لجريدة عمان:
2025-04-08@01:18:36 GMT

ما الذي يقود الاندفاع العالمي نحو الذهب؟

تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT

عاد الذهب في الآونة الأخيرة إلى النظام النقدي الدولي. فقبل أكثر من خمسين عامًا، أغلق الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون «نافذة التعامل بالذهب» (حيث أنهى قابلية تحويل الدولار بسعر الفائدة الثابت إلى ذهب)، وابتعد العالم عن هوسه بالمعادن الثمينة. لقد بدأ عصر جديد من العملات الورقية. ولكن الآن، تواجه النقود الورقية تحديات بسبب المخاوف المالية والتكنولوجيا الجديدة (تقنيات البلوكتشين)، وقد وصل سعر الذهب إلى أعلى مستوياته على الإطلاق بما يتجاوز 2400 دولار للأونصة.

وبطبيعة الحال، يجادل مؤيدو معيار الذهب بأن المعدن يظل أصلا استثماريًّا مثاليًا للحفاظ على قيمته على المدى الطويل. ومع ذلك، فمن الخطأ الاعتقاد بأن الذهب مُستقر بشكل فريد. بل على العكس من ذلك، تعكس ديناميكيات أسعاره منحنى خلاف حاد، حيث يشير ارتفاع سعره إلى الاطمئنان في عالم تتعرض فيه القيم الأخرى للخطر.

وقد انخفض سعر الذهب في التسعينيات مع انتهاء الحرب الباردة -وإعلان «نهاية التاريخ»- مما أدى إلى شعور جديد بالسلام والاستقرار. ومع مطلع الألفية الجديدة، لم يتجاوز سعر الذهب 300 دولار للأونصة، وكان ارتفاع قيمته منذ السبعينيات أقل من المعدل العام للتضخم. ومع ذلك، بعد الأزمة المالية عام 2008 وتفشي جائحة كوفيد 19، ارتفعت أسعار الذهب بشكل حاد؛ وقد حدث ذلك مرة أخرى هذا العام.

يعود جزء كبير من الطلب المتزايد على الذهب إلى البنوك المركزية. فالصين، التي كانت تمتلك احتياطيات صغيرة نسبيًا من الذهب تبلغ 395 طنًّا في عام 2000، أصبح لديها الآن 2260 طنًّا. والجدير بالذكر أنها زادت مخزونها من الذهب بشكل كبير في عامي 2009 و2015، التي كانت سنوات فاصلة بالنسبة لعالم أصبح أكثر تشككًا بشأن العولمة.

كما بدأت روسيا وتركيا أيضًا في بناء مخزونات ضخمة بعد عام 2015، ويتجلى الاتجاه نفسه مؤخرًا في الاتحاد الأوروبي، حيث تعمل كل من جمهورية التشيك وبولندا على تعزيز احتياطياتهما. تقع المخاوف الأمنية في صميم سياسات الذهب الجديدة. فعندما انضمت جمهورية التشيك إلى حلف شمال الأطلسي في مارس عام 1999، باعت على الفور كامل مخزونها من الذهب تقريبًا. لم يكن من الممكن أن تكون الرسالة أكثر وضوحًا: فالضمانة الأمنية الجديرة بالثقة تغني عن الحاجة إلى الدفاع النقدي. ومع ذلك، في الربع الأخير من عام 2023، اشترى البنك الوطني التشيكي 19 طنًّا، وقد أشار إلى نيته في رفع هذا الرقم إلى 100 طن. والرسالة هذه المرة واضحة بالمثل: عضوية حلف شمال الأطلسي ليست كافية. وفي ظل قربها من روسيا، أوضحت بولندا أيضًا دوافعها، حيث يضم مبنى البنك المركزي حاليًّا ملصقًا ضخمًا يعلن أنه يحتوي على 360 طنًّا من الذهب.

إن ارتباط الذهب بالأمن له أسس تاريخية عميقة في بولندا، حيث كان أساسيًّا للفكرة الأصلية لإقامة الدولة. وعندما أعيد تأسيس بولندا بعد الحرب العالمية الأولى -في أعقاب تدمير الإمبراطوريات النمساوية والألمانية والروسية- اتخذت عملتها الجديدة الاسم البولندي الذي يعني «ذهبي» (عملة زلوتي البولندية). وفي سبتمبر عام 1939، أجرت بولندا عملية مثيرة لإرسال ذهبها إلى فرنسا، عن طريق رومانيا وتركيا ولبنان. وقد بعث ذلك برسالة مفادها أن بولندا لا تزال موجودة، على الرغم من الغزو الألماني. ومع ذلك، تمثل الاستخدام الأبرز للذهب كمصدر للاستقرار في التجربة السوفييتية في عام 1922. فقد أصدرت الدولة بأمر من الزعيم البلشفي البولندي البارز فيليكس دزيرجينسكي، رئيس الشرطة السرية، الشيرفونيت (عملات معدنية من «الذهب الأحمر») لمنع التضخم.

عندما ظهر معيار الذهب كأساس للنظام النقدي في أوائل سبعينيات القرن التاسع عشر، كان ذلك إيذانا ببدء نظام سياسي دولي جديد. وكانت الدول تلو الأخرى -بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا- راغبة في تثبيت استقرار عملتها في أعقاب الحروب الأهلية المُدمرة. وفي الوقت نفسه، عرف المعيار النقدي السابق «الفضة» تراجعًا ملحوظًا في أعقاب هزيمة فرنسا في الحرب الفرنسية البروسية. كان الفرنسيون يديرون سابقًا نظامًا نقديًّا مشتركًا من الذهب والفضة، لكنهم اضطروا إلى دفع فاتورة تعويضات ضخمة بالعملات الفضية. ونتيجة لذلك، غمرت الفضة السوق وانهار سعرها. ولم يتبق سوى الذهب.

قد يُشكل التخلي عن نظام العملة الفضية الموازي في سبعينيات القرن التاسع عشر سابقة لعالم عام 2024. ففي نهاية المطاف، هناك تكهنات متفشية حول التخلي الوشيك عن الدولار، وهو ما سيشكل المعادل الحديث لإلغاء تداول الفضة. منذ عام 2020، واجهت حكومة الولايات المتحدة عجزًا ماليًّا كبيرًا، والآن يتعين على المرء النظر في الخطر المتمثل في محاولة إدارة ترامب الجديدة خفض قيمة الدولار من أجل القضاء على المنافسين الأجانب وإيجاد المزيد من الوظائف الأمريكية.

علاوة على ذلك، يتعين علينا أيضًا أن نشعر بالقلق إزاء استقرار النظام المالي، فضلاً عن الجهود التي يبذلها المنافسون الأمريكيون لاستبدال الدولار. وبالتالي، يُعد البحث عن استقرار الذهب استجابة لعالم متقلب. يعكس هذا الأمر اعتقادًا متزايدًا بصعود نظام سياسي جديد. يسعى بنك التنمية الجديد (أو «بنك مجموعة البريكس») ومقره شنغهاي بفعالية إلى إيجاد بديل للدولار في شكل عملة اصطناعية، وتحاول المزيد من الدول الانضمام إلى مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، بالإضافة إلى مصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة).

تعتبر هذه الدول الدولار اليوم معادلا للفضة في أواخر القرن التاسع عشر -قوة نقدية مُهيمنة قديمة- قبل قرن من الزمان، بينما كان العالم يعود إلى التعامل بالذهب بعد الحرب العالمية الأولى، وصف جون ماينارد كينز المعدن بأنه «أثر بدائي»؛ لأنه كان العملة التي يدور حولها الصراع. عندما يعود الاستقرار السياسي، سينخفض سعر الذهب. وفي غضون ذلك، ستكون الحكومات والبنوك المركزية التي استثمرت في الذهب قد اشترت لنفسها وسيلة للتحوط في عالم غير آمن.

هارولد جيمس أستاذ التاريخ والشؤون الدولية في جامعة برينستون. وهو متخصص في تاريخ الاقتصاد الألماني والعولمة، وهو مؤلف مشارك لكتاب «اليورو» ومعركة الأفكار، ومؤلف كتاب «إنشاء وتدمير القيمة: دورة العولمة».

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ا من الذهب سعر الذهب ومع ذلک نظام ا

إقرأ أيضاً:

الذهب يقفز بفعل الدولار الموازي.. الفارق مع السعر العالمي يصل لـ60 جنيهًا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

شهدت أسعار الذهب بالأسواق المحلية حالة من الاستقرار خلال تعاملات اليوم السبت، تزامنًا مع العطلة الأسبوعية للبورصة العالمية، بعد أن شهدت الأوقية تقلبات حادة خلال تعاملات الأسبوع، متخلية عن المكاسب التي حققتها، بفعل توجه المستثمرين للبيع لتغطية خسائرهم من انهيار سوق الأسهم، حيث أدت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب إلى زعزعة استقرار التجارة العالمية، وتزايد مخاوف الركود الاقتصادي، وفقًا لتقرير آي صاغة.
قال سعيد إمبابي خبير أسواق المعادن النفيسة، إن أسعار الذهب شهدت حالة من الاستقرار خلال تعاملات اليوم، ومقارنة بختام تعاملات أمس، حيث استقر سعر جرام الذهب عيار 21 مستوى 4375 جنيهًا، في حين اختتمت الأوقية تعاملات الأسبوع على تراجع بنسبة 1.5%، وبنحو 47 دولارًا، لتسجل 3038 دولارًا، بعد أن لامست أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 3168 دولارًا في تعاملات يوم الخميس 3 أبريل الجاري، منهيةً بذلك سلسلة مكاسب استمرت خمسة أسابيع، كما انخفض المعدن النفيس بنحو 4.2% عن أعلى مستوياته التاريخية التي سجلها الخميس الماضي.
وأضاف، إمبابي، أن جرام الذهب عيار 24 سجل 5000 جنيه، وجرام الذهب عيار 18 سجل 3750 جنيهًا، فيمَا سجل جرام الذهب عيار 14 نحو 2917 جنيهًا، وسجل الجنيه الذهب نحو 35000 جنيه.
فقد تراجعت أسعار الذهب بالأسواق المحلية بنحو 50 جنيهًا خلال تعاملات أمس الجمعة، حيث افتتح سعر جرام الذهب عيار 21 التعاملات عند مستوى 4425 جنيهًا، واختتم التعاملات عند 4375 جنيهًا، في حين تراجعت الأوقية بالبورصة العالمية، بقيمة 98 دولارًا ، حيث افتتحت التعاملات عند مستوى 3135 دولارًا، واختتمت التعاملات عند 3037 دولارًا.
أوضح إمبابي، الاضطرابات بالأسواق العالمية، دفعت تجار الذهب الخام بالسوق المحلي لتسعير الذهب على سعر دولار موزاي، حيث يتداول الجرام بأعلى من البورصة العالمية بنحو 61 جنيهًا، وذلك بغرض تفادي التقلبات الحادة بالأسواق.
وسجل سعر الدولار ف البنك المركزي نحو 50.58 جنيه، في حين سجل سعر دولار الصاغة نحو 51.20 جنيه.
أضاف، أن أسعار الذهب خلال الشهور الماضية كانت تحتسب على سعر دولار أقل من السعر الرسمي، نتيجة تراجع الطلب وتوجه السوق المحلي للتصدير لتوفير السيولة جراء عمليات إعادة البيع المكثفة.
لفت، إمبابي، أن الوقت الحالي  مثالي لإعاد البيع، للاستفادة من فرق الفجوة السعرية بين المحلي والعالمي، ولا ينصح بالشراء وسط موجات الارتفاعات والانخفاضات لحين استقرار الأسعار.
وارتفعت أسعار الذهب بالأسواق المحلية بنسبة 18 %، وبقيمة 680 جنيهًا خلال تعاملات الربع الأول من عام 2025، في حين ارتفعت بالبورصة العالمية بنسبة 19 % وبقيمة 502 دولارات، كما سجل الذهب أفضل أداء ربع سنوي له منذ 39 عامًا.
أشار إلى أن التصعيد الأخير في التوترات التجارية العالمية، مدفوعًا بالرسوم الجمركية الشاملة التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أدى إلى زعزعة استقرار التجارة العالمية، وهدد بإحداث ركود اقتصادي عالمي.
أضاف أن الذهب لا يزل قادرًا على أداء دوره كوسيلة للتحوط، فعلى الرغم من من تراجعه الأسبوعي، إلا أنه لا يزال يتفوق على أداء أسواق الأسهم.
في حين حذر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، أمس الجمعة، من أن التضخم قد يشهد ارتفاعًا جديدًا بسبب التعريفات الجمركية الواسعة التي فرضها الرئيس دونالد ترامب، مشيراً إلى احتمال بقائه عند مستويات مرتفعة لفترة ممتدة.
وقال باول في تصريحات صحفية نواجه آفاقًا اقتصادية غير مؤكدة للغاية، مع مخاطر مرتفعة تتعلق بزيادة معدلات البطالة والتضخم، وبينما يُرجَّح أن تؤدي التعريفات إلى ارتفاع مؤقت في التضخم، فمن الممكن أيضاً أن تستمر آثارها لفترة أطول.
أوضح، إمبابي، أن الرسوم الجمركية الأمريكية، والحرب التجارية المتنامية التي أشعلتها، أدت إلى أكبر اضطراب في سلسلة التوريد العالمية منذ أن اضطر العالم إلى الإغلاق بسبب جائحة كوفيد-19، كما تمثل أكبر اضطراب للتجارة العالمية منذ 100 عام.
أضاف، أن أسواق الأسهم شهدت تراجعات حادة، وسط اضطرار المستثمرين تقليص استثماراتهم في مواجهة تباطؤ النشاط الاقتصادي وارتفاع التضخم.
أشار، إلى أن العوامل التي دفعت أسعار الذهب لتجاوز مستوى 3000 دولار للأوقية لا تزال قائمة، فحالة عدم اليقين مستمرة، والحروب التجارية، وسياسات البنوك المركزية، والمخاطر الجيوسياسية كلها عوامل داعمة، كما أن ضعف أسواق الأسهم الأمريكية سيدعم أيضًا الذهب كأداة تحوط مهمة لتجنب المخاطر.
واستثنى دونالد ترامب المعادن الثمينة من الرسوم الجمركية، مما جعل المخزونات المتزايدة في خزائن نيويورك غير ضرورية، وبلغت مخزونات الذهب في بورصة كومكس بمقدار 720 طنًا منذ بداية العام، ومن المرجح أن يتوقف هذا الطلب الإضافي الآن، أو على الأقل سينخفض بشكل ملحوظ في المستقبل.
في حين كشف تقرير الوظائف غير الزراعية، إضافة 228 ألف وظيفة جديدة في مارس، وارتفع معدل البطالة إلى 4.2%، في الوقت نفسه، يثير فرض رسوم جمركية جديدة مخاوف بشأن تباطؤ النشاط الصناعي وانقطاعات سلاسل التوريد، مما يُدخل تقلبات جديدة في أسعار السلع. 
أضاف، إمبابي، أن قوة سوق العمل القوي تشير إلى أن الاحتياطي الفيدرالي قد لا يخفض أسعار الفائدة فورًا، ولكنه لن يلجأ إلى سياسة التشديد النقدي، إن هذا الموقف المعتدل سيضع الذهب في مسار آمن على المدى المتوسط.
وفي سياق متصل، تترقب الأسواق خلال الأسبوع الجاري بيانات محضر اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة للسياسة النقدية لشهر مارس يوم الأربعاء المقبل، ومؤشر أسعار المستهلك الأمريكي يوم الخميس، ومؤشر أسعار المنتجين الأمريكي يوم الجمعة.

مقالات مشابهة

  • أسعار الذهب اليوم في مصر بعد التراجع العالمي بنحو 75 دولارًا
  • اللهم نصرك الذي وعدت ورحمتك التي بها اتصفت
  • الذهب والفضة ينخفضان مع تصاعد الحرب التجارية التي أعلنها ترامب
  • أسعار الذهب في مصر تواصل التراجع رغم الصعود العالمي.. وطلب متزايد على الفضة للتحوط
  • المجلس العالمي للذهب:انخفاض الاحتياطي العراقي من الذهب
  • بولندا تنشر طائرات في مجالها الجوي بعد غارات روسية على أوكرانيا
  • جولد بيليون: انخفاض الذهب العالمي 1.5 % خلال الأسبوع الماضي
  • جولد بيليون: انخفاض الذهب العالمي 1.5% خلال الأسبوع الماضي
  • الذهب يقفز بفعل الدولار الموازي.. الفارق مع السعر العالمي يصل لـ60 جنيهًا
  • انخفاض الذهب العالمي 1.5% خلال الأسبوع الماضي