السفن والأسطرلابات والأفلاج في عُمان.. أرض اللبان صرح يوثق البحر والتاريخ
تاريخ النشر: 31st, July 2023 GMT
لا تكتمل الرحلة إلى ولاية صلالة بمحافظة ظفار العمانية إلا بزيارة متحف أرض اللبان بمنتزه البليد الأثري، الذي افتتح رسميا يوم 23 يوليو/تموز 2007، والذي يقدم إطلالة شاملة على تاريخ عُمان العريق عبر العصور المختلفة.
ويتكون المتحف من قاعتين رئيستين تقدمان جانبا مهما من التاريخ العماني، وهما:
قاعة التاريخ وتتكون من 6 أقسام: جغرافية عُمان وتضاريسها، وعُمان في الأزمنة القديمة، وأرض اللبان، وإسلام أهل عُمان، وملامح من التاريخ العُماني، ونهضة عُمان الحديثة.والقاعة البحرية وتتكون من 7 أقسام: التراث البحري، والبحر، وبناء القوارب والسفن الشراعية، والإبحار، والتجارة، وواقع البحر الافتراضي، ونهضة عمان الحديثة.
وتشمل معروضات المتحف مجموعات أثرية ومجسمات السفن والقلاع والحصون والأفلاج (جمع فلج وهو نظام محلي لتوفير المياه في السلطنة) والرسوم والصور واللوحات والمخطوطات والوسائط الإيضاحية المتعددة والأفلام.
القاعة البحريةوالبحر مدخل مهم في معرفة تاريخ شبه جزيرة عمان "عمان التاريخية"، وقد استطاع المتحف أن يوظف مفردات عِلم البحر لاستقراء التاريخ، أو فتح مجالات لقراءة التاريخ من زواياه التي تعطي أفقا أكبر للرؤية.
ومن معروضات القاعة البحرية مجسم سفينة "الغنجة"، وهي من أشهر السفن العمانية التقليدية، واستخدمت للتجارة بين عُمان وشرق أفريقيا والهند حتى القرن العشرين.
ومن معروضات القاعة البحرية كذلك سفينة "البوم" الجميلة ذات الهيكل الذي يشبه شكل السفن التي ظهرت منذ 500 إلى ألف سنة، ويتراوح حجمها بين 15 و37 مترا.
وتضم القاعة البحرية أيضا مجسمات لسفن "مجان" المصنوعة من القصب المربوط بحبال مرنة وغير سميكة والمغطى بحصير السعف والألياف، وأيضا سفن البتيل الحربي، والشاشة، والهوري، والبقارة، والبغلة، والكمباري، وهي تتنوع بين مراكب صغيرة وسفن كبيرة.
وليس بعيدا عن ذلك نشاهد لوحة مسمارية عبارة عن سجل يوثق النشاط التجاري خلال الألف الثالث قبل الميلاد في منطقة جيرسو (حضارة بلاد الرافدين)، وهي توفر معلومات قيمة عن أساليب ومواد البناء في تلك الحقبة، ومن تلك المواد مادة القار المستخدمة في بناء سفن مجان.
ومن المعروضات أسطرلاب النقاش للصانع أحمد بن محمد المهذب النقاش الذي يعود إلى عام 1080، وأسطرلاب النيسابوري للصانع سهل النيسابوري ويعود لعام 1299.
قاعة التاريخوفي قاعة التاريخ خريطة ضخمة للسلطنة تجسد تنوعها الجغرافي، ومجسم للفلج العماني يعبر عن براعة العمانيين الهندسية والفكرية، وقد تم اعتماد نظام الأفلاج في عمان في قائمة التراث العالمي الثقافي والطبيعي التابع لمنظمة اليونسكو منذ عام 2006.
ويعرض المتحف رسما افتراضيا لقلعة شصر/ وبار، وتشير المصادر التاريخية وقدماء الجغرافيين إلى أن موقع "وبار" من المراكز التجارية المهمة، ومع اكتشاف الموقع بالأقمار الصناعية بدأت برامج المسح والتنقيب للتحقق من هويته وملامحه المعمارية.
وتشير الدلائل إلى أن الموقع كان مأهولا منذ العصر الحديدي إلى العصور الإسلامية المتوسطة، باعتباره أحد مراكز قوافل تجارة اللبان في جنوب الربع الخالي، ويبعد الموقع عن مدينة صلالة نحو 170 كيلومترا إلى الشمال.
ومما يشدك في قاعة التاريخ أيضا صورة كبيرة لوصول العمانيين إلى الصين، حيث تظهر الصورة الشيخ عبد الله العماني يستقبله إمبراطور الصين جن سونغ عام 1050، والصورة بريشة البروفيسور يوجين هاربر جونسن.
ويقدم متحف أرض اللبان للزائرين والباحثين ملخصا لمسيرة البلاد وفرصة للتعرف على موروثها التاريخي الطويل وتراثها البحري، إلى جانب نماذج من الشواهد الأثرية عبر العصور إلى وقتنا الحاضر.
كما تبرز القاعة البحرية أهم الأحداث البحرية المهمة في التاريخ العماني وعلاقة العماني بالبحر ومساهمة البحر في تطور العلاقات التجارية مع الدول الأخرى ومهارة العمانيين في صناعة السفن.
بالإضافة لكل ما سبق، يحتضن المتحف نماذج نادرة لأحجار وشظايا "النيازك" التي وصلت لعُمان عبر حقب مختلفة من الزمان.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الحديدة ليست الميدان الوحيد : أنصار الله يستهدفون السفن من كل أنحاء اليمن
وعلى الرغم من التوجهات الأميركية المتجددة لتصعيد الأعمال الحربية على الحديدة تحت حجة وقف هذه الهجمات، فإن المعطيات والوقائع على الأرض تكشف أن هذه الرؤية تتسم بالعشوائية وعدم الاستناد إلى تحليل دقيق للواقع العسكري.
إن الدعوات الأميركية لشن هجوم بري على الحديدة تطرح تساؤلات جدية حول جدوى هذه الاستراتيجية. فالمنطق العسكري يقول إن استهداف السفن في المياه الإقليمية لم يكن يوما مرتبطا بموقع جغرافي معين، بل كان مرتبطا بالقدرة على استهداف الأهداف البحرية عبر تقنيات متنوعة.
إذ إن أنصار الله لم يعتمدوا في استهداف السفن على الزوارق المسيرة إلا بعد شهور طويلة من استخدام صواريخ وطائرات مسيرة أُطلقت من مختلف المناطق اليمنية.
وبالتحديد، منذ بداية هجمات أنصار الله على السفن التجارية، تم استهداف 153 سفينة خلال الأشهر السبعة الأولى من المواجهات، ولم يحتاج المهاجمون إلى الزوارق المسيرة في تلك الفترة. بل كانت الهجمات تتم عبر صواريخ مجنحة وطائرات مسيرة أُطلقت من 12 محافظة يمنية. وهذا يثبت أن استهداف السفن لا يعتمد على الحديدة أو على منطقة معينة في البحر الأحمر، بل هو جزء من استراتيجية عسكرية شاملة تتوزع فيها العمليات من عدة مواقع في اليمن.
واليوم، وبعد مرور أكثر من عام على بداية هذه الهجمات، بلغ إجمالي السفن المستهدفة 202 سفينة، منها اثنتان فقط استُهدِفتا عبر الزوارق المسيرة في البحر الأحمر أما بقية السفن، فقد تم استهدافها بصواريخ وطائرات مسيرة، وصواريخ باليستية متطورة انطلقت جميعها من مختلف المناطق اليمنية، باتجاه مسرح العمليات البحري الذي يشمل البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي وحتى البحر الأبيض المتوسط. هذه الوقائع تؤكد أنه لا توجد علاقة حتمية بين الهجمات على السفن وبين الحديدة بشكل خاص.
يستند التحليل العسكري إلى الوقائع الميدانية، ولا يمكن تجاهل المعطيات التي تؤكد أن الهجمات على السفن لن تتوقف في حال شن حرب برية على الحديدة. بل إن النتيجة ستكون كارثية، حيث ستجد المملكة العربية السعودية نفسها في مواجهة ردود فعل عسكرية عنيفة من قبل أنصار الله، سواء في البحر أو على الأرض وفي حال تم تنفيذ الهجوم البري على الحديدة، فمن المتوقع أن تكون هناك زيادة في الهجمات على السفن السعودية والنفطية، التي تشكل جزءا رئيسيا من الاقتصاد السعودي. ومن الممكن أن يكون الرد الحوثي على أي تصعيد في الحديدة جزءا من استراتيجية عسكرية أوسع تشمل استهداف المنشآت النفطية الحيوية للمملكة
وبالتالي حدوث ازمة عالمية في اسواق الطاقة بالعالم
علاوة على ذلك، فإن ما يبدو أنه اقتراح عسكري عشوائي يتجاهل تماما حقيقة أن أنصار الله يمتلكون القدرة على استهداف السفن باستخدام تقنيات أخرى لا تعتمد على موقع جغرافي معين.
لذلك، يمكن الاستنتاج بأن إشعال حرب على الحديدة لن يؤدي إلى توقف الهجمات على السفن، بل سيؤدي إلى تصعيد أكبر في المواجهات، وسيضر بمصالح الأطراف المتورطة في هذا النزاع، وعلى رأسها السعودية التي تساهم بشكل مباشر في دعم القوات المعادية في اليمن.
هذه المعطيات العسكرية تؤكد أن الرهان الأميركي على استهداف الحديدة كوسيلة لوقف الهجمات على السفن هو رهان خاطئ. بل إن التصعيد العسكري في هذه المنطقة قد يؤدي إلى نتائج عكسية، إذ ستزيد الضغوط على المملكة العربية السعودية التي قد تجد نفسها في مواجهة تهديدات متعددة، سواء كانت في البحر أو على الأرض.
في النهاية، يعكس الموقف الأمريكي تجاه الحديدة فشلا في فهم تعقيدات الواقع العسكري اليمني، ويجسد عجزا في قراءة التفاعلات الاستراتيجية على الأرض. وإذا كانت الولايات المتحدة تظن أن الهجوم على الحديدة سيقيد قدرة أنصار الله على استهداف السفن، فهي بذلك تقامر بمصالحها الإقليمية وتضع الأمن السعودي والاقليمي في خطر أكبر.
وما كان من المفترض أن يكون خطوة نحو وقف الهجمات البحرية عبر وقف العدوان الاسرائيلي على غزة قد يتحول إلى تصعيد عسكري شامل، مع ما يترتب عليه من عواقب كارثية على الأمن الإقليمي، لا سيما بالنسبة للمملكة التي تعتبر أكبر مصدر للنفط في العالم.
- عرب جورنال / كامل المعمري -