثه، وفيما بعد أدانت السياسة الإسرائيلية حيال الفلسطينيين. يكفي النيل من سمعة إسرائيل ليكون سببًا كافيًا للعقاب في ألمانيا التي لا تحتمل سوى صوت واحد. سبب آخر أهملته "واشنطن بوست"، ولكنه واقعي وممكن. فقد أطلقت برايتس على معرضها اسم "بائعات الجسد في جنوب أفريقيا". وفي ألمانيا، منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، لم يعد "جنوب أفريقيا" بالاسم الذي يمكن أن يُلفظ دون خوف، حتى وإن كان في سياق معرض حول البغاء وبيع الجسد.
أبرز أفعال الصغيرة غزة تمثّلت في انفجار حرب ثقافية تدميرية في الداخل الغربي. لِنبقَ في ألمانيا، أمثولة الأزمة الثقافية الغربية كما تذهب "الغارديان". الصراع الذي تخوضه سلطات برلين ضد الثقافة والفن، تحت لافتة أمن إسرائيل، تجاوز الفاشية إلى الفضيحة. الحديث عن الفضيحة هنا ليس مجازًا.
في ديسمبر/كانون الأول الماضي كان مقرّرًا أن تقام احتفالية مشهودة في مدينة بريمن، شمال غرب ألمانيا. مُنحت الكاتبة الأميركية- اليهودية ماشا غيسّن جائزة رفيعة في الفكر السياسي من مؤسسة "هاينرش بول"، على اسم الأديب الألماني الحائزِ "نوبل". الجائزة تحمل اسم حنا آرندت، وهي فيلسوفة يهودية -ألمانية اعتقلت في العام 1933 قبل أن تترك ألمانيا إلى الأبد.
بلا سابق إنذار نشرت مؤسسة "هاينرش بول" بيانًا قالت فيه: إنها ألغت الاحتفالية. تبعتها مدينة بريمن. كانت غيسّن قد نشرت مقالًا مثيرًا على الـ"نيويوركر" بعنوان: "تحت ظلال الهولوكوست"، وذلك هو السبب. نقتطع من مقالتها هذه الكلمات التي أزعجت ألمانيا:
".. لم يكن ثمّة حراس يراقبون غيتوهات اليهود في أوروبا المحتلة. الحال تبدو كذلك في غزة، فلا توجد شرطة احتلال هناك بل قوات محلية. أظن أن كلمة غيتو قد تثير غضبًا حين نستعملها في حالة غزة، ولكنها اللغة المناسبة لوصف ما يجري هناك".
قالت مؤسسة "هاينرش بول" في بيانها: إن هذه المقارنة، بين غزة وغيتوهات اليهود، غير مقبولة. تأخذ الفضيحة هذا الشكل الكارثي: في العام 1955 كتبت حنا آرندت رسالة من مدينة القدس إلى زوجها هاينرش بلوشر، أخبرته بما تقع عليه عيناها. قالت في رسالتها:
"هنا تبدو عقلية الشتات والغيتو في أَوْج ازدهارها، والغباء واضح أمام أعين الجميع. هنا في القدس بالكاد أستطيع أن أتمشى، لأنني قد أجد نفسي خارج البلاد، أقصد في الأحياء العربية. هكذا هو المشهد في كل مكان هنا. إنهم يعاملون من بقي من العرب هنا بطريقة كفيلة بأن تؤلّب كل العالم ضد إسرائيل".
ما كتبته "حنّا آرندت" في رسالتها إلى زوجها، وفي كتاباتها الناقدة للصهيونية، كفيلٌ بأن يحرمها من جائزة "حنّا آرندت" في ألمانيا، كما سخرت سامانثا هيل في مقالتها على "الغارديان" في ديسمبر الماضي/كانون الأول.
ما يقلق أكثر في موقف السلطات الألمانية ليس الضراوة الشمولية التي تواجه بها حريّة التعبير، ولكن الانطباع الذي تتركه وراء أفعالها. معاينة ما يجري يخلق انطباعًا عميقًا بأن الساسة الألمان غير متّصلين بالمسألة التي تصدوا لها، لا في سياق تاريخي ولا ضمن قواعد وسياسات "سياسات القوى الكبرى". فهم لا يجهلون وحسب معنى ما كتبته ماشا غيسّن، بل لا يعرفون شيئًا عن حنّا آرندت التي يختبئون خلفها. ليس الساسة وحسب، وهذا أمر مفزع، بل مؤسسات الثقافة أيضًا.
لن تتوقف ألمانيا عن خوض الحرب الثقافية ضد كل منظر يمسّ "سمعة دولة إسرائيل"، كما يردد الساسة. تبدو السلطات الألمانية كمنظومة دكتاتورية غير ناضجة، وأسوأ من طيشها هو قلة خبرتها في الشؤون الدكتاتورية. لذا فإن حربها المخيفة على الفن والثقافة – بما أن السياسة باتت كتلة متجانسة – تأخذ أشكالًا مضحكة أو فضائحية في أحيان كثيرة.
لم يعد الأمر متعلّقًا بحياة اليهود في ألمانيا، ولا حتى بمعاداة السامية. يبدو العالم الغربي متحفّزًا حيال كل ما يمسّ سمعة إسرائيل، غير أن القبضة الألمانية ذهبت بعيدًا حتى ألحقت خرابًا عميقًا طال سمعة الثقافة والفن على نحو سيتعذر إصلاحه على المدى القريب.
أخذ العنف أشكالًا لطالما اعتقد الناس أنها صارت جزءًا من الماضي. فقد تفرغت الصحافة الألمانية للتجسس على حسابات الفنانين والمثقفين على السوشيال ميديا من أجل اغتيالهم الواحدَ تلو الآخر. حين يكتمل ملف التفتيش تصدر الصحف تقريراتها بعناوين محرّضة، وعلى الفور تبادر المؤسسات المعنية لتصفية علاقتها بالفنان أو المثقف. تكرّر الأمر كثيرًا، وثمّة أسماء كبيرة أطاحت بها الصحافة أولًا، ثم المؤسسات الثقافية لاحقًا.
في فبراير/شباط الماضي، نشرت صحيفة "فيلت أم سونتاغ"، من الصحف الكبيرة، مقالة بعنوان: "كراهية إسرائيل". تجسست المقالة على حساب البروفيسور غسان الحاج- أسترالي من أصول لبنانية – وتتبعت ما يكتبه في المسألة الفلسطينية. بناء على ما نشرته "فيلت أم سونتاغ" أصدر معهد "ماكس بلانك" بيانًا يعلن فيه إنهاء تعاقده مع البروفيسور غسان الحاج. قال البيان: إن الحاج أساء استخدام حرية التعبير وتجاوز حقوقه المدنية.
الصحافة الألمانية لا تعمل وحسب في خدمة سردية المنظومة الحاكمة، بل تذهب بعيدًا في التجسس والتحريض ضد قطاعي الثقافة والأكاديميا، تمامًا كما كان نشاطها على الضفة الشرقية من البلاد. ألمانيا الشرقية، التي أدارها جهاز سرّي ضارب اسمه "ستازي"، لم تدّعِ قط أنها كيان ديمقراطي، ولم تكن تصدر تعليماتها السنوية للدول الأدنى في سُلم الحرية.
يبدو نشاط الصحافة الألمانية انتحاريًا في مواطن عديدة. فما إن سُمعت أصوات ناقدة لسياسة إسرائيل على منصات "مهرجان برلين السينمائي" حتى ذهبت مقالات صحفية، وصحف، بعيدًا في اقتراحاتها حد القول؛ إنه من الأفضل إلغاء المهرجان برمّته. إن كانت الصحافة جرس الإنذار – كما يفترض أمارتيا صِن مهمتها التحذير من المخاطر قبل وقوعها – فإن الميديا الألمانية تذهب إلى الهاوية وهي مبتسمة، وتتشابه لغتها ومواقفها على نحو يجعل الحديث عن حرية التعبير في ألمانيا مجازفة غير موضوعية.
ألمانيا الراهنة، على الأقل في الجزء المتعلق بسياستها الخارجية، تبدو عصية على الفهم حتى على نفسها. الإصرار على تفسير دعمها المطلق لإسرائيل بالواجب التاريخي، أو المسؤولية التي أنشأها الهولوكوست، لا يبدو منطقيًا ولا حتى حقيقيًا. تتبع الكاتب الإسرائيلي- الألماني ميرون مندل هذا الزعم في كتابه: "نتحدث عن إسرائيل" ووجده غير حقيقي وغير تاريخي.
إذ لاحظ أن إسرائيل لم تستقبل مستشارًا ألمانيًا بين 1955-2006 سوى أربع مرّات فقط، بينما استقبلت أنجيلا ميركل ثماني مرات خلال فترة حكمها. ومما لاحظه أيضًا أن ألمانيا الغربية تجنّبت إقامة علاقات واضحة مع إسرائيل منتصف خمسينيات القرن الماضي، ومن أسباب ذلك الموقف خشيتها من أن يرد العالم العربي بعلاقات مع ألمانيا الشرقية.
ربما تبدو ميركل كلمة السر في هذا التحول الدراماتيكي في السياسة الألمانية، وهذا مجرّد حدْس. من على منصة الكنيست قالت ميركل، الإنجيلية المتدينة: إن أمن إسرائيل يمثل مصلحة عليا لألمانيا Staatsraison. ربما كانت ميركل تعبّر عن رؤيتها الدنيا للعالم، فقد كانت آنذاك شديدة الحماس لنبوءات العهد القديم، وصدر عنها عبارات لم تعد إليها فيما بعد، على سبيل: "على أوروبا أن تعترف بكونها قارة مسيحية". صارت فيما بعد، وقد تشرّبت من العالم الواقعي، إلى "مستشارة ألمانيا لشؤون السيارات" كما أطلق عليها محلّيًا. وهذا شأن آخر سنقف عليه مستقبلًا.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الصحافة الألمانیة کانون الأول فی ألمانیا ة التعبیر
إقرأ أيضاً:
دقت ساعة الصفر.. معلومات تكشف الخطة الأمريكية السعودية للتصعيد ضد اليمن وتاريخ بداية الهجوم والقوات التي أستلمت خطة الحرب
مقالات مشابهة تابع الآن.. مباراة مانشستر يونايتد وباوك اليوناني في الدوري الأوروبي 2024-2025 والقنوات الناقلة تعليق حفيظ دراجي
دقيقتين مضت
ur.gov.iq رابط التسجيل في استمارة المعين المتفرغ العراق 2024 عبر منصة اور والشروط والاوراق المطلوبة للتسجيل5 دقائق مضت
لهذا السبب .. إغلاق طريق الملك فهد بن عبد العزيز الرئيسي بالاتجاهين في هذا اليوم9 دقائق مضت
سعر ومواصفات كيا سبورتاج 2025 الجديدة في مصر12 دقيقة مضت
تردد قناة الفجر الجزائرية 2024 لمتابعة مسلسل قيامة عثمان وكيفية تنزيل القناة16 دقيقة مضت
بعد تسريب غرفة الفار قرار صارم من اتحاد الكرة المصري ضد لجنة الحكام24 دقيقة مضت
كشفت معلومات جديدة عن تاريخ بداية الهجوم ضد اليمن، وتفاصيل الخطة العسكرية، والقوات التي تم تكليفها بالتنفيذ وشروطها التي وضعتها قبل البدء في خوض المعركة.
وتعمل الولايات المتحدة الأمريكية والأطراف والمكونات اليمنية الموالية للتحالف، بوتيرة متصاعدة على تحشيد قواتها، تمهيداً لتصعيد عسكري ضد قوات صنعاء .
وحسب الكثير من المؤشرات والمعطيات، تهدف هذه التحشيدات إلى الهجوم على الحديدة، وهي ضغوط عسكرية واقتصادية نظراً لعجز الولايات المتحدة تماماً عن وقف عمليات قوات صنعاء البحرية ضد الملاحة الإسرائيلية، رغم الغارات التي يشنها الطيران الأمريكي والبريطاني على مناطق حكومة صنعاء، وهو ما وضع أمريكا في موقف محرج أمام العالم، ولأجل ذلك لجأت إلى تحريك المكونات اليمنية وفي مُقَدَّمِها حكومة عدن والتشكيلات العسكرية التي تتبعها.
وفي هذا السياق كشفت وسائل إعلام، نقلاً عن مصادر عسكرية مطلعة تتبع ألوية العمالقة، أن قائد هذه القوات أبو زرعة المحرمي، وهو أيضاً عضو المجلس الرئاسي، التقى خلال الأيام الماضية، في الرياض، ضباطاً في الاستخبارات السعودية، وكان هدف اللقاء تسليمه خطة الهجوم المزمع على الحديدة، كما أطلعوه أيضاً على موعد بدء الهجوم.
يعزز ذلك ما قاله أحد قيادات صنعاء، في منشور على مواقع التواصل، بأن عدداً كبيراً من الآليات العسكرية شوهدت قبل أيام قليلة وهي تعبر منفذ الوديعة الحدودي قادمةً من السعودية باتجاه اليمن.
المصادر ذكرت أن موعد الهجوم سيكون في 25 من شهر نوفمبر الجاري، موضحةً أن الخطة تتضمن تحرُّك قوات العمالقة بقيادة حمدي شكري- الذي يعد أحد القيادات السلفية التي تدعمها وتمولها الرياض- باتجاه مواقع قوات صنعاء في الحديدة، على أن تؤَمِّن السعودية غطاء جوياً كثيفاً.
وأضافت المصادر أن شكري اشترط مقابل موافقته على قيادة الهجوم أن يتم استبعاد قوات طارق صالح، التي تمولها الإمارات، من المشاركة، مؤكدةً أن هذا الشرط قوبل بموافقة السعودية، مرجحةً أن يكون الحادث الذي تعرض له طارق صالح- المتواجد حالياً في الإمارات- جزءاً من مسرحية الإبعاد عن المشاركة، نزولاً عند شرط المحرمي.
وخلال الأيام الماضية، أبلغت قيادة العمالقة أفرادها الغائبين في إجازات رسمية بأنها ألغت كل الإجازات واستدعت الجميع، كما أصدرت تعليمات ببقاء الأفراد والضباط داخل معسكراتهم وحظرت عليهم المغادرة، ضمن الاستعدادات للهجوم على الحديدة، وفقاً للمصادر العسكرية.
يؤكد ما سبق، التحذير الذي وجهه أحد أبرز قيادات المقاومة الجنوبية، الثلاثاء الماضي، لمشائخ وأعيان المحافظات الجنوبية، من الزج بأبنائهم إلى محارق الموت التي تشعلها دول التحالف، حيث دعا الشيخ سالم الخليفي، في منشور على صفحته بمنصة إكس، جميع مشائخ شبوة وبقية المحافظات إلى الحفاظ على أبنائهم والامتناع عن الزج بهم إلى معارك عبثية في الشمال، معتبراً هذه النصيحة إبراءً للذمة، حسب وصفه.
الشيخ الخليفي أكد أن المعركة عبثية لا ناقة لأبناء المحافظات الجنوبية فيها ولا جمل، مضيفاً: “يكفي ما قدمه أبناء الجنوب من تضحيات مع التحالف في الساحل الغربي وغيره، ثم استلمها طارق عفاش ليتم التنكيل بأبناء الجنوب في الوازعية والصبيحة ولا يزال ينكل بهم”، في إشارة إلى المواجهات التي حدثت خلال الشهر الماضي بين قوات طارق صالح وبعض التشكيلات الجنوبية في المناطق المذكورة، وأكد الخليفي تحذيره بالقول: “حافظوا على أبنائكم، دماء أبناء الجنوب غالية علينا”.
وكان المعهد الديمقراطي الأمريكي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، أشرفا على إشهار ما أطلق عليه “التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية”، الثلاثاء الماضي في عدن، بهدف التصعيد ضد قوات صنعاء، وتم الإشهار بعد اجتماعات عدة عقدت خلال الفترة السابقة، في إطار المساعي الأمريكية التي بدأت منذ أواخر العام الماضي، لحشد الأطراف المحلية من أجل التصعيد العسكري ضد قوات صنعاء، لإجبارها على وقف عملياتها العسكرية ضد الملاحة الإسرائيلية والسفن الأمريكية والبريطانية.
ذات صلة