تركيا والخليج.. مرحلة جديدة قاطرتها الاقتصاد
تاريخ النشر: 31st, July 2023 GMT
أتت جولة الرئيس التركي على عدة دول خليجية في مستهل ولايته الرئاسية الجديدة لتؤكد مسار التهدئة مع القوى الإقليمية، وتفتح باب العلاقات على مرحلة جديدة يشكل التعاون الاقتصادي والتجاري عنوانها الأبرز ورافعتها الرئيسة.
عقد من التوتررغم حرص حكومات العدالة والتنمية على علاقات جيدة مع دول الخليج العربية وما شهدته السنوات الأولى من حكم الحزب بقيادة رجب طيب أردوغان من تطور ملموس في العلاقات بين الجانبين، فإن العقد الفائت شهد توترًا كبيرًا بين تركيا من جهة وبعض الدول الخليجية، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى.
في 2016 انتهجت أنقرة سياسة "تكثير عدد الأصدقاء وتقليل عدد الخصوم"، لكنها لم تلق تجاوبا، إلا أن العامين الأخيرين شهدا تغيرًا ملحوظًا وسريعًا في العلاقات
لم يكن الأمر نتيجة تضارب المصالح أو تعارضها بالضرورة، إذ كانت هناك دائما مصالح اقتصادية وأمنية تدفع باتجاه التعاون. كانت الاصطفافات الإقليمية -تحديدًا بعد الثورات العربية في 2011- السبب الرئيسي خلف توتر العلاقات بين أنقرة من جهة والرياض وأبو ظبي من جهة أخرى، والذي وصل ذروته بعد الانقلاب بمصر في 2013، ليدخل الجانبان في سلسلة من المواجهات المباشرة وغير المباشرة.
كانت تركيا هدفا دائما لحملات إعلامية تحريضية من وسائل إعلام تدور في فلك محور السعودية/ الإمارات/ مصر، بالإضافة إلى مواقف سياسية من هذه الدول أو من الجامعة العربية بدعم منها تندد بالدور التركي في أكثر من ملف من سوريا للعراق ومن ليبيا لشرق المتوسط. وفي شرق المتوسط تحديدا تشكل منتدى غاز شرق المتوسط مستثنيًا بشكل واضح حقوق تركيا التي تملك الساحل الأطول عليه.
في المقابل، وجهت تركيا بشكل غير رسمي أصابع الاتهام لهذه الدول -خصوصا الإمارات- بالوقوف خلف عدة أحداث في تركيا وربما دعمها، مثل أحداث منتزه "غازي" التي تحولت لأحداث شغب في 2013، والمحاولة الانقلابية الفاشلة في 2016، بل صدرت أحيانًا تلميحات من مسؤولين حكوميين أو حزبيين بهذا الاتجاه.
وضاعفت محطات -مثل أزمة حصار قطر في 2017، وقضية مقتل جمال خاشقجي من التوتر بين الجانبين، لا سيما مع التطور البارز في العلاقات التركية-القطرية التي وصلت حدود التحالف الإستراتيجي بين الطرفين.
مسار المصالحاتفي 2016 انتهجت أنقرة سياسة "تكثير عدد الأصدقاء وتقليل عدد الخصوم"، لكنها لم تلق تجاوبًا في حينه من العواصم المذكورة، إلا أن العامين الأخيرين شهدا تغيرًا ملحوظًا وسريعًا في العلاقات.
دفعت عدة عوامل لمسارات متزامنة من التهدئة والحوار بين عدد من القوى الإقليمية، تمثلت في سلسلة من المصالحات بين تركيا والمحور المواجه لها في المنطقة (السعودية – الإمارات – مصر) والمصالحة الخليجية والحوار بين السعودية وإيران والمصالحة المصرية القطرية… إلخ.
في مقدمة هذه الأسباب تضرر اقتصادات المنطقة من جائحة كورونا والحرب الروسية-الأوكرانية وغير ذلك، وتراجع حضور وأهمية الملفات الخلافية وعوامل الاستقطاب المرتبطة بالثورات والثورات المضادة بالنسبة لهذه الدول، وتغير الإدارة الأميركية ورغبتها في تعزيز التعاون بين حلفائها في المنطقة، فضلا عن عدم قدرة أي من الطرفين على إلغاء الطرف الآخر أو هزيمته في نزاعات وصراعات المنطقة، إضافة إلى تثبيت تركيا وجودها وأدوارها في كل من ليبيا وسوريا وجنوب القوقاز وغيرها.
بشكل مفاجئ، كانت الإمارات أسرع الدول تقاربا مع تركيا من خلال زيارة ولي عهد أبو ظبي -في حينه- الأمير محمد بن زايد لأنقرة، ثم زيارة أردوغان لأبو ظبي، ثم تعمقت العلاقات بين البلدين بشكل ملموس.
رغم تباطؤ المسار مع كل من السعودية ومصر مقارنة بالإمارات، فإن العلاقات معهما دخلت كذلك في مسار من التهدئة والحوار والتعاون، ووصلت ذروتها بمصافحة أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في افتتاح كأس العالم في الدوحة، وزيارة أردوغان للرياض وزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لأنقرة.
مرحلة جديدةجاءت جولة أردوغان الخليجية، التي شملت السعودية وقطر والإمارات، في بدايات ولايته الرئاسية الجديدة لتؤكد أهمية العلاقات مع دول الخليج العربية بالنسبة لتركيا في الفترة المقبلة. ويرتبط ذلك من جهة بمسار السياسة الخارجية التركية في الفترة القادمة، لا سيما في ما يتعلق بقضايا المنطقة والعلاقة مع القوى الإقليمية، وفي مقدمتها الدول العربية والخليجية، ومن جهة أخرى بأولوية الملف الاقتصادي في مرحلة ما بعد الانتخابات والاهتمام بالاستثمارات الخليجية على وجه التحديد في هذا الإطار.
فقد استبق أردوغان هذه الجولة بإيفاد نائبه جودت يلماظ ووزير المالية محمد شيمشك للخليج لإعداد الأرضية المناسبة لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية في المقام الأول مع دوله.
الرغبة التركية في تطوير العلاقات، لا سيما التجارية والاقتصادية والاستثمارية، مع دول الخليج العربية ليست من طرف واحد؛ بل قابلتها الأخيرة برغبة مماثلة. ويتبدى ذلك بوضوح في حفاوة الاستقبال للرئيس التركي والوفد المرافق له في الدول الثلاث، وتؤكده الاتفاقات الموقعة مع هذه الدول؛ عددًا ومجالاتٍ ومضمونًا.
وإذا كان من المتوقع والبديهي أن تعمّق أنقرة علاقاتها مع الدوحة وتوقيع اتفاقات في مجالات مختلفة، نظرًا للعلاقات المتميزة بين البلدين في العقد الأخير على وجه التحديد ورؤية قيادة البلدين باتجاه ضرورة رفع مستواها بشكل مستمر؛ فإن الاتفاقات الموقعة مع كل من الرياض وأبو ظبي لفتت الأنظار.
وقعت تركيا مع السعودية عدة اتفاقات في مجالات الاستثمار المباشر والصناعات الدفاعية والطاقة والدفاع والاتصالات، وعُقد على هامش الزيارة منتدى الأعمال التركي-السعودي، وكان العنوان الأبرز في الزيارة توقيع عقدين مع شركة الصناعات الدفاعية التركية (بايكار) لشراء طائرات مسيّرة (من دون طيار)، وُصفت بأنها الصفقة الدفاعية الأبرز في تركيا.
هذه الأخيرة ليست اتفاقية اعتيادية أو هامشية، بل لعلها المؤشر الأهم على تخطي البلدين مرحلة الفتور والتوتر السابقة. ويعضد هذا المعنى إصدار البلدين بيانًا مشتركًا تخطى راهنية الزيارة الأخيرة وقدم رؤية مشتركة للبلدين تجاه جملة من قضايا المنطقة والعالم الإسلامي بشكل عام، وهذا كذلك بدوره ليس تفصيلا هامشيًا بالنظر لمستوى العلاقات بينهما في العقد الماضي.
كما وقعت أنقرة مع أبو ظبي عدة اتفاقات ومذكرات تفاهم قدّرت قيمتها بـ50.7 مليار دولار، إضافة إلى إعلان اتفاق مشترك بين الجانبين لإنشاء لجنة إستراتيجية عليا بين البلدين. وبشكل مشابه، فإن الاتفاقات الموقعة بين البلدين تؤكد فتح صفحة جديدة مختلفة تمامًا من العلاقات، ولعل اتفاق تبادل المطلوبين على وجه التحديد يؤكد هذا المعنى، ويشير إلى أن الطرفين مصرّان على استمرار مسار تحسين العلاقات وتجاوز فترة المواجهات السابقة بينهما.
الخلاصة، أكدت زيارة الرئيس التركي الأخيرة لكل من السعودية والإمارات وقطر أن توجهات السياسة الخارجية المستجدة لأنقرة ليست مرتبطة بشكلٍ حصري بالانتخابات السابقة، بل إنها جزء من رؤية صادرة عن قناعة لدى صانع القرار بضرورة انتهاج سياسة خارجية مختلفة عن تلك المطبقة في العقد الفائت. كما تثبت الزيارة مجددًا مدى أولوية الاقتصاد في هذه الرؤية، لا سيما من جهة جذب الاستثمارات الخارجية التي تشكل دول الخليج العربية مصدرا أساسيا لها.
في العموم، إن مخرجات هذه الزيارة -جنبًا إلى جنب مع عدد من التطورات الإقليمية والدولية- تحيل إلى إرهاصات إنشاء نظام إقليمي جديد في المنطقة مختلف عن فلسفة الاصطفافات التي حكمت المنطقة خلال العقد الماضي، ويبدو أن الاقتصاد -على وجه التحديد- هو رافعة هذا المسار ودافعه الأهم.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دول الخلیج العربیة العلاقات بین بین البلدین فی العلاقات هذه الدول مع دول من جهة
إقرأ أيضاً:
بعد القمة الثلاثية في تركيا..مصر تؤكد دعمها الكامل للحكومة الفيدرالية في الصومال
جدد وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي دعم بلاده الكامل للحكومة الفيدرالية في الصومال، ومكافحتها الإرهاب لتحقيق الأمن والاستقرار.
وجاء ذلك في اتصال هاتفي تلقاه الوزير عبد العاطي ، مساء أمس السبت ، من أحمد معلم فقي وزير خارجية الصومال، وفق بيان للخارجية المصرية اليوم الأحد.وطبقاً للبيان "تناول الاتصال العلاقات الاستراتيجية المتميزة بين مصر والصومال، والحرص المتبادل على تطوير العلاقات الثنائية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية بما يلبى طموحات البلدين الشقيقين والبناء على الزخم الذي تشهده العلاقات المصرية الصومالية خلال الفترة الأخيرة، فضلًا عن متابعة نتائج القمة الثلاثية التي عقدت في أسمرة بين رؤساء مصر،والصومال، وإريتريا في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي".
وأضاف البيان، أن وزير خارجية الصومال، أبلغ عبد العاطي بمخرجات قمة أنقرة الثلاثية بين الصومال، وتركيا، وإثيوبيا، حيث أكد الوزير الصومالي تمسك بلاده باحترام السيادة الصومالية، ووحدة وسلامة أراضيها، وهو ما أمن عليه الوزير عبد العاطي .
وحسب البيان، "اتفق الوزيران على مواصلة التنسيق المشترك، والتحضير لعقد الاجتماع الوزاري الثلاثي بين وزراء خارجية مصر، والصومال، وإريتريا تنفيذاً لتوجيهات القيادات السياسية في الدول الثلاث لدعم التنسيق والتشاور حول القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك".