فى الثانى من يناير الماضى أتم العالم المصرى الكبير فاروق الباز عامه السادس والثمانين، وقال لمحبيه شرقا وغربا إنه مازال يتعلم حتى الآن. يستيقظ مُبكرا قبل الناس، ليقرأ ما هو جديد، ويبحث، ويفكر، ويكتب، ويستذكر دروسه، فالرجل يؤمن فى قرارة نفسه أن التعلم صفة مستمرة لا تنقطع بتقدم العُمر.
لا كبير على العلم والتعلم.
أنهيت دراستك، وتوظفت، لكنك لم تُنه تعلمك بعد، لأن العلم الحقيقى من المهد إلى اللحد. طالب العلم لا يشبع أبدا، فكل معرفة جديدة تفتح أمام الإنسان نوافذ الشغف لمعارف أخرى وأخرى.
وإذا كانوا علمونا صغارا أن «التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر، والتعليم فى الكبر كالنقش على الماء»، فإن التطور التكنولوجى المبهر أسقط هذه الفكرة، وجعل التعليم كله أيسرمن اليسر. ببساطة وبضغطة زر يُمكن أن تتعلم. أنت فى العشرين ملزم بالتعلم، وأنت فى الخمسين مُلزم بالتعلم، وأنت فى السبعين ملزم بالتعلم، ومادمت تتنفس، ابحث عن العلم.
إن الكِبر يدفع بعض الناس إلى تصور حيازتهم للأستاذية الدائمة، فيطرحون أنفسهم مُعلمين لا مُتعلمين. يأنفون أن يُصحح لهم مَن هم أصغر سنا خطأ ما، وينظرون بفوقية واستعلاء إلى الشباب، يوصدون أى نوافذ للمعرفة الجديدة ما دامت تتعارض مع ما عرفوه، وألفوه، ويعادون ما يجهلونه وما أكثره. نراهم حولنا كل يوم رُكعا سُجدا لذواتهم الجريحة فى زمن العلم اليومى.
غيرهم حولنا ممن غزا الشيب رؤوسهم يستسهلون مقولة «فات الأوان» فيقررون خمولا السير وراء القطيع، والتسليم والخضوع لما يفعله الزمن، ثم الفضفضة بين الحين والحين بسوء البخت واضطهاد الآخرين.
يشكو لى صديق عزيز ضيق الحال: روتينية العمل، وتضاؤل مهامه. قلة العائد وتفتت الطموحات والأحلام الكبيرة. تسيّد التافهين وصعود الانتهازيين. رتابة الحياة وخمود العواطف الجياشة، ومؤامرات الحُساد. سوء الحظ، ومرارة العيش. أسأله بدورى عما فعل ليُغيّر حاله. ما تعلم جديدا؟ ما درس وما قرأ وما عرف مؤخرا؟ ما أضاف لذاته من قدرات لم تكن لديه؟ ما اكتسب من مهارات غائبة؟ ما قدمه من جهد جديد ليُحسّن قُدراته ويفتح أبوابا جديدة للرزق؟ كم ورشة عمل استفاد بها؟ كم برنامج تدريب اجتازه؟
أنصحه كما أنصح حالى بأن يضع خطة لكل عام تتضمن المهارات والقدرات والخبرات التى يحتاج لاكتسابها: لُغة جديدة، تقنية حديثة، مهارة ما، خبرة نادرة،، مشروع معرفى معين. حدد ما تريد واسع له بجهد حقيقى.
لقد تعلم سعد زغلول اللغة الإنجليزية بعد أن تجاوز عمره الستين عاما. وهذا مانفريد شتاينر طبيب أمريكى تخرج سنة 1955، وعمل طوال حياته أستاذا لأمراض الدم فى جامعة براون، وعندما تقاعد سنة 2000 قرر أن يدرس الفيزياء، ويتخصص فيها ثم واصل دراساته العليا ليحصل على دكتوراة فى الفيزياء وعمره تسع وثمانين عاما.
الأغرب منه طبيب نفسى بريطانى اسمه ديفيد مارجوت، ضرب للعالم مثالا يُدرس بحصوله على الماجستير وعمره خمس وتسعين عاما.
فانتفض فلم يفت الأوان. والله أعلم.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى عبيد العالم المصرى فاروق الباز العلم والتعلم
إقرأ أيضاً:
بيرم: الحل الوحيد فقط المقاومة وفشل ذريع لكل الحلول الأخرى
علّق وزير العمل مصطفى بيرم عبر حسابه على "إكس" على توغل قوات الاحتلال في وادي الحجير.
وكتب: "عبرة تاريخية، وإستنتاج حتمي بأن الخيار والحل الوحيد فقط وفقط المقاومة وفشل ذريع لكل الحلول الأخرى".