خبير أمني واستراتيجي: الحكومة الإسرائيلية غير مهتمة بالسلام في المنطقة
تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT
قال محسن الشوبكي، الخبير الأمني والاستراتيجي، إن المجتمع الدولي غير واضح في التعاطي مع الفعاليات الإسرائيلية المتمثلة في التهجير القسري أو حرب الإبادة الشاملة، التي تخوضها في غزة، وتحديدا في قتل الحياة والبشر والأطفال والنساء، وبالتالي التعاطي يبدو ناقصا، حتى في آلية محكمة العدل العليا، أو أروقة مؤسسات الأمم المتحدة.
وأضاف «الشوبكي»، خلال مداخلة ببرنامج «مطروح للنقاش»، المذاع على قناة «القاهرة الإخبارية»، وتقدمه الإعلامية آية الكفوري، أن هناك تحركات إيجابية وبوادر يفرضها واقع الشارع في الغرب أو أمريكا، يجب أخذها في الاعتبارات، وقضايا كثيرة حتى وإن بدا تأثيرها محدود، لكن موجودة على هذا الواقع.
تصرفات حكومة إسرائيلتابع: «العالم مشغول أمام تصرفات حكومة إسرائيل، والحكومة الإسرائيلية الحالية تعتبر حكومة أزمات حتى قبل حتى 7 أكتوبر، وتشكلت من اليمين المتطرف، ورموز دينية متشددة، شكلوا اتفاقا واضحا في العديد من القضايا، وآخر ما يهمهم في هذا الموضوع، اتفاق السلام بالمنطقة، وما زالت الأطماع التوسعية موجودة في إسرائيل».
المصدر: الوطن
إقرأ أيضاً:
إسرائيل: من كامب ديفيد إلى وإنا فوقهم قاهرون (2-2)
أمريكا هي كلمة السرأمام هذا المشهد المؤذي المؤلم لكل عربي ومسلم حرّ، قد نستدعي فكرة الدور الأمريكي، وأنه كلمة السر، وأن إسرائيل مجرد أداة تنفيذية، والأدلة كثيرة، ومنها ما كان بُعيد التصريحات الإسرائيلية المعادية لتركيا ودورها في سوريا، كيف أن ترامب كبح جماح نتنياهو ورسم له حدود التعامل مع الأتراك، وانصاع الأخير إلى رغبات ترامب، وقد نرى في قادم الأيام والأسابيع شكلا مختلفا لإدارة الملف بين إسرائيل وتركيا.
هذا صحيح، بل حتى وقف إطلاق النار الذي انقلبت عليه إسرائيل، أشرفت عليه الولايات المتحدة، وهي التي تقرر موعد وقف الحرب في حقيقة الحال.
ومع ذلك، فإن إسرائيل هي ذراع أو موظف له "طبيعة خاصة" في المؤسسة الأمريكية؛ فهي تشبه ذلك النوع الذي نعرفه من الموظفين النشطين في مؤسسة ما، الذي يمتاز بالمبادرة والنشاط، والحركة المستمرة، لخدمة مصالحه الشخصية، وتقديم خدمات وإنجازات لإدارة المؤسسة أو الشركة. وتعطيه إدارة الشركة صلاحيات ونفوذ يتقن استخدامه، ولا تتخذ ضده أي إجراء عقابي في حال ارتكب خطأ ما، بل تتغاضى عن أخطائه حتى لو كررها!
استحضار العامل الأمريكي، وهو فاعل ومركزي بلا ريب، لا يغير في حقيقة الصورة في المنطقة، لا سيما أنه لا يوجد أي نوع من الكوابح مقابل صلف وغطرسة واستكبار إسرائيل، فما الذي يمنعها من استحضار "النموذج الفرعوني" وسعيها للهيمنة المطلقة على المنطقة؟
هكذا يبدو المشهد، مع أن ترامب يحرص دوما على تذكير نتنياهو والعالم أنه "المدير" وصاحب القرار، ولكنه يعطيه ما لا يعطي أحدا من الدعم السخي (مع أن ترامب يوصف بالبخل والشح).
ولذا، فإن استحضار العامل الأمريكي، وهو فاعل ومركزي بلا ريب، لا يغير في حقيقة الصورة في المنطقة، لا سيما أنه لا يوجد أي نوع من الكوابح مقابل صلف وغطرسة واستكبار إسرائيل، فما الذي يمنعها من استحضار "النموذج الفرعوني" وسعيها للهيمنة المطلقة على المنطقة؟
الليكود العربي!
كنت ومجايليّ من الرافضين لما كان يسمى "عملية السلام في الشرق الأوسط" نحذّر من الوقوع في فخ التصريحات والكلام المعسول من شمعون بيريز أو يوسي بيلين، وأن الأفاعي ناعمة الملمس ولكن في أنيابها العطب، وأنه لا يوجد "معسكر سلام" في إسرائيل كما يروّج بعض العرب اللاهثين خلف التطبيع. ولا أنكر أنه راودتنا رغبة أن يصعد اليمين إلى سدة الحكم في إسرائيل، كي يرى العرب وجهها الحقيقي بعيدا عن مساحيق التجميل التي يضعها حزب العمل وحلفائه.
وقد جاءتنا الصدمة الأولى، إبان تولي شارون مقاليد الحكم وما اقترن بتلك الفترة من تصعيد وعدوان، فقد بقي الحال العربي على هوانه وعجزه وخطابه الاستجدائي تجاه الكيان. وحين تولت أكثر الحكومات تطرفا ويمينية وعنصرية قيادة المؤسسة الإسرائيلية، صعقنا بخطاب وتوجهات عربية، لم نشاهدها حتى أيام رابين وبيريز.
فإذا كانت إسرائيل تعتبر حماس وسائر حركات المقاومة الفلسطينية أذرعا إيرانية، وأن المشكلة هي "محور إيران" لا الاحتلال المتواصل منذ عقود، بناء على عدم اعترافها بوجود الشعب الفلسطيني في مخيالها السياسي، وسلوكها وخططها، وصولا إلى ما قاله غالانت عن أهل غزة بأنهم "حيوانات بشرية"، فإن هذا متوقع من عدو نهجه الاقتلاع والإحلال والسطو والعدوان والعنصرية المتأصلة، أما أن يتبنى عرب من طبقات سياسية وثقافية ودينية هذه الرؤية فتلك من عجائب الكون؛ فنحن نرى هذا الخطاب طافيا على السطح بكل وقاحة، ويرى أن علاقة حماس مع إيران تستدعي عدم الشفقة لما يجري في غزة، باعتبار إيران عدوا مشتركا للعرب وإسرائيل، وأي حليف عربي لإيران هو بالتالي عدو للعرب.
ولست بصدد الدخول في نقاش حول العدو الأخطر، بافتراض اعتبار إيران عدوّا، بقدر الجهل أو التجهيل بأن اغتصاب فلسطين كان في 1948 والثورة الإيرانية كانت في 1979.
يرافق ذلك التباكي على الشعب السوري ودور إيران في دعم النظام، ومع أن حماس توترت علاقتها بإيران بسبب رفضها لهذا الموقف، وخرجت من سوريا وخسرت لفترة كثيرا من الدعم الإيراني، ولكن أولئك القوم يواصلون اتهاماتهم التي تتوسل تبرير الخنوع والعجز بل احتضان الرواية الإسرائيلية، ويتناسون أن النظام العربي الرسمي قبل أسابيع من سقوط نظام الأسد كان قد قطع خطوات لإعادة تأهيله من جديد!
هذا إضافة إلى استدعاء تهييجي للخلاف السني- الشيعي بطريقة مقززة مستفزة، واتهام حماس بأنها حركة "شيعية"! وصولا إلى اعتبار "طوفان الأقصى" سببا لا نتيجة للاحتلال والاستيطان والتهويد، وتحميل حماس مسئولية المقتلة في غزة، وتبرئة مبطنة بل صريحة لإسرائيل.
وقبل عقدين ما كنت أحسب أنني سأكتب توضيحا لما يفترض أنه بديهي لا نقاش فيه، بل اضطررنا بسبب بعض هؤلاء إلى تقديم الأدلة على أن المسجد الأقصى المذكور في مطلع سورة الإسراء الكريمة مكانه مدينة القدس في فلسطين، وليس في مكان آخر كما تجرأ بعضهم على القول!
طبيعة قوانين الحياة والكون ترفض هذه المعادلة، ولا يمكن لإسرائيل الاستمرار وفق هذه العقلية الاستعلائية في المنطقة، وهي أصلا جسم غريب زرع فيها عنوة نتاج ظروف وحروب كونية وعوامل لا مجال لشرحها
هناك نشطاء يسمون هذا التيار، وهو ليس منفصلا عن منظومة رسمية، بـ"الليكود العربي"، وإذا كنت أستوعب وجود "حزب العمل أو المعراخ أو ميرتس" عربيا في يوم ما، فإن وجود "ليكود" في المجال العربي، ربما كان أشبه بخرافات أو حالة تشاؤمية لا داعي لها قبل سنوات ولكن هذا هو الحال.
وإن الليكود العربي هو أحد أهم أسباب الحالة التي وصل إليها العلو والاستكبار الإسرائيلي الذي نراه، وهو ما زاد إسرائيل جرأة واندفاعا نحو تطبيق خططها وممارسة هواياتها المريضة بقتل الأطفال والنساء وهدم المباني والمنشآت وقصف المشافي والعيادات. فالليكود العربي حقيقة لا يقل خطرا عن الليكود الإسرائيلي، بل هو أخطر من حصان طروادة في المجال العربي.
وضع إسرائيلي يتعارض مع الطموح المجنون
ومع كل السوداوية الظاهرة فيما نرى، فإن إسرائيل في وضع داخلي لا يتلاءم مع طموحها المجنون لصهينة المنطقة، ونتنياهو الذي يبدو مطبقا لأفكار جابوتنسكي لا يحكم الجيل الطليعي من المستوطنين الصهاينة حاليا.
وتعاني إسرائيل من خلافات وانقسامات، ومشكلة في التجنيد، وجدلا حول مؤسسات القضاء، وتكاد تتحول إلى دولة أشبه بالدول الحاكمة في المنظومة العالمثالثية. بل هناك جيل إسرائيلي ولد وترعرع وجيل كبر واكتهل، لا يعرف سوى نتنياهو رئيسا للوزراء، وهو يسعى بكل قوة إلى الهيمنة على كل المؤسسات الإسرائيلية، التي بنيت بمحاكاة لنظيراتها في الغرب، بمعيار مهني صارم، وتداول منضبط سلس للقادة والمسئولين.
ولا يمكن لبضعة ملايين مستوطن يهودي إسرائيلي استعباد 400 مليون عربي وحوالي 200 مليون إيراني وتركي، حتى مع الدعم الأمريكي المطلق، ووجود الليكود العربي. فطبيعة قوانين الحياة والكون ترفض هذه المعادلة، ولا يمكن لإسرائيل الاستمرار وفق هذه العقلية الاستعلائية في المنطقة، وهي أصلا جسم غريب زرع فيها عنوة نتاج ظروف وحروب كونية وعوامل لا مجال لشرحها.
لا أقول هذا من باب التفاؤل في وضع حرج؛ ولكن من التأمل في قوانين الكون والتاريخ، وقد ثبت في تاريخ الأمة منذ عهد النبوة حتى الآن أن أي "صائل" لن يتمكن من الأمة ويخرج له من يدفعه ويجعله أثرا بعد عين.. والأيام بيننا.