لينا الموسوي
الأمل شعورٌ فطريٌّ جميل، يُغذِّي الشخصَ ويزوده بشحنة إيجابية تدفعه للأمام، لكنه أحيانا يتوقَّف لحظة ويتساءل عن كيفية الحصول على هذا الشعور ضمن كلِّ التعقيدات الحياتية المحيطة به من التزامات مادية واجتماعية ومهنية وتقنيات مُعقَّدة وحروب وآلام مستمرة!!
فالأمل هو اليقين والتوكُّل الذي ذكره الله لنا في القرآن الكريم، والتفاؤل الذي أوصانا به الرسول صلى الله عليه وسلم، حين قال في حديثه الشريف: "تفاءلوا بالخير تجدوه".
فلولا هذا الشعور الفطري المتفائل الذي أنعم الله تعالى به علينا، لما تطوَّرت الأمم ولا تقدَّمت العلوم، ولا وصل الإنسان إلى هذه المراحل من تقنيات وتكنولوجيا.
في الحقيقة، إنَّ الجمعَ بين الأمل والعمل مُوازنة جميلة تجمع بين المشاعر الداخلية الإيجابية التي يشعر بها الإنسان، والحركات الفزيائية الجسدية التي تتحفَّز وتندفعُ فتقوِّي الإرادة للعمل والإنتاج وتحقيق الأهداف.
ولكن أحيانا تنطفئ شموع الأمل في بعض الأمم بسبب الحروب وسوء العمل، فتتحول فيها القلوب والمشاعر الإيجابية إلى حُطَام وبقايا حلم مندثر يحتاج أياديَ جميلة تلم ما قد تكسَّر وانتشَر.
فالأمل والتفاؤل والشعور الإيجابي، تتبلور تدريجيًّا داخل الإنسان؛ وذلك بالتمرين والسعي نحو كل ما هو يُريح النفس وينير العقل، وتحسُّس كل ما هو جميل من حوله، والتفكُّر والرضا والاقتناع بما لديه من قدرات، والإيمان بالمستحيلات وقوة الأحلام والتخيُّلات، لتتحول أحلامه وطموحاته إلى نتاجات تكون مفيدة للمجتمعات تساعده في التقدُّم والتطوُّر، فيكون بدوره الوقود الحقيقي لكل عمل نقوم به في الحياة.
فلنُضِئ قلوبَنا وعقولنا بوقود الأمل لنحصل على أجمل مُجتمع مبني على الرُّقي والقيم، فلا يوجد مستحيل في هذا الزمن.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الغيب في الإسلام: بين علم الله وحذر الإنسان
في حديث صحيح أخرجه الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال صلى الله عليه وسلم: "مِفْتَاحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ: لا يَعْلَمُ أَحَدٌ ما يَكونُ في غَدٍ، ولا يَعْلَمُ أَحَدٌ ما يَكونُ في الأرْحَامِ، ولا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وما يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَجِيءُ المطرُ".
من خلال هذه الكلمات النبوية الشريفة، يوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك خمسة أمور من الغيب التي لا يعلمها إلا الله وحده. هذه الأمور تتعلق بالمستقبل والمجهول، مثل ما سيحدث غدًا، أو نوعية الأعمال التي سنكتسبها، أو حتى المكان الذي سنموت فيه. ومن هنا، يظهر أحد الأسس الأساسية في العقيدة الإسلامية التي تُقر بأن الغيب بيد الله وحده، ولا يمكن للبشر أن يدركوه بمفردهم.
علم الله بالغيبيقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (لقمان: 34). هذه الآية تؤكد على أن الله سبحانه وتعالى هو الوحيد الذي يعلم الغيب، بما في ذلك علمه بكل تفاصيل حياتنا ومستقبلنا. هذا العلم ليس محصورًا في الحاضر، بل يمتد ليشمل كل ما هو مخفي عن أعين البشر، مثل أقدار الناس، ومتى سيموتون، وأين سيموتون، وما سيفعلون في المستقبل.
الاختلاف بين العلم الغيبي والعلم البشريرغم التقدم العلمي الهائل الذي شهدته البشرية في السنوات الأخيرة، خصوصًا في المجالات الطبية والتقنية، فقد استمر العلم في حدود معينة ولم يتمكن من الوصول إلى معرفة الغيب الذي حذرنا الله من التجرؤ على التنبؤ به. ومن أبرز الأمثلة على ذلك معرفة جنس الجنين في بطن أمه، وهو أمر يمكن للطبيب تحديده في مرحلة معينة من الحمل باستخدام وسائل علمية مثل السونار. ومع ذلك، لا يمكن للبشر تحديد حياة هذا الجنين أو موعد ولادته أو أي تفاصيل أخرى تتعلق بمستقبله. ولا يزال الأجل ورزق الإنسان متعلقا بمشيئة الله وحده، كما يذكر الحديث الشريف.
التحذير من الدجالين والمشعوذينما بين الحقيقة العلمية والدجل، هناك فارق كبير يجب أن يتنبه له المسلم. ففي الوقت الذي يعترف فيه العلماء بعجزهم عن معرفة الغيب، يروج البعض لتنبؤات معتمدة على الخرافات والشعوذة. قد يحاول البعض الادعاء بمعرفة المستقبل، سواء عبر قراءة الكف أو التنبؤ بالأبراج، في سعي لتحقيق مكاسب شخصية على حساب جهل الناس أو خوفهم من المجهول. لكن يجب على المسلم أن يكون واعيًا بأهمية الرجوع إلى الله وحده في أمور الغيب، وألا ينجرف وراء هذه الادعاءات الزائفة.
عبرة من قصة إبراهيم والنمرودفي قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع النمرود بن كنعان، يظهر لنا درس عظيم عن الجهل بالغيب. ففي حين ادعى النمرود القدرة على إحياء الموتى، رد عليه إبراهيم عليه السلام بإثبات قدرة الله وحده على التحكم في الحياة والموت، قائلاً له: "إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ". هذه الحجة البسيطة كانت كافية ليفشل النمرود في تحديه لله ويُسكت حِجَجه.
الغيب هو مجال لا يمكن للبشر التنبؤ به إلا إذا كشفه الله عنهم، ولذلك يجب على المسلم أن يكون حذرًا في التعامل مع المعتقدات الخاطئة حول معرفة المستقبل. فالتأكيد في الإسلام هو أن الغيب لا يعلمه إلا الله، ومن يزعم أنه يملكه فهو في ضلال. لذا، يجب أن نعتمد على علمنا وديننا في توجيه حياتنا ونبذ التشاؤم والتعلق بالأوهام.