شفرة الموحدين سر صمود بنايات تاريخية في وجه زلزال الحوز
تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT
مراكش – يقف المهندس المدني المغربي زهير بناني طويلا وهو يتأمل صومعة الكتبية الشامخة في قلب المدينة الحمراء، يسترجع ذكرى تلك الصور التي أظهرتها تهتز أثناء حدوث زلزال الثامن من سبتمبر/أيلول الماضي، هزت معها قلوب من يقدرون عظمة وتاريخ هذه المعلمة التاريخية.
هو الشعور ذاته الذي تملكه وهو يعيد زيارة المناطق المتضررة من الزلزال في قلب جبال الأطلس بعد نصف سنة من الحادث خلال عمله في اللجنة المغربية للمجلس العالمي للمباني التاريخية والمواقع إيكوموس-المغرب.
يقول بناني الباحث المتخصص في فحص البنايات التاريخية للجزيرة نت إن صمود عدد من البنايات التاريخية، بالرغم من قدمها منذ آلاف السنين، يثير ذلك السؤال عن السر العميق الذي اكتشفه حرفيو البناء في تلك الفترة، جعلهم يمزجون بين العلم والخبرة ومعرفة مكان وقوع الزلازل والوقاية منها.
المهندس زهير بناني يقدم وثائق عن "شفرة الموحدين" بالمدرسة الوطنية للهندسة بمراكش (الجزيرة) تأثيربعد مرور أكثر من 7 أشهر على زلزال الحوز، لا يزال سؤال تأثير هذا الحدث على المباني التاريخية وإمكانية إعادتها إلى حالتها الأولى يشغل بال الخبراء والمهتمين كما الساكنة.
في هذا الصدد يشير محمد أبو عصمان الأستاذ المحاضر والخبير في التراث الثقافي بالإيسيسكو إلى أن آثار الزلزال على المعالم الثقافية كانت واضحة، مبرزا أن اختيار مدينة مراكش عاصمة للثقافة الإسلامية لسنة 2024 مناسبة للوقوف على هذه الآثار من خلال تنظيم الندوات والمحاضرات والزيارات الميدانية، وذلك من أجل إبراز أهميتها الثقافية وضرورة الحفاظ عليها وتثمينها حفاظا على الإشعاع العالمي التي يميز المدينة الحمراء.
الخبير محمد أبا عصمان: الإيسيسكو واكبت المتضررين من زلزال الحوز منذ حدوثه (الجزيرة)ويضيف للجزيرة نت أن المنظمة تعمل على مواكبة الأشغال الجارية لإعادة بناء المعالم الثقافية ضمن البرنامج الوطني الذي أقرته المملكة المغربية في إطار إعادة الإعمار، من خلال المساهمة المالية، علاوة على مساعدة المتضررين من الزلزال في الخروج من حالة ما بعد 8 سبتمبر/أيلول الماضي، من خلال الوُجود بالميدان وتقديم المعونات الضرورية، ولكن أيضا من أجل مساعدتها على الحفاظ على الموروث الثقافي في مجال البناء والهندسة المحلية، والذي يمكن أن يسجل ضمن لوائح الإيسيسكو للحفاظ على التراث المادي واللامادي.
مشاركون في ندوة أثار زلزال الحوز على التراث الثقافي لمدينة مراكش (الجزيرة)وبخصوص المدينة القديمة بمراكش، يعتبر الخبير والباحث عبد العزيز بلقزيز في حديث للجزيرة نت أن الأضرار المسجلة في المدينة القديمة لمراكش كانت متوقعة بالنظر لكون نسيجها التقليدي تعرض لضغوطات جمة، إذ يتم اليوم تكثيف مبانيها وتقسيمها وتعليتها، كما أن استخدام المواد التقليدية يكاد يكون ضئيلا مقارنة مع استعمال الإسمنت المسلح.
دفاعيدافع الخبراء عن ضرورة إعادة الإعمار المناطق المتأثرة بزلزال الحوز بالوسائل التقليدية لأسباب تقنية وأخرى جمالية وثقافية. ويبرز المهندس المعماري المغربي حسن سيدي حيدا، أن المطلوب ليس إنجاز بناءات أحسن مما كان، ولكن إعادتها إلى حالتها الأصلية، لأن الرهان ليس فقط في الجودة، ولكن في الحفاظ على موروث ثقافي وتاريخي وتثمينه باعتبار أن غالبية التجمعات السكنية المتضررة تعد ذات قيمة معمارية تراثية.
المهندس حسن سيدي حيدا يوصل بالحلول التقليدية في إعادة إعمار المناطق المتضررة ذات الطابع التاريخي (الجزيرة)ويضيف للجزيرة نت أن ملاحظة اختيارات السكان الأصليين لمناطق البناء بجميع خصائصها الصخرية والمناخية وارتفاعها وقبلتها، علاوة على هندسة البنايات والطرقات والشوارع، تظهر قيمة الموروث العمراني ومدى الخبرة التي وصل إليها هؤلاء في الوقاية من الحوادث الطبيعية ومنها الزلازل، والتي يجب الاستفادة منها إلى أبعد الحدود.
بدوره، يؤكد أبو عصمان خبير الإيسيسكو أهمية الخبرة الهندسية المحلية في مجال إعادة إعمار المناطق المتضررة من الزلزال، وأيضا أهمية استعمال المواد المحلية، والتي تعد ملائمة أكثر، علاوة على تنوعها وغناها، للحفاظ على الموروث الثقافي وأيضا لمقاومة الزلازل، مقارنة مع استعمال الوسائل الحديثة.
شفرةأمام جمهور من طلبة المدرسة الوطنية للهندسة بمراكش ينطلق الخبير في التراث زهير بناني من قوله ابن الرومي "يتحول التراب إلى ذهب في أيدي الحكماء" ليقدم ما أسماها "شفرة الموحدين" بشكل مبسط، والتي هي -يقول في حديث للجزيرة نت إنها- نتاج خبرته لدراسته عددا من البنايات التاريخية الخالدة مثل الصوامع الثلاث المشهورة، الكتبية، حسان، الخيرالدا، ومسجد تنمل، والتي تعد نموذجا لعبقرية الفترة الموحدية في البناء والهندسة.
عبد الغني بلوط/ المدرسة الوطنية للهندسة بمراكش/ جزء من مسجد تنمل بقي صامدا بالرغم من قوة الزلزال– الاستاذ زهير بناني
يشبه تلك البنايات التي بنيت الواحدة منها بشكل مختلف عن الآخر باختلاف المكان وطبيعة المواد المستعملة، ببنية العمود الفقري للإنسان، والمكون من فقرات تشد بعضها بعضا غضاريف مرنة مقاومة لكل هزة أو سقوط، معتمدة على الصلابة الشاملة والليونة الداخلية.
ويضيف أن البناء يجب أن ينتج عن "الحاجة" المقرونة بـ"الحكمة" في التخطيط أو التنفيذ، مدافعا عن استعمال المواد المحلية الطبيعية التي لا تكلف شيئا تقريبا، وتعد امتدادا للإنسان في الطبيعة، وتنفيذ "لمعلم" التي يستمد قوته من خبرته وأيضا من مبادئه وتربيته الأخلاقية، مما ينتج عنه حتما معمار ذات جمال أخاذ بطابع إنساني فريد.
رسم بياني لـ"شفرة الموحدين" يشرح تموضع مواد البناء المختلفة للحفاظ على الصلابة الشاملة والليونة الداخلية (تصوير زهير بناني)فيما يبرز الأستاذ بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية سيدي حيدا إن إعادة البناء يتطلب الحفاظ على مبادئ السلامة ضد الزلازل، والبحث عن حلول للصرف الصحي، قد تكون معتمدة على التكنولوجيا أو التقنيات البيئية، علاوة على إعادة إحياء تقنيات البناء التقليدية المتعددة وتثمينها، معتمدة على المواد الطبيعية والهندسة المحلية.
طلبة المدرسة الوطنية للهندسة بمراكش تابعوا باهتمام ندوة التراث الثقافي لمدينة مراكش (الجزيرة)ويشير إلى أن استعمال المواد التقليدية في البناء بالإضافة إلى الهياكل المضادة للزلازل يعد ضروريا لترشيد استهلاك الطاقة باعتبار أن مناخ هذه المناطق الجبلية شديد البرودة في فصل الشتاء.
المهندس زهير بناني يكشف "شفرة الموحدين" في البناء والهندسة للطلبة (الجزيرة) وقايةيلاحظ المهندس بلقزيز أن مراكش تشتهر بشكل رئيسي بتراثها الثقافي، منها القصور والمتاحف والمباني المبنية تقليديا، لذلك تستحق إنشاء وكالة متخصصة في إعادة تأهيل المباني التقليدية، ووضع قوانين لوائح مخصصة للبناء في المدينة القديمة، ومراقبة استعمال الأساليب التقليدية والمواد المحلية.
المهندس عبد العزيز بلقزيز يتأسف عن اختفاء "المدينة القديمة" بعدد من حواضر المغرب، ويدعو إلى إنقاذها بمراكش (الجزيرة)ويتأسف على اختفاء "المدينة القديمة" في عدد من مناطق المغرب، بسبب هجوم الخرسانة المسلحة، مبرزا الحاجة إلى إعداد اليد المؤهلة فنيا وتقنيا في مجال البناء التقليدي، والاستفادة من إعادة تأهيل "الفنادق" (بنايات تاريخية ذات طابع خاص تضم تجمعات لصناعات تقليدية)، والمساجد، والتي أظهرت أنها قاومت الزلزال بشكل جيد، وذلك من أجل وضع سياسة للتدخل في المدينة.
فيما يوصي بناني الخبير في مجال التراث المعماري بإحداث مرصد وطني لمواد البناء المحلية وطرق البناء التقليدية، علاوة على تطوير الابتكار في هذا المواد والتقنيات، ونقل الخبرات الموروثة في المجال إلى طلبة الهندسة المعمارية، وتسجيلها تراثا لا ماديا.
ويضيف أنه حان الوقت لوضع نظام لتأمين البناء بالمواد المحلية، ومراجعة نمط التصميم الخاص بالزلازل في البنايات التي تصنف تقليدية، وتطوير حماية الآثار التاريخية بشكل وقائي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الوطنیة للهندسة بمراکش المدینة القدیمة المواد المحلیة زلزال الحوز للجزیرة نت علاوة على فی مجال
إقرأ أيضاً:
اللواء الدويري يشرح التغييرات التاريخية لدفاع الاحتلال بغلاف غزة
قال الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء المتقاعد فايز الدويري إن التغييرات التي يعتزم الاحتلال الإسرائيلي إجراءها في إستراتيجياته الدفاعية على حدود غزة تأتي ضمن محاولة لإعادة النظر بأسلوب الدفاع بعدما فشلت التقنيات الحديثة في منع اختراق السياج الحدودي خلال هجوم "طوفان الأقصى".
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قالت في وقت سابق إن الجيش قرر لأول مرة في تاريخ إسرائيل نشر فرقتين نظاميتين بمناطق غلاف غزة، في إطار إجراء "تغييرات تاريخية" بشأن مفهوم الدفاع عن تلك المناطق بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 والحرب على قطاع غزة.
وأشار الدويري في تحليل للمشهد العسكري بقطاع غزة إلى أن التحولات الجديدة تشمل إعادة الاعتماد على القوة البشرية، إلى جانب التكنولوجيا، مع إنشاء 14 موقعا عسكريا جديدا في محيط غزة.
وبيّن أن هذه المواقع ستغطي مسافة 10 كيلومترات في شمال القطاع و12 كيلومترا جنوبا، إضافة إلى المسافة بينهما، مما يجعل إجمالي المناطق المؤمّنة يصل إلى نحو 66 كيلومترا.
وأضاف أن القوة المكلفة بحماية غلاف غزة كانت سابقا الفرقة 252، لكنها تعرضت لانهيار سريع خلال 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ تمت السيطرة عليها خلال 3 ساعات.
إعلانوفي هذا الإطار، قرر الاحتلال تعزيز وجوده بفرقة نظامية جديدة هي الفرقة 162 التي تتألف من 3 ألوية فعالة تشمل لواءي غفعاتي وناحال ولواء مدرعا، إضافة إلى لواء احتياطي، حسب الدويري.
جدار جديدوأوضح الدويري أن الاحتلال يعتزم بناء جدار جديد بمواصفات مختلفة يضاف إلى الجدار القديم الذي وصفه بـ"الواهن"، لافتا إلى أن الجدار الجديد سيمتد بالقرب من المستوطنات وسيغطي خطوط السكك الحديدية.
وأضاف الخبير العسكري أن الفاصل بين الجدارين سيكون المنطقة التي ستتمركز فيها الفرقتان العسكريتان، مشيرا إلى أن المنطقة العازلة الجديدة التي سيتم إنشاؤها ستصل إلى عمق 700 متر داخل القطاع.
واستذكر الدويري المظاهرات السابقة التي عُرفت بـ"مسيرات الأرجل" عندما كان الاحتلال يسيطر على المنطقة العازلة، مشيرا إلى أن انسحاب القوات الإسرائيلية منها كان نتيجة تصاعد التوترات.
وتوقع الدويري أن تكون عودة الاحتلال إلى المنطقة العازلة مؤقتة، وستنتهي بعد المرحلتين الثانية والثالثة من المفاوضات، كما أوضح أن التركيز الحالي ينصبّ على تعزيز الجبهات الأمامية بمزيد من القوات والمواقع، لتجنب تكرار إخفاقات أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تغيير ضروريوختم الدويري بأن هذه الخطوات تأتي في إطار تغييرات هيكلية ضرورية تسعى إلى تحصين المستوطنات وتفادي الانهيارات السريعة، مشيرا إلى أن نجاح هذه الإجراءات مرهون بالطريقة التي سيعاد بها توظيف القوة البشرية وفلسفتها الدفاعية.
ووفق القناة الـ12 الإسرائيلية، فإن المواقع العسكرية الجديدة ستكون جزءا من منظومة دفاعية جديدة هدفها منع أي إمكانية تسلل إلى إسرائيل.
وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 نفذت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) هجوما كبيرا على قواعد وثكنات ومستوطنات غلاف غزة وقتلت مئات الجنود والضباط الإسرائيليين.
إعلانوكذلك أسرت القسام ما لا يقل عن 240 إسرائيليا، وقد أطلق ما يزيد على 100 منهم خلال هدنة إنسانية مؤقتة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، في حين قُتل عشرات من المحتجزين في غزة بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع الفلسطيني منذ أكثر من 15 شهرا.
ومساء أول أمس الأربعاء، أعلن رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني توصل الوسطاء إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، لافتا إلى أن تنفيذ المرحلة الأولى منه سيبدأ بعد غد الأحد.