الأسبوع:
2024-06-27@13:51:36 GMT

«السّرب» ملحمة سينمائية جديدة لـ صقور الوطن

تاريخ النشر: 6th, May 2024 GMT

«السّرب» ملحمة سينمائية جديدة لـ صقور الوطن

كان الزمان فجر الإثنين 16 فبراير 2015، حينما استيقظ العالم على هزيم الرعد المصري يزلزل كياناً أسود يقوده تنظيم "داعش" الإرهابي، في معاقله على أرض ليبيا، لم تكن مجرد عملية "حربية خاطفة" نفذتها قواتنا المسلحة الباسلة بفريق "طيران" محترف فقط، وإنما كانت كلمة عليا أرادت بها مصر أن تفرض سيادتها وتصفع وجوه السفاحين، في أسرع "عملية ثأر" شهدها التاريخ، بعد سويعات قلائل من إعلان "داعش" ارتكاب جريمته الشنعاء بذبح "21" قبطيا مصريا، قبالة سواحل "درنة" بليبيا، وتصوير فاحشته بدم بارد في مقطع فيديو أغرق شاشات العالم.

وكما فوجئ العالم بالجريمة التي لا يمكن أن تغتفر، فوجئ أيضاً، بالرد الأسرع من كل التوقعات، وتدمير القتلة في عقر دارهم، بالقرب من مسرح الجريمة ليكون اختيار الزمان والمكان، بمثابة درس للتاريخ، بأن الدم المصري أغلى مما يظن أعداء الإنسانية، ولم تكن الغرفة المظلمة التي تتصدرها شاشة مضيئة، مجرد قاعة سينما تعرض فيلم "السرب"، وإنما كانت "آلة زمن" دخلتها "الأسبوع" لرصد "أحداث درامية" لشخصيات من لحم ودم، تابعها جمهور جالس في قاعة السينما، حبس أنفاسه طيلة "90" دقيقة، لمعت الدموع في عيونه وسط الظلام، واقشعرت أبدانه من فرط الحماسة والتفاعل مع الفيلم الذي قررت، الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، "إهداءه" للجمهور، لتوثيق أول "ضربة جوية" يشهدها الجيل الحالي، بل الأجيال الأخيرة، بعد قرابة نصف قرن من الضربة الجوية الأكتوبرية التي مهدت للعبور العظيم في 73.

قبيل الخوض في تفاصيل "الفيلم"، الذي يعتبر صفحة طازجة في مجلد "قانون الدراما الجديد"، من المهم الإشارة إلى الجهد الذي بذلته «المتحدة»، بـ"توثيق اللحظات الفارقة في عمر الوطن"، حتى لا يطويها النسيان، ويظل التاريخ شاهداً عليها، مهما مر الزمان، على أن يتم التوثيق الدرامي وقت حدوث الفعل، ومحاكاة الواقع "الحالي" ليرى المشاهدون بأعينهم ما يجري خلف الكواليس، والثمن الباهظ الذي كان يدفعه أبطالنا من دمائهم وأرواحهم، مقابل "سحق" العدو المتربص بالوطن، لتكريس المبدأ الأهم، وهو تشكيل الوعي بقيمة وطن يقاتل في صمت، وبث روح الفخر، وتعظيم البطولات الحقيقية التي لم تكن الأجيال الجديدة تعرف عنها سوى بضعة أسطر منسية في كتب يعلوها التراب في المكتبات العتيقة.

فيلم السرب

بعد ملحمة "الاختيار"، جاء فيلم "السرب" لاستكمال القاعدة الدرامية الجديدة التي تكشف للجمهور "أبعاداً درامية واقعية" لم تدركها الأبصار، بين زوايا متكاملة الرؤية لكاميرا واعية، عبر شريط سينمائي يجسده فنانون مدركون لقيمة "القوى الناعمة" فتقمصوا أدوارهم حتى النخاع، بتأدية لقطات تمثيلية معبرة عن "واقع معاش بالفعل"، فأصبحت الصورة السينمائية تجسيداً حقيقياً لشخصيات من لحم ودم، تبارت جميعها لتشكيل "الصورة الكاملة"، وبدايةً من شعار "الوعي والإيمان" الذي أعلنته إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة المصرية، في أول لقطة من فيلم "السرب"، وضحت الرسالة.

على الحدود الغربية المصرية، تظهر طائرتان حربيتان يقودهما ثلاثة من خيرة أبطال الطيران الحربي المصري، جسّد أدوارهم أحمد صلاح حسني، ومحمد فراج، وأحمد فهمي، ينفذون مهمة عسكرية، يستشهدون فيها، بعد مطاردات مع إرهابيين خونة، وتأتي أول جملة لقائد القوات الجوية، في غرفة العمليات بالقاهرة، الفنان شريف منير: "إحنا عمرنا ما بنسيب رجالتنا"، وبالفعل، تتوجه قوات الإنقاذ لطائراتنا المقاتلة، ولكن سهم الله ينفذ ويقدم رجالنا أرواحهم فداء الوطن، وتظهر على الشاشة صور الشهداء الحقيقيين، ويبدأ تتر فيلم "السرب" للمخرج أحمد نادر جلال.

استغرقت العملية السابقة "12" دقيقة من عمر الفيلم، الذي لم يبدأ قصته الأصلية بعد، ولكن مشاهد الجرافيك، والمؤثرات البصرية والصوتية، أعلنت عن نفسها قبيل التتر، ثم يظهر التصوير "المبهر" من طائرة، لتبدأ أولى مشاهد بطل "السرب"، النجم أحمد السقا، يبدو جالساً في "استرخاء" على متن باخرة ضخمة، في عرض البحر، يبرم اتفاقاً لـ "تهريب أشخاص عبر الحدود"، وفجأة تتقافز مشاهد سوداء، في الصحراء، وجوه عابسة تستوقف "7" رجال "أقباط" يتم اقتيادهم لمعسكر تنظيم "داعش" الإرهابي، بمدينة "درنة" في ليبيا، فيظهر أميرهم أبو أسعد الحمراوي الفنان "محمد ممدوح"، ومساعده "العقرب" جناحه العسكري الذي أداه الفنان "دياب" بأعين أشبه بالزجاج من فرط تقمّص دور السفاح، وشقيقته "هند" زوجة الأمير، والتي جسدتها الفنانة نيللي كريم، وهي تدرك جيداً حجم التلاعب باسم الدين، ولكنها تحب زوجها الأمير، ولا مانع من تدخينها لفافات التبغ المحشوة بالمخدرات، لتصبر على واقعها الأليم، بينما تقنع سبايا التنظيم، للرضوخ لرغبات "المجاهدين"!!

وتظهر جماعة "قبطية" من العمال يعيشون مع "عم محمد"، الفنان عمرو عبد الجليل، الذي أضفى روحاً مرحة بخفة ظله، ويستكمل "السقا" دوره كمهرب مواد غذائية للقبائل التي يتزعمها الفنان محمود البزاوي (ضيف الشرف)، وفي المقابل نرى الصحفية الليبية الباحثة عن الحقيقة، والتي جسدتها الأردنية صبا مبارك المتقنة للهجة الليبية، ما أضفى مصداقية جديدة للأحداث، والتي تربطها علاقة صداقة مع "السقا"، ووسط نقلات نوعية بين قيادة المخابرات المصرية والتي جسد الفنان مصطفى فهمي دور "رئيسها" بثبات النجوم الكبار، لبحث سبل إطلاق سراح الرهائن الأقباط مع مساعده الفنان (أمير صلاح الدين)، ويظهر "أول اسم" للفنان أحمد السقا خلال الفيلم، وهو "علي المصري" صاحب شركة الخدمات البترولية، الذي يمارس كافة أشكال التهريب، حتى يلتقي بقائد "داعش" للاتفاق على تهريب "البترول المنهوب" خارج حدود ليبيا، ويحدث لقاء درامي مهم بين الصحفية المناضلة وقائد "داعش" الذي كان يحبها منذ ربع قرن، والذي يصفعها بقوله: "أنا أحيى وأميت"!!

فيلم السرب

ويبرع المخرج في سرد مشاهد متوازية بين اختطاف الأقباط في ليبيا، وجلوس والدة أحدهم في منزلها بالمنيا، صعيد مصر، (الفنانة عارفة عبد الرسول)، تقرأ خطاب ولدها "المغترب"، يطمئنها عليه ويبشرها بـ"عودة قريبة"، وتستعد القيادة السياسية المصرية برفع حالة الطوارئ للبحث عن الرهائن الـ "٢١"، وهنا يفاجأ المشاهدون بالدور الحقيقي الذي يلعبه "السقا"، فهو المقدم "يحيى المصري" ضابط المخابرات المصري الذي يعيش في ليبيا ويقوم بعمليات "سرية" لصالح وطنه، تأتيه إشارة البدء باقتحام معسكر "داعش" لتحرير الرهائن، ولكنه يصل وحده بعد "ترحيلهم"، لبدء تنفيذ المذبحة البشعة التي جرى تصويرها وبثها للعالم.

في هذه النقطة الدرامية الملتهبة، تأتي أوامر الرئيس عبد الفتاح السيسي، لقادة العمليات الحربية ببدء تنفيذ هجوم بالطيران وقصف معاقل الإرهابيين في "درنة"، وتدوّي عبارة قائد الطيران: "العالم كله لازم يعرف إن البلد دي لها أصحاب"، ويتم استدعاء كبار الطيارين (كريم فهمي وآسر ياسين)، مع إصرار الطيار الشاب على نيل شرف المشاركة (أحمد حاتم)، ويباركه قائده (محمود عبد المغني)، وتدوّي من جديد عبارة: "ثقة في الله هتجيبوا حق اخواتكم وترجعوا أبطال وتعرّفوا العالم إن المصريين ولادهم ودمهم وحدودهم خط أحمر"، تنطلق الطائرات المصرية، فجراً، بمساعدة على أرض الواقع من "الضابط يحيى" الذي ينجح في فك أسر الصحفية، واختطاف زوجة الأمير واستدراج "العقرب" لتحديد مكان اختباء الأمير الذي بات "كالفأر المذعور".

ووسط الضربات الجوية المتلاحقة، كأبواب جحيم انفتحت على الإرهابيين السفاحين، يواجه "السقا" الأمير "ممدوح"، بأنسب آية قرآنية: "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً.. "، ولما يعرض الإرهابي صفقة لتهريبه، خشية الموت، تظهر فلسفة المقاتل المصري وهو يقول للإرهابي: "اللي زيك بيخافوا من الموت عشان كده بيهددوا بيه.. لكن اللي زيي بيعزم الموت كل ليلة في بيته ويفضل مستنّيه"، ويحاول الإرهابي الاحتماء خلف زوجته، ثم يقتلها بدم بارد (كعادة كل السفاحين)، وتنتهي المعركة بـ"سحق" وتدمير معقل التنظيم الإرهابي ونجاة الضابط والصحفية الشريفة وصدور بيان القوات المسلحة بالثأر للشهداء، وسط دموع فرحة أهاليهم بعد "القصاص" الذي وعد به الرئيس، فأوفى.

اقرأ أيضاًشريف منير ينشر صورة جديدة من العرض الخاص لفيلم «السرب»

البابا تواضروس الثاني: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر (فيديو)

إيرادات فيلم «السرب» بعد 4 أيام من عرضه

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: فيلم السرب الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية فيلم السرب احمد السقا السرب احمد السقا فيلم السرب ابطال فيلم السرب فيلم السرب السقا فيلم السرب 2024 نجوم فيلم السرب مؤلف فيلم السرب أبطال فيلم السرب قصة فيلم السرب كواليس فيلم السرب

إقرأ أيضاً:

«أرواحٌ ملتهبة».. مقاربة سينمائية للنار والماء والأسطورة

وجدتُ نفسي في تجربة مميزة وثرية داخل حلبة صراع في قرية عُمانية. هكذا أخذتني الرحلة إلى داخل الفيلم القصير «أرواح ملتهبة» للمخرج العُماني يعقوب الخنجري الذي يحكي قصة صراع عائلي صامت ينتهي بمأساة صارخة.

نجد أنفسنا أمام علاقات أسرية غير منسجمة وصراعات داخلية تحدث في مناخٍ قروي بحت. حضور الطبيعة بعناصرها البدائية وحضور النهايات المأساوية للشخصيتين الرئيسيتين مع وجود الصراع الداخلي في الفيلم بين أخوين من نفس الأم، كل هذا يحمل المُشاهد إلى الجذور الأصيلة للدراما: التنافس والكراهية وعناصر الطبيعة القاتلة.

يرسم المخرج على لوحة الفيلم أخوين غير شقيقين في حالة تناقض وصراع؛ سلمان الشاب البالغ من العمر خمسة وعشرين عامًا الذي يعاني من اضطراب عقلي يجعله يتصرف كطفل صغير، وأخيه الأصغر خالد ذي الأعوام العشرة، الذي يبدو من تصرفاته وتعبيرات وجهه الجادّة كأنه أكبر من عمره بكثير. سلمان يقضي معظم وقته في الخارج وسط عناصر الطبيعة المتنوعة للقرية العمانية، بينما خالد يقضيه منعزلا داخل غرفته مغموسا في الألعاب الإلكترونية العنيفة.

الفيلم يعطينا إشارات إلى الخلفية الاجتماعية للشخصيات الرئيسية، فالمشاهد الأولية تشير إلى أن العلاقة بين الزوج وزوجته متوترة دائما، وإلى أن العلاقة بين الزوج والابن الأكبر سلمان هي متوترة أيضا لأنه ابن زوجته من زواجها السابق، بينما الابن الأصغر خالد هو ابن للزوجين من هذا الزواج. الثلث الأول من الفيلم يرسم كل التناقضات الممكنة بين الأخوين وبالتالي يهيّأ المشاهد لتقبّل كل الصراعات التي سوف تأتي.

في قلب الفيلم يكمن صراع معقّد بين الأخوين سلمان وخالد، يمكن تفسيره من خلال عدسة علم التحليل النفسي. سلمان، بشخصيته الطفولية، يعاني من صعوبة في التكيف مع الواقع ومع مجتمع البالغين الصّارم مما يجعله هدفًا للسخرية والأذى من الآخرين. مع الإشارات في الفيلم إلى أن سلمان تربّى داخل بيت زوج الأم فإننا نشعر أن نموه العاطفي والعقلي لم يكتمل بشكل طبيعي وكأنما هو مقيّد إلى طفولة لم تكتمل كما ينبغي. من ناحية أخرى، خالد يُظهر انفصالًا عن الواقع من خلال انغماسه في الألعاب العنيفة، مما يعكس رغبته في الهروب من واقع الحياة المعقدة ويمارس إسقاطا نفسيا لعدوانه الداخلي على شخصيات افتراضية في الشّاشة المضيئة. الصراع بين الأخوين تتم الإشارة إليه من خلال خيط سرد رفيع يكاد لا يُرى.

المشهد الذي يفتح عيني المشاهد على وجود هذا الصراع هو مشهد يحدث على أرض الحقل أو المزرعة بجوار فزاعة الطيور، الشاهدة الأيقونية على هذا الصراع.

يتعارك سلمان مع أخيه خالد على أرض الحقل ثم نعرف لاحقا أن السبب هو أن خالد قد وضع ملابس سلمان على الفزّاعة ثم أخذ يرميها بالحجارة في إشارة تقليدية إلى الرغبة في الانتقام والقتل الجسدي مرموزا له بالدمية.

أعتقد أن المشهد يخدم الرمزية المعبرة عن كلا الشخصيتين، فمن ناحية هو عملية إزاحة نفسية يمارسها خالد تجاه أخيه، فهو يرجم الفزاعة بعد أن ألبسها ملابس أخيه، إنه أقصى اقتراب له من إيذاء أخيه. ومن ناحية أخرى فإن الفزّاعة تخدم رمزية سلمان من منطلق كونها تتشابه مع مفهوم الأنا في التحليل النفسي حيث إن مهمة الأنا هي حراسة الذّات من العالم الخارجي ومن رغباتها البدائية الداخلية في الوقت نفسه. من ناحية العالم الخارجي فإن مشهد رجم الفزّاعة يشير إلى الخطر الداهم على شخصية سلمان خارجيا التي يبدو أن الأنا فيها معطوب ولا يقوى على صد أية هجمات اجتماعية ضد الذات والتي تتمثّل في تعرضه للسخرية اللفظية. ومن الناحية الداخلية فإن الأنا الخاص بسلمان يفشل في صدّ رغباته هو نفسه. الأنا يعمل كحارس للذات من «الهو» أي الرغبات البدائية في الأعماق. هذا الجزء يظهر في مشهد تالٍ حيث يمر شباب في سيارتهم بسلمان ويدعونه لمرافقتهم في رحلة تخييمية وهو يرفض ثم يوافق حين يعدونه بتناول اللحم المشوي (المشاكيك) في الرحلة. يمكننا قراءة شهوانية سلمان للحم المشوي كتعبير عن رغبات بدائية مكبوتة يفشل الأنا في كبح جماحها فتؤدي إلى تدميره لأن سلمان سوف يرافقهم من أجل تذوق اللحم المشويّ وهناك سيلقى حتفه بسقوطه في بحيرة مائية.

يظهر خالد عدوانه المكبوت تجاه الآخرين كطريقة لتجنب مواجهة مشاعره الحقيقية تجاه سلمان والوضع الأسريّ المعقد. في المقابل، يمثل هروب سلمان من الرجال الأشرار الذين يسخرون منه في مشاهد الرحلة التخييمية محاولته للفرار من واقع حياته القاسي، وهو ما يؤدي في النهاية إلى موته المأساوي.

يستثمر الفيلم عناصر الطبيعة كرموز تعكس الصراعات الداخلية للشخصيات. النار والماء يؤديان دورًا محوريًّا في تصوير هذا الصراع. سلمان يلقى حتفه غريقا في الماء وخالد محترقا في النار. تمثل النار غضب خالد المشتعل وتدميريته لذاته، وهو ما يتجلى في مشهد موته في الحريق أثناء محاولته إيذاء زملائه الأطفال. النار هنا ترمز إلى الغضب الداخلي والدمار الذاتي، مما يعكس المسار التدميري الذي سلكه خالد. في المقابل، يمثل الماء براءة سلمان وأعماقه اللاواعية التي يغرق فيها. إنه يذهب إلى البدايات التي لم يغادرها أبدا (يتصرف ويتكلم كالأطفال طوال الفيلم). مشهد غرق سلمان في البحيرة يرمز إلى عودته إلى حالة بدائية، حيث يمكن اعتبار الماء رمزًا للاوعي والتحرر من العذاب الخارجي وعودة إلى الطفولة التي لم يغادرها تماما. يستخدم الفيلم هذه العناصر الطبيعية لتعميق فهمنا للصراعات النفسية التي تعصف بالشخصيات، مما يضفي على القصة بُعدًا رمزيًّا يثري هذه التجربة السينمائية.

الملحوظات التي يمكن ذكرها والتي قللت من قدرة الفيلم على إكمال دائرة النجاح هي أن رمزية عناصر الطبيعة كانت تتطلب استثمارها في مشاهد أكثر مما قدم الفيلم. فرغم أن الفيلم ينجح في تكثيف هذا الرمز عبر النهاية المأساوية لسلمان إلا أنه لم يمهّد لهذه النهاية عبر مشاهد أولية، وأعني أنه كان يمكن أن يزيد من مشاهد يظهر فيها الفلج مثلا على اعتباره عنصرا أصيلا في ملامح القرية العمانية وكذلك رمزا للماء ورمزا لجهد الإنسان في تطويع الطبيعة.

وأعتقد أيضا أن الصيغة السّردية التي استخدمها الفيلم حول علاقة الابن الأصغر خالد بالألعاب الإلكترونية العنيفة قد وضعت هذه العلاقة سببًا للعنف بينما أعتقد أن إعادة ترتيب هذه المشاهد مع بثّ خيوط سردية في البدايات سوف تحول انطباع المشاهد لاعتبار هذا العنف مع الألعاب نتيجةً وليس سببا، وأعتقد أن ذلك أعمقُ سيكولوجيّا وثقافيّا.

في الختام، يقدم هذا الفيلم القصير رؤيته عن الصراعات النفسية الخافتة عبر استخدام عناصر الطبيعة كرموز للصراعات الداخلية وكذلك عبر رؤية بصرية اجتهدت كثيرا لتذهب داخل أرجاء القرية بما تمثله من كثافة للمشاعر المكبوتة والرغبات السرية التي قد تنتهي إلى مأساة.

أعتقد أن طاقم العمل يستحق إشادة كبيرة لمحاولته خلق سياق سينمائي محلي يمكن أن تنشأ من خلاله أعمال قادمة تثري الساحة السينمائية المحلية والعربية.

عبدالله خليفة عبدالله كاتب وقاص عماني

مقالات مشابهة

  • عضو بـ«الشيوخ»: «30 يونيو» ملحمة وطنية أنهت مشروع أخونة الدولة ومخططات هدمها
  • والي الخرطوم :الفنان أبو عركي رمزللصمود وحب الوطن
  • عبد الظاهر السقا: هذا الفريق الأقرب للتتويج بالدوري.. والأهلي والزمالك يتعاملان معاملة خاصة
  • «وحدة الوطن وبناء الجمهورية الجديدة».. جامعة الإسكندرية تحتفل بذكرى 30 يونيو
  • أحمد فهمي يوجه رسالة لـ أحمد السقا: لولا وجوده مكنتش هبقى موجود في الفن
  • 4 أفلام.. ليلة سينمائية لملتقى ميدفست في المنصورة
  • «أرواحٌ ملتهبة».. مقاربة سينمائية للنار والماء والأسطورة
  • أحمد السقا يحتفل بعيد ميلاد زوجته مها الصغير بهذه الكلمات «صورة»
  • بهذه الطريقة.. أحمد السقا يحتفل بعيد ميلاد زوجته
  • فاينانشيال تايمز: داعش تعود لساحة الإرهاب العالمية وتمثل تهديدًا لا ينتهي