جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-20@20:58:33 GMT

تراتبية الشواش وخفايا السببيَّة

تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT

تراتبية الشواش وخفايا السببيَّة

 

 

ماجد المرهون

majidomarmajid@outlook.com

 

تُوجد بديهيات للسيطرة، ولا يسهل نقضها عِلميًّا حسب المنهج الإنساني المعتاد، ولا يختلف على وثاقتها أحد كالقوة والنفوذ والمعرفة، وهي تتسق معًا -إذا ما تأطرت بالحكمة والنزاهة والواقعية- حتى تتمكَّن من الوصول لمستوى القبول الذي يُؤهلها لقابلية التطبيق والعمل بها، وغالبًا ما تتموضع هذه البَدَائِه سالفة الذكر تدريجيًّا وتراكميًّا على مرحلة زمنية طويلة؛ إذ لا يُمكن أن تنشأ فجأة لمجرد رفَّة جناح حشرةٍ لا وزن لها، وقد يُفضِي التحكُّم بالأولويات -وإن شابها شيءٌ من الخلل الساذج- إلى إطالة عمر ما بُني عليها لاحقًا خلال فترات مُتطاولة من الزمن، لكنها ستنتهي في مرحلةٍ ما، وقد لا تظهر عوارض النهاية التي ربما تكون أسبابها متناهية الصغر؛ مثل: تزحزح ذرة تراب قبل ألف عام في سفح إمبراطوريةٍ راسخة كالطَّود العظيم وهي غارقة في اعتقاد تحكُّمها بالأقدار من قِمتها المُناطحةِ للسحاب، ولكنَّ مبدأ التسخير الغامض لن يتوقف عن ضبط تقديراته الدقيقة.

تُحاول في أقصى الشرق فراشةٌ خفيفةٌ الوصولَ إلى زهرةٍ أعلى الشجرة، وبالطبع فإنَّ أثر رفرفة جناحها تافهٌ جدًّا لدرجة أنه لا يُذكر كي تصنع فوضى ذات تأثيراتٍ متتابعة وتصل تبادلياتها إلى تطوير أحداثٍ تسلسلية مرتبطة فيما بينها بنوع من التواتر، لتُنتج أخيرًا حدثًا كبيرًا يقلِب موازين حضارةٍ كاملة في الغرب البعيد، ومع أنَّ احتمال هذه التراتبية شديد الضآلة إلا أنه وارد في مفهوم نظرية الفوضى، وقد لاحظ فارسٌ شديد الولاء لإمبراطوريته ذلك صباحَ يومٍ مُشرقٍ عند تغيُّر لون السماء في الأفق، لكنه كان غير مكترث مع تقديم الأولويات في انتظار انتهاء صانع الحدوات من تثبيتها على حوافر حصانه، ولم يعلم أنَّ البيطار الكهل قد أهمل تثبيت أحد المسامير في إحدى الحدوات لانشغاله بكل الأعمال بعد أن أودَى به غضبه قبل عامين لطرد مساعده الشاب، الذي كان يُعِينه على إتمام المهام الثانوية نظيرَ أجر زهيد ليتفرغ هو للحدادة المربحة، ويُشاع مؤخرًا أنَّ الشاب الصغير مساعد الحداد قد هاجر إلى منطقة أخرى وأسَّس لعمله الجديد ولكن بطرقٍ أكثر تطورًا وحداثة وسرعة، مستفيدًا من خبرات الحداد الأحمق.

تبدُو السُّلوكيات البسيطة أحيانًا غير ذات أثرٍ على الهيكل العام، وهي شذوذات صغيرة غير مقصودة، وربما تكون معلومة لكنها هشَّة يسيرة ولن تضر بالأساس البنيوي الذي يقوم عليه النظام ككل، بَيْد أنَّ اتحادها مع بعض المتغيرات الظرفية غير القابلة للرصد قد يؤدي لنتائج غير متوقعة وتحيد بنهج السيطرة إلى الشواش والفوضوية، لتأتي على بديهيات القوة والنفوذ والمعرفة، وتنسفها من أساسها نسفًا، وهذا ما كان يفكر فيه الفارس بعد امتطائه صهوة جواده منطلقًا في قيادة الجيش لدحض حملةٍ مناهضةٍ تشكلت على مقربةٍ من سفح الجبل الذي تتربَّع عليه القلعة المُحصَّنة للإمبراطور الخرِف، وقد أدرك الفارس في نقطة اللاعودة عدم ثبات خطوات حصانه، وهو لا يعلم أنَّ إحدى حدواته بدأت بالتخلخُل نتيجة سقوط مسمارٍ غير مُحكم التثبيت، كما لا يعلم الحدَّاد أنَّ مساعده الشاب قد طوَّر أعماله لصناعة أنواع من الأسلحة ذات جودةٍ عالية وأسعارٍ مُتدنية، مكَّنتْ الفقراء الناقمين من امتلاكها واستخدامها للقيام بثورة ضد الإمبراطورية التي لا تُقهر، وفي الجانب الشرقي القَصِي، وراء الجبال، تشكَّلت غيومٌ عملاقة تنبئ بتطوُّرها إلى إعصار مع هروب الفراشة للاعتصام بمكانٍ آمن.

كل الأمور تحت السيطرة في ظاهرها العام، وحسب القوانين والأنظمة التي وضع أُسُسها النظام، ومطردة مع التطوُّر الحضاري الطويل نسبيًّا في عمر الإنسان لخدمته وخدمة مجتمعه، وهي مبنيَّة على المعايير العلمية والخبرات التي اكتسبها خلال الفترات الماضية، وتبدو رصينة متماسكة لا يُمكن لأيَّة احتمالات اختراقها، كما لا يمكن وضع افتراضاتٍ سلبية بعيدة من شأنها تغيير المنهجية التي تسير عليها منذ عقود، وهذا ما يُؤكده مجرى الحياة اليومية ويُصَادِق عليه، ولكن فيما وراء الظواهر تعملُ بعض التقاطعات البسيطة ضد مجرى الأحداث، ولا يمكن قياسها أو حسابها، فهو جنوح غير قابل للتطبيق ولا التصديق، إلا أنَّ وقوعه الذي يناهز المستحيل مُمْكِن الحدوث.

تُعتبر بعض الظواهر البسيطة مُجرَّد شؤون سطحية جدًّا يمكن التعامل معها، ولكن تُشير كلُّ المؤشرات العميقة غير المُدركة إلى سقوط الإمبراطورية، وتدلُّ كل الدلائل الخفية على اقتراب ساعة النهاية؛ حيث ذرة تراب في قلب جبل القلعة الحصينة قد حرَّكت معها ذراتٍ في تراتبية منظمة لمئات السنين، وأحدثت خللًا في البنية الأساسية للجبل، وثار إعصار مُدمِّر من رفة جناح فراشة ليُغرق كلَّ تجهيزات الدفاع الاحتياطية التي اتَّخذها الإمبراطور المتخبِّط، وأسهم تسريح الحداد الغبي للشاب المجتهد في نشوء قوة جديدة أكثر تجهيزًا وتنظيمًا وراسخة الإيمان بعقيدتها، وسقوط حُدوة حصان الفارس عطَّل وصول الجيش في الوقت المناسب لمُلاقاة الثورة الشعبية، وما هي إلا سُوَيْعَات حتى جاء أمر الحسم، وانهارت معه كل ما صنعته هذه الحضارة، بعدما اتخذت كامل زخرفها، وانتهت وهي في قمة قوتها، وباتت تُرْوَى في كتب التاريخ، ويضع لها كلُّ مستكشفٍ فرضيته الخاصة في زوالها وأفول نجمها.

مهما بَدت قابلية الرَّصد للقوانين الطبيعية، ومهما بدت قابلية التطبيق للقوانين الوضعية، إلا أنَّها ستبقى هزيلةٍ ضعيفة مقابل قوانين ما وراء الطبيعة، والتي لن تفشل سببيتها في إحداث التغييرات، ولن تتوقف القوانين الربانية التي تجري على أساس تسخير الأحداث عن العمل، وما قد يبدأ من العدم في النطاقات غير المُدرَكة وتتوالى بعده الأحداث إنما هي رُتب مُقدَّرة، وتحتشد بكل دقة وإتقان، ولا نُلقي بها إلى مسميات الفوضى والشواش والحتمية وتأثير الفراشة إلا لضعفنا أمامها، وعدم إحاطتنا علمًا بها، وستأتي نتائجها في حينها المعلوم، ولا يُستَعجل أمرُ الله باستعجالِ أحد؛ حيث إنَّ المُستبد والمنصف والظالم والمظلوم جميعًا في قبضته.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

تعرف على تطبيق ريد نوت الذي بدأ يستبدل تيك توك

في اللحظات التي يقف فيها "تيك توك" على أعتاب الحظر الأميركي لينتهي إلى مصير يشبه "هواوي" بدأ نجم آخر يسطع، وهو تطبيق "ريد نوت" أو كما يعرف في الصين باسم "شياوهونغشو".

ورغم أن "ريد نوت" ليس وليد اللحظة -إذ تأسس في عام 2013- فإنه اكتسب جماهيرية واسعة هذه الأيام بفضل هجرة مئات الآلاف من المستخدمين إليه بدلا من "تيك توك" فيما يشبه مظاهرة رقمية احتجاجية بشأن حظر "تيك توك" والأسباب التي قدمتها الحكومة الأميركية لهذا الحظر.

لذا، وبدلا من التوجه إلى تطبيقات التواصل الاجتماعي الأميركية التي تقدم ميزات تشبه "تيك توك" اختار الجمهور تطبيقا صينيا آخر، في تعبير واضح عن رفضه شركة "ميتا" و"يوتيوب" وكل التطبيقات التي تحاول محاكاة "تيك توك".

لكن إن كان "ريد نوت" قديما وجيدا هكذا فلماذا لم ينتشر في العالم مثل "تيك توك"؟ ومن يملك هذا التطبيق؟ وهل يمكن أن يصبح الخيار الأول لمحبي مقاطع الفيديو القصيرة؟

"إنستغرام" الصيني

بشكل مبسط، يمكن وصف تطبيق "ريد نوت" بأنه الرد الصيني على "إنستغرام"، إذ يحمل فكرة العمل ذاتها التي تتيح نشر مقاطع فيديو أو صور ثابتة أو حتى نصوص مباشرة في التطبيق، وذلك رغم اختلاف الواجهة قليلا بين "إنستغرام" و"ريد نوت".

إعلان

يعد التطبيق أحد أبرز تطبيقات التواصل الاجتماعي في الصين مع قاعدة مستخدمين تتخطى 300 مليون مستخدم شهريا مع كون الأغلبية للسيدات وأبناء الجيل "زد"، لذا يركز التطبيق على تقديم نصائح عن السفر والموضة والأزياء وأحدث صيحات الطعام، وغيرها من الأمور.

وتعود ملكية التطبيق إلى المؤسسين شارلوين ماو وميراندا كو فانغ بعد تأسيسه في عام 2013 بمدينة شنغهاي الصينية، ولاحقا تمكنت الشركة من جمع استثمارات متنوعة من كبرى الشركات التقنية الصينية، مثل "تينسينت" و"علي بابا" لتصل قيمة "ريد نوت" بحلول نهاية 2024 إلى ما يوازي 17 مليون دولار.

ويتمتع التطبيق بأثر واسع في المجتمع الصيني، ويمكن القول إنه يؤثر في الوعي الجمعي للمجتمع الصيني رغم أن شعبية التطبيق في السنوات الماضية كانت محصورة في الصين، إذ استطاع مستخدموه في عام 2023 تحويل مدينة دوسلدورف الألمانية إلى وجهة أساسية في رحلات الصينيين إلى ألمانيا، وذلك بفضل مطعم صيني يقدم تجربة مميزة.

وفي الأسابيع الماضية قفز التطبيق إلى طليعة قوائم التطبيقات الأكثر تحميلا في متجر "آبل" و"غوغل" على حد سواء، وذلك بعد هجرة مستخدمي "تيك توك" إليه ورغم وجود حواجز عديدة في الدخول إلى التطبيق.

"ريد نوت" ليس وليد اللحظة إذ أُسس في عام 2013 (مواقع التواصل الاجتماعي) نسخة واحدة لكل العالم

تعمد الشركات الصينية في العديد من الأوقات إلى إطلاق نسخة عالمية من تطبيقاتها ونسخة محلية موجهة للسوق الصيني، وذلك مثل "بايت دانس" التي تملك نسخة صينية لا يمكن تحميلها في الصين من "تيك توك"، فضلا عن تطبيق "وي شات" الذي يوفر الخيار نفسه.

لكن تطبيق "ريد نوت "لم يكن مستعدا لطوفان المستخدمين من خارج الصين، لذا لا يملك التطبيق إلا نسخة واحدة ذات واجهة واحدة وسياسة استخدام واحدة موجهة لجميع المستخدمين حول العالم، ورغم أن التطبيق قد يكون متاحا في جميع الدول فإن الشركة المطورة لم تكن تخطط للتوسع العالمي في الوقت الحالي.

إعلان

غياب هذه الخطط جعل التطبيق مخصصا بشكل فج للجالية الصينية داخل حدود الصين أو خارجها، إذ تعمل واجهة التطبيق باللغة الصينية رغم وجود خيارات لغات أخرى لكنها أقل جودة، فضلا عن أن المحتوى الموجود داخله يركز على الصين واللغة الصينية فقط مع غياب أي نوع آخر من أنواع المحتوى.

كما أن سياسة الخصوصية وقوانين الاستخدام الخاصة بالتطبيق تتلاءم مع القوانين الصينية فقط، فبينما يترك "تيك توك" المجال متاحا لأي شخص للتحدث في أي شيء دون النظر إلى القوانين الصينية في التطبيق ذي النسخة العالمية فإن "ريد نوت" يضع ضوابط عديدة للمنشورات ومقاطع الفيديو التي تتم مشاركتها عبره.

ويحظر داخل "ريد نوت" الحديث عن السياسة بشكل عام وانتقاد أي جهة حاكمة دولية، فضلا عن أن الحديث عن الميول الجنسية والأديان والمخدرات محظور تماما، كما أن مستخدمي التطبيق يجب أن يواقفوا على مشاركة بياناتهم مع "الحزب الشيوعي" الحاكم في الصين، ناهيك عن الموافقة على المبادئ العامة للحزب.

حفاوة من الجانبين

ورغم التوتر السياسي بين الصين وأميركا فإن كلا الجانبين من المستخدمين أبدى ترحيبه بالطرف الآخر، فبينما كان الأميركيون يمزحون بشأن تسليم الصين بياناتهم بشكل طوعي تلقى الجانب الآخر هذه النكات بصدر رحب، معبرين عن سعادتهم للتبادل الثقافي.

وانتشرت عبر المنصة مقاطع الترحيب التي اتخذت العديد من الأشكال، فبعض المستخدمين أخذوا على عاتقهم تعليم اللاجئين الأميركيين اللغة الصينية والمحظورات داخل التطبيق إلى جانب طرق تفاديها، فضلا عن أن البعض أخذ على عاتقه تعليم الزوار العادات الصينية بشكل مكثف.

وهذا الترحيب لم يقتصر على المستخدمين فقط، بل أسست المنصة حسابا في "تيك توك" وسخرت من جلسة الاستجواب التي تمت سابقا للمدير التنفيذي في "تيك توك"، كما شارك تطبيق "دو لينغو" الشهير لتعليم اللغات في الحملة، إذ قال إن قسم تعليم اللغة الصينية قد شهد قفزة هائلة تصل إلى 216% زيادة في المتعلمين.

"ريد نوت" يحظر الحديث عن السياسة بشكل عام أو الميول الجنسية والأديان والمخدرات (مواقع التواصل الاجتماعي) ماذا بعد؟

تجسدت سخرية القدر في انتقال المستخدمين الأميركين طواعية من منصة صينية تُحظر بسبب مخاوف من الخصوصية ومشاركة بيانات المستخدمين مع "الحزب الشيوعي" إلى منصة صينية أخرى تتبع القوانين الصينية بحذافيرها، في إشارة واضحة إلى كون بيانات المنصة متاحة للحكومة الصينية.

لكن هذا لا يعني أن الأمر سيستمر على ما هو عليه، وذلك لأسباب تتخطى حظر "تيك توك" الذي قد يوقفه ترامب فور وصوله إلى المكتب البيضاوي، ولكن "ريد نوت" نفسه ليس مهيئا لاستقبال المستخدمين العالميين، ناهيك عن الحفاظ عليهم.

إعلان

ووفق تقرير نشرته "رويترز"، فإن "ريد نوت" حاليا تحاول تطبيق آليات ترجمة تلقائية تعتمد على الذكاء الاصطناعي بشكل مباشر، إلى جانب توظيف مترجمين داخل الشركة، ولكن هذا لا يعني أنها قد تنجح في ذلك، أو أن المستخدم الأميركي الذي اعتاد على مهاجمة كل شيء بكل حرية يستجيب لهذه القيود ويتقبلها.

لذا، لا يسعنى إلا الانتظار لنرى كيف تنتهي رقصة منصات التواصل الاجتماعي الصينية مع الحكومة الأميركية.

مقالات مشابهة

  • بوستيكوجلو: اللاعبون يستحقون الثناء ولكن من الواضح أننا فشلنا
  • الخضيري: تسخين الطعام لا يسبب التسمم ولكن لا تغليه
  • عمرو أديب: الفلسطينيون فقدوا القدرة على البكاء ولكن على هذه الأرض ما يستحق الحياة
  • من الذي انتصر في حرب غزة؟
  • تعرف على تطبيق ريد نوت الذي بدأ يستبدل تيك توك
  • أيمن الشريعي: زياد كمال طلب مني العودة لإنبي ولكن الأزمة عند الزمالك
  • حصول الأرمل على نصيب من راتب زوجته المتوفاة؛ عدالة ولكن.!
  • اليمن رُمَّانةُ الميزان ولكن..
  • لا يحبون ترامب ولكن يدعمون سياساته.. استطلاع جديد مثير للجدل
  • الجزيرى: لا نخوض المباراة كأنها تحصيل حاصل ولكن من أجل تحقيق الفوز