آثار الأنبياء في مصر.. بين الاكتشافات الأثرية والكتب المقدسة وتزييف التاريخ
تاريخ النشر: 6th, May 2024 GMT
** المؤرخ محمد حمزة: الدكتور زاهي حواس تناقض مع نفسه.. وأطالب بتغيير اسم لوحة الخروج لأنه لا يوجد بها اسم إسرائيل
** آثار وجود الأنبياء في مصر موجودة في صدى لكل معجزة ومذكورة في بردية «وستكار»
الدكتور أيمن فؤاد: لا يمكن اعتبار الكتب السماوية مرجعية تاريخية لقداستها وعدم تحقق شروط كالقدرة على نقدها
الكثير من الجدل، وبين الاختلاف والاتفاق، وفي أحيان الإشارة بأصابع الاتهام، يظل ما أعلنه الدكتور زاهي حوّاس (عالم الآثار، وزير الدولة الأسبق لشئون الآثار) موضعَ تساؤلات، حيث أكد حواس أنه لا دليل على وجود أنبياء الله في كتب الآثار المصرية، وإنما اقتصر ذكرهم على الكتب السماوية فقط، وكان من الطبيعي أن يواجه موقع لدولة الكيان الصهيوني تلك التصريحات على الفور معتبرًا أن القضية تمس عقيدة اليهود التوراتية ومنتهزًا الفرصة للتنديد بعدم قدرة العلماء أو الباحثين الصهاينة على الاستعانة ببعض البرديات من مصر لاستكمال أبحاثهم في هذا الصدد، «وهو بالمناسبة أمر يُحمد للقائمين على الآثار وليس ضدهم، بعد كل محاولات تزييف التاريخ والحفر المستمر تحت الأقصى للعثور على الهيكل المزعوم، ومحاولة تشويه التاريخ المصري القديم بادعاءات باطلة».
ومن المعلوم من الكتب المقدسة أن نبي الله موسى خرج من مصر مع مَن آمنوا به، وأغرق الطوفان فرعونَ وجنودَه، كما ورد في القرآن الكريم وهو مرجعية المسلمين الأولى، تأكيد بأن أنبياء الله إبراهيم ويوسف وموسى عليهم السلام قد جاءوا أو عاشوا في مصر، لكن السؤال الذي يتوارد إلى الأذهان هو: ما مدى دقة ما ذكره الدكتور زاهي حواس من معلومات، خاصة وأنه قال بعد الجدل الذي أثارته تصريحاته وردًّا على مهاجميه: «أنا مسلم وأؤمن بما في القراَن الكريم والكتب السماوية بشأن دخول سيدنا موسى وإبراهيم ويوسف لمصر والخروج تم في مصر، ولكن أنا بقول إن في الآثار المصرية لا يوجد ذكر لأنبياء الله».
وأضاف: «كشفنا حتى الآن 30% من آثارنا ولا تزال 70% موجودة تحت الأرض، وهناك احتمال كبير وجود نقش يتحدث عن فرعون الخروج».
وأَضاف: «الصحف الإسرائيلية هاجمتني وقالت إنني أهاجم التوراة وهذا غير صحيح على الإطلاق، ولا أهاجم أيَّ دين، وأنا أؤمن بالأديان السماوية، ولكني تحدثت كعالم آثار أنه حتى الاَن لا يوجد دليل على وجود فرعون موسى، أو دخول الأنبياء لمصر، وفقًا للاكتشافات الأثرية الحالية».
كما أكد حواس أيضًا أن الفرعون الذى تم في عصره خروج اليهود غير معروف، خلافًا لما حاول الصهاينة نشره من أن رمسيس الثاني هو فرعون الخروج.
وعلى الرغم من أن فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي قال في خواطره حول قصة أهل الكهف إن الله ذكر قصة الفتية ولم يُعيِّنِ القرآن أسماءهم ولا عددهم، ولم يذكر عنهم إلا وصف الإيمان بالله، وهذا هو القدر المراد في قصتهم، فهو عِلْم لا ينفع، وجهل لا يضر، وهو ما يجعل أيضًا وجود ما لا يدل على وجود الأنبياء في مصر جهلًا لا يضر.
وهو منهج كل مؤمن بكتابه وليس بحاجة إلى أدلة، لكن أهل الاكتشافات الأثرية دورهم هو التنقيب والبحث ونشر الأدلة، فلا شك أن مصر هي بلد العزيز الذي آوى نبيَّ الله يوسف بعد أن التقطه السيَّارة من البئر، وهي الأرض التي تعرَّضت لسبع سنين من الرخاء أعقبها سبع عجاف، بسببها جلس نبي الله يوسف عليه السلام على خزائن مصر، ورغم ذكر ذلك، لم يذكرِ القرآن الكريم صراحةً قدوم سيدنا إبراهيم إلى مصر، لكن ذلك جاء في التفاسير، حيث تزَّوج من مصر السيدة هاجر أم سيدنا إسماعيل.
وقد اتفق الدكتور أيمن فؤاد (أستاذ التاريخ الإسلامي والمخطوطات) مع الدكتور زاهي حواس مؤكدًا أن هناك سببًا لعدم وجود آثار للأنبياء في مصر وليس في مصر فقط، فليس لدينا على سبيل المثال وثائق تدل على مَن كانوا يعيشون في مكة نفسها، أو الأنبياء في أي مكان آخر من العالم.. مشيرًا إلى أن الكتب السماوية لا يمكن للدارسين اعتبارها مصدرًا تاريخيًّا، وذلك لقداستها، حيث يجب أن تتوفر معايير معينة في المصدر التاريخي، كأن يمكن نقده أو نفي شىء منه أو إثباته، لكننا نتعامل مع الكتب المقدسة بتقديس بما لا يجعلها تخضع لتلك المعايير.. مضيفًا: مَن كانوا يدوِّنون التاريخ هم الكهنة والملوك والحكام، ولأن الأنبياء لا علاقة لهم بالسياسة أو المُلك فمن الطبيعي ألا تكون لهم آثار منقوشة أو محفوظة.
لكن هذا الرأي يتنافى تمامًا مع ما ساقه من أدلة المؤرخ الدكتور محمد حمزة (خبير التراث والآثار، عميد كلية الآثار الأسبق)، الذى أشار إلى أن الأدلة على وجود الأنبياء موجودة، لكن لا يوجد دليل على زمن وجودهم.
فيقول إن الكتب التاريخية وُجدت في مصر بدءًا من العصر الصاوي (663ق.م-525ق.م) وما تلاه من خلال المؤرخين والعلماء الإغريق، ومن أهم الكتب في تلك الفترة كتاب مانيتون السمنودي (284ق.م) وعنه في القرن الأول الميلادي كتاب يوسيفوس اليهودي المتوفى 98م وفيه إشارات عن اليهود والهكسوس.
وأشار حمزة إلى أن الدكتور زاهي حواس تناقض مع نفسه عندما تحدث من قبل عن أن لوحة مرنبتاح بالمتحف المصري هي الدليل الوحيد على وجود بني إسرائيل في مصر وأن خروجهم منها كان قبل مرنبتاح «فكيف يقول الآن إنه لا دليل على وجود أنبياء في مصر، والخروج الذى أشار إليه مرتبط بقصة سيدنا موسى؟!».
وأضاف: وعلى الرغم من مقولة حواس تلك إلا أننى لا أتفق معه، فقد سبق أن قمنا بتصحيح اسم هذه اللوحة في محاضراتنا بكلية الآثار وفي لقاءات تليفزيونية منذ أوائل عقد التسعينيات من القرن 20م المنصرم، فعلى الرغم من أن الدكتور زاهي حواس يصر في كل مناسبة على القول بأنه لا يجب ربط الآثار بالدين، وأنه لا يوجد دليل واحد على وجود بني إسرائيل في مصر إلا في لوحة مرنبتاح فقط (١٢٣٥-١٢٢٤ق.م) تقريبًا.. مشيرًا إلى أن النص ورد فيه اسم إسرائيل. ويوضح حمزة أن أول مَن قرأ تلك الكلمة في اللوحة هو (العالم فلندرز بتري المتوفى عام ١٩٤٢م) سنة 1895م، وهو إقحام للكلمة، ومن وقتها أصبحت تُعرف تلك اللوحة باسم لوحة الخروج أو لوحة إسرائيل، بينما الحقيقة أنه لم يرد فيها مطلقًا اسم (إسرائيل) طبقًا لأحدث الدراسات إنما هي كلمة (يسيرويارو) (يزريار) وهو سهل جزرائيل، والبعض من العلماء يربطها بشعوب البحر وهجراتهم سنة 1200ق.م.
وهذه اللوحة عبارة عن حملة تأديبية لحماية الأمن القومي المصري في الحدود الشرقية وفي الحدود الغربية، لذلك فلابد أن يُستبدل اسمها وتعريفها بـ(اللوحة ذات النصين لأن على وجهها الأمامي منظرًا ونصًّا من عهد أمنحتب الثالث، وعلى ظهرها نص مرنبتاح وهو النص الأشهر) أو (لوحة مرنبتاح) بدلًا من التسمية الخاطئة باسم لوحة بني إسرائيل أو لوحة الخروج، خاصةً أنه سوف يتم عرضها في المتحف المصري الكبير، وهي من ضمن موضوعات «علم الآثار التوراتي» ودوره في تزييف التاريخ المصري القديم.
ويؤكد حمزة أن من الأدلة الحقيقية على قصص الأنبياء التي وردت بالكتب المقدسة ما جاء في بردية «وستكار» التي تحتوى على صدى لمعجزة تقطيع أجزاء الطير وإعادة إحيائه التي أجراها الله لسيدنا إبراهيم، ففي الجزء المتعلق بعهد خوفو استطاع أحد السحرة عزل رأس إوزة عن جسدها ثم أعادها ثانية عن طريق بعض التعاويذ السحرية.
وفي الجزء المتعلق بعهد سنفرو في نفس البردية نجد كبير الكهنة يقوم ببعض التعاويذ السحرية حتى انشقَّتِ البحيرة إلى نصفين فظهرت حلية الجارية في الجزء الذي انحسرت عنه المياه، وهو صدى لمعجزة سيدنا موسى عندما انفلق البحر له أثناء مطاردة فرعون وجنوده له ولبني إسرائيل، وهناك أيضًا بعض الأدلة الأثرية لقصة تحويل العصا إلى ثعبان من عصر الدولة الحديثة، وفي بردية ايبو ور وسنوهي بعض الإشارات التي كانت صدى لمعجزات موسى عليه السلام ومنها تحويل ماء النهر إلى دم وظهور الضفادع على التحف الخزفية في عصر الدولة الحديثة، ومنها ما اكتشفه بتري عام 1905م، ومن المعروف ان الدم والضفادع كانا من بين الضربات العشر التي عاقب بها الله فرعونَ وقومَه، وربما يُعثر في المستقبل على أدلة أثرية للضربات الثماني الباقية. ومن الأدلة التي تؤكد حقيقة الوجود التاريخي لسيدنا يوسف عليه السلام لوحة المجاعة بجزيرة سهيل أسوان من عهد بطلميوس الثاني (284-246ق.م) وتسجل أحداث المجاعة في عهد الملك زوسر من الأسرة الثالثة، وهي مجاعة السنوات السبع العجاف، ومنها بردية الأخوين التي كانت صدى لقصة يوسف وامرأة العزيز، ومنها كتاب تفسير الأحلام وتأويلها وفيها صدى لتفسير الأحلام لسيدنا يوسف عليه السلام، كما توجد بعض الأدلة الأثرية من عصر الهكسوس فيها إشارة إلى اسم يعقوب وهو ما يُعَد صدى لاسم نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ووالد يوسف والأسباط عليهم السلام أجمعين.
وهي أدلة توثق الوجود التاريخي لهؤلاء الأنبياء في مصر، إلا أنها لا تحدد الزمن أو العصر التاريخي لهم، فبعض الأدلة جاءت من الدولة الحديثة أو العصر البطلمي والأحداث ترتبط بملوك الدولة القديمة، وبعضها من الدولة الوسطى وعصر الهكسوس، وبعضها من الدولة الحديثة، وهو الأمر الذي لم يحسمِ العصر التاريخي، وهو ما جعل لدينا ثلاث نظريات رئيسة حول هذا الموضوع لكنها تنتظر المزيد من الاكتشافات والأدلة.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: زاهي حواس الدكتور زاهي حواس أثار إسلامية الأثار في مصر الأثار الإسلامية في مصر الدکتور زاهی حواس الأنبیاء فی مصر الکتب السماویة الدولة الحدیثة الکتب المقدسة علیه السلام على وجود دلیل على لا یوجد إلى أن أنه لا
إقرأ أيضاً: