صحيفة الخليج:
2024-12-22@21:15:03 GMT

مزرعة الصالحية في رأس الخيمة

تاريخ النشر: 6th, May 2024 GMT

مزرعة الصالحية في رأس الخيمة

في فترة الحرب العالمية الثانية (1939م-1945م)، كان والدي قد اختار أرضاً بين السهل، الذي يطلق عليه سيح، حيث تسيح مياه الأمطار، ورمال الخران برأس الخيمة، وأطلق والدي على تلك الأرض: الصالحية، وقام بزراعتها قمحاً على الأمطار.

في عام 1947م، كنا نسكن في منطقة الخران، وفي أعلى بقعة فيه، ونطلّ على السهول وخور رأس الخيمة، كان والدي يأخذنا إلى مزرعة الصالحية، ومعنا حشد من الصبية يحمل كل واحد منا بيده مقلاعاً، ويضع في ثنية ثوبه عدداً من الأحجار، وبتلك المقاليع يرمي الصبْية تلك الأحجار لطرد العصافير من بين سنابل القمح.

في عام 1962م، زار المدرسة الصناعية، مهندس زراعي إنجليزي أُحضر من قبل مجلس التطوير الذي أسسه الإنجليز، وأعضاؤه من جميع حكام الإمارات، لتطوير الزراعة ومساعدة المزارعين، حيث أنشأ ذلك المهندس مركزاً زراعياً في منطقة الدقداقة برأس الخيمة.

كانت المدرسة الصناعية بالشارقة تابعة لمجلس التطوير، وكنت نائباً عن مدير المدرسة الذي كان غائباً في زيارة إلى لندن، دار بيني وبين المهندس الزراعي الإنجليزي حديث مطوّل عن الزراعة، حيث ذكر أن كميات كبيرة من بذور الخضراوات المحسّنة قد وصلت إلى المركز الزراعي بالدقداقة برأس الخيمة، وسألني إذا كنت أملك مزرعة، فإنه على استعداد لمساعدتي شخصياً.

كان جوابي بأنني سأقوم بإنشاء مزرعة للخضار، وأنني سأتصل من هناك بالمركز، وذكرت له أن والدي يملك أرضاً كبيرة قد قام بزراعتها بالقمح في فترة الحرب العالمية الثانية، وهي قريبة من المركز الزراعي بالدقداقة برأس الخيمة.

بعد ذلك اللقاء، ذهبت إلى والدي وأخبرته بأني سأقوم بإنشاء مزرعة للخضراوات، وطلبت منه أن يمنحني أرض مزرعة القمح بالصالحية، فوافق على ذلك، فباشرت بتأسيس مزرعة الصالحية لإنتاج الخضراوات، في عام 1962م.

من مزرعة الصالحية، ذهبت إلى مركز الدقداقة الزراعي، وهناك قابلت شاباً، وعندما حدقت في وجهه قلت: محمد بن مسعود؟

قال: نعم، وأضاف: من؟ سلطان؟

قلت: نعم.

قال محمد بن مسعود: كم سنة مرت منذ افترقنا؟

حسبتها وإذا هي خمس عشرة سنة.

كان محمد بن مسعود الجريدي، من قوم بن ضاوي، واحداً من الصبْية الذين كانوا يحملون المقاليع.

كان محمد بن مسعود، وقريب له، وآخر من قبيلة زعاب يسكن أهله في منطقة الخران، فقد كنا نلتقي كل يوم من الصباح إلى المساء، نأكل السحالي والجرابيع والطيور التي كنت أصطادها بنشابة صنعتها بيدي.

أما محمد بن مسعود، فكان يأوي إلى عمّتيه شقروه وحمروه، الساكنتين في خيام من شعر بالقرب من بيتنا.

طلبت من محمد بن مسعود أن أقابل الإنجليزي.

فقال: تقصد الخبير الزراعي؟

فقلت: نعم.

فأوصلني إليه.

كان المهندس الزراعي الإنجليزي، قد زودني بالبذور المحسّنة للخضراوات، وقد شرح لي كثيراً من علم الزراعة، حتى أصبح إنتاج مزرعتي مرغوباً في أسواق الشارقة.

في ذات يوم أخذت معي إلى مزرعتي صديقاً لي إنجليزي الجنسية، وهو من المقيمين في القاعدة البريطانية، وكنت تعرفت إليه في ملاعب كرة القدم، حيث كان يلعب في فريق سلاح الجو البريطاني، وأنا كنت ألعب في فريق القاعدة البريطانية.

في مزرعتي، كان صديقي الإنجليزي قد انكبّ على شجيرة فلفل رومي، فأخذت أناديه وأحذره، فما وجدته إلّا وهو مسرعٌ ناحية حوض المياه في وسط المزرعة، ولحقته هناك، فإذا به قد غطس فمه في ماء ذلك الحوض، ويرفعه، ويصيح: في بلادنا هذا بارد، ثم يغطس فمه ويرفعه، ويصيح: ما الذي حدث؟

قلت له: هذه النباتات المحسّنة.

فأجاب: هذه النباتات المضرة.

وفعلاً، قد تبيّن أن معظم النباتات التي تدخّل الإنسان باللعب في جيناتها أصبحت مضرة.

في إحدى زياراتي لمزرعة الصالحية، نمت ليلتها في خيمة من سعف النخيل، وكان فراش النوم على أرضية الخيمة. وعند الفجر صحوت على فحيح أفعى تحت المخدة التي وضعت خدي عليها، وعندما رفعت المخدة، رويداً، رويداً، لتنكشف عن أفعى، ملتوية حول بيضة لها.

أرجعت المخدة إلى ما كانت عليه، وأسرعت إلى خارج الخيمة، أبحث عن صخرة، أضرب بها تلك الحية.

أحضرت معي صخرة مبططة، وكشفت عن الحية ومباشرة أنزلت تلك الصخرة على الحية وبيضتها، فقضيت عليها وعلى بيضتها.

في صباح ذلك اليوم غزا الجراد المزارع المجاورة واتجه نحو مزرعة الصالحية، وبينما كنت أستعد للسفر إلى الشارقة فإذا بحنشٍ طويل، يتلوى، وينُط نحوي. فقلت في نفسي: لقد جاء لينتقم لزوجته وابنه الذي لم يفقس بعد.

لكن ذلك الحنش كان يطارد الجراد، المتجه ناحية سيارتي. بحثت تحت السيارة عن ذلك الحنش فلم أجده، فهل دخل إلى محرك السيارة؟، بالتأكيد سيموت من الحرارة.

انطلقت بسيارتي متجهاً إلى الشارقة، فعاودتني الوساوس، وأخذت أبحث فيما حولي عن ثقب دخل من خلاله الحنش ليأتي إليّ. فلم أعثر على أية فتحة قد دخل من خلالها الحنش، ليصل إليّ للانتقام.

كنت حينها لابساً قميصاً وإزاراً، وإذا بي أحس بدبيب بين فخذي والإزار، فقلت: هو ذاك الحنش!!!

فما كان مني إلّا أن فككت ربطة الإزار على وسطي وانسلخت منه، لأرتفع إلى سقف السيارة، واضعاً اليدين على مقود السيارة، والقدمين على قمة المقعد، والسيارة منطلقة.

مرت بجانب سيارتي سيارة أخرى وإذا بهم يصيحون: سيارة تمشي بلا بشر!!!

توقفت سيارتي من نفسها وأسرع من كان بالسيارة المارة بسيارتي، إلى سيارتي مستغربين المشهد. فوجدوا شخصاً – وهو أنا – ملتصقاً بسقف السيارة.

فقلت لهم: افتحوا باب السيارة، وستجدون إزاراً به حنش، اسحبوا الإزار.

ما إن ألقوا بالإزار على الأرض، وإذا بهم وأنا كذلك، نشاهد جرادة تمشي الهوينا خارجة من الإزار.

قلت: أعطوني إزاري لأستتر به.

بعد مزرعة الصالحية، أكملت دراستي لأدخل كلية الزراعة بجامعة القاهرة، لأتخرج منها، مهندساً زراعياً.

الدكتور سلطان بن محمد القاسمي

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات برأس الخیمة

إقرأ أيضاً:

بحوث الاقتصاد الزراعي ينظم برنامج تدريبي بالمنيا

نظم معهد بحوث الاقتصاد الزراعي بمقر الوحدة البحثية بمحافظة المنيا دورة تدريبية عن  "المردود الاقتصادي والبيئي لتدوير المخلفات الزراعية في محافظة المنيا" تحت إشراف الدكتور عبدالوكيل محمد ابوطالب القائم بأعمال مدير معهد بحوث الاقتصاد الزراعي. 
فيتميز الإنتاج الزراعي بكثرة المنتجات الثانوية، والتي قد تعتبر عبئاً ثقيلا على البيئة في حالة التخلص غير السليم مما يعكس إهدار عنصر إنتاجي ثمين يتوفر في الأراضي الزراعية قد يساهم في زيادة خصوبة التربة والدخول في صناعات جديدة إذا أحسن استخدامه. 
وقد توصلت الدورة الى العديد من المقترحات والحلول لمواجهة تلك التحديات أهمها تعزيز الوعي البيئي من خلال نشر ثقافة إعادة تدوير المخلفات الزراعية في المجتمع، وإقامة حملات توعية على مستوى المجتمعات الزراعية لتوضيح الفوائد البيئية والاقتصادية. 
و تحفيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال دعم المشاركين لإنشاء مشاريع صغيرة لإعادة تدوير المخلفات الزراعية، وتقديم نماذج ناجحة يمكن تطبيقها في السياقات المحلية.
و  توفير الدعم المادي والفني من خلال توفير قروض ميسرة لبدء مشاريع إعادة التدوير، وإقامة شراكات مع الجهات الحكومية والمنظمات غير الحكومية  .
كما نظم المعهد بمقر الوحدة البحثية بمحافظة كفر الشيخ دورة  تدريبية عن "التحليل الاحصائي وإدخال البيانات باستخدام البرامج الإحصائية" وتناولت تفريغ البيانات الاولية علي الحاسب الآلي، والتقنيات الحديثة باستخدام البرامج الإحصائية، واستخدام نموذج الجاذبية في التجارة الخارجية، واستخدام برنامج excel في التحليل الاحصائي، والتنبؤ باستخدام برنامج MINITAB، والميزانية الجزئية كأحد المعايير الاقتصادية لتقييم أثر التكنولوجيا، ومصفوفة السياسات الزراعية، والتحليل الإحصائي والتنبؤ باستخدام النماذج الديناميكية.
يأتى ذلك  في ضوء الأنشطة التدريبية والارشادية لمعهد بحوث الاقتصاد الزراعي التابع لمركز البحوث الزراعية دورتين،تدريبيتين تهتم بمواجهة بعض التحديات التي تواجه القطاع الزراعي، ورفع كفاءة ومهارة الباحثين والعاملين والمهتمين بهذا القطاع الرئيسي في المقتصد القومي.
وفى ضوء توجيهات علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، بضرورة الوقوف على التحديات التي تواجه القطاع الزراعي المصري ومواجهتها وايجاد حلول لها، وتحت رعاية الدكتور عادل عبدالعظيم رئيس مركز البحوث الزراعية.

مقالات مشابهة

  • حكام الشارقة ورأس الخيمة يهنئون أمير الكويت بالذكرى الأولى لتوليه مقاليد الحكم
  • حاكما الشارقة ورأس الخيمة يهنئان أمير الكويت بالذكرى الأولى لتوليه مقاليد الحكم
  • حاكما الشارقة ورأس الخيمة يهنئان أمير الكويت بذكرى توليه الحكم
  • إيران تنفي استقالة رئيسها مسعود بزشكيان
  • جيهان مسعود سكرتير عامًا وأحمد حبيب مساعدًا لمحافظة الإسكندرية
  • وزير الزراعة يبحث مع سفير سنغافورة سبل التعاون الزراعي المشترك
  • سخر مقهاه لعقد إجتماعات قادة الثورة الجزائرية.. وفاة المقاوم التونسي مسعود بن جمعة
  • الزراعة: مزرعة نموذجية للسلالات المتميزة من الأغنام والماعز والتوسع في زراعات الزيتون
  • إلغاء ندوة السدير مسعود بمهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير
  • بحوث الاقتصاد الزراعي ينظم برنامج تدريبي بالمنيا