لجريدة عمان:
2025-03-20@03:46:31 GMT

الهامستر يخرجُ من عجلته!

تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT

بصيغ مختلفة شاعت فكرة تبدو شديدة الغرابة بادئ الأمر، لكنها ما تلبثُ - بقليل من التأني- أن تغدو مُمكنة. تلك الفكرة التي تقول بأنّ ما يحدث في فلسطين -بطريقة أو بأخرى- بات يُحرر الغرب من أمرين، الأول: يتعلقُ بالصور النمطية المتعفنة -لدى بعضهم- حول العرب والمسلمين وبدائيتهم التي تمسخهم إلى قتلة وهمج وإرهابيين، وهي صورة قديمة تعود بنا إلى كتابات المستشرقين قديما وإمبراطورية هوليود حديثا.

الأمر الثاني: يبدو أقرب إلى ما قالته ناشطة على السوشال ميديا بأنّ الغرب يعيش في مكان مُصمم لجعل الإنسان مُغيبا ومُشتتا يعملُ بصمت كما يفعل الهامستر الذي يدور في عجلته طوال اليوم في قفص ضيق. ينظرُ لاهثا في اتجاه واحد، جاعلا نصب عينيه هدف أن يُسدد فواتيره والتزاماته اللانهائية، لكنه بعد دوران طويل في عجلة مُفرغة من المعنى اكتشف أنّ الضرائب الطائلة التي يتكبدها بمشقة تذهبُ لشعب يُتاح له التعليم المجاني والسكن والرفاهية لحمايته ولضمان ولائه في مكان ليس له أصلا!

لذا وبعد صحوة متأخرة، شاهدنا أشكالا مختلفة في الغرب للتعبير عن هاجس الاحتجاج - وهي جديرة بالدراسة والتفنيد حقا- فهنالك من زرع الأحذية ليُعبر عن الذين غابوا دون أن يُنظر إلى غيابهم بأنّه ذو أهمية، شاهدنا أيضا النوافير التي خالط مياها لونٌ أحمر قانٍ ليذكروا الناس بالدماء المهدورة. كما زُرعت أعلام فلسطين كما يغرس حقل في أماكن شتى من العالم بعد أن كانت نسيا منسيا، ومشت النساء بين العلامات التجارية الداعمة وهنّ يحملن بين أيديهن ما يُعيد تمثيل موت أطفال غزة، ولُطخت المنتجات الداعمة بدماء ثخينة في لوحات الإعلانات!

راقبنا أيضا موجة الاحتجاجات التي اندلعت من عديد الجامعات في العالم، والتي كان مطلبها الأساسي: وقف إطلاق النار على غزة، وسحب استثمارات تلك الجامعات من الشركات التي تورد الأسلحة. وصل الأمر ببعضهم إلى الإضراب عن الطعام، وذلك لتوفير ورقة ضغط على جامعاتهم. لقد قدموا لنا درسا قاسيا، فرغم كل المشتركات التي تجمعنا بأهلنا في غزة، من قبيل: اللغة والدين والتاريخ والجغرافيا، إلا أنّ المؤازرة - باستثناءات قليلة- كانت باهتة وربما عديمة الجدوى! وكأنّ الخنوع لمس عصب حياتنا فأماتنا، فلم تكن الجامعات العربية أكثر من مجرد صدى لما فعلته الجامعات في أمريكا والغرب. ولعل السؤال الذي لمع في أذهان أغلبنا: من هم هؤلاء؟ وما الذي يدفعهم إلى صمود من هذا النوع؟ لاسيما وأنّهم ينتمون إلى جامعات راسخة وذات مكانة علمية رفيعة، ومن المؤكد أنّ خسائرهم - جراء موقفهم هذا- ستكون فادحة!

لقد تملكنا فضول شاسع، فمن أي خلفية ثقافية جاء هؤلاء الشباب؟ أهم نتاج الهجرة العربية المُتسارعة في السنوات الأخيرة أمّ نتيجة جرعة الوعي الجديدة التي كسرت الشماعة التي تُعلق عليها كل المشانق وأعني معاداة السامية؟

بحسب ما نشرته «فرانس٢٤» فإنهم ينتمون غالبا للديانتين الإسلامية واليهودية، «طلبة من أجل العدالة في فلسطين والصوت اليهودي من أجل السلام». لكن المفاجأة أن يُقابل احتجاج طلبة الجامعات السلمي هذا بموجة من العنف، فقد اتخذت ضدهم إجراءات تأديبية، بل إنّ بعضهم بات مُهددا بالطرد. الأمر الذي يجعلنا إزاء صدمة إعادة التعرف على هذه البلدان التي لطالما وقعنا في حسد ديمقراطيتها وتحضرها لا سيما فيما يتعلق بحقوق البشر!

إنّ ما يحدث في الغرب الآن يُرينا جيلا جديدا يُريد قصّة مُغايرة خارج التعتيم الإعلامي السابق الذي رسم ظلالا قاتمة على شعوب ثرية بتنوعها وبمشتركاتها، يريدُ قصّة تنتصرُ للإنسان، فهل أيقظتهم «غزة» حقا وأخرجت الهامستر من ركضه عديم الجدوى؟

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

عبد السلام فاروق يكتب: جون ميرشايمر.. رجل رأى العاصفة قادمة

قبل عقد من الزمن، وقف البروفيسور الأمريكي جون ميرشايمر، أحد أبرز العقول الاستراتيجية في الولايات المتحدة، محذرًا الغرب من مغبة استفزاز روسيا عبر أوكرانيا. كان صوته واضحًا: "ادفعوا بأوكرانيا إلى مواجهة روسيا، وستدفعونها نحو الهاوية". اليوم، بينما تشتعل الحرب وتتداعى المدن الأوكرانية، يبدو كلامه كأنه نبوءة تحققت بحذافيرها. فكيف استطاع هذا المفكر قراءة المستقبل بكل هذا الوضوح؟ وما الذي يمكن أن نتعلمه من رؤيته؟

عقل واقعي في عالم مثالي

ينتمي ميرشايمر إلى مدرسة الواقعية السياسية، التي ترى العالم غابةً تحكمها قوة الدول وصراعات النفوذ. بعيدًا عن الخطابات المثالية حول "انتصار الديمقراطية"، يركز على تحليل موازين القوى وحدود الهيمنة. في محاضراته وكتبه، مثل "تراجيديا سياسة القوى العظمى", يشرح بمنطق صارم: "الدول لا تعمل بقلوبها، بل بمصالحها. ومن ينسى هذه القاعدة يدفع الثمن".

قبل سنوات، لخص ميرشايمر رؤيته لأزمة أوكرانيا في جملةٍ بسيطة: "روسيا لن تسمح أبدًا بانضمام أوكرانيا إلى الناتو". حينها، سخر البعض من "تشاؤمه"، معتبرين أن توسيع الحلف شمالًا خطوة لتعزيز الأمن الأوروبي. لكن ميرشايمر رأى ما وراء الأفق: روسيا، التي تعتبر أوكرانيا حدًّا استراتيجيًا حيويًا، سترد بعنفٍ إن شعرت بالحصار.

لم يكن الرجل منحازًا لروسيا، بل كان يحلل منطق الجغرافيا والتاريخ. أوكرانيا، بموقعها بين الشرق والغرب، لا يمكن أن تكون ساحةً لصراع القوى دون أن تتحول إلى ساحة دمار. لذلك، دعا إلى حياديتها: "لا تضعوها في موقف الاختيار بين الغرب وروسيا. دعوها تبني اقتصادها وتتجنب لعبة النيران".

كل ما حذّر منه ميرشايمر وقع: الغرب دعم أوكرانيا عسكريًا وسياسيًا، روسيا شعرت بالتهديد، والنتيجة حرب طاحنة دمرت المدن وشردت الملايين. لو كانت أوكرانيا حيادية، كما اقترح، لربما تجنبت هذا المصير. لكن الغرب، بانبهاره بانتصاره في الحرب الباردة، ظن أنه قادر على إعادة تشكيل العالم كما يشاء، متناسيًا أن القوى العظمى لا تتراجع عن حدودها إلا بقوة أكبر.

قصة ميرشايمر وأوكرانيا ليست مجرد "كنتُ قد حذرتكم", بل هي تذكير صارخ بأن السياسة الدولية ليست لعبةً أخلاقية، بل ساحة مصالح متشابكة. الرجل لم يُفاجأ بالحرب؛ لأنه فهم قواعد اللعبة. ورغم أن البعض ينتقده كـ"متشائم"، إلا أن الواقعية قد تكون ضروريةً لإنقاذ الأرواح قبل فوات الأوان.

في زمنٍ تتصاعد فيه الخطابات الحماسية حول "النصر الكامل", ربما نحتاج إلى المزيد من أمثال ميرشايمر: أولئك الذين يذكروننا بأن السلام لا يُبنى بالأحلام، بل بالحكمة.

الواقعية مقابل المثالية: لماذا تجاهل الغرب التحذيرات؟

يرى ميرشايمر أن الغرب وقع في فخ "الانتصار الوهمي" بعد الحرب الباردة، معتقدًا أن توسيع الناتو شرقًا سيعزز الأمن دون رد فعل روسي. لكن الواقعية تُذكّر بأن روسيا، كقوة عظمى، لن تسمح بتهديد حدودها الحيوية. هنا، تصطدم المثالية الغربية (نشر الديمقراطية) بالمنطق الجيوسياسي: "القوى الكبرى لا تتنازل عن مناطق نفوذها إلا تحت الإكراه".

ربما غلبت النخب الغربية الأجندات الأيديولوجية على حساب قراءة التاريخ، كما حدث في الحرب العالمية الأولى، حين أُسيء فهم تحركات الدول، مما أدى إلى كارثة.

إشكالية الحياد: هل كان ممكنًا؟

دعا ميرشايمر إلى حيادية أوكرانيا، لكن هذا يطرح إشكالية في عالم مترابط اقتصاديًا وأمنيًا. فالدول، خاصة الصغيرة منها، غالبًا ما تُجبر على الانحياز بسبب:

التبعية الاقتصادية: مثل اعتماد أوكرانيا على روسيا في الطاقة، وعلى الاتحاد الأوروبي في الاستثمارات.الانقسامات الداخلية: الشرخ بين المناطق الناطقة بالروسية وتلك الميالة إلى أوروبا جعل من الصعب تبني سياسة خارجية موحدة.

لكن ميرشايمر قد يرد بأن الحيادية ليست "انعزالًا"، بل توازن دبلوماسي يمنع تحول الدولة إلى ساحة صراع.

إرادة الشعوب أم حسابات القوى العظمى؟

ينتقد البعض الواقعيةَ لإهمالها إرادة الشعوب. أوكرانيا سعت للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والناتو برغبةٍ شعبيةٍ، للهروب من الهيمنة الروسية. لكن ميرشايمر يذكّر بأن الدول الصغيرة لا تملك رفاهية "الاختيار الحر" في ساحة القوى العظمى. قد لا ترى أوكرانيا نفسها تهديدًا لروسيا، لكن موسكو تراها كذلك، وهذه النظرة هي التي تحكم التوازنات.

من أوكرانيا إلى تايوان.. صراع القوى الكبرى مستمر

تُظهر أزمة أوكرانيا نمطًا متكررًا في السياسة الدولية. فكما شعرت روسيا بالتهديد من الناتو، قد تشعر الصين بالخطر من أي تحالف غربي مع تايوان. ميرشايمر يحذر من أن تجاهل هذه الحساسيات قد يؤدي إلى صدامات كارثية. والسؤال هنا: هل يمكن للغرب أن يوازن بين دعم القيم الديمقراطية وتجنب صراعات لا تُحمد عقباها؟

الواقعية أم السذاجة الأخلاقية؟

تُلام الواقعية لكونها "بلا ضمير"، لكن ميرشايمر يرى أن السذاجة الأخلاقية تُنتج كوارث إنسانية أكبر. صحيح أن دعم أوكرانيا عسكريًا قد يبدو مبررًا أخلاقيًا، لكنه أيضًا يطيل أمد الحرب ويرفع الخسائر. الحل الواقعي قد يكون مفاوضات صعبة تتنازل فيها أوكرانيا عن أحلام الناتو مقابل ضمانات أمنية، لكن هل هذا مقبول بعد تدمير ملايين الأرواح؟

دروس للمستقبل

الحرب في أوكرانيا ليست سوى فصلٍ جديد من صراع القوى العظمى. ولو التزم الغرب بخطة ميرشايمر، ربما كان تجنب الحرب ممكنًا، لكن الواقع الآن يفرض حلولًا مختلفة.

فهل يمكن إحياء مفهوم "الحيادية المُسلحة" كما في سويسرا أو فنلندا سابقًا؟ أم أن العالم أصبح أكثر تعقيدًا؟

الدرس الأكبر؟

"السياسة الدولية لعبة شطرنج بقواعد صارمة: من لا يتعلمها يخسر".
ربما يكون الثمن البشري هو ما سيدفع العالم إلى إعادة اكتشاف التوازن بين المبادئ والواقع.

مقالات مشابهة

  • الجارحي يخرج من السجن للانتقام.. تفاصيل مثيرة لأحداث مسلسل سيد الناس الحلقة 19
  • وزير الماء يقول إن المغرب "لم يخرج بعد من أزمة الجفاف" رغم الأمطار الأخيرة
  • صدمة جديدة لأسود الرافدين.. علي الحمادي يخرج من قائمة التصفيات بسبب الإصابة!
  • صنعاء «السيادة» فوق الغرب والشرق معاً..!
  • عبد السلام فاروق يكتب: جون ميرشايمر.. رجل رأى العاصفة قادمة
  • متغيرات السياسات الدولية
  • “الجهاد الإسلامي”: استئناف العدوان لن يخرج حكومة نتنياهو من أزماتها
  • السقوط الحتمي
  • المسيحية الصهيونية.. كيف تحولت إلى أداة سياسية؟
  • موفق طريف الحفيد الذي خلف جده في زعامة دروز فلسطين