التراث الغنائي البحري وإدارة أزمة البقاء
تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT
«سافرت عصر المسا وانويت فرقاهم
يا نوخذا بالوصل ما أطيق فرقاهم
دموع عيني تهل وتنوح فرقاهم
الله ما أسلا وقلبي صوبهم رايح
يا بن حمد شاقني ظبي رتع رايح
يا زين حسنه عجبني وإن مشى رايح
ما ألوم أنا من شكى من طول فرقاهم»
تشرفت بدعوة كريمة من المؤسسة العامة للحي الثقافي كتارا، لحضور «مسابقة نهام الخليج» في دورتها الرابعة في مدينة الدوحة بدولة قطر في الفترة من 26 إلى 30 أبريل 2024، وكذلك الندوة التي نظمتها المؤسسة على هامش هذه المسابقة وكانت بعنوان: التفكير المستقبلي في قضايا التراث الغنائي البحري: النهمة نموذجا «.
وهذه الفعالية المستمرة منذ عدة سنوات تشرف عليها سلمى النعيمي، وهي كما عرّفتنا بنفسها فنانة تشكيلية قطرية، دفعها قلقها على اندثار النهمة إلى أن تبادر بالدعوة لإقامة هذه الفعالية، بمساندة كاملة وكبيرة من المؤسسة العامة للحي الثقافي كتارا.
اللافت في الأمر هو العدد الجيد جدا من المشاركين في المسابقة، وكذلك الحضور الذي شمل جميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالإضافة إلى الجمهورية العراقية. ومن المعلوم أن نهمة قطر والبحرين والكويت وهي موضوع المسابقة تختلف عن تلك التي في عُمان والإمارات والعراق، ولكن مع ذلك جذبت هذه المسابقة متنافسين من هذه البلدان، لذلك تمنيت لو شارك أو حضر أشخاص متنافسون وباحثون من الجمهورية اليمنية صاحبة التراث الغنائي المشترك مع جميع أقطار الخليج والقاعدة الاجتماعية والثقافية الكبيرة في الجزيرة العربية.
منذ أجيال عديدة تغيرت أساليب الحياة الاجتماعية في كل المنطقة من الكويت شمالا إلى صلالة جنوبا والبحر الأحمر غربا، ورحلات الغوص عن اللؤلؤ في الخليج انقطعت تماما منذ فترة زمنية طويلة، والسفن الشراعية لم تعد تسافر من بحر عُمان نحو الشرق والغرب، وعبور الصحاري على ظهور الجمال لم يعد كذلك هو الآخر.
لقد كان الإنسان على مر العصور والقرون يكابد قساوة ومخاطر وسائل التنقل القديمة وطول مدتها في ظروف أقل ما يقال عنها إنها خطيرة، ولتقليل حدة المعاناة كان الغناء عونا للبحارة ووسيلة تعبيرية وترويحية. غير أن الحال تغير تماما، ولكن ظلت «النهمة» وفنون البحر الغنائية محفوظة من قبل المعاصرين لتلك الظروف، إلا أن هذا ليس ضامنا لتوارثها واستمرارها، فواجهت تحديات عدم الإقبال عليها وتوارثها من الأجيال الجديدة، وهذا هو واقع الكثير من فنون الغناء التراثية الوظيفية وبشكل خاص فنون العمل الغنائية. من هنا ربما جاء عنوان الندوة التي استمرت على مدى يومين، وكانت فرصة طيبة للحوار بشأن سبل المحافظة على «النهمة» التي بدأت تنقرض في بعض مواطنها الأصلية.. وفي جميع الأحول لن نذهب للمستقبل مع كل التراث الغنائي، فالكثير منه فَقَد وظيفته الأصلية.
من هنا، لا بد من وسائل جديدة للمحافظة على هذه الفنون الغنائية وجذب ممارسين جدد لها من داخل مواطنها الأصلية أو من خارجها، وهذا مفهوم جديد طرحته هذه المسابقة عندما وسع المنظمون دائرة المشاركين إلى دول لا يمارس فيها هذا النوع من الغناء البحري، كعُمان والإمارات والعراق.
وهكذا، وكما ذكرت سابقا في أكثر من مناسبة لن تستطيع هذه الأنماط الغنائية التراثية البقاء، إلا في ظل ابتكار وسائل جديدة لتوارثها وممارستها وإدارة هذا التغير بالاستبدال الوظيفي كما سميته في كتابي: « الدليل المصور لأنماط الموسيقى التقليدية وآلاتها»، وهذا يعني لعب دور وظيفي جديد في ظروف الحياة المعاصرة. ورغم ذلك لن يكون بوسعنا المحافظة عليها جميعها، وفي حالة مثل عُمان صاحبة التراث الغنائي الهائل والمتنوع لا بد من الانتخاب والتصنيف، ذلك أن بعضها ستكون مناسبة لوظائف جديدة كالمسابقات والفعاليات السياحية والثقافية أو للتعليم بجميع مراحله وغير ذلك، أما بعضها الآخر فلن تلبي هذه الاحتياجات المستجدة لأسباب كثيرة، منها على سبيل المثال وربما الأهم اختلاف توجهات واحتياجات الأبناء والأحفاد الثقافية والفنية والجمالية عن آبائهم وأجدادهم. إن اختلاف ظروف المعيشة تفرض نفسها على انتخاب أنماط الغناء، وهؤلاء الأبناء والأحفاد الذين يراد توريثهم هذه الفنون الغنائية التراثية سيجدون صعوبة وربما رفض أدائها لأسباب كثيرة.. ولكن يبقى التوثيق العلمي لكل التراث الغنائي هو الأمر الأهم في جميع الأحوال، فهذا التوثيق يفيد مجالات معرفية وموسيقية عديدة ومنها المعرفة بالهُوية الثقافية، وما سوف يفرزه مستقبلا التعليم الموسيقي في عُمان وبلدان الخليج سيكون حتما مختلفا تماما، وقد استمعنا إلى مؤلفات موسيقية قدمها أبناء هؤلاء البحارة والبدو تحاكي التأليف الموسيقي الغربي الكلاسيكي وغير الكلاسيكي، وهذا واحد من التوجهات الموسيقية التي بدأت تبرز في المنطقة في السنوات الأخيرة إلى جانب أساليب الغناء الطربي المحلي والعربي.
ملاحظة: مصدر نص الزهيرية (مسبع) في مطلع المقال مقتبس من كتاب: « الفجري وفنون العمل على ظهر السفينة في قطر» جمع وإعداد محمد ناصر الصايغ.
مسلم الكثيري موسيقي وباحث
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التراث الغنائی
إقرأ أيضاً:
تطورات سوريا تغيّر قواعد اللعبة.. القوات الأميركية تطيل البقاء في العراق
24 ديسمبر، 2024
بغداد/المسلة: أفادت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية بصورة مغايرة لمستقبل القوات الأميركية في العراق، مشيرة إلى أن قوام هذه القوات، الذي يزيد على 2500 جندي منتشرين في قواعد مختلفة، قد يستمر لفترة طويلة رغم الاتفاقات المعلنة بشأن انسحابها. ووفقاً للصحيفة، فإن الاضطرابات في سوريا أثارت تساؤلات حول مستقبل المهمة الأميركية في العراق، والذي يعتبر مركزاً أمنياً ولوجستياً لمكافحة الإرهاب في البلدين.
تحدثت الصحيفة عن محادثات جرت بين حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وواشنطن بشأن إنهاء التحالف العسكري بحلول خريف 2025، إلا أن مسؤولين عراقيين أكدوا احتمالية تمديد وجود القوات الأميركية بسبب التطورات الإقليمية، مع الإشارة إلى تحول في رؤية بغداد للوجود الأميركي، خصوصاً في ظل التهديدات القادمة من سوريا.
وعلى الرغم من الاتفاق السابق بين بغداد وواشنطن بشأن انسحاب القوات، نقلت الصحيفة عن مسؤول عراقي كبير أن هناك تحولاً في نظرة المسؤولين العراقيين، مع احتمالية طلب تمديد يسمح ببقاء القوات لفترة أطول. ويبدو أن الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى بغداد شهدت تقديراً جديداً للوجود الأميركي، خصوصاً في ظل التوترات الحدودية بين العراق وسوريا.
تحديات واستراتيجيات جديدة
يأتي هذا النقاش في ظل تأكيد البنتاغون على التزامه بالجدول الزمني المحدد لإنهاء المهمة القتالية ضد تنظيم داعش بحلول خريف 2025. ومع ذلك، قد يبقى عدد محدود من القوات لدعم العمليات العسكرية في سوريا أو في مناطق كردستان بناءً على طلب الحكومة الإقليمية.
والوجود العسكري الأميركي في العراق طالما كان محوراً للجدل السياسي الداخلي والخارجي، إذ يشكل تحدياً مستمراً للقيادة العراقية التي تواجه ضغوطاً متزايدة من إيران والقوى المؤيدة لها. وكان قد أُعلن عن مفاوضات حساسة بين واشنطن وبغداد في سبتمبر/أيلول الماضي، انتهت بالاتفاق على بدء انسحاب القوات الأميركية بعد الانتخابات العراقية في نوفمبر/تشرين الثاني، على أن تنتهي المرحلة الأولى من هذا الانسحاب بحلول عام 2025.
ورغم الغموض المحيط بتفاصيل الاتفاقية، إلا أن البنتاغون أكد أن المهمة ضد تنظيم داعش ستنتهي في سبتمبر/أيلول 2025، مع بقاء بعض القوات حتى 2026 لدعم العمليات العسكرية في سوريا. كما يُحتمل استمرار وجود القوات الأميركية في إقليم كردستان بناءً على رغبة الحكومة الإقليمية.
في سياق متصل، أثارت تصريحات المتحدث باسم البنتاغون، بات رايدر، الأسبوع الماضي، تساؤلات عديدة حول الوجود العسكري الأميركي في سوريا، إذ كشف عن وجود نحو ألفي جندي أميركي هناك، وهو ضعف العدد المعلن سابقاً والبالغ 900 جندي. وأشار رايدر إلى أن القوات الإضافية تُنشر بشكل مؤقت لدعم مهام مثل الحماية والنقل والصيانة، مؤكداً أن العدد الإجمالي تأرجح على مدى السنوات الماضية بسبب تزايد التهديدات الأمنية.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author AdminSee author's posts