رسائل متبادلة بين دمشق وواشنطن... وتواصل أوروبي في ملف النزوح
تاريخ النشر: 6th, May 2024 GMT
تلقت دمشق بالتزامن مع لبنان دعوة لحضور القمة العربية في البحرين. إذ أجرى وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني جولة شملت لبنان وسوريا التي زارها لأول مرة منذ بدء أزمة سوريا.
إن الحضور السوري في الجامعة العربية لم يعد موضع خلاف، كما في السابق، على ما يعتقد النائب السابق في مجلس الشعب السوري مهند الحاج علي لـ"لبنان24" لأن حضور سوريا في قمة الرياض الأخيرة قد كسر كل الحواجز ، والموقف الوحيد المتحفظ هو القطري فقط ، كونه مازال يدور في الفلك الأميركي حتى الآن، وسوريا أكثر من مرة عبرت عن أن سياستها مع أشقائها العرب هي سياسة غير انتقامية، وتتطلع دائماً للمستقبل ولأفضل العلاقات مع العرب ، وهذا ما لمسناه من إعادة فتح بعض السفارات العربية في دمشق التي لم لن تنسلخ عن محيطها العربي وخاصة أنها دولة ذات إيديولوجيا قومية .
إن أغلب الأنظمة العربية التي ناصبت "العداء" للشعب السوري إبان ما يسمى بالربيع العربي قد تغيرت رغم التأثير الأميركي على هذه الأنظمة من خلال البطء في إعادة العلاقات الإقتصادية ، أو البطء في التعاطي مع الحكومة السورية في ملفي الجريمة والمهجرين، يقول الحاج علي. لذلك كانت الدعوى متوقعة وتلقفتها سوريا متمنية أن تنجح وتأتي بثمار طيبة للشعوب العربية في ظل التوتر الإقليمي .
يأتي ذلك، في وقت زار وفد سعودي يرأسه رئيس جهاز الاستخبارات العاصمة السورية والتقى الرئيس السوري بشار الأسد ونائبه للشؤون الأمنية اللواء علي مملوك. وتأتي هذه الزيارة، وفق الحاج علي، في إطار التنسيق من أجل مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود وعلى رأسها تهريب المخدرات، ففي بداية ما يسمى بالربيع العربي ، غُرر بالكثير من الشباب السعودي، وانخرطوا في صفوف التنظيمات الإرهابية، لذلك رأت المملكة أن من الضروري إيجاد صيغة تعاون أمني مع سوريا من أجل مكافحة الإرهاب العابر للحدود، ومنع وصوله أو ارتداده للمملكة، فرؤية ولي العهد محمد بن سلمان للشرق الأوسط تتضمن نشر هامش كبير من الأمان ومكافحة الجريمة، ولا يمكن نشر هذا الأمان من دون التنسيق مع سوريا التي أصبح لها باع طويل في مكافحة الإرهاب.
ورغم عودة العلاقات العربية إلى ما كانت عليه قبل العام 2011، إلا أن لا حل سياسيا يلوح في الأفق للأزمة السورية، فالمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، يعتبر أن "على المجتمع الدولي توحيد جهوده نحو عملية سياسية تبدأ باتخاذ تدابير لبناء الثقة واستئناف عمل اللجنة الدستورية، وتفضي في نهاية المطاف إلى معالجة شاملة لهذا الصراع". ومع ذلك يحكى عن مفاوضات، مباشرة غير مباشرة، بين دمشق وواشنطن في سلطنة عمان، غير أن الحاج علي يقول إنه لم يرشح أي شيء رسمي عن هذا الموضوع، لكنه يعتقد أن الولايات المتحدة قد تلجأ لهذا الخيار في أي لحظة لانها بدأت تشعر أن وجودها العسكري في سوريا أصبح يهدد حياة جنودها، مع تصاعد العمليات العسكرية ضد القواعد الأميركية غير الشرعية في سوريا من طرف المقاومة السورية والعراقية ، وبالتالي قد تلجأ للتفاوض مع دمشق من أجل تأمين خروج مشرف لها ويحفظ ماء الوجه ، ولكن حتى الآن لا تبحث واشنطن عن شركاء، بل تبحث عن اتباع ، وهذا ما ترفضه سوريا بشكل كامل، وبالتالي يعتقد المسؤول السوري أن مسألة المفاوضات بوساطة عمانية غير دقيقة، قد تكون هناك بعض الرسائل المتبادلة والتي لم تفض لأي نتيجة، كون واشنطن ما زالت غير قادرة على الإعتراف بالانتصار السوري على مشروعها في المنطقة، وغير قادرة على تحقيق أهدافها في سوريا لجهة سلخها عن محور المقاومة ، وخاصة أن دمشق ثابتة على مواقفها.
ورغم تأكيد سوريا أنها تدعم حركات المقاومة في فلسطين، بيد أن أصواتا علت منذ عملية "طوفان الأقصى" معتبرة أن دمشق تتخذ مواقف متمايزة عن قوى محور الممانعة، لكن الحاج علي ينفي ذلك، ويقول إن معركة "طوفان الأقصى" هي معركة كل محور المقاومة، لكن لكل ركن أو فصيل من فصائل المحور، دوره الذي يتمم الأدوار الأخرى لباقي أركان المحور، ومن الناحية العسكرية وبحسب خبرة سابقة له في القوى الرديفة للجيش العربي السوري، يقول الحاج علي، إن سوريا تقدم كل ما تستطيع تقديمه لكل الفصائل المقاومة سواء العراقية، أو اليمينة أو اللبنانية وحتى الفلسطينية في داخل فلسطين المحتلة،والدور السوري كان أساسياً في مساعدة المقاومة في غزة على القيام بهذه العملية وهذا ما نستطيع قوله حالياً في هذا المجال. أما من الناحية السياسية، فدمشق تستثمر كل علاقاتها الديبلوماسية مع حلفائها من أجل دعم القضية الفلسطينية، والموقف الصيني والروسي والكوري الشمالي المتقدم من القضية الفلسطينية والذي أصبح داعماً لقضايا الشعب الفلسطيني، هو نتاج مجهود كبير للديبلوماسية السورية عبر سنوات من أجل إيضاح الصورة الحقيقية للحلفاء وحثهم على تطوير مواقفهم .
في خضم ما يجري، تبقى أزمة النازحين الشغل الشاغل للدول المضيفة لا سيما لبنان الذي يعاني من تداعيات هذا النزوح على كل المستويات والصعد، وهناك إجماع لبناني على أن أزمة النزوح لا يمكن أن تستمر من دون معالجة ويجب العمل على إعادتهم جميعاً على مراحل خاصة وأن أغلب النازحين السوريين الموجودين في لبنان موجودون في لبنان لأسباب اقتصادية وليست أمنية، وفي زيارته الأخيرة إلى باريس، تحدث رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حول ضرورة إعادة التواصل والتنسيق مع دمشق، لمساعدة لبنان في ملف اللاجئين والتخفف من أعبائهم، ولمنع تسربهم من لبنان إلى أوروبا وأن حل أزمة النزوح في البلاد يكمن في اعتبار معظم المناطق في سوريا مناطق آمنة من أجل ترحيل السوريين الذين يدخلون لبنان كلاجئين. وفاتح رئيس مجلس النواب نبيه برّي من جهته وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه بضرورة تغيير موقف فرنسا وألمانيا ودول الإتحاد الأوروبي من سوريا، وضرورة إعادة التنسيق معها واستعادة العلاقات، في سبيل مساعدة لبنان لمعالجة ملف اللاجئين، والذي تنظر إليه أوروبا كخطر داهم عليها.
ويعوّل لبنان على مؤتمر بروكسل الثامن الذي سيعقد في 27 أيار الحالي والذي سيحرّك ملف النازحين السوريين، علما أن سوريا تواصل التأكيد من جهتها أنها تواصل العمل على عودة مواطنيها إلى ديارهم وقد عقدت 3 مؤتمرات من أجل إعادة النازحين ولم تحضرها الدول المانحة ولا الامم المتحدة ولا منظمات المجتمع المدني واصدر الرئيس بشار الاسد مراسيم عفو باستثناء من ارتكب جرائم قتل، ويقول الحاج علي في هذا السياق، أن ملف النزوح ليس بحاجة لوساطة دولية إنما إلى قرار لبناني، ودمشق مستعدة للتعاون مع لبنان بشتى الوسائل ، لما فيه خير لبنان وسوريا، مضيفاً "يوجد تواصل غربي مع سوريا من دول مثل إيطاليا وشرق أوروبا في هذا المجال، ولكن التنسيق ليس على مستويات عليا ، فهو يتم عبرالمنظمات الأممية"، مضيفاً "الموقف الأوروبي يستخدم ورقة المهجرين من أجل أن يستثمرها سياسياً لشيطنة الحكومة السورية ، واذا كانوا جادين فعلا في إعادة المهجرين فأهلا وسهلا بهم فدمشق لها سبعة أبواب"، أما عن لبنان فيعتقد المسؤول السوري أن "ملف المهجرين يمكن أن ينتهي بتنسيق حكومي كامل بين الحكومتين من دون العودة لأحد، ولكن الغرب يضغط بكل قوته على لبنان من أجل تعطيل هذا التعاون،علماً أننا استطعنا بالتعاون مع الأمن العام اللبناني قبل عام تقريباً إعادة عشرات آلاف السوريين إلى سوريا".
المصدر: لبنان 24
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الحاج علی سوریا من فی سوریا من أجل
إقرأ أيضاً:
عقيدة التوحش.. إعادة إعمار سوريا تبدأ بـحافظ الأسد
لا تبدأ عملية إعادة الإعمار بالنسبة للنظام السوري بتبديد آثار ما دمرته الحرب طوال السنوات الماضية، على صعيد تشييد المباني مجددا أو حتى إعادة السكان إلى قراهم ومدنهم الأصلية التي تحولت إلى خراب، بل على العكس يتخذ المسار منحى استثنائيا، يستند على عقيدة تقوم على "التوحش" ونصب التماثيل، كي لا يتمكن المنكوبون من السير مترا واحدا دون رؤية حافظ الأسد.
قبل يومين أسدل النظام الستار عن تمثالٍ للأسد الأب وسط خان شيخون المدمّرة، الواقعة في ريف محافظة إدلب، ورغم أن هذه الخطوة سبقها سلوكيات مشابهة في مناطق أخرى في أنحاء البلاد، اعتبرها سكان عبر مواقع التواصل استفزازية، بناء على ما شهدته المدينة في عام 2017.
وكانت خان شيخون تعرضت قبل 7 سنوات لهجوم بغاز السارين، أسفر عن مقتل 91 مدنيا بينهم 32 طفلا و23 سيدة خنقا، وإصابة قرابة 520 شخص. وبعد أشهر من المجزرة أكد تقرير دولي أعدته "آلية التحقيق المشتركة" مسؤولية النظام عن القصف.
علاوة على المجزرة، لا يزال سكان المدينة المذكورة ينظرون إليها من على الأطلال على الطرف الآخر الذي تسيطر عليه فصائل المعارضة، وليس ذلك فحسب فمن سمح لهم بالعودة يعانون الآن من ظروف خدمية ومعيشية صعبة، سبق أن ذكرتها صحيفة "البعث"، مطلع العام الحالي، مشيرة إلى عدم وجود خط دائم لشبكة الكهرباء فيها.
وقبل نصب تمثال الأسد الأب مجددا في خان شيخون، أعاد النظام تمثالا أخرا إلى وسط مدينة دير الزور شرقي البلاد، في أكتوبر 2018، وفي شهر أغسطس من ذات العام جدد تمثالا ثالثا في مدينة حمص وسط البلاد، بعدما أن تعرض في مطلع أحداث الثورة لرصاصات اخترقت ظهر جسده البرونزي.
مدينة حماة أيضا التي دمرت، وارتكبت فيها فظائع في عهد حافظ الأسد بثمانينيات القرن الماضي أسدل الستار فيها عام 2017 عن تمثال للأخير في مدخلها الجنوبي. وجاء ذلك بعد أن أزيل في 2011 (مطلع أحداث الثورة) بأوامر مباشرة من هشام بختيار (المقتول في حادثة تفجير خلية الأزمة)، وفقا لمواقع إخبارية محلية.
"إعادة إعمار حافظ الأسد"وتقول الأمم المتحدة إن تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية في سوريا تصل إلى 400 مليار دولار. وهذا الرقم يشمل حجم الدمار فقط، ولا يشمل الخسائر البشرية، والمقصود بها الأشخاص الذين قتلوا خلال المعارك، والأشخاص الذين نزحوا وهجّروا من منازلهم.
وأشار إلى هذه الإحصائية بشار الأسد بنفسه، في مارس 2023، بقوله إن التقديرات للحرب تفوق 400 مليار دولار، مضيفا أنه "رقم تقريبي وقد يكون أكبر، حيث إن بعض المناطق لا تزال خارج سيطرة الدولة السورية"، حسب تعبيره.
بعد إعادته إلى الجامعة العربية عزف النظام كثيرا على وتر إعادة الإعمار، وبينما كان يطلق تصريحاته المتعلقة بذلك ردا على الدعوات الموجهة له بضرورة إعادة اللاجئين في الخارج إلى البلاد سارت خطواته على الأرض باتجاه مختلف.
وتلك الخطوات كان لافتا أنها بدأت بإعادة تماثيل الأسد الأب إلى ساحات المدن المدمرة التي أعاد السيطرة عليها، وتدشينها في أجواء احتفالية، كما الحال الذي عاشته خان شيخون قبل يومين.
ولا يعتبر نصب التماثيل الخاصة بالأسد الأب في سوريا أمرا جديدا، لكنها دخلت بعد عام 2011 في محطة فاصلة، تمثلت بإقدام المحتجين المطالبين بالحرية على تحطيمها تباعا في الشوارع والساحات، في عموم المحافظات السورية.
كان فعل التحطيم يذهب باتجاه فرض حالة جديدة وخروج من أخرى، لطالما تخللتها أعين مسلطة من فوق وتراقب السوريين في الجامعات والساحات العامة، وحتى داخل المؤسسات الرسمية والحكومية.
ويقول الكاتب والناشط السياسي، حافظ قرقوط: "تاريخيا كانت تماثيل حافظ الأسد منثورة في كل مكان في سوريا، كنوع من الترهيب والتذكير بأن الدولة الأمنية قائمة".
وغالبا من كان يشعر الشخص الذي يمر بجوارها أو بالقرب منها بالمراقبة وأنه يوجد في محيطه "مخبر".
ويعتبر قرقوط في حديثه لموقع "الحرة" أن تماثيل الأسد الأب "كانت أفرع أمن بحد ذاتها وتصب عيناها بنوع من الحقد على البشر"، مضيفا: "لم يكن فيها أي نوع من الفن الذي يمكن أن يظل في ذاكرة الإنسان بشكل هادئ وجميل".
ومع اتجاه النظام السوري لإعادتها بالتدريج يرى قرقوط أنه يريد القول للجمهور المحلي "إننا هنا"، وإن "السطوة الأمنية قائمة وقادرة على فهل أي شيء"، وإن "النظام الذي حاولتهم إسقاطه بقي!".
"هي عملية بمثابة إعادة نشر السجون المعنوية للناس. النظام حاقد والحقد يشكل حالة انتقامية له. وهذه أهم حالات الانتقام"، على حد تعبير الكاتب والناشط السياسي.
"فلسفة التوحش"في مقال له على صحيفة "ذا أتلانتيك" نشر عام 2019 يقول الصحفي، سامر داغر وهو مؤلف كتاب "الأسد أو نحرق البلد" إن "حكم سوريا شأن عائلي إلى حد كبير".
وبينما كان الأمر كذلك منذ ما يقرب من خمسة عقود، سوف يظل كذلك فيما يتصل بآل الأسد، بحسب ما ورد في مقالته.
ويعتقد داغر أن إعادة التماثيل واللوحات الإعلانية طريقة الأسد لإخبار المجتمعات المتمردة ذات يوم بأن أي مقاومة أخرى لن تجدي نفعا، كما يرى أن إعادتها تؤكد رسالة مفادها أن "عائلة الأسد انتصرت على الرغم من التكلفة الهائلة".
وتشير إحصائيات تقريبة إلى مقتل أكثر من نصف مليون شخص في سوريا خلال السنوات الـ13 الماضية، ويضاف إلى ذلك الدمار الهائل ونزوح السكان، فضلا عن الاقتصاد الممزق، والمجتمع كذلك.
ورغم أن الأسد ظلّ على كرسي الحكم لا تزال العزلة تحكم مشهد قصره ونظامه، مع محاولته الآن الخروج منها، بذات السيناريو التدريجي الذي لعبه مع عدة دول عربية.
وبوجهة نظر الكاتب، الناشط السياسي السوري، حسن النيفي تحيل تماثيل الأسد الأب "إلى تأبيد الفرد الحاكم، وفقا لفلسفة التوحش".
ويقول لموقع "الحرة" إنها "تستمدّ مضامينها من شعور الحاكم بأنه باق ومخلّد ومُستثنى من نواميس الفناء، فضلا عن كونها تتماهى مع شعار (إلى الأبد يا حافظ الأسد)".
وشعار الأبدية له دلالات عديدة، أبرزها تأبيد الطاغية ودوام سلطته، وكذلك له دلالة أخرى ذات صلة بمفهوم الإبادة التي اتخذها نظام الأسد كمنهج لتثبيت سلطته وقهر معارضيه أو خصومه، بحسب الناشط السياسي.
ويضيف أن إعادة نشر التماثيل وزرعها، سواء في خان شيخون أو سواها من المدن والبلدات السورية، "تجسّد انتصار الأسد على خصومه. هذا الانتصار الذي يختزله النظام بحيازة السلطة فحسب، بعيدا عن أي منجز آخر".
"عقيدة وسياسة الحذاء"ووفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أُجبر أكثر من 14 مليون سوري على الفرار من ديارهم منذ 2011. ولا يزال هناك نحو 6.8 مليون نازح سوري في الداخل حيث يعيش 90 في المئة من السكان تحت خط الفقر.
وتعطي سياسة نصب التماثيل التي يعمد النظام السوري على تكريسها من جديد مؤشرا على أن سياسته الأمنية لم تتغير وكذلك الأمر بالنسبة لنظرته للمعارضين، مما يجعل أي عائد للبلاد عرضة للاعتقال والقتل، بناء على الموقف.
ويقول ستيفن هايدمان، مدير برنامج دراسات الشرق الأوسط في كلية سميث والخبير البارز في الشؤون السورية في تعليقه على إعادة نصب تماثيل الأسد الأب: "الرسالة واضحة للغاية: لقد عدنا".
كما يصف هايدمان إعادة نصب التماثيل بأنها "تعبير عن الانتصار من جانب النظام" وهو ما كان "مُحبطا للغاية" لمعارضيه، مضيفا: "إنها استراتيجية قوية للغاية ومؤثرة للغاية".
مناف طلاس، صديق طفولة بشار الأسد، الجنرال السابق في الحرس الجمهوري الذي انشق في عام 2012 كان له رأيه الخاص في إعادة التماثيل أيضا، ونقل عنه الصحفي داغر في 2019 قوله إن "بشار يعرف في قرارة نفسه أنه لم يفز حقا.. والتماثيل هي وسيلة لإقناع نفسه بخلاف ذلك".
وأشار أحد سكان العاصمة السورية دمشق وفق مقال "ذا أتلانتيك" إلى أن "التماثيل دليل على أن النظام عازم على مواصلة حكمنا بحذاء عسكري فوق رؤوسنا"، وهو ما أكده حديث طلاس، قائلا إن بشار الأسد كان يقول لأصدقائه سابقا إن "السوريين لا يمكن أن يحكموا إلا بالحذاء فوق رؤوسهم".
ولا يهم الأسد ولا يعنيه أحد من السوريين وكذلك لا يعنيه كيف يعيش الناس وهو أيضا غير معني بحاجات المواطنين أو قبولهم أو رفضهم لما يجري، كما يرى الناشط السياسي، حسن النيفي.
ويقول: "ما يعنيه فقط هو بقاؤه كشخص حاكم على رأس السلطة مُجسّدا بالتمثال، فهو المعادل الحقيقي للبلاد (سوريا الأسد)". ويضيف أن "اختزال البلاد السورية بشخص الحاكم باتت عقيدة لدى النظام وليست مجرد سلوك سياسي شاذ".
"غير قابل للتغيير"ولا يعتبر استخدام التماثيل كتعبير عن القوة والسيطرة والهيمنة أمرا فريدا في سوريا؛ فهو ركيزة أساسية لجميع الأنظمة الاستبدادية تقريبا، بما في ذلك الاتحاد السوفييتي السابق، وكوريا الشمالية، والعديد من جمهوريات آسيا الوسطى.
لكن، وعند النظر إلى سوريا تختلف الصورة وتكاد تكون "استثنائية"، بحسب الكاتب والناشط السياسي، قرقوط.
ويقول: "إعادة إعمار سوريا تبدأ بإعادة التماثيل هي استهزاء بتضحيات الناس"، ورغم أن هذا السلوك ليس جديدا على الأنظمة الديكتاتورية يضيف يعتبر قرقوط أنه "لا شبيه للأسد في التاريخ القديم والحاضر".
ويتابع: "الديكتاتورية شابها عزة نفس في بعض الحالات.. لكن النظام ليس لديه ذلك، ويصر على الانحطاط بتصرفاته".
وبعد تسلمه الحكم في سوريا عام 2000 انتشرت صور الأسد الابن (بشار) في كل مكان بسوريا، دون أن يشمل ذلك نصب التماثيل الكبيرة، كما حالة أبيه.
وانكسرت تلك الحالة في 2023 عندما أسدل الستار عن تمثال كبير له في منطقة بلقسة التابعة لمحافظة حمص، وسط البلاد.
ويعتبر الأكاديمي والناشط السياسي السوري، فايز قنطار أن "تماثيل الأسد وإعادة نصبها دلالة على القهر وإحكام القبضة الحديدية"، وتقف ورائها رسائل أيضا عن "وجود استمرارية لم تتغير بالرغم من تغير الظروف ومعطيات العصر. وحتى بالرغم من الثورة".
كما تدل بعمق أن "النظام غير قابل للتغيير والتعديل ولا يمكن أن يستمر في حكم سوريا إلا عن طريق القبضة الأمنية".
ورغم أن إعادة تشييد التماثيل شملت مناطق عدة في عموم المناطق المدمرة لم يتكرس ذلك محافظة السويداء، التي كانت حطمت تمثال الأسد الأب في 2015 ولم يجرؤ النظام على إعادته من جديد حتى الآن، وفق حديث قنطار لموقع "الحرة".
وعلاوة على ذلك كان المحتجون في المحافظة ذات الغالبية الدرزية قد أزالوا على مدى عام جميع الرموز المتعلقة بالنظام وحزب "البعث"، وتماثيل الأسد الأب وابنه باسل.
ويرى الناشط السياسي، قرقوط أن ما يكرسه الأسد الابن الآن له شق يتعلق بـ"الانتقام" أيضا.
ويوضح أن هذا الانتقام (بإعادة نصب التماثيل) يستهدف عوائل المشردين والمسجونين، ويقول: "عندما سينظرون للتمثال سينقطع لديهم الأمل ويظّل اليأس بأن ذكرى أبنائنا انتهت وذهبت".
أما بالنسبة للمهجرين فتأخذ إعادة إعمار تماثيل حافظ الأسد دلالة مفادها "نحن هنا ولا عودة لكم مهما صدرت البيانات والدعوات لإعادتهم.. وعقدت القمم".
كما لا يستبعد قرقوط أن تكون التماثيل الجديدة رسالة لحاضنة النظام السوري، من أجل إعطاء أفرادها دعما معنويا بأنهم "انتصروا معه على بقية السوريين"، ولكي يذكرهم "بغياب البديل عنه ولذلك يجب ألا ينفكوا عنه".