الجزيرة:
2024-11-25@08:21:38 GMT

مرحى بالصغيرة التي أشعلت هذه الحرب الكبيرة

تاريخ النشر: 6th, May 2024 GMT

مرحى بالصغيرة التي أشعلت هذه الحرب الكبيرة

في السنة الثانية من الحرب الأهلية الأميركية، نوفمبر/تشرين الثاني 1862، التقى الرئيس الأميركي لينكولن، بهارييت ستاو، مؤلفة الكتاب الأشهر آنذاك: "كوخ العم توم". نهض لينكولن من مقعده ليصافحها قائلًا: أهلًا بالمرأة الصغيرة التي أشعلت هذه الحرب الكبيرة. التحقت ستاو بالحرب الثقافية منتمية إلى تيار الإلغائيين  Abolitionism، وهي حركة خاضت نزالًا ثقافيًا وأخلاقيًا ضد العبودية لما يزيد عن قرن من الزمن.

قسمت مسألة العبودية أميركا إلى شمال وجنوب، وآلت وعود لينكولن بإلغائها إلى حرب أهلية مدمّرة امتدت على خمسة أعوام.

رأى كتاب: "كوخ العم توم" النورَ في العام 1852، قبل الحرب الأهلية بتسعة أعوم. تجري أحداثه حول عبد أسود، طيب القلب، ما إن يستقر به المقام في منزل حتى يُباع إلى مالك جديد ومنزل آخر. في آخر المطاف يعثر عليه أبناء المالك الأوّل، وكان قد ربّاهم في طفولتهم، وهو يلفظ أنفاسه في مشهد يأخذ الأنفاس. هزّت الرواية أميركا، ونافست الإنجيل على لقب الكتاب الأكثر مبيعًا.

أخذ العنف أشكالًا لطالما اعتقد الناس أنها صارت جزءًا من الماضي. فقد تفرغت الصحافة الألمانية للتجسس على حسابات الفنانين والمثقفين على السوشيال ميديا من أجل اغتيالهم الواحدَ تلو الآخر

كانت العبودية سرًّا مفتوحًا ومعضلة نائمة، وكان المساس بها يهدد الأصول الاقتصادية والسياسية لأميركا. المعضلة العصية على الحل، كما هي عادة التاريخ، ينتهي بها المطاف إلى أن تأخذ معها كل اللاعبين إلى حافة الهاوية. فما إن رفع كتاب: "كوخ العم توم" الغطاء عن البئر حتى خرجت الشرور جميعها، وبات على البلاد أن تقاتل نفسها لأعوام حتى تضع الشرور، مرّة أخرى، تحت السيطرة. هذه المقدمة تخدم الصورة التي سأضع القارئ بإزائها.

قبل أحداث أكتوبر/تشرين الأول، 2023، تفاخر مستشار الأمن القومي الأميركي سلوفان قائلًا: إن الشرق الأوسط لم ينعم بهذه الدرجة من الاستقرار منذ عقود. كانت فلسطين معضلة نائمة، واعتقد الساسة المعنيون بالمسألة أنه صار ممكنًا تجاهلُها أو حتى إنكار وجودها. غزّة "الصغيرة" لا يمكنها أن تغيّر الأقدار، لا بحجمها ولا عبر صواريخها البدائية.

تواطأ الشرق الأدنى على ترتيبات معقدة، في السياسة والأمن والاقتصاد، واعتُقد أن المسألة الفلسطينية – كما كان الحال مع العبودية – ستبقى نائمة إلى الأبد. كمثل التحسينات الشكلية التي أدخلت على حياة العبيد في أميركا، سيكون ممكنًا احتواء المسألة الفلسطينية من خلال تحسينات في الحياة العامة: دعم مالي، بنية تحتية، تخفيف القيود، والمزيد من عقود العمل، للعمل في إسرائيل. كان سلوفان واثقًا من المعادلة التي توصلت إليها الإدارة الأميركية، مع شركائها في الشرق الأدنى. سلوفان، مثل سائر رجال البيت الأبيض، لا يرون في التاريخ مادّة تصلح لأخذ المعرفة ولا العبرة.

وعلى حين غرّة أشعلت غزة الصغيرة الحرب الكبيرة، وقسمت العالم إلى شمال وجنوب، ثم زجّت الشمال في أَتون حرب ثقافية داخلية، ودفعته ببطء إلى استقطاب حاد. "فرنسا منقسمة، والعالم ينظر إلينا"، كتب ميلونشون، رئيس حزب فرنسا الأبية (يسار، تأسس 2016)، على منصة "إكس". مثل ميلونشون ترى قيادات من حزبه أن السلطات الفرنسية تلجأ إلى قوانين مكافحة الإرهاب في مواجهة حرية التعبير. اختبار "غزة الصغيرة" أسقط المعلمين الكبار الذين حشروا أنوفهم في كل شؤون العالم.

أبدت الدول الديمقراطية مقدرة عالية، وجهوزية منقطعة النظير، على مصادرة حريّة التعبير، وفرض أحكام عرفية. لم يعد بالمقدور حصر المثقفين والإعلاميين الذين فقدوا وظائفهم، أو تعرضوا للمساءلة؛ بسبب رأي أو حتى حركة إعجاب على السوشيال ميديا. خلال وقت قصير كان جميع الساسة على خط واحد من اليسار إلى اليمين. تشابه الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا مع حزب البديل اليميني الراديكالي. كما لو أنَّ الأحزاب كلها حزب واحد، وأنهم إنما يختلفون في الطريقة التي ينطقون بها كلمة بطاطا، كما سخرت صحفية أميركية من ساسة بلادها.

تحت عنوان "معاناة الفن في ألمانيا تحت طائلة مكافحة السامية" استهلت "واشنطن بوست" تقريرها- ديسمبر/كانون الأول، 2023- بما جرى للفنانة الجنوب أفريقية، اليهودية، كانديس برايتس في ألمانيا. المعرض الذي كان مقرّرًا أن يفتتح في ولاية سارلاند أُلغي فجأة. الأسباب تبدو مروّعة ومضحكة أيضًا. على حسابها في "إنستغرام" أدانت برايتس ما قامت به حماس فور حدوثه، وفيما بعد أدانت السياسة الإسرائيلية حيال الفلسطينيين. يكفي النيل من سمعة إسرائيل ليكون سببًا كافيًا للعقاب في ألمانيا التي لا تحتمل سوى صوت واحد. سبب آخر أهملته "واشنطن بوست"، ولكنه واقعي وممكن. فقد أطلقت برايتس على معرضها اسم "بائعات الجسد في جنوب أفريقيا". وفي ألمانيا، منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، لم يعد "جنوب أفريقيا" بالاسم الذي يمكن أن يُلفظ دون خوف، حتى وإن كان في سياق معرض حول البغاء وبيع الجسد.

أبرز أفعال الصغيرة غزة تمثّلت في انفجار حرب ثقافية تدميرية في الداخل الغربي. لِنبقَ في ألمانيا، أمثولة الأزمة الثقافية الغربية كما تذهب "الغارديان". الصراع الذي تخوضه سلطات برلين ضد الثقافة والفن، تحت لافتة أمن إسرائيل، تجاوز الفاشية إلى الفضيحة. الحديث عن الفضيحة هنا ليس مجازًا.

في ديسمبر/كانون الأول الماضي كان مقرّرًا أن تقام احتفالية مشهودة في مدينة بريمن، شمال غرب ألمانيا. مُنحت الكاتبة الأميركية- اليهودية ماشا غيسّن جائزة رفيعة في الفكر السياسي من مؤسسة "هاينرش بول"، على اسم الأديب الألماني الحائزِ "نوبل". الجائزة تحمل اسم حنا آرندت، وهي فيلسوفة يهودية -ألمانية اعتقلت في العام 1933 قبل أن تترك ألمانيا إلى الأبد.

بلا سابق إنذار نشرت مؤسسة "هاينرش بول" بيانًا قالت فيه: إنها ألغت الاحتفالية. تبعتها مدينة بريمن. كانت غيسّن قد نشرت مقالًا مثيرًا على الـ"نيويوركر" بعنوان: "تحت ظلال الهولوكوست"، وذلك هو السبب. نقتطع من مقالتها هذه الكلمات التي أزعجت ألمانيا:

".. لم يكن ثمّة حراس يراقبون غيتوهات اليهود في أوروبا المحتلة. الحال تبدو كذلك في غزة، فلا توجد شرطة احتلال هناك بل قوات محلية. أظن أن كلمة غيتو قد تثير غضبًا حين نستعملها في حالة غزة، ولكنها اللغة المناسبة لوصف ما يجري هناك".

قالت مؤسسة "هاينرش بول" في بيانها: إن هذه المقارنة، بين غزة وغيتوهات اليهود، غير مقبولة. تأخذ الفضيحة هذا الشكل الكارثي: في العام 1955 كتبت حنا آرندت رسالة من مدينة القدس إلى زوجها هاينرش بلوشر، أخبرته بما تقع عليه عيناها. قالت في رسالتها:

"هنا تبدو عقلية الشتات والغيتو في أَوْج ازدهارها، والغباء واضح أمام أعين الجميع. هنا في القدس بالكاد أستطيع أن أتمشى، لأنني قد أجد نفسي خارج البلاد، أقصد في الأحياء العربية. هكذا هو المشهد في كل مكان هنا. إنهم يعاملون من بقي من العرب هنا بطريقة كفيلة بأن تؤلّب كل العالم ضد إسرائيل".

ما كتبته "حنّا آرندت" في رسالتها إلى زوجها، وفي كتاباتها الناقدة للصهيونية، كفيلٌ بأن يحرمها من جائزة "حنّا آرندت" في ألمانيا، كما سخرت سامانثا هيل في مقالتها على "الغارديان" في ديسمبر الماضي/كانون الأول.

ما يقلق أكثر في موقف السلطات الألمانية ليس الضراوة الشمولية التي تواجه بها حريّة التعبير، ولكن الانطباع الذي تتركه وراء أفعالها. معاينة ما يجري يخلق انطباعًا عميقًا بأن الساسة الألمان غير متّصلين بالمسألة التي تصدوا لها، لا في سياق تاريخي ولا ضمن قواعد وسياسات "سياسات القوى الكبرى". فهم لا يجهلون وحسب معنى ما كتبته ماشا غيسّن، بل لا يعرفون شيئًا عن حنّا آرندت التي يختبئون خلفها. ليس الساسة وحسب، وهذا أمر مفزع، بل مؤسسات الثقافة أيضًا.

لن تتوقف ألمانيا عن خوض الحرب الثقافية ضد كل منظر يمسّ "سمعة دولة إسرائيل"، كما يردد الساسة. تبدو السلطات الألمانية كمنظومة دكتاتورية غير ناضجة، وأسوأ من طيشها هو قلة خبرتها في الشؤون الدكتاتورية. لذا فإن حربها المخيفة على الفن والثقافة – بما أن السياسة باتت كتلة متجانسة – تأخذ أشكالًا مضحكة أو فضائحية في أحيان كثيرة.

لم يعد الأمر متعلّقًا بحياة اليهود في ألمانيا، ولا حتى بمعاداة السامية. يبدو العالم الغربي متحفّزًا حيال كل ما يمسّ سمعة إسرائيل، غير أن القبضة الألمانية ذهبت بعيدًا حتى ألحقت خرابًا عميقًا طال سمعة الثقافة والفن على نحو سيتعذر إصلاحه على المدى القريب.

أخذ العنف أشكالًا لطالما اعتقد الناس أنها صارت جزءًا من الماضي. فقد تفرغت الصحافة الألمانية للتجسس على حسابات الفنانين والمثقفين على السوشيال ميديا من أجل اغتيالهم الواحدَ تلو الآخر. حين يكتمل ملف التفتيش تصدر الصحف تقريراتها بعناوين محرّضة، وعلى الفور تبادر المؤسسات المعنية لتصفية علاقتها بالفنان أو المثقف. تكرّر الأمر كثيرًا، وثمّة أسماء كبيرة أطاحت بها الصحافة أولًا، ثم المؤسسات الثقافية لاحقًا.

في فبراير/شباط الماضي، نشرت صحيفة "فيلت أم سونتاغ"، من الصحف الكبيرة، مقالة بعنوان: "كراهية إسرائيل". تجسست المقالة على حساب البروفيسور غسان الحاج- أسترالي من أصول لبنانية – وتتبعت ما يكتبه في المسألة الفلسطينية. بناء على ما نشرته "فيلت أم سونتاغ" أصدر معهد "ماكس بلانك" بيانًا يعلن فيه إنهاء تعاقده مع البروفيسور غسان الحاج. قال البيان: إن الحاج أساء استخدام حرية التعبير وتجاوز حقوقه المدنية.

الصحافة الألمانية لا تعمل وحسب في خدمة سردية المنظومة الحاكمة، بل تذهب بعيدًا في التجسس والتحريض ضد قطاعي الثقافة والأكاديميا، تمامًا كما كان نشاطها على الضفة الشرقية من البلاد. ألمانيا الشرقية، التي أدارها جهاز سرّي ضارب اسمه "ستازي"، لم تدّعِ قط أنها كيان ديمقراطي، ولم تكن تصدر تعليماتها السنوية للدول الأدنى في سُلم الحرية.

يبدو نشاط الصحافة الألمانية انتحاريًا في مواطن عديدة. فما إن سُمعت أصوات ناقدة لسياسة إسرائيل على منصات "مهرجان برلين السينمائي" حتى ذهبت مقالات صحفية، وصحف، بعيدًا في اقتراحاتها حد القول؛ إنه من الأفضل إلغاء المهرجان برمّته. إن كانت الصحافة جرس الإنذار – كما يفترض أمارتيا صِن  مهمتها التحذير من المخاطر قبل وقوعها – فإن الميديا الألمانية تذهب إلى الهاوية وهي مبتسمة، وتتشابه لغتها ومواقفها على نحو يجعل الحديث عن حرية التعبير في ألمانيا مجازفة غير موضوعية.

ألمانيا الراهنة، على الأقل في الجزء المتعلق بسياستها الخارجية، تبدو عصية على الفهم حتى على نفسها. الإصرار على تفسير دعمها المطلق لإسرائيل بالواجب التاريخي، أو المسؤولية التي أنشأها الهولوكوست، لا يبدو منطقيًا ولا حتى حقيقيًا. تتبع الكاتب الإسرائيلي- الألماني ميرون مندل هذا الزعم في كتابه: "نتحدث عن إسرائيل" ووجده غير حقيقي وغير تاريخي.

إذ لاحظ أن إسرائيل لم تستقبل مستشارًا ألمانيًا بين 1955-2006 سوى أربع مرّات فقط، بينما استقبلت أنجيلا ميركل ثماني مرات خلال فترة حكمها. ومما لاحظه أيضًا أن ألمانيا الغربية تجنّبت إقامة علاقات واضحة مع إسرائيل منتصف خمسينيات القرن الماضي، ومن أسباب ذلك الموقف خشيتها من أن يرد العالم العربي بعلاقات مع ألمانيا الشرقية.

ربما تبدو ميركل كلمة السر في هذا التحول الدراماتيكي في السياسة الألمانية، وهذا مجرّد حدْس. من على منصة الكنيست قالت ميركل، الإنجيلية المتدينة: إن أمن إسرائيل يمثل مصلحة عليا لألمانيا Staatsraison. ربما كانت ميركل تعبّر عن رؤيتها الدنيا للعالم، فقد كانت آنذاك شديدة الحماس لنبوءات العهد القديم، وصدر عنها عبارات لم تعد إليها فيما بعد، على سبيل: "على أوروبا أن تعترف بكونها قارة مسيحية". صارت فيما بعد، وقد تشرّبت من العالم الواقعي، إلى "مستشارة ألمانيا لشؤون السيارات" كما أطلق عليها محلّيًا. وهذا شأن آخر سنقف عليه مستقبلًا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات الصحافة الألمانیة کانون الأول فی ألمانیا ة التعبیر

إقرأ أيضاً:

كيف سيخرج لبنان من الحرب مع إسرائيل؟

واقع قاتم يعيشه لبنان مع تحوله إلى نقطة محورية لحرب بالوكالة بين إسرائيل وإيران، يلعب فيها حزب الله دوراً مركزياً. وتعكس الدعوة العلنية التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، للمواطنين اللبنانيين لتحدي حزب الله المخاطر العالية المترتبة على هذا الصراع المتصاعد، وفق مديرة مركز مالكولم كير في كارنيغي الشرق الأوسط، مهى يحيى.

يواصل جيل أصغر من القادة، مدفوعاً بالحماسة الإيديولوجية، دعم طموحات حزب الله الإقليمية

وتضيف في مقالها المطول بموقع مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية: على النقيض من ذلك، فإن تورط إيران المتزايد من خلال حزب الله يؤكد طموحاتها الإقليمية الأوسع نطاقاً. وفي خضم هذا الشد والجذب، يعاني لبنان بشكل كبير، سواء كساحة معركة أو كرمز لمنافسات أيديولوجية واستراتيجية أكبر في الشرق الأوسط. الأزمات التي تشل الحياة في لبنان

ويذكر أنه قبل وقت طويل من اندلاع أعمال العنف الأخيرة، كان لبنان يعاني بالفعل من أزمات متشابكة، على رأسها الانهيار الاقتصادي، حيث أدى الانهيار المالي في لبنان إلى تقليص الطبقة المتوسطة، مما دفع معدلات الفقر من 12% في عام 2012 إلى ما يقدر بنحو 44% بحلول عام 2022.
ويواجه لبنان، الذي يعد بالفعل أحد أكثر بلدان العالم مديونية، دماراً اقتصادياً جديداً، حيث يتنبأ البنك الدولي بأن يؤدي الصراع المستمر إلى خسائر اقتصادية مباشرة تبلغ 8.5 مليار دولار. كما حدث عجز في القطاع الزراعي، الذي يساهم بشكل كبير في الدخول الريفية، بسبب العنف الدائر.

Israeli strikes pounded parts of Beirut's southern suburbs on Tuesday, a day after eight people were killed, according to the authorities. Strikes from Lebanon killed two people in northern Israel on Tuesday, the Israeli authorities said. https://t.co/0Wbhye436Z pic.twitter.com/UGwZzoDzN4

— The New York Times (@nytimes) November 12, 2024

ويعاني لبنان أيضاً من جمود سياسي؛ فقد أدى فشل لبنان الطويل الأمد في انتخاب رئيس إلى جعل حكومته غير قادرة على اتخاذ إجراءات حاسمة، كما تعمل الانقسامات الطائفية العميقة بين النخبة الحاكمة على إدامة الخلل الوظيفي.
كما يعاني النسيج الاجتماعي في لبنان من انقسام شديد، وتفاقمت الانقسامات الطائفية بعد استهداف القوات الإسرائيلية معاقل حزب الله في المناطق ذات الأغلبية الشيعية؛ فالبعض يرى أن حزب الله يدافع عن لبنان والبعض الآخر يتشكك في ذلك ويطالب بنزع سلاحه والانخراط في العملية السياسية فحسب؛ ويؤدي هذا التفاوت في الآراء إلى تعميق الاستياء وتأجيج المظالم القائمة بين الطوائف الدينية في لبنان.

التداعيات الإنسانية

وتناولت الكاتبة الخسائر البشرية الناجمة عن الحرب جنوب لبنان ووصفتها بالصادمة. على صعيد الخسائر البشرية، فقد أكثر من 3481 شخصاً حياتهم، وأصيب 14786 شخصاً، وتشرد 1.2 مليون شخص، وهو ما يرسم صورة قاتمة للدمار الذي حل بلبنان. ويعيش أغلب النازحين في ظروف مزرية، مع مأوى غير ملائم ومساعدات إنسانية غير كافية.
وبالنسبة للبنية الأساسية، دمرت الحملة العسكرية الإسرائيلية المكثفة البلدات والمدن في جنوب لبنان، حيث أفادت تقارير باستخدام قذائف الفوسفور الأبيض التي لا تدمر الأرواح والمنازل فحسب، بل تخلق أيضاً مخاطر بيئية تهدد جهود التعافي على المدى الطويل.

The proxy war between Iran and Israel has come to Lebanon “at perhaps the worst possible moment,” writes @mahamyahya. To prevent a new era of conflict and unrest, Lebanon’s political parties must act quickly to stabilize their country’s institutions. https://t.co/Ti1LyE5FG8

— Foreign Affairs (@ForeignAffairs) November 21, 2024

أما من ناحية التأثير الاقتصادي على العمالة والناتج المحلي الإجمالي، فَقَدَ أكثر من 166 ألف شخص وظائفهم، ومن المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي في لبنان بنسبة 9%. وتواجه البلاد مستقبلاً اقتصادياً قاتماً مع شلل السياحة والزراعة والصناعات المصرفية.

حالة حزب الله وخلّفت الحرب خسائر فادحة في حزب الله، سواء على المستوى المادي أو السياسي. ودمرت العمليات العسكرية الإسرائيلية 80% من ترسانة حزب الله بالقرب من الحدود الجنوبية، في حين قُتل كبار القادة، بمن فيهم الأمين العام حسن نصر الله.
وعدّت الكاتبة هذه التطورات تحولاً حاسماً في القدرات العملياتية لحزب الله. ومع ذلك، ورغم هذه الخسائر، ما يزال حزب الله يتمتع بنفوذه، مع تدخل إيران لإعادة تنظيم صفوفه. ويواصل جيل أصغر من القادة، مدفوعاً بالحماسة الإيديولوجية، دعم طموحات حزب الله الإقليمية.


خطوات نحو الاستقرار: الحوار والإصلاح

وقالت الكاتبة إن تعافي لبنان يتوقف على تضافر الجهود لمعالجة قضاياه العميقة الجذور؛ فالحوار الوطني، الذي يشمل جميع الفصائل، أمر ضروري. وتشمل الأولويات الرئيسية: أولاً: استراتيجية الدفاع الوطني؛ فتنفيذ اتفاق الطائف وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بدمج قوات حزب الله في القوات المسلحة اللبنانية أمر بالغ الأهمية لتعزيز سيطرة الدولة.
ثانياً: القيادة السياسية؛ فانتخاب رئيس وتشكيل حكومة طوارئ سيمهد الطريق للإصلاحات المؤسسية والتعافي الاقتصادي.

ثالثاً: التماسك الاجتماعي؛ فإعادة بناء الثقة بين المجتمعات اللبنانية؛ أمر حيوي لتجنب المزيد من الصراعات الطائفية واستعادة الاستقرار.

دور المجتمع الدولي

وأضافت الكاتبة أن الدعم الخارجي أمر بالغ الأهمية لبقاء لبنان، وأكدت الكاتبة ضرورة توسط المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار بالضغط على إسرائيل لوقف حملتها العسكرية في لبنان مع إشراك إيران دبلوماسياً للحد من عمليات حزب الله؛ وتعزيز مؤسسات الدولة عن طريق تمكين الجيش اللبناني عبر المساعدات العسكرية للعمل كقوة موحدة، والحد من نفوذ حزب الله؛ والمساهمة في جهود إعادة الإعمار لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة في لبنان بالشفافية والمساءلة لضمان الاستخدام الفعال.

مخاطر عدم الاستقرار ومضت الكاتبة بالقول: إذا استمر الصراع، فإن لبنان يخاطر بالانزلاق إلى مزيد من الفوضى. وقد ينهار التوازن الدقيق بين مجموعاته الطائفية، مما يؤدي إلى إبطال عقود من التعايش الهش. وقد تستغل القوى الإقليمية، بما في ذلك إيران وإسرائيل، عدم استقرار لبنان لتحقيق أجنداتها، وتحويل البلاد إلى ساحة معركة طويلة الأمد.
من هنا، تؤكد الكاتبة الحاجة الملحة للإصلاح والمصالحة في لبنان. فبدون اتخاذ إجراءات حاسمة في هذا الصدد، ستواجه البلاد مستقبلاً غير مؤكد، مشوهاً بالدمار الاقتصادي والخلل السياسي، مع احتمال تجدد الاضطرابات المدنية.
وشددت الكاتبة على أن الجهد التعاوني الذي يشمل القادة اللبنانيين والمجتمع الدولي هو السبيل الوحيد للبنان نحو الاستقرار والتعافي.

مقالات مشابهة

  • تحليل الأعمال الفنية التي تتناول موضوعات الذاكرة والنسيان: تداخل بين الماضي والحاضر
  • أوكرانيا تخسر 40% من الأراضي التي سيطرت عليها في مقاطعة كورسك الروسية
  • الدفاع المدني ينشر مجمل الخسائر التي تكبدها جرّاء الحرب على قطاع غزة
  • ألمانيا: أوروبا تواجه تهديداً طويل الأمد بسبب الحرب الأوكرانية
  • الرئيس الكولومبي: هدف حرب الإبادة التي تمارسها “إسرائيل” في غزة منع قيام وطن للفلسطينيين
  • سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
  • السيسي يستعرض الجهود التنموية المصرية وتوفير الفرص الاستثمارية الكبيرة
  • “السمكة الصغيرة التهمت الكبيرة”.. صحيفة إسبانية تعلّق على خسارة النصر أمام القادسية
  • كيف سيخرج لبنان من الحرب مع إسرائيل؟
  • هل من الضروري الكشف عن الماضي؟.. ننشر فصلا من رواية "الرغبة الأخيرة"