جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-10@21:19:15 GMT

ما بين السلام والحرب

تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT

ما بين السلام والحرب

 

 

 

د. جمالات عبدالرحيم **

 

يجب أن يفهم العالم كله أنَّ "السلام" اسم من أسماء الله الحسنى، وقد أوصى الله الأنبياء بالسلام؛ فكيف لا يعترفون برسالات الأنبياء جميعاً؟ كيف يُعلنون أمام العالم أنهم دعاة سلام مثل أمريكا وإسرائيل؟

إنَّ الواقع الأليم أنَّ أمريكا تدعم الاحتلال الصهيوني، وتشجع على إعلان الحروب على المنطقة العربية، فكيف في نفس الوقت تدَّعي السلام مع الدول العربية ومن ناحية أخرى تجمع حلفاءها لمحاربة الشعب الفلسطيني، فتنشر الإرهاب في المنطقة العربية لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة بأكملها؟!!!

فعن أيِّ سلام تتحدث أمريكا التي تحاصر المنطقة العربية عن طريق الترسانة النووية، وتحالفها الدفاعي مع تركيا لحصار المنطقة، ودفاعها نحو مزيدٍ من التهديد ووضع الاستعداد الذي تتَّخذه طوال الوقت لتُثير المواطنين في مصر حينما تقتل أهالي غزة، فأصبح المواطن المصري كذلك في حالة توتُّر مستمر ورفض لأي عنف تفعله أمريكا وإسرائيل والعصابه الدولية مع أهالينا في غزة؛ حيث أصبح الوضع حرجًا جدًّا نظراً لعدم وضوح الرؤية في هذه المرحلة التاريخية الصعبة.

لقد أصبح الفعل السياسي يأتي ليُناسب الواقع، فلا تطمينَ أو تهدءة بينما البركان  يغلي من تحتنا جميعا.

كما أنَّ الإعلام السليم المثمر هو الإعلام الذي يتحدَّث عن الواقع ولا يغرق في الأحلام ولا يغني مع الأماني والشعارات، ولا يرقص في محافل الطلاب والزُّمَر ومن تحته براميل من البارود.. بعيدًا عن الهوس بما يدور في خلفية المشهد التاريخي بالتفاوض الذي يتصافح فيه الأطراف ويتبادلون الابتسامات الباهتة بينما الدماء تغطي وجوهَ الأبرياء على أرض الواقع في غزة التي هي جزء لا يتجزأ من أرض فلسطين العربية.

وبدون أدنى مجاملة، يجب أن يصل إلى الناس حقيقة ما تفعله أمريكا وإسرائيل في ضحايا الحروب؛ حيث أن العرب يواجهون روحا عدوانية وراءها الجبروت الأمريكي بتأييد أوروبي وعالم يتفرج في سلبية عجيبة.

وكيف للغرب أن يدَّعي الصداقة مع الأنظمة العربية، ومن ناحية أخرى يتعاون مع الاحتلال الصهيوني بمساندة أمريكا؟ لماذا يتسلَّح الغرب بالترسانة النووية والميكروبية والكيماوية؟ هل لحفظ السلام في المنطقة العربية، أم لمآرب أخرى؟ ولماذا لم يسمحوا لأي دولة عربية أن تتسلَّح بنفس الأسلحة التي معهم؟ ببساطة لأنهم مع الجبروت الأمريكي الصهيوني. وأصبح العرب تحت سيادة هذه الدول التي تدعم الإرهاب الصهيوني منذ بداية الاحتلال لأرض فلسطين، ونسي هؤلاء أو تناسوا دروس التاريخ وعبره، وأن التاريخ لمن يقرأه ويقر بآيات الله في الأقوام الغابرة: "قُل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم"، فهل يَعْتَبِر ظالمو اليوم بما حدث لأشياعهم بالأمس؟

ويبقى السؤال في الأخير: كيف دقَّتْ أمريكا وإسرائيل طبولَ الحروب من جديد على إرهاب أهالي فلسطين وقتل أهالي غزة؟ ولأجل ماذا؟ من أجل إرهاب المنطقة العربية بالكامل، في وقت منعوا فيه القوات الحربية العربية من الانضمام للمقاومة الفلسطينية؟ أسئلة كثيرة ومتشابكة ثم يأتون بعدها ليتحدثوا عن السلام.. عن أي سلام يتحدثون؟!

** خبيرة العلاقات السياسية والدبلوماسية وحقوق الإنسان

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الحرب ليست خيار الأقوياء دائما

يملك التاريخ الكثير من الحقائق التي تستحق أن نعود إليها بين فترة وأخرى؛ لأنها تشكلت عبر الكثير من الممارسات والتجارب وتحولت مع الزمن إلى ما يمكن أن نطلق عليه بالقواعد الثابتة. ومن بين حقائق التاريخ التي لا غنى من العودة إليها، لفهم مسار الأحداث فـي الشرق الأوسط، حقيقة تقول: «إن السلام لم يكن يوما غاية لأولئك الذين لا يستطيعون العيش إلا وسط الخراب». وإذا كانت هذه الحقيقة تصدق على الكثير من بقاع العالم المشتعل بالحروب فإنها فـي منطقة الشرق الأوسط أكثر صدقا بحكم التجارب العملية التي نعيش تفاصيلها منذ عدة عقود مضت. وابتلي الشرق الأوسط، بحكم الجغرافـيا والسياسة والأيديولوجيا، بعقليات لا ترى فـي التعايش خيارا يستحق العمل من أجله، بل تعتبر الحروب والصراعات بيئة طبيعية لاستمرار نفوذها. وتتضح هذه العقلية بشكل جلي فـي دولة الاحتلال الإسرائيلي ومن دار فـي فلكها من كيانات الشرق الأوسط ودوله. وهؤلاء لا يملكون مشروعا إلا الهيمنة والعمل على ضرب كل مواطن القوة والثبات فـي هذه المنطقة، ووسيلتهم لتحقيق ذلك تتمثل فـي إبقاء المنطقة مشتعلة وتشويه المحاولات التي من شأنها إطفاء الحرائق التي تُشعل هنا وهناك.. وهؤلاء لا ينظرون بعين الرضا لأي صوت يدعو إلى التهدئة، أو لأي طرف يسعى بصدق إلى نزع فتيل الأزمات أو لأي دولة تسعى للحفاظ على رسوخها وعلى قيمها ومبادئها.

ووسط هذا التداعي وهذا الخراب السياسي والقيمي وهذه الحرائق السياسية المشتعلة فـي كل مكان من المهم الحديث عن التجربة العُمانية لما فـيها مما يمكن أن يكون أنموذجا يستحق المتابعة.. فإذا كان للتاريخ حقائقه فإن لعُمان تجاربها، أيضا، والتي شكلت الحقائق التي تقوم عليها السياسة العمانية التي نعيشها اليوم، وأهم تلك الحقائق أن السلام لعُمان خيار استراتيجي، وهذا الخيار يقتضي الحكمة والصبر، والقدرة على التفاعل مع جميع الأطراف دون تحيز. وخيار السلام الذي نتحدث عنه فـي عُمان، دائما، لم يأتِ من العدم، ولكنه جاء بعد حروب طويلة قامت عُمان فـيها بدور الحامي للجزيرة العربية ليس ابتداء بتحريرها من الاستعمار البرتغالي وليس انتهاء بوقف المد الماركسي الذي حاول الولوج عبر استغلال رغبات حقيقية لأناس يريدون تغيير واقعهم نحو الأفضل. وبين هذه وتلك الكثير من الأدوار التي يعرفها التاريخ ويعرفها المنصفون من كتابه ومتأمليه؛ لذلك فإن خيار السلام تشكل عبر وعي طويل بماهية الحرب وبماهية الصراعات ودورها فـي تقويض الأمم والحضارات ونسف منجزاتها الإنسانية.

إن موقف سلطنة عُمان من صراع النفوذ فـي المنطقة ـ وهو صراع يتلاعب ببعض الدول والقوى ويسخرها من أجل تنفـيذ أجنداتها الهدامة بوعي منها أو كونها كيانات وظيفـية هذا دورها فـي الأساس ـ موقف واضح جدا، وهو البعد عن الاستقطابات وتمويل الحروب وصب الزيت عليها، وهي بذلك لا تسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية آنية على حساب استقرار المنطقة، لكنها فـي الوقت نفسه تقف مع القضايا العربية والإنسانية العادلة؛ لأن فـي دعمها دعم للحق وتشهد التجارب التي باتت واضحة للجميع صدق هذا الطرح ومنطقيته.

إن ما يحدث فـي المنطقة اليوم هو تشكيل للشرق الأوسط الجديد الذي تحدثت عنه الأدبيات الصهيونية منذ عقود طويلة وما حدث ويحدث فـي قطاع غزة وفـي لبنان وفـي سوريا وفـي العراق وإيران هو فـي سياق ذلك التشكيل الذي بات أكثر وضوحا الآن ويمكن رؤيته.

لا يريد البعض الاعتراف أن وقف إطلاق النار ضرورة ملحة للمنطقة بأسرها وليس لقطاع غزة أو الفلسطينيين فقط؛ فعودة الحرب عودة لكل تجليات الأزمة: عودة إسرائيل لارتكاب جرائم الإبادة ضد الشعب الفلسطيني ما يعزز ويؤكد صورة إسرائيل فـي الوجدان الجمعي العالمي، كما أن عودة الحرب عودة لتفاقم التوترات فـي البحر الأحمر والهجمات التي تستهدف حركة الملاحة الدولية. ومن المستفـيد من هذا السيناريو؟ لا أحد. حتى القوى العظمى التي تدّعي حماية حرية التجارة تدرك أن تأجيج الصراع سيضر بمصالحها الاقتصادية على المدى الطويل.

أما على الجانب الفلسطيني، فإن الشعب الذي صمد أمام كل أشكال القمع لن يتراجع الآن، لأنه لم يعد لديه ما يخسره. فإذا نكثت إسرائيل عهودها كما تفعل دائما، وإذا استمرت فـي سياسة القتل والتهجير، فهل يتوقع أحد أن يسلم الفلسطينيون رقابهم؟ إنهم فـي هذه المرحلة أكثر وعيا بأن الحرب ليست خيارا، لكنها فرضت عليهم، وأن المقاومة لم تعد مجرد رد فعل، بل أصبحت قرارا استراتيجيا لشعب لم يعد يملك سوى الصمود.

وأمام هذا المشهد لا بد من دعم الجهود التي تسعى نحو السلام أينما كان، وبأي أوراق أمسكت، سواء فـي قلب الأزمة الحقيقية حيث الكيان الصهيوني أو حيث التداعيات التي أوجدتها تلك الحرب وتفاعلت معها. ولذلك تبرز أهمية القنوات الدبلوماسية التي يمكن فتحها والدخول عبرها من أجل تحقيق الهدف من السلام والاستقرار وهذه القنوات جوهر من جواهر العمل الدبلوماسي التي يعرفها أهل السياسة ويحافظون عليها حتى فـي أسوأ لحظات المواجهة؛ لأنهم يعرفون قيمتها والدور الذي تقوم به فكيف إذا كانت هذه القنوات بأيدي دول مشهود لها بالنزاهة وبالحياد وبصدق المبادئ.

ومن بين النماذج التي يمكن الحديث عنها القنوات التي بقيت فـي أيدي سلطنة عمان فـي العصر الحديث والتي عبرها استطاعت المساهمة فـي إطفاء الكثير من الحرائق التي كانت توشك على الاشتعال فـي منطقتنا وتم عبر تلك القنوات فتح حوارات حقيقية أثبتت للعالم أن السلام يمكن أن يصبح حقيقة بين أكبر الأعداء عندما تتوفر الرغبة والإرادة.

إن صوت العقل والحكمة الذي تتبناه السياسة العمانية خليق أن يُسمع لأنه ينطلق مع وعي عميق بماهية الحرب وماهية ما يحاك للمنطقة والنتائج التي يمكن أن يسفر عنها استمرار المشروع الصهيوني.

وستعلم إسرائيل ومن يدعمها فـي المنطقة ويأتمر بأمرها وينفذ أجنداتها أنهم جميعا يذهبون نحو الجحيم عاجلا أم آجلا. وقد مرّ الشرق الأوسط بفصول كثيرة من الدم والنار، وفـي كل مرة كان الحل يأتي فـي النهاية عبر طاولة المفاوضات، وسيأتي يوم يدرك فـيه الجميع أن منطق الصراخ لا يبني دولا، والتآمر لا يبني حضارات وإنّ صوت العقل، وإن كان خافتا، يبقى أقوى من ضجيج المدافع. وعُمان باقية على مواقفها ليس لأنها تبحث عن مجد سياسي، فمجدها منقوش على صخورها الصلدة، ولكن لأنها ببساطة تدرك أن التاريخ لا يرحم أولئك الذين يختارون الحرب وهم قادرون على تحقيق السلام.

عاصم الشيدي رئيس تحرير جريدة«عمان»

مقالات مشابهة

  • غزة .. السلام والحرب
  • مبادرتنا للسلام.. أم مبادرة نتنياهو و سموتريتش؟
  • أمريكا تندد بالمجازر التي حدثت في الساحل السوري
  • أمريكا تأمر موظفيها بمغادرة جنوب السودان فورًا
  • سموتريتش: نعمل مع أمريكا لتحديد البلدان التي سيهاجر إليها سكان غزة
  • ماذا نعرف عن المساعدات العسكرية التي قدمتها أمريكا لأوكرانيا قبل قرار ترامب بإيقافها؟
  • الحرب ليست خيار الأقوياء دائما
  • مخاوف حول تنظيم كأس العالم 2026.. ما الصعوبات التي ستواجهها أمريكا؟
  • هل ستندلع الحرب من جديد بين حماس وإسرائيل؟.. أستاذ علوم سياسية يكشف لـ «الأسبوع» مصير مفاوضات
  • أشرف سنجر: الخطة المصرية العربية لاقت قبولًا دوليًا .. وإسرائيل الوحيدة الرافضة