ملامح التنافس الاستراتيجي للولايات المتحدة مع الصين
تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT
ترجمة ـ قاسم مكي -
دشَّنت الولايات المتحدة تنافسا استراتيجيا شاملا مع الصين في ديسمبر 2017 عندما طرحت إدارة دونالد ترامب استراتيجيتها الخاصة بها للأمن القومي. منذ ذلك التاريخ استمر التنافس الاستراتيجي للولايات المتحدة لأكثر من ست سنوات مع استلام إدارة بايدن الراية من سابقتها.
إذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء سنجد أن الرئيس الأمريكي السابق ترامب وهو سياسي معادٍ لمؤسسة السياسة التقليدية دشن التنافس الاستراتيجي بطريقة «عنيفة» أما الرئيس بايدن السياسي المنحاز لهذه المؤسسة فظل يُحَدِّث ويُعَقْلِن الاستراتيجيات التنافسية الأمريكية ضد الصين منذ توليه الحكم في عام 2021.
في أكتوبر 2022 كشفت إدارة بايدن عن أول استراتيجية أمن قومي رسمية لها جاء فيها أن «جمهورية الصين الشعبية هي المنافس الوحيد الذي لديه النية لإعادة تشكيل النظام العالمي وأيضا القوة المتزايدة باطراد اقتصاديا ودبلوماسيا وعسكريا وتقنيا للقيام بذلك. ... في المنافسة مع جمهورية الصين الشعبية كما في ميادين أخرى من الواضح أن السنوات العشر القادمة ستكون عقدا حاسما».
وأوضح أيضا أن استراتيجية الولايات المتحدة للمنافسة الشاملة مع الصين والمرتكزة على تنافس استراتيجي وطويل الأمد تبلورت وبانت ملامحها. إنها باختصار مقاربة ذات أربعة أبعاد.
أولا، تحاول الولايات المتحدة فك ارتباطها تدريجيا وانتقائيا بالصين في المجالات الاقتصادية والتجارية.
كانت الحرب التجارية التي ابتدرتها إدارة ترامب بداية التنافس الاستراتيجي الشامل مع تطوير إدارته لهذه الحرب إلى «فك ارتباط».
لكن حقبة الإصلاح والانفتاح التي تجاوزت 40 عاما قادت إلى تكامل بعيد الغور للاقتصاد الصيني مع العالم الخارجي بما في ذلك مع الولايات المتحدة. لذلك ستنهض أو تسقط كل البلدان مع اقتصادها. ولن تحتمل الولايات المتحدة أو حلفاؤها فك ارتباط فجائي مع الصين. أصبح ذلك واضحا من خلال كل ما حدث منذ أن شنت الولايات المتحدة حربها التجارية ضد الصين وأثناء جائحة كوفيد-19.
على أية حال، تعتقد الولايات المتحدة أنها يجب عليها فك الارتباط مع الصين لاحتواء صعودها. وهكذا بعد اعتلائه سدة الحكم استبدل الرئيس بايدن فك الارتباط بمصطلح «تقليل المخاطر» وهو ليس أكثر من تعبير لطيف عن فك الارتباط الانتقائي والتدريجي. ولم تجر إدارة بايدن أية تعديلات للرسوم الجمركية المرتفعة التي فرضتها إدارة ترامب على الواردات من الصين.
تقليل المخاطر لديه جانبان. الجانب الأول يتمثل في مقاربة «الساحة الصغيرة والسياج العالي» في قطاع التقنية الرفيعة والتي تحاول عزل الصين عن الغرب بزعامة الولايات المتحدة من أجل المحافظة على القيادة التقنية لأمريكا. (تدعو هذه المقاربة إلى التحديد الدقيق للتقنيات المفتاحية للمصلحة القومية الأمريكية مثل تقنية الجيل الخامس وأشباه الموصلات واتخاذ اللازم لحمايتها من هيمنة الصين- المترجم)
الجانب الثاني يتعلق بالتبادلات الاقتصادية والتجارة إذ تحاول الولايات المتحدة نقل بعض سلاسل الصناعة الحساسة من الصين إلى بلدان قريبة وبلدان صديقة لتقليل اعتمادها على الصين. والهدف النهائي هو بناء سلاسل صناعية تستبعد الصين وإيجاد نظامين للسوق مترابطين ولكنهما غالبا متوازيان.
ثانيا، في الجغرافيا السياسية تكرر الولايات المتحدة ما سبق أن فعلته للاتحاد السوفييتي أثناء فترة الحرب الباردة.
على الرغم من مزاعم الرئيس بايدن ومسؤولين في إدارته بأن الولايات المتحدة لن تخوض حربا باردة مع الصين إلا أن تحركات أمريكية عديدة تبدو شبيهة بما قامت به ضد الاتحاد السوفييتي إبان الحرب الباردة.
مثلا تعزز الولايات المتحدة نظام تحالفاتها الثنائية ودور الحوار الأمني الرباعي الذي يجمع الولايات المتحدة مع اليابان والهند وأستراليا ودور الشراكة الأمنية الثلاثية «اوكوس» بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وتروِّج لتوسُّع الناتو شرقا.
كل هذه التحركات من جانب الولايات المتحدة تستهدف الضغط على الصين بتعظيم دور نظام تحالفاتها وشراكاتها.
أيضا تعزز الولايات المتحدة وجودها وانتشارها على طول «سلسلة الجزيرة الأولى» خصوصا حول بحر الصين الشرقي ومضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي. وهي تهدف إلى إيجاد ميدان تنافس استراتيجي مع الصين من خلال قضية تايوان. هذا هو المقصد النهائي لحشد الولايات المتحدة المزيد والمزيد من الموارد الاستراتيجية في منطقة تايوان في السنوات الأخيرة.
فيما يتعلق ببسط النفوذ على القوى المحايدة قامت الولايات المتحدة بالاشتراك مع حلفائها بتحركات عديدة لتشويه وتخريب تعاون «الحزام والطريق.» ومؤخرا ظلت تتودَّد إلى الاتحاد الأوروبي والهند في محاولة لإقصاء الصين من جنوب العالم. كل هذه التحركات الأمريكية تهدف إلى التنافس مع الصين من أجل التأثير بقدر أكبر على مواقف القوى المحايدة.
ثالثا، تشرع الولايات المتحدة في إحياء «نظام عسكري» من النمط الأمريكي في الداخل. قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية لم يكن لدى الولايات المتحدة نظام أمن قومي قوي للتعامل مع منافسة بلد كبير بسبب تنوع المصالح الاجتماعية وقوة الدولة اللامركزية ولكن المتوازنة إلى جانب ميزة الموقع الجغرافي. بعد نهاية الحرب أجازت الولايات المتحدة قانون الأمن القومي لعام 1947 لكي يفرض إعادة تنظيم كبرى لنظام الأمن القومي نظرا لتحولها إلى القوة العظمى في العالم وصراعها أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي.
أوجد القانون عدة مؤسسات منها وزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية. كما عزز اشتراك الحزبين الجمهوري والديموقراطي في موقفهما ضد الشيوعية التنسيقَ بين الحكومة والكونجرس والحكومة والمجتمع. بذلك شكلت الولايات المتحدة سلسلة مصالح للأمن القومي وأوجدت التحالف العسكري- الصناعي.
محليا، تسمي الولايات المتحدة مثل هذا النظام «دولة أمن قومي.» وهو عمليا «نظام عسكري» على النمط الأمريكي. أدى هذا النظام دورا حاسما في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. لكنه اضمحل في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي. تم تنشيط هذا النظام جزئيا بعد هجمات الحادي من سبتمبر الإرهابية في عام 2001 خصوصا بإجازة قانون محاربة الإرهاب (باتريوت). وبعد اندلاع الأزمة المالية اقترح بعض الاستراتيجيين في الولايات المتحدة تبني مقاربة «كلِّ الحكومة» بالتنويه ولفت النظر إلى تجارب تعبئة الموارد الحكومية والاجتماعية أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي واستحضار وتلخيص تجارب الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب. تهدف هذه المقاربة إلى حشد كل الموارد وتوحيد كل القوى للمنافسة مع الصين على كل الجبهات.
رابعا، تبذل الولايات المتحدة ما في وسعها للترويج لما يسمى الدبلوماسية المرتكزة على الأيديولوجيا والقيم. ففي الموضوعات المرتبطة بالأيدلوجيا ظلت الولايات المتحدة تؤكد على سياسة الهوية القومية وتعظِّم من آثار الاختلافات في الأنظمة السياسية وتسوِّق لفكرة أن الغرب لا يمكنه أبدا الاتفاق مع الصين. تهدف الولايات المتحدة بذلك إلى حشد كل الموارد لتشكيل إجماع مضاد للصين في الداخل واجتذاب المزيد من البلدان إلى معسكر يعاديها على الصعيد الدولي.
المجالات الأربعة المذكورة أعلاه هي المكونات الرئيسة للتنافس الاستراتيجي الشامل للولايات المتحدة مع الصين.
في السنوات الأخيرة عانت العلاقات الصينية الأمريكية من مصاعب جمَّة. السبب الأساسي لذلك أن بعض الناس في الولايات المتحدة يتشبثون بعقلية الحرب الباردة ولعبة المجموع الصفري ومهووسون بالنظر إلى الصين باعتبارها المنافس الأهم والتحدي الجيوسياسي الأخطر للولايات المتحدة. هذا التصور المشوه تماما للصين سيقود حتما إلى سياسات وتصرفات ونتائج خاطئة.
ني فنغ مدير معهد الدراسات الأمريكية بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية وزميل باحث أول بالمعهد القومي للاستراتيجية الدولية بالأكاديمية.
الترجمة لـ عمان عن صحيفة تشاينا ديلي (الصين اليومية).
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاتحاد السوفییتی الولایات المتحدة للولایات المتحدة الحرب الباردة الصین من مع الصین
إقرأ أيضاً:
معالي سعيد محمد الطاير يتباحث في التجارب الرائدة لهيئة كهرباء ومياه دبي مع القنصل العام للولايات المتحدة في دبي
استقبل معالي سعيد محمد الطاير، العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لهيئة كهرباء ومياه دبي، سعادة روبرت رينز، قنصل عام الولايات المتحدة الأمريكية في دبي والإمارات الشمالية، للتباحث في مشاريع ومبادرات الهيئة المبتكرة وأحدث تطوراتها في مجال الطاقة المتجددة والاستدامة. وأكد الاجتماع الرؤية المشتركة بين الطرفين لبناء مستقبل مستدام، والتزامهما بدفع عجلة الابتكار في مجال الطاقة النظيفة، وأهمية توظيف التقنيات الأمريكية المتقدمة والمبادرات الاستراتيجية للهيئة لتحقيق تقدم كبير في أهداف التنمية المستدامة.
حضر الاجتماع فريد عزيز، مسؤول تجاري أول؛ ومن جانب هيئة كهرباء ومياه دبي المهندس وليد بن سلمان، النائب التنفيذي للرئيس لقطاع تطوير الأعمال والتميز؛ والمهندس مروان بن حيدر، النائب التنفيذي للرئيس لقطاع الابتكار والمستقبل.
واستعرض معالي الطاير الاستراتيجيات الطموحة للهيئة، والتي تتماشى مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 واستراتيجية الإمارات للحياد المناخي 2050 واستراتيجية الحياد الكربوني 2050 لإمارة دبي، كما أكَّد حرص إمارة دبي على تسخير التقنيات الإحلالية للثورة الصناعية الرابعة والرقمنة وأحدث الابتكارات لتعزيز بنيتها التحتية عالمية المستوى وفق أعلى معايير الموثوقية والكفاءة والتوافرية.
وسلَّط معاليه الضوء على مشاريع الهيئة الرائدة، وأبرزها مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، أكبر مجمع للطاقة الشمسية في موقع واحد على مستوى العالم وفق نموذج المنتج المستقل للطاقة، وستبلغ قدرته الإنتاجية أكثر من 5,000 ميجاوات بحلول عام 2030. وعند اكتماله، سيسهم مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في تخفيض أكثر من 6.5 ملايين طن من الانبعاثات الكربونية سنوياً.
وتطرق معالي الطاير لاستثمارات هيئة كهرباء ومياه دبي في أنظمة تخزين الطاقة المتقدمة في المجمع مثل مشروع التخزين الحراري للطاقة الشمسية المركزة وأنظمة تخزين الطاقة بالبطاريات إضافة إلى مشروع الهيدروجين الأخضر الرائد، الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي يُنتج الهيدروجين باستخدام الطاقة الشمسية.
كما تناول معاليه مشاريع ومبادرات أخرى مثل برنامج “سبيس دي” للفضاء، الذي يهدف إلى استخدام تقنيات الأقمار الاصطناعية في تحسين خدمات الهيئة، ومشاريع الشبكة الذكية والعدادات الذكية، ومشاريع الهيئة في مجمع حصيان لتحلية مياه البحر بتقنية التناضح العكسي وفق نظام المنتج المستقل للمياه، والتعاون مع الجامعات الأمريكية مثل جامعة كاليفورنيا في بيركلي لتطوير الكفاءات، إضافة إلى التعاون مع الشركات الأمريكية الرائدة مثل مايكروسوفت، و “إس إيه بي”، و”آي بي إم”، و”أوبن إيه آي” لدعم التحول الرقمي وتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين استهلاك الطاقة والحد من الهدر.
وفي إطار الأداء التشغيلي المتميز، أشار معالي الطاير إلى أن الهيئة حققت المرتبة الأولى عالمياً في 12 مؤشر أداء رئيسي في مجالات عملها، وفقاً لدراسة قام بها مؤخراً استشاري عالمي متخصص، حيث بلغت نسبة الفاقد في شبكات نقل وتوزيع الكهرباء 2.0% مقارنة بـ 6-7% في أوروبا والولايات المتحدة، ونسبة الفاقد في شبكات المياه 4.6% مقارنة بـ 15% في أمريكا الشمالية. كما سجلت دبي رقماً قياسياً جديداً في متوسط انقطاع الكهرباء لكل مشترك عند 1.06 دقيقة سنوياً مقارنة بـ 15 دقيقة في أوروبا.
ومن جانبه، أشاد سعادة روبرت رينز بالمبادرات الرائدة التي تنفذها الهيئة وأعرب عن اهتمامه باستكشاف المزيد من فرص التعاون في مجال الطاقة المتجددة وإدارة موارد المياه. وأكد الاجتماع تواؤم استراتيجيات الاستدامة والمحافظة على البيئة التي تتبناها الهيئة مع الجهود العالمية لبناء مستقبل أخضر.