أن يسمح لنا بصرف معاشاتنا قبل التقاعد نعمة عظيمة يعيشها أبناء جيلي والجيل الذي سبقه، لكن هذه النعمة العظيمة التي نتمرغ فيها قد لا تتاح للأجيال القادمة التي سيجتمع عليها التضخم ونضوب النفط وارتفاع متوسط العمر، أشعر بأنها أعظم نعمة أن تملك الخيار في تحديد مسارك، سألتني طفلتي قبل أيام إن كنت أشتاق للعمل بعد أربع سنوات من قرار ترك العمل، فكانت إجابتي بالنفي سريعة لا تردد فيها، هذا السؤال يطرح عليَّ باستمرار كسؤال كسر جليد للمحادثات ربما، وأحيانًا أخرى من أناس يعيشون لحظة القلق التي تسبق التقاعد.
لن أدعي أنني كنت أعاني في وظيفتي فقد مَنّ الله سبحانه وتعالى عليَّ بمسيرة مهنية ناجحة، ثرية، بالعطاء، والنمو والعلاقات الجميلة التي استطعت أن أنعم بها طوال تلك العقود، لا شك أنني أشتاق لرفقاء الدرب لكن من يهمهم أمري، ويهمني أمره أخذته معي في هذه المرحلة، ومن لم يكن يعني لي شيئًا بقي ذكرى ضمن الذكريات.
أعترف بأنني أجلت التقاعد كثيرًا خوفًا من الفراغ الذي تخيلت أني سأعيشه في ظل غياب مهنة أشغل بها وقتي فأنا المرأة التي كان العمل جزءًا أساسيًا من حياتي، تخيلت الحياة التي يصفها المتقاعدون، والتي تشوبها الوحدة والفراغ وغياب العلاقات التي تثريها، لكن اكتشفت أنها مجرد مرحلة من المراحل الحياتية، وكل مرحلة إذا ما تهيئنا لها ستأتي بتجاربها وعلاقاتها، أذكر ونحن نتوادع بعد استلامنا شهادات الثانوية العامة، التي شابتها الدموع، وكيف تصورنا حياتنا دون رفيقات الدرب اللاتي كنّ جزءًا مهمًا من طفولتنا ومراهقتنا، شاركننا الأسرار والضحكات والدموع.
هذه المشاعر لم تدم طويلًا، فقد هدأت منها حماس الحياة الجامعية والاغتراب والتجارب الجديدة، وكل الصديقات اللاتي وعدننا أن نبقى في قلوبنا، بهتت ذكراهن تدريجيًا، فلم يبقَ منهن أحد، وتدريجيًا حل محلهن صديقات وزميلات وزملاء جدد، وهكذا هو التقاعد غربال آخر لنخل العلاقات، فسقطت تلك التي لم تكن سوى علاقات فرضتها ظروف العمل، وحملنا معنا، من يثري الحياة ذكراه، ومن يستطيع انتزاع الضحكة منا، ومن هو مستعد لمد يد العون في أي لحظة مددنا يدنا طلبًا لها، وجاءت مرحلة التقاعد بتجارب جديدة لا تقل ثراء وبهجة ومتعة مما قبلها، وصداقات تتناسب مع هذه المرحلة، تثريها وتضفي عليها بهجةً وفرحًا.
ما أريد قوله هو أنه بيدك وحدك أن تصنع حياتك بعد التقاعد مثلما صنعت قبل التقاعد، الخيار لك، والتجارب لا تتشابه فهي تختلف باختلاف الأشخاص والظروف.
حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
نقابة الاستقلال تبدي التزامها مع رئيس الحكومة بالمساهمة في إصلاح أنظمة التقاعد
زنقة20ا الرباط
أعلنت نقابة الإتحاد العام للشغالين بالمغرب التابعة لحزب الاستقلال، اليوم الثلاثاء، أن وفدا برئاسة الكاتب العام للنقابة النعم ميارة عقد لقاء مع رئيس الحكومة عزيز أخنوش تمحور حول الرؤية الحكومية لمنهجية المشاركة في أدوار الحوار، وضرورة احترام انتظامية الجولات ومواعيدها المتفق عليها.
وأوضح بلاغ للنقابة صدر عقب جولة الحوار التي أجراها الوفد النقابي، توصل موقع Rue20 بنسخة منه، أنه “في خضم النقاش حول جدول أعمال هذه الدورة أكد وفد الاتحاد العام على ضرورة إدراج مجموعة من النقط الهامة وضعها للنقاش والتداول، ويتعلق الأمر على الخصوص بدعوة الحكومة إلى تفعيل التزاماتها السابقة في القطاعين العام والخاص والمتعلقة، في أفق توقيع اتفاق مقبل، وضرورة اعتماد أي مشروع تعديل لمدونة الشغل في إطار الشراكة الثلاثية على التوافقات الاجتماعية، والأخذ بعين الاعتبار ملاحظات ومطالب مختلف الشركاء الاجتماعيين”.
وعبر البلاغ عن “التزام الاتحاد العام بمضامين الاتفاق القاضي بإصلاح صناديق التقاعد ورفض أي مساس بحقوق ومكتسبات الموظفين”.
كما دعا إلى “تنزيل ما تبقى من مضامين الاتفاقات السابقة الخاصة بالحوار المركزي لاسيما تلك التي تضمنها اتفاقي كل من 30 أبريل 2022، و29 أبريل 2024؛ والتعجيل بإصدار التعديلات القانونية اللازمة لإحداث الدرجة الجديدة بقطاع الوظيفة العمومية”.
وذكر البلاغ أنه “تم طرح الانشغالات الفئوية والقطاعية الأكثر الحاحا والمتعلقة على الخصوص بالنظام الأساسي لموظفي الجماعات الترابية، والنظام الأساسي لموظفي قطاع التعليم الأولي، والنظام الأساسي لقيم تفتيش الشغل والنظام الأساسي الخاص بمستخدمي الوكالات الحضرية وبعض الفئات المهنية بالأنظمة الخاصة والخصوصية التي تم إشهارها للتعديل بما فيها الأطر المشتركة، حيث ممثلين ومتصرفين وتقنيين ومساعدين إداريين وتنفيذيين”.
ودعا الوفد إلى “تفعيل وتسريع الحوار القطاعي بكل القطاعات الحكومية، وللمؤسسات والمقاولات العمومية مع ضرورة تنزيل السلم الإيجابي، وتسريع حل الإشكالات الاجتماعية المرتبطة بقطاعي الصحة والتعليم”.
كما طالبت النقابة بـ”معالجة هذا الملف الاجتماعي في شموليته وأيضا في القطاع الخاص مع ضرورة وضع آلية مركزية لتتبع مآلات الاتفاقات الاجتماعية وما مدى تنفيذها، والتسريع بعرض مشروع قانون النقابات الذي طال انتظاره، قصد اضفاء الحكامة على تسيير التنظيمات النقابية”.
وشدد البلاغ على ضرورة “تصحيح وضعية التمثيلية النقابية بالمجالس الإدارية للمؤسسات العمومية، والمجالس العليا للوظيفة العمومية وإطلاق أوراش القطاعات المغيبة”.