واشنطن في الخليج.. و"فرِّق تسُد" المُتجددة
تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT
د. عبدالله باحجاج
نستخدمُ وصف "المُتجددة" لسياسة "فرِّق تسُد"؛ على اعتبار أنَّ هناك سياسة أمريكية تقليدية مستمرة، وتتجدَّد الآن لدواعٍ أمريكية مُلحَّة وعاجلة، تجد فيها واشنطن حاليًا نفسها في "حالة الضرورة" للانفتاح على المطالب الخليجية، والتي كانت سابقًا من النقاط الحمراء، والانفتاح قد يصل إلى مستوى التنازلات، ومن ثم على كل دولة خليجية العِلم بأسباب الضرورة الأمريكية المُلحَّة، والعلم كذلك بأنَّ واشنطن الأمس ليست واشنطن اليوم، وأن غدَها محفوفٌ بمخاطر وجودية حقيقية داخلية طويلة الأجل، وخارجية عاجلة، في ظل انكشاف وجهها الأخلاقي القبيح!
داخليًّا.
وخارجيًّا.. تنتابُ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدين، مخاوف كبرى من صعود الصين تكنولوجيًّا وعسكريًّا، فضلًا عن الانتشار الجيوسياسي لبكين، ومن ثمَّ قدرتها المُمكِنة على إزاحة واشنطن من مكانتها العالمية، إذا لم تتحرك براديكالية غير مسبوقة؛ لذلك تتحرَّك الآن لإغلاق المسارات التي تُنتج الثراء لبكين، وفي مقدمتها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي انفتحت على الصين باتفاقيات إستراتيجية كبرى، وأصبحت تُشكِّل محطات رئيسية في مشروع "الحزام والطريق" الصيني، ولم تكن واشنطن قلقة من الصين مثلما هي الآن.
وهناك استدلالاتٌ كثيرة يُمكن تقديمها لإثبات ذلك؛ أبرزها: تقرير مجتمع الاستخبارات الأمريكية للعام 2024، والذي يرى في بكين المنافس الأول لواشنطن في العالم، والمُهدِّد الرئيسي لها سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، ويُطالب إدارة بايدين بكبح جماحها عاجلًا. والمجتمع الاستخباراتي يضم 18 وكالة استخبارية أمريكية، تُصدِر سنويًّا تقريرًا عن التهديدات الداخلية والخارجية التي تواجه المصالح والأمن القومي الأمريكي، ويَسترشد بها صناع القرار.
أيضًا تحليل مؤسسة "تي.جي.بي" العالمية للأبحاث، والذي يرى أنَّ صعود الصين الاقتصادي والمالي بات مُقلقًا للولايات المتحدة، التي تعتقد أنَّ الثروة هي وسيلة لتحقيق السلطة السياسية والنفوذ العالمي؛ حيث يُثير التقدُّم الذي يحرزه الصينيون في مجالات تقنيات الصواريخ والأسلحة النووية والذكاء الاصطناعي قلقًا كبيرًا، ليس في واشنطن فحسب؛ بل والغرب عامة، كما تتخوَّف الاستخبارات الامريكية من استغلال المنافسين -وبالذات الصين وروسيا- الأزمات الإقليمية لتحقيق مصالحهما وتقويض النظام العالمي الراهن.
كُلُّنا يعلم التقاربَ الخليجيَّ الصينيَّ خلال السنتين الأخيرتين على وجه الخصوص، ومدى استعداد بكين المفتوح لتأمين الطموحات الخليجية في مجالات الطاقة النووية والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني؛ وبالتالي لا يُمكن لإدارة بايدين أن تقنع الخليجيين بأي سياسة لاحتواء الصين، ما لم تضمن طموحاتهم في تلكم المجالات. من هنا.. تنشأ حالة الضرورة الأمريكية التي ستجعل إدارة بايدين -بل أي إدارة مقبلة: جمهورية أو ديمقراطية- تَنحني للمطالب الخليجية، مهما كان حجمها، بُغية وَقْف الانتشار الجيوإستراتيجي الصيني، ووقف تعظيم قوتها الاقتصادية. وهنا تنكشفُ لنا طبيعة سياسة "فرِّق تسُد" المتجددة؛ فإدارة بايدين ستتعامل مع كل دولة خليجية على انفراد، حسب ثقلها في ترجيح كفتها في كبح تفوق بكين، وحسب مقدرتها المالية؛ مما قد يُحدِث بين الدول الست اختلالًا كبيرًا في حجم القوة الخشنة والناعمة معًا.
هذا ليس استشرافًا للمستقبل؛ بل هو ما حَاصل الآن، فهناك مفاوضات بين واشنطن وبعض دول المنطقة للتوصل لاتفاقيات تاريخية طويلة الاجل، وقد وصلت إلى مستويات متقدمة، وتقدِّم إدارة بادين لإحداها تنازلات كبرى لتحقيق الكثير من طموحاتها الإستراتيجية؛ مثل: بناء مفاعل نووي، وتشارك واسع في الذكاء الاصطناعي، وتمكينها تكنولوجيًّا. ومثل هذه المطالب ستُدخل دول الخليج في قلق من الاستفراد بالقوة التكنولوجية المدنية والعسكرية والسيبرانية؛ مما قد يؤدي بدوره لتقديم كل دولة لتنازلات لواشنطن خاصة والغرب عامة، حتى تؤمِّن لنفسها التوازن في القوة أو على الأقل الردع المناسب.
لذلك؛ نتوقَّع أن تنجح واشنطن في محاصرة بكين جيوسياسيًّا واقتصاديًّا وتجاريًّا بما فيها مشروع "الحزام والطريق" داخل المنطقة الخليجية. وللأسف، هناك عوامل كثيرة تجعل من إدارة بايدين تنجح في مسار الاستفراد بكل دولة خليجية؛ إذ إنَّ الرؤية التنموية طويلة الأجل لكل دولة بُنِيَتْ على أُسس التنافس وليس التكامل، رغم التفاهمات السياسية الجديدة نحو تحقيق الوحدة الاقتصادية. كما أنَّ الاستفراد الأمريكي بكل دولة سياسة أمريكية قديمة / جديدة، والآن تمارس بمثالية الأحادية النفعية التي تُعزِّز القلق الخليجي/الخليجي.
لكن، هل ينبغي الثقة في واشنطن مُجدَّدًا وهي لن تنصاع للمطالب الإستراتيجية الخليجية إلا تحت وطأة حالة الضرورة، لكبح بكين، بعد توصيات أجهزتها الاستخباراتية؟!! وحتى انصياعها هذا نشكُّ فيه، وقد توظِّفه حسب السياق الزمني لمواجهتها الصين. وهذا يعني أن الأصل الثابت هو عدم الثقة في أمريكا، ولن نتوغَّل في التاريخ؛ فذاكرتنا حيَّة بسحب قواتها من المنطقة لبحر قزوين، وجعل عواصم خليجية مفتوحة للصواريخ والطائرات المسيرة لجماعة "أنصار الله" الحوثية. لذلك على الوعي الخليجي أنْ لا ينساق نحو الفخ الأمريكي، وأن يبني مستقبل بلدانه من منظور التعاون مع الكلِّ، بعيدًا عن المُقاطعة أو الدخول في عداوات لصالح الحليفة واشنطن؛ لأنَّ إرهاصات تشكيل العالم الجديد، وبروز دول كبرى جديدة، وتراجع أخرى، يُحتِّم على دول مجلس التعاون أن تكون كتلة واحدة مُتماهيةً في أجنداتها، حتى يكون لها مركزٌ مؤثِّر. لذلك؛ فإن مسارها الأنسب الآن تحقيق أجنداتها التكاملية؛ كالإسراع في تحقيق وحدتها الاقتصادية ومنظومة دفاعاتها المشتركة، وقبلها -أو تزامنًا معها- التوصُّل لتأسيس ثقة سياسية مُستدامة يُبنى عليها المشترك الجماعي، وألَّا تُثير الفردية المخاوف مُجددًا.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الاستراتيجية الأميركية التي ينبغي أن تتخذها إدارة ترامب المقبلة تجاه ملف اليمن؟
بدأ الحوثيون في مهاجمة الشحن البحري في البحر الأحمر وخليج عدن، مستهدفين السفن الأمريكية والدولية التي يُفترض أنها مرتبطة بإسرائيل، وشنوا ضربات على إسرائيل نفسها. وبعيدًا عن الإيماءات الرمزية لدعم الفلسطينيين، فقد عرضت هذه الإجراءات التجارة العالمية للخطر، حيث أصبح البحر الأحمر - شريان الحياة الحيوي للتجارة الدولية - ساحة معركة خطيرة، وهددت بتوسيع حرب إسرائيل على غزة.
لم تكن تحركات الحوثيين مجرد بيان سياسي للولايات المتحدة: فقد تحدت مصالحها الاستراتيجية. ومع تعرض استقرار الطرق البحرية للخطر، أصبح الوضع في اليمن فجأة أزمة عالمية بعيدة المدى. ويبدو أن مستقبل اليمن ومستقبل التجارة الدولية مرتبطان الآن ارتباطًا وثيقًا بأفعال الحوثيين والاستجابة الدولية.
وفي محاولة لوقف التهديد المتزايد، ردت الولايات المتحدة بقوة. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بدأت القوات المسلحة الأميركية والبريطانية عمليات عسكرية ضد مواقع الحوثيين الرئيسية في مختلف أنحاء اليمن، ونفذت العديد من الهجمات الأخرى منذ ذلك الحين. ولكن على الرغم من الجهود الهائلة، كانت النتائج بعيدة كل البعد عن الحسم. فقد ظل عناد الحوثيين مصدر قلق للولايات المتحدة وحلفائها.
في الواقع، فشلت السياسات الأميركية في كبح جماح الحوثيين ونشاطهم في البحر الأحمر وفي الداخل، بل ساهمت الجهود الأميركية في استمرار الصراع في اليمن وتفاقم معاناة المدنيين في البلاد.
الفشل في تنفيذ نتائج محادثات السلام السابقة، بما في ذلك مبادرة مجلس التعاون الخليجي والمحادثات التي تقودها الأمم المتحدة، أدى فقط إلى تكثيف العنف. لقد أدى تفكك التحالف اليمني المناهض للحوثيين بسبب المصالح السعودية والإماراتية المتنافسة، إلى تقويض قدرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا على تحدي التمرد الحوثي. كل هذا مكن الحوثيين من تعزيز السيطرة، مما أدى إلى تعميق الأزمة.
سياسة بايدن في اليمن
لقد اتسمت سياسة إدارة بايدن تجاه اليمن بالتناقض: فقد ركزت في البداية على الإغاثة الإنسانية والدبلوماسية، ثم أعطت الأولوية للمشاركة العسكرية والعقوبات. في البداية، تحولت عن سياسة إدارة ترامب المتشددة بإنهاء الدعم الأمريكي للأعمال العسكرية الهجومية للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
كانت المخاطر عالية، وكان الرئيس جو بايدن يعلم ذلك. ولتوجيه الولايات المتحدة خلال التغيير، عين مبعوثًا أمريكيًا خاصًا لليمن، تيم ليندركينج، وعهد إليه بالعمل مع الأمم المتحدة لإنهاء الحرب وتحسين الوضع الإنساني. كما ألغت إدارة بايدن تصنيف ترامب للحوثيين باعتبارهم "منظمة إرهابية أجنبية" وإرهابيين عالميين مصنفين بشكل خاص .
كان هدف بايدن واضحًا: إعادة ضبط الأولويات الأمريكية، وتوجيه المسار نحو نهج دبلوماسي أكثر توازناً للصراع المدمر في اليمن. وعلى الرغم من هذه الجهود، ظل الحوثيون غير متعاونين، ورفضوا تقديم التنازلات.
لقد فاجأ تصعيد الحوثيين في أكتوبر 2023 من خلال هجمات الشحن في البحر الأحمر إدارة بايدن وأجبرها على إعادة النظر في نهجها. في ديسمبر 2023، أعلنت الولايات المتحدة عن إنشاء تحالف دولي - عملية حارس الرخاء - لتعطيل الهجمات البحرية للحوثيين. ثم شنت القوات العسكرية الأمريكية وحلفاؤها غارات جوية على أهداف عسكرية حوثية رئيسية، بهدف شل قدرتهم على تنفيذ الهجمات.
وفي يناير 2024، اتخذت الإدارة خطوة مهمة أخرى وأعادت تصنيف الحوثيين رسميًا كإرهابيين عالميين مصنفين بشكل خاص. كما وسعت وزارة الخزانة عقوباتها، مستهدفة الأفراد والكيانات المرتبطة بشبكات المشتريات والتهريب الحوثية.
وهكذا، غيرت إدارة بايدن نهجها نحو تبني المشاركة العسكرية. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2024، أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد جيه أوستن عن استراتيجية جديدة تقوم على "الردع والتدهور".
وكانت الرسالة واضحة ــ تركز الولايات المتحدة الآن على تفكيك القدرات العسكرية للحوثيين. وكانت الخطوة الأولى سلسلة من الضربات المستهدفة لمنشآت الأسلحة تحت الأرض التي يسيطر عليها الحوثيون.
وتحتاج إدارة ترامب الثانية إلى استراتيجية لمعالجة القضايا الأعمق المطروحة وتوفير أساس مستقر للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط. ولكن من المرجح أن تواجه الإدارة الجديدة تحديا في الموازنة بين الحاجة إلى تأمين حرية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن ومعالجة الأزمة الإنسانية وعدم الاستقرار السياسي في اليمن.
وقد تعقد هذا التحدي، الذي تواجهه الولايات المتحدة في اليمن منذ عام 2011 ، بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر. ولكن إعطاء الأولوية للحلول العسكرية يهدد بتفاقم الأزمة الإنسانية وتعميق عدم الاستقرار الإقليمي. وهذا يتطلب استراتيجية دبلوماسية لمعالجة قوة الحوثيين مع تجنب المزيد من زعزعة الاستقرار.
انتقادات للسياسة الأمريكية
ولم تفشل عسكرة الولايات المتحدة للبحر الأحمر في الحد من قدرات الحوثيين فحسب، بل شجعتهم عن غير قصد. ففي أكتوبر 2024، أفاد فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن أن الحوثيين شنوا ما لا يقل عن 134 هجومًا من مناطق خاضعة لسيطرتهم على سفن تجارية من العديد من البلدان بزعم أن السفن كانت متجهة نحو إسرائيل أو مرتبطة بها بطريقة أو بأخرى، وكذلك ضد السفن الحربية الأمريكية والبريطانية.
لم تكن هذه مناوشات بسيطة - فقد استخدمت بعض الهجمات صواريخ جديدة ومتطورة للغاية ، مما يمثل تقدمًا مذهلاً في القدرات العسكرية للحوثيين.
وكشف تقرير الأمم المتحدة أيضًا أن الحوثيين بدأوا في فرض رسوم غير قانونية على وكالات الشحن. وبتنسيق من قبل شركة مرتبطة بقيادي حوثي كبير، سمحت الرسوم للسفن بالمرور عبر البحر الأحمر وخليج عدن دون التعرض للهجوم. وبهذه الطريقة، حول الحوثيون الممرات المائية إلى مؤسسة مربحة، حيث جمعوا ما يقدر بنحو 180 مليون دولار شهريًا من رسومهم غير القانونية.
ورغم أن الأمم المتحدة لم تتمكن من التحقق بشكل مستقل من هذه المكاسب، فإن تقريرها قدم تلميحا مثيرا للقلق حول كيفية تمكن الحوثيين من إيجاد طرق للاستفادة من نفس الصراع الذي كانت الولايات المتحدة تسعى إلى احتوائه.
ومع تزايد التزام الجيش الأميركي بمحاربة الحوثيين في اليمن، أصبح من الواضح أن التركيز الأساسي كان على حماية المصالح الأمنية لإسرائيل. ولكن مع مرور الأشهر، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن هذا النهج العسكري كان له ثمن.
فقد تم إهمال القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية العميقة الجذور في اليمن لصالح الأهداف العسكرية قصيرة الأجل. وبدلاً من تخفيف المعاناة أو جلب الفصائل المتحاربة إلى طاولة المفاوضات، أدى الوجود العسكري الأميركي إلى تغذية حلقة من العنف.
ويبدو أن الغارات الجوية والتدخلات العسكرية، على الرغم من أنها تهدف إلى حماية المصالح الاستراتيجية، تتجاهل المبادئ الإنسانية التي كانت الولايات المتحدة تدافع عنها في السابق. وفي النهاية، لم تقدم الاستراتيجية أي مسار واضح للسلام.
التحديات التي تواجه الاستراتيجية الأميركية في اليمن
لقد كان الحوثيون قوة متنامية في اليمن لسنوات، ولكن في عام 2024، وصلت قدراتهم العسكرية إلى آفاق جديدة. لم يعودوا معزولين، بل شكلوا تحالفات جديدة قوية. وتُعد اتصالاتهم العميقة مع روسيا ملحوظة بشكل خاص: فقد بدأت موسكو في تقديم الاستخبارات العسكرية وبيانات الأقمار الصناعية للحوثيين، كما تضمنت المناقشات أيضًا عمليات نقل الأسلحة الروسية المحتملة ، بما في ذلك الصواريخ المضادة للسفن.
لكن الحوثيين لم يتوقفوا عند موسكو. فقد توسعت تحالفاتهم لتشمل الجماعات المسلحة العراقية مثل المقاومة الإسلامية في العراق وحتى جماعات مثل الشباب في الصومال. لم تكن هذه الروابط تتعلق بالأسلحة فحسب: بل كانت تتعلق بالمصالح المشتركة والجهود المنسقة لتحدي القوى الإقليمية.
الاتجاهات السياسية للإدارة المقبلة لترامب
ونظرا للقيود المفروضة على العمل العسكري الأميركي ــ بسبب افتقار الرأي العام الأميركي إلى الرغبة في المزيد من الصراعات، والحالة الضعيفة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، واحتمال شن حملة عسكرية لتعزيز قوة الحوثيين عن غير قصد ــ فيتعين على إدارة ترامب أن تركز على الدبلوماسية والتفاوض والحلول السياسية باعتبارها الوسيلة الوحيدة القابلة للتطبيق لحل أزمة البحر الأحمر واستقرار اليمن.
ولكي يتسنى لنا التصدي للتحديات بفعالية، يتعين على الولايات المتحدة أن تتبنى استراتيجية تتجاوز الإجراءات العسكرية الضيقة ضد البنية الأساسية للحوثيين.
ويتمثل العمل الحقيقي في معالجة الأسباب الأوسع نطاقا التي تغذي العنف. والخطوة الحاسمة الأولى ستكون في غزة، حيث أن وقف إطلاق النار هناك من شأنه أن يقلل من الإجراءات التي تؤدي إلى تأجيج التوترات.
ومن ثم، يتعين على الولايات المتحدة أن تتبنى نهجا جديدا في اليمن لمعالجة جذور قوة الحوثيين. فقد لعبت إيران وروسيا وحركة الشباب والميليشيات العراقية دورا في تعزيز التمرد الحوثي. ويتعين على إدارة ترامب أن تمارس ضغوطا دبلوماسية واقتصادية على هذه الجهات الخارجية لوقف دعمها العسكري والمالي للحوثيين. ولكن هذا لن يكون كافيا. ويتعين على الولايات المتحدة أن تدرك مدى ضرورة قطع خطوط إمداد الحوثيين بالأسلحة التي تعتمد على التهريب.
وينبغي لها أن تركز على طرق التهريب الرئيسية في البحر الأحمر وخليج عدن، حيث تتسرب الأسلحة. وينبغي تكثيف عمليات الحظر البحرية والبرية، مما يجعل من الصعب على الحوثيين الاستمرار في تلقي الموارد العسكرية.
إن معالجة الانقسامات الداخلية في اليمن تشكل أهمية بالغة. ويتعين على الولايات المتحدة أن تركز على نهج متكامل يوازن بين التدابير المناهضة للحوثيين والجهود الرامية إلى مساعدة اليمن على إعادة بناء حكمه والمصالحة بين الفصائل المتنافسة.
وهذا ضروري لتجنب تفاقم تفتت البلاد. وإلا فإن اليمن تخاطر بأن تصبح ساحة معركة بالوكالة بشكل دائم، محاصرة بين قوى خارجية، دون أمل في التوصل إلى حل داخلي. ويتعين على الولايات المتحدة أن تدعم الاستقرار السياسي والاقتصادي في اليمن، وهو ما من شأنه أن يضمن بدوره الأساس لتعافي اليمن مع تعزيز الأمن الإقليمي.
بالنسبة للإدارة القادمة لترامب، فإن الدروس المستفادة من الماضي واضحة. فلا ينبغي للولايات المتحدة أن تعتمد بعد الآن على استراتيجيات مجزأة تعالج أعراض الأزمة اليمنية فقط. ولإحداث تحول حقيقي في مسار الصراع في اليمن، يتعين على الولايات المتحدة أن تعالج القوى الأعمق وراء الصراع.
إن مفتاح النجاح هو التعاون. حيث يتعين على الولايات المتحدة أن تعمل جنباً إلى جنب مع الشركاء الدوليين والإقليميين لتطوير إطار موحد للسلام ــ إطار شامل ومستجيب لاحتياجات جميع الفصائل اليمنية. وهذا يعني ضمان ألا تكون الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مجرد واجهة، بل سلطة فعّالة وقادرة على تولي القيادة.
ويتعين على الولايات المتحدة أيضاً أن تضغط على الجهات الفاعلة الإقليمية الرئيسية، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لتوحيد جهودها في اليمن. فقد كان التنافس بينهما لفترة طويلة عقبة رئيسية أمام أي وحدة مجدية في اليمن.
ولن يتسنى لهما المساعدة في استقرار البلاد إلا من خلال وضع خلافاتهما جانباً وتنسيق جهودهما. وبفضل النفوذ الدبلوماسي الأميركي، قد تتمكن هذه الجهات الفاعلة من تشكيل إطار تعاوني يتصدى للتحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تواجه اليمن.
المصدر: المركز العربي بواشنطن