مع اقتراب فصل الصيف، تستعد الكثير من العائلات لاستغلال الإجازة السنوية في تنظيم عطلات شاطئية والاستمتاع بالبحر والشمس والحصول على بعض الراحة والاسترخاء.

ومع الحماس المتزايد للعطلة السنوية، ينسى البعض أن هناك قواعد وآدابا لا بد من مراعاتها على الشاطئ لضمان أقصى قدر من المتعة لأفراد الأسرة وللآخرين من رواد الشاطئ.

ما أهمية القواعد والحدود؟

في فصل العطلات، يظن البعض أن القواعد قد تتعطل أيضا أو تأخذ قسطا من الراحة! لكن الخبير في آداب السلوك، توماس بي فارلي، اعتبر أن سلوك الشخص واتباعه القواعد والآداب يشكل الفارق الأساسي بين عطلة مريحة وعطلة أخرى مرهقة.

فارلي قال في مقال نشره على موقع "مارثا ستيورات"، إن من الضروري أن يهتم الناس بآداب الشاطئ عندما يذهبون للتصييف. واعتبر أن الالتزام بها يمنح المصيف عطلة مريحة وهادئة له ولرواد الشاطئ الآخرين، تحرره من الضغوط التي يتعرض له طوال العام في العمل والالتزامات الأخرى.

وأضاف، "نحن جميعا بحاجة إلى فترة راحة ونذهب إلى الشاطئ للاسترخاء، حتى لا نتعرض لمزيد من التوتر".

آداب الشاطئ

هناك عدد من القواعد والآداب التي يجب أن يتبعها رواد الشواطئ ليستمتع بالبحر دون إزعاج الآخرين، من تلك القواعد:

السيطرة على الأطفال: من المفيد أن ينطلق الأطفال على الشواطئ للعب والمرح، لكن من المهم تعليمهم الاستمتاع دون إزعاج الآخرين سواء من خلال الصوت العالي أو نثر الرمال والماء على الآخرين. الاحتفاظ بمسافة: في بعض الشواطئ التي لا تكون فيها المظلات والكراسي ثابتة، يفضل الأخذ بعين الاعتبار الاحتفاظ بمسافة جيدة عن باقي المظلات ورواد الشاطئ عند تثبيت مظلتك الخاصة. ويتيح ذلك مساحة للتحرك والرمال المتطايرة، فضلا عن المساحة الشخصية. عدم حجب رؤية البحر: قاعدة أخرى، بجانب الاحتفاظ بمسافة عن الآخرين، من آداب الجلوس على الشاطئ عدم تثبيت المظلة أمام مظلة أخرى بحيث تحجب رؤية البحر عن الآخرين، خاصة في حال الوصول متأخرا. ومن الأفضل الانتقال إلى الخلف أو البحث عن مكان آخر. صوت الموسيقى: ينتقل الصوت على الشاطئ بسهولة، وقد يكون مزعجا للبعض الذين يريدون الاسترخاء أو القراءة. ومن الضروري، خفض الصوت قدر الإمكان أو استخدام سماعات الأذن للاستمتاع دون إزعاج الآخرين. التحديق: من أكثر الأشياء المزعجة التحديق في الآخرين، لذلك لا بد من التحلي بالآداب العامة وتجنب التحديق بالآخرين مهما كانت الأسباب. النظافة: مع هواء البحر يمكن أن تتطاير القمامة والمهملات، لذلك يجب الاستعداد لذلك، سواء بإحضار علبة أو كيس مغلق وتثبيته بقوة، وجمع القمامة فيه حتى لا تتطاير وتؤذي المصيفين أو الكائنات البحرية. ومن الضروري عند نهاية اليوم وقبل المغادرة، إزالة كيس القمامة ورميه في سلة المهملات، وإذا لم تكن هناك واحدة فيجب الاحتفاظ بالكيس حتى الذهاب إلى البيت وإلقائه في سلة المهملات. نثر الرمال: لا يفضل نفض المنشفة سواء كانت مغطاة بالرمال أو مياه البحر بجانب الآخرين. ويمكن نفضها في اتجاه الرياح بعيدا عن رواد الشاطئ الآخرين حتى لا تنثر الرمال والمياه عليهم. وينطبق الشيء نفسه على الملابس والأحذية. ألعاب البحر: يفضل الأطفال والكبار أحيانا صنع جبال وقلاع من الرمال واستخدام ألعاب البحر البلاستيكية. ومن الضروري مراعاة المكان والابتعاد بالقدر المسموح عن الرواد الآخرين حتى لا تتطاير الرمال والمياه وتزعجهم. إطعام الطيور: قد يكون لطيفا مشاركة الطيور بعض الطعام، لكن الوضع قد يصبح كارثيا مع هجوم أسراب من الطيور على المظلة والمظلات الأخرى. بمجرد إلقاء قطعة صغيرة من الخبز لطير واحد، تتجمع أعداد كبيرة من الطيور وقد تصبح عدوانية من أجل الحصول على الطعام. وقد يؤذي ذلك الأطفال والكبار أيضا. ومن الأفضل، عدم إلقاء الطعام للطيور وخاصة إذا كانت من طيور النورس القوية والتي تنتشر بكثرة قرب الشواطئ. التدخين: يستلذ بعض المدخنين تدخين السجائر على البحر في الهواء الطلق والشمس. وبقدر المتعة التي قد يحظى بها المدخن، فإن عليه احترام الآخرين أيضا. ولا يستسيغ البعض استنشاق رائحة التبغ، كما أن كثيرا من العائلات لا تفضل أن يستنشق أطفالها دخان السجائر. فضلا عن ذلك، فإن رماد السجائر قد يتطاير بسهولة ويزعج الآخرين. إذا كان الأمر ضروريا، يمكن الابتعاد عن الشاطئ المزدحم بالمصيفين والبحث عن مكان بعيد لتدخين السجائر في هدوء ودون إزعاج رواد الشاطئ الآخرين.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات رواد الشاطئ من الضروری حتى لا

إقرأ أيضاً:

الجنوب العالمي يعيد صياغة القواعد الدولية

ترجمة - نهى مصطفى -

شهد الجنوب العالمي تحولات كبيرة في ميزان القوى العالمية على مدار العقدين الماضيين، فقد منح النفوذ المتزايد للاقتصادات الناشئة، وصعود الصين كقوة عظمى، والتوترات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، والتنافس المتزايد بين القوى العظمى هذه البلدان قوة جديدة في الساحة الدولية.

واستفاد الجنوب العالمي من هذه التحولات عبر بناء تحالفات جديدة، مثل مجموعة البريكس، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا في عضويتها الأولى، وتعزيز التحالفات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي، والسعي نحو تبني أجندة أكثر تأثيرا في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن الدفاع عن اتفاق باريس بشأن تغيّر المناخ إلى رفع قضايا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، أظهر الجنوب العالمي -الذي يتضمن مجموعة واسعة من الدول التي كانت تخضع في معظمها للحكم الاستعماري في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط- استعدادا متزايدا لتحدي الهيمنة الغربية وإعادة تشكيل قواعد النظام العالمي.

يبدو أن سياسة «أمريكا أولا» التي يتبناها ترامب قد تعرض المكاسب الاقتصادية والسياسية لبلدان الجنوب العالمي للخطر، وستتسبب رفع التعريفات الجمركية في تضييق الخناق على صادرات هذه البلدان، كما أن سياسة الترحيل الجماعي للمهاجرين قد تؤثر سلبا على الاقتصاديات التي تعتمد على تحويلات العمالة، بالإضافة إلى ذلك، سيزيد انسحاب ترامب من الاتفاقيات البيئية العالمية من معاناة الدول المتأثرة بتغير المناخ، ومن المؤكد أن سياساته الاقتصادية قد تؤدي إلى زيادة التضخم داخل الولايات المتحدة، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة وزيادة تكلفة الائتمان في البلدان النامية التي تعاني من أعباء الديون.

ورغم سياسات ترامب التي قد تظهر احتقارا للعالم غير الغربي، فإنها قد تتيح لبلدان الجنوب العالمي فرصة للاستفادة منها، وقد تحفز سياسات ترامب المعادية لبعض المعايير الدولية على تعزيز التعاون بين دول الجنوب، مما يساعدها على توحيد جهودها وتعزيز مصالحها الخاصة، كما أن نهج ترامب القائم على المعاملات التجارية قد يوفر فرصة لدول الجنوب لاستغلال التنافس بين القوى العظمى لصالحها.

إذا تمكن ترامب من الوصول إلى اتفاق مع روسيا لتقليص علاقتها بالصين، فقد يكون ذلك مؤشرا على أن الولايات المتحدة ستضطر إلى التأقلم مع عالم متعدد الأقطاب، وهو الفهم الذي تبناه الجنوب العالمي. في هذا السياق، يمكن اعتبار ترامب متبعا لتقليد مشابه للرئيس الأمريكي ويليام تافت، الذي استخدم «الدبلوماسية الدولارية» لتعزيز النفوذ الاقتصادي الأمريكي دون ادعاء التفوق الأخلاقي، ورغم أن كلا النهجين يسعى لإعادة تأكيد الهيمنة الأمريكية، إلا أن الأول يعتمد على التفوق الأخلاقي بينما الثاني يتسم بالصراحة وغياب الادعاءات الأخلاقية.

بالنسبة لبعض دول الجنوب العالمي، قد تُعتبر براجماتية ترامب غير الأخلاقية فرصة لزيادة نفوذها وتعزيز مصالحها الخاصة دون الخضوع للأجندات الغربية المعلنة. لكن بالطبع، تختلف مصالح دول الجنوب العالمي بشكل كبير، فبينما تسعى دول كبرى مثل البرازيل إلى الاستفادة من القوة الاقتصادية العالمية، تختلف احتياجات الدول الأقل ثراء مثل النيجر، مما يعني أن كل دولة ستتبع مسارا مختلفا يتناسب مع أهدافها الخاصة. والجنوب العالمي ليس كتلة متجانسة، بل يتنوع في استراتيجياته، كما يظهر في الحالات المختلفة مثل إندونيسيا التي ترفض الانحياز إلى أي طرف في التنافس بين الصين والولايات المتحدة، أو الأرجنتين التي تحت قيادة خافيير ميلي قد اتجهت بشكل أكبر نحو مواقف أمريكية. من جهة أخرى، توازن الهند بين دعمها التقليدي للدول ما بعد الاستعمار ورغبتها في لعب دور عسكري رئيسي داخل التحالف الأمريكي، مما يعكس مكانتها المتزايدة كقوة موازنة للصين في الساحة العالمية.

على مدار عقود، نجح الجنوب العالمي في تشكيل تحالفات مؤثرة تهدف إلى إعادة صياغة القواعد الدولية التي كانت تخدم مصالح القوى الكبرى، وخلال القرن العشرين، تحت حركة عدم الانحياز، سعى الجنوب العالمي إلى تفكيك الإرث الإمبريالي الغربي، مع التركيز على السيادة والمساواة العرقية والعدالة الاقتصادية، وفي السبعينيات، نظمت دول الجنوب العالمي نفسها في مجموعات مثل مجموعة الـ77 لتحقيق مكاسب كبيرة، مثل إنهاء الاستعمار والمطالبة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واستخدمت منظمات مثل أوبك النفوذ الاقتصادي لتعزيز السيطرة غير الغربية على الموارد الطبيعية، مما أدى إلى تأثير ملموس في مجالات مثل الأسلحة النووية والتجارة والبيئة، مع تعزيز العدالة التوزيعية لتعويض الدول التي تأثرت بالاستعمار.

في ستينيات القرن العشرين، تعاونت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي لمنع انتشار الأسلحة النووية والتكنولوجيا ذات الصلة، بهدف الحد من الانتشار، هذا الاتفاق أثار قلق العديد من البلدان في الجنوب العالمي التي كانت تسعى للحصول على التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، وخشيت هذه الدول من أن يؤدي الاتفاق إلى ترسيخ الأسلحة النووية ومنع القضاء عليها مستقبلا، وبعد سنوات من المفاوضات، تمكنت هذه البلدان من تحقيق تسوية مع القوى العظمى، مما أدى إلى توقيع معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية في 1968، ورغم تفضيل المعاهدة للدول التي تمتلك أسلحة نووية، فإنها شجعت على نزع السلاح في الدول الكبرى ومنحت حوافز للدول الأصغر لتطوير الطاقة النووية السلمية.

في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، تجاهلت الولايات المتحدة الجنوب العالمي وأصرّت على تبني جميع البلدان إصلاحات محلية تتماشى مع النظام الليبرالي تحت الهيمنة الأمريكية، كما فرضت برامج التكيف الهيكلي من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي سياسات تقشفية، ورغم ذلك، ساهمت العولمة في توليد ثروات جديدة للعديد من البلدان النامية ودعمت صعود الصين كقوة عظمى، ومع أن العولمة شجعت الديمقراطية في بعض الدول، فإن هذه النتيجة لم تكن دائما مفيدة للولايات المتحدة وحلفائها.

في فترة لاحقة، فتح الرئيس بيل كلينتون الفرص أمام بلدان الجنوب العالمي بتبني النظام الدولي الليبرالي الذي يوزع الرخاء بشكل أكثر توازنا، ورغم انتهاك الولايات المتحدة لبعض المعايير، مثل التدخل في كوسوفو، فإن كلينتون ساعد الدول النامية في استخدام المؤسسات الدولية لصالحها، مما مكنها من التفاوض على صفقات مواتية عبر منظمة التجارة العالمية، ودفع قضايا المساواة بين الجنسين في مؤتمر المرأة في بكين، ودعم المبادرات البيئية مثل بروتوكول كيوتو.

بعد هجمات 11 سبتمبر، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش عن عصر «لا قواعد»، مما أدى إلى استخدام غير مقيد للقوة العسكرية في أفغانستان والعراق وأماكن أخرى، وأسفر عن وفاة ملايين الأشخاص في الجنوب العالمي، ومارست الولايات المتحدة تعذيب المعتقلين من البلدان النامية، مما فاقم التمييز العنصري ضد المسلمين في الدول الغربية، كما ساهمت العقيدة الإنسانية «المسؤولية عن الحماية» في التدخلات العسكرية التي انتهكت السيادة الوطنية، مثل هجوم حلف الناتو على ليبيا في 2011، وتحت إدارة أوباما، تم استخدام الطائرات بدون طيار في اليمن، مما أدى إلى فوضى وعدم استقرار في المنطقة وزيادة الهجرة الجماعية إلى أوروبا، خاصة أثناء الحرب السورية.

وفي أعقاب الأزمة المالية لعام 2008، اضطرت الدول الغربية إلى التراجع، حيث كشفت الأزمة عن فساد النظام الدولي الليبرالي وأدى ذلك إلى حاجة الغرب للجنوب العالمي، وحلت مجموعة العشرين، التي ضمت اقتصادات ناشئة مثل البرازيل والصين والهند وجنوب إفريقيا، محل مجموعة السبع كمنتدى رئيسي للحكم الاقتصادي العالمي، وفاز الجنوب العالمي بتأثير أكبر في صياغة استراتيجيات التعافي، مثل تدابير التحفيز والإصلاحات المالية، وزاد تمثيله في المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وفي الوقت نفسه، أصبحت مؤسسات غير غربية مثل مجموعة البريكس وأوبك بلس والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية بقيادة الصين منصات نشطة تعمل لصالح الجنوب العالمي.

وصل ترامب إلى البيت الأبيض في 2017 وأدى إلى إبطاء تقدم الجنوب العالمي بسبب تهميشه للمنظمات الدولية، وانسحابه من اتفاقية باريس، وفرضه للتعريفات الجمركية، وسياساته جعلت دول الجنوب أكثر عرضة للظروف القاسية، مثل تأثيرات جائحة كوفيد-19.

في عهد بايدن، لم يحدث تغيير كبير في مواقف الولايات المتحدة تجاه الجنوب العالمي، حيث استمر في بعض سياسات ترامب، مثل الحمائية في التجارة والمشاكل في الهجرة، ورغم إعادة انضمام الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس، فإن بعض التشريعات قد تؤدي إلى عقبات أمام التحول البيئي في البلدان النامية.

وفي المقابل، تحولت العديد من البلدان النامية إلى الصين في السنوات الأخيرة، فقد تمكنت الصين من التحول السريع من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية كبيرة في غضون نصف قرن، مما مكنها من جذب الحكومات والجماهير في الجنوب العالمي، كما أصبحت الصين ممولا رئيسيا لهذه البلدان، حيث تداولت القروض والاستثمارات في السلع الأساسية والمواد الخام والطاقة، واستغلت نقاط الضعف التي ألحقتها واشنطن على نفسها، مثل غزو العراق ورفضها للاتفاقيات الدولية، لتصبح لاعبا رئيسيا في المنظمات المتعددة الأطراف وتزعم تمثيل مصالح العالم النامي.

وتزداد التحديات مع صعود الصين، حيث بدأت تتعامل مع الدول الأخرى كقوة عظمى وليس كشريك، وتُتهم الصين بتطبيق سياسات استعمارية جديدة من خلال فرض شروط قاسية على التجارة والاستثمار واستخدام دبلوماسية قاسية في مناطق مثل أفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا. حتى داخل مجموعة البريكس، هناك مخاوف من أن تسعى الصين لتعزيز نفوذها بدلا من دعم مصالح الدول النامية، وعودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تعقد الوضع، حيث ستؤثر سياساته الحمائية على الدول النامية بشكل سلبي.

غالبا ما يُفهم تعهد ترامب الانتخابي بشأن التجارة والمناخ والهجرة والضرائب، من منظور الجنوب العالمي، على أنه محاولة لإعادة تأكيد الهيمنة الأمريكية، عندما يهدد ترامب بالانسحاب من الاتفاقيات الدولية، فإنه يصر على أن الولايات المتحدة قادرة على المضي قدما بمفردها، داعيا الآخرين للانضمام إلى صفه إذا كانوا يعرفون ما هو جيد لهم.

ومن خلال غرس حالة من عدم اليقين بشأن مصداقية الالتزامات الأمريكية، يحفز ترامب البلدان على التحالف بشكل أوثق مع الولايات المتحدة أو المخاطرة بالخسارة، كما أن تخفيضات الضرائب والتعريفات الجمركية التي يقترحها ستؤدي إلى تغذية التضخم، مما يزيد من أسعار الفائدة الأمريكية، ويرفع تكاليف الاقتراض عالميا، ويؤثر بشكل خاص على الدول ذات الديون الكبيرة، وسيؤدي هذا إلى انخفاض قيمة العملات، مما يزيد من تكلفة الواردات ويزيد التضخم ويقلل الإنتاجية في العديد من البلدان النامية، وعلى الرغم من ذلك، تُفسر تعهدات ترامب الانتخابية في الجنوب العالمي كاستراتيجية محسوبة لاستعادة تفوق الولايات المتحدة عبر زيادة تأثيرها على الدول الأخرى أو دفعها للتحالف معها، أو تركها عُرضة لمزيد من عدم اليقين.

سيجد قادة الجنوب العالمي أنفسهم مضطرين لاتخاذ تدابير لحماية مصالحهم في ظل سياسات ترامب، حيث أصبحت مطالب الجماهير المحلية في العديد من البلدان النامية أكثر وضوحا، واستفاد الفقراء والطبقات المتوسطة من العولمة التي تهددها سياسات ترامب، مما سيدفع المواطنين للضغط على حكوماتهم للحفاظ على تلك المكاسب، وستسعى العديد من الدول للبحث عن بدائل للدولار الأمريكي مثل العملات الرقمية وأنظمة الدفع غير الدولارية لتقليص قدرة الولايات المتحدة على فرض عقوبات، كما أن سياسة ترحيل ترامب قد تؤثر سلبا على مكانة الولايات المتحدة في الجنوب العالمي، مما يزيد الانقسام بين الشمال والجنوب ويؤجج الاستياء من السياسات الغربية فيما يتعلق بالعمل المناخي، ويعزز نهج ترامب تشجيع جماعات المصالح في الجنوب العالمي التي تدافع عن الصناعات عالية الكربون واستخراج الوقود الأحفوري، مما يعيق التحول نحو اقتصادات خضراء، هذه الجماعات ستقاوم الإصلاحات المناخية الضرورية، مما سيجعل عملية التحول الأخضر أكثر تكلفة وأبطأ على المستوى العالمي. قد يشجع ترامب، من خلال لامبالاته بالعمل المناخي، الأنشطة المدمرة مثل قطع الأشجار والزراعة غير المستدامة، مما يعزز تغير المناخ ويهدد الأمن الغذائي العالمي.

في الوقت ذاته، قد تكون السياسة الخارجية لترامب محفزة لبعض التغيرات غير المتوقعة، إذا نجح في تخفيف التوترات مع روسيا مع الاستمرار في الضغط على الصين، قد يسهم عن غير قصد في تسريع التحول إلى عالم متعدد الأقطاب، ومن خلال تقليص الصراع مع روسيا، قد يعترف ترامب ضمنا بحق روسيا في الحفاظ على مجال نفوذها، مما يبرر أطروحة العديد من الدول في الجنوب العالمي التي ترى أن النظام الدولي لم يعد مهيمنا من قبل الولايات المتحدة، بل بات أكثر توازنا، وفي ظل هذا النظام العالمي المتعدد الأقطاب، قد تتمكن الدول النامية من استخدام هذه التوترات بين القوى العظمى لصالحها، مستغلة هذه المنافسة لتحقيق مكاسب اقتصادية وأمنية.

ماتياس سبكتور أستاذ مشارك في العلاقات الدولية ويدير مركز العلاقات الدولية في مؤسسة جيتوليو فارجاس في ساو باولو، البرازيل.

نشر المقال في Foreign Affairs

مقالات مشابهة

  • توجيهات بتسفير الحالات الحرجة من جرحى وزارة الدفاع وبصورة عاجلة للعلاج في جمهورية مصر
  • علي جمعة: هناك ملائكة لم تذكر فى القرآن كـ ملك الرحم أو نفخ الروح
  • الجنوب العالمي يعيد صياغة القواعد الدولية
  • القانون يجبر منى فاروق على الحضور للمحكمة ودخول قفص الاتهام بعد حكم حبسها
  • حوادث نفوق الجمبري بالعقبة.. تضارب تفسيرات السلطات والمختصين بالأردن يُنذر بتكرار حدوثها
  • شاهد | العدو الإسرائيلي في سوريا.. من التوغل المؤقت إلى بناء القواعد العسكرية
  • كيف تتقبل الآخرين؟!
  • حكم بيع قائمة بأرقام الهواتف لمساعدة الآخرين في التواصل مع أصحابها.. دار الافتاء توضح
  • ضبط 5 مخالفين لارتكابهم مخالفتي قطع مسيجات ودخول محمية دون ترخيص
  • «الري»: تجديد وصيانة 706 بوابات للمياه استعدادًا لموسم الصيف