كيف يؤدي الركود الاقتصادي إلى تحسُن الصحة العامة؟
تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT
رغم نتائج العديد من الدراسات التي تظهر الارتباط الوثيق بين الثروة والصحة، وتحدد مدى ارتباط النمو الاقتصادي- على المدى الطويل- بحياة أطول وأكثر صحة، إلا أن الطفرة الاقتصادية يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع معدلات الوفيات، كما أشارت مجموعة كبيرة من الأبحاث إلى أن التوسعات الاقتصادية يمكن أن تكون ضارة بالصحة على المدى القصير، أو على العكس من ذلك، يمكن للركود أن يحسن صحة البعض.
وارتبط التحسن طويل الأجل في الصحة بالنمو الاقتصادي من خلال ثلاث آليات هي: تحسين التغذية، وتعزيز البنية التحتية للصحة العامة (مثل الصرف الصحي ونظافة إمدادات المياه)، وتكنولوجيا طبية أكثر فاعلية (مثل المضادات الحيوية واللقاحات).
وتُظهر النتائج مَيل مواطنو الدول ذات الدخل المتوسط المرتفع إلى العيش لفترة أطول، مع معاناة من سنوات أقل من الإعاقة، أما النساء في الدول ذات الدخول المرتفعة فيكون لديهن معدلات أقل من فقر الدم، ويسجل الأطفال الذين يولدون في تلك البلدان أوزان مواليد أعلى. وفقًا لـ «جاما نيت ويرك» و «أرقام».
انخفاض الدخل وزيادة الفقروأفادت إحدى الدراسات الحديثة عن الركود والوفيات في الولايات المتحدة من عام 1993 إلى عام 2012، بارتباط الاقتصاد بزيادة معدل الوفيات، وأن انخفاض الدخل وزيادة الفقر يرتبطان ارتباطًا وثيقًا بارتفاع معدلات الوفيات أكثر من معدل البطالة.
خلال فترة الركود في الفترة 2007- 2012، ارتفع معدل البطالة، ولكن بدرجات متفاوتة في مختلف البلدان. ومع ذلك، وجدت إحدى الدراسات التي أًجريت في أوروبا زيادة بنسبة 1 نقطة مئوية في معدل البطالة المرتبط بانخفاض معدل الوفيات بنسبة نصف في المئة.
ولوحظت علاقة مماثلة في فترات أخرى، في كلٍ من أوروبا والولايات المتحدة. يترجم التأثير في الولايات المتحدة إلى حوالي 13.000 حالة وفاة أقل لكل زيادة بنسبة نقطة مئوية واحدة في معدل البطالة. ولكن كيف يمكن للثروة أن تحسن الصحة بينما يؤدي تباطؤ الاقتصاد إلى تقليل معدل الوفيات؟ بشكل عام، فإن العلاقة بين الظروف الاقتصادية والصحة تعتمد على السياق، ويمكن أن تكون مختلفة على المدى القصير مقابل المدى الطويل.
يمكن أن يتغير ذلك بسبب طبيعة الاقتصاد (مثل الخدمات الزراعية مقابل الخدمات الصناعية). كما يلعب عمق الركود وقوة الطفرة الاقتصادية دورًا أيضًا. أخيرًا، يعتبر تكوين السكان مهمًا، نظرًا لأن أنواعًا مختلفة من الأفراد عرضة لآثار التغيرات الاقتصادية بدرجات متفاوتة.
الإنتاج الصناعي وتفاقم الأمراضخلُصت إحدى النظريات إلى أنه خلال فترات الازدهار الاقتصادي، ينتج الاقتصاد الصناعي المزيد من تلوث الهواء، ما يؤدي إلى تفاقم بعض الأمراض ويزيد من الوفيات، ببنما كشفت دراسة أخرى عن أن ارتفاع معدل البطالة خلال الركود الكبير كان مرتبطًا بانخفاض معدل الوفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي وأمراض القلب والأوعية الدموية، وهي جميعها حساسة لتلوث الهواء.
وفقًا لأحد التقديرات، يمكن أن يُعزى ثلثا التأثير القصير الأجل لزيادة الوفيات في الاقتصاد القوي إلى تلوث الهواء. القيادة هي مصدر آخر للوفيات التي تتأثر بالظروف الاقتصادية على المدى القصير. عندما يتباطأ الاقتصاد، يقود الناس أقل (مثل تقليل القيادة من وإلى العمل وأيضًا وجود عدد أقل من البضائع المنقولة)، وبالتالي، يقل عدد الوفيات بسبب حوادث السيارات.
كبار السن والظروف الاقتصاديةالآثار المالية للاقتصاد المتقلص أو المتنامي- العمالة وانخفاض الدخل- يمكن أن تتراكم لأشخاص مختلفين عن آثارها الصحية. ويتجلى ذلك في دراسة مثيرة للاهتمام كشفت عن أن الزيادات في الوفيات خلال الظروف الاقتصادية القوية تتركز بين كبار السن، وخاصة النساء المسنات اللائي يعشن في دور رعاية المسنين. تتمثل إحدى آليات هذه الظاهرة في انخفاض مستويات التوظيف في مرافق الرعاية التمريضية الماهرة - لا سيما لموظفي التمريض - عندما ينخفض معدل البطالة.
وقد يحدث هذا لأن الممرضات اللائي يتعين عليهن العمل في تلك المرافق قادرات على العثور على وظائف أفضل في أماكن أخرى، أو لأن أفراد أسرهن الآخرين قادرون على الحصول على عمل.
في غضون ذلك، أظهرت إحدى الدراسات التي وجدت أيضًا أن زيادة الوفيات تتركز لدى كبار السن خلال الظروف الاقتصادية القوية، أنها مدفوعة بالوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي، وكذلك الالتهابات. وتسلط هذه الدراسات الضوء على العلاقة بين ارتفاع الدخل وتحسن الصحة بشكل عام، ومن ناحية أخرى، زيادة معدلات الوفاة خلال فترات الرواج الاقتصادي.
اقرأ أيضاًمعيط: الإصلاحات الهيكلية تُمهد الطريق للاستقرار والنمو الاقتصادي في مصر
ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج والعمالة خفّض معدلات النمو في الكويت
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: البنية التحتية الولايات المتحدة الإنتاج الصناعي الصحة العامة النمو الاقتصادي معدلات الوفيات الدراسات الحديثة تحسين التغذية معدل الوفیات معدل البطالة على المدى یمکن أن
إقرأ أيضاً:
تصريحات وزير المالية في الميزان الاقتصادي
في اجتماع وقع مؤخرا قال الدكتور خالد المبروك عبد الله وزير المالية بحكومة الوحدة الوطنية إن المرتبات السنوية قد تصل إلى 100 مليار دينار ليبي (ما يزيد عن 20 مليار دولار) مع نهاية العام 2025م، في تصريح أثار جدلا كبيرا، ذلك أن المرتبات وفق تقديرات الوزير سترتفع بنسبة 33% خلال العام المذكور، ومعلوم أن إجمالي باب المرتبات مع نهاية العام 2024م بلغ نحو 67 مليار دينار.
لم يعلل الوزير دوافع تصريحه ولم يفصح عن أسباب الزيادة الكبيرة جدا في المرتبات حسب تقديره، فقط ألقى بالرقم في الاجتماع الرسمي وأمام كميرات التلفزيون ليصبح حديثه محط الانظار والتقييم، وبالطبع التعجب والاستنكار، ذلك أنه وبكل المقاييس ومع الأخذ بجميع المعطيات الراهنة والفرضيات المحتملة فإن بلوغ 100 مليار دينار لبند المرتبات خلال عام واحد أمر غير ممكن.
وبحسبة بسيطة، ومع الأخذ بمتوسط مرتبات العاملين في الجهاز الحكومي والبالغ عددهم نحو 2.3 مليون، وهو رقم كبير جدا ولا يعبر عن الاحتياج الحقيقي للاقتصاد الليبي، وإنما هو نتيجة لتوجهات وسياسة خاطئة ومتعمدة تعود إلى مطلع الثمانينيات من القرن، ومتوسط المرتبات هو نحو 1900 دينار ليبي، فإن الزيادة في المرتبات تعني في احد الاحتمالات توظيف أكثر من 1.7 مليون موظف وعامل خلال العام 2025م، وهذا لا يمكن تحققه حتى لو أرادات الحكومة ذلك.
إن تبني سياسة تقشفية ثم التحول إلى استراتيجية وطنية لتنشيط الاقتصاد تغير هيكله المعتمد على قطاع واحد هو النفط لا يمكن أن تجد طريقها إلى النجاح ما لم تخرج البلاد من نفق الاستقطاب والنزاع وتشهد استقرارا سياسيا وأساسا سليما للإنطلاق بعيدا عن بؤرة التأزيم الراهنة، وسيظل البعد الإيجابي لجهود ومساعي معالجة الاختناقات الاقتصادية والمالية محدود الأثر وقصير الأجل ما لم يقع تغيير حقيقي في الواقع السياسي والأمني الحالي.الاحتمال الآخر هو أن تتحقق القفزة في قيمة المرتبات التي ذكرها الوزير من خلال الزيادة في مرتبات العاملين في القطاع العام بنسبة 33%، وهذا أيضا غير ممكن ولا مبرر، فتصريحات وزير المالية جاءت في سياق التحذير والتعبير عن القلق الشديد من الارتفاع المطرد في المرتبات، وبالتالي لن تكون سياسة الزيادة في المرتبات خيارا للحكومة.
الأهم من ذلك هو أن بند المرتبات الذي يشكل أكثر من 55% من الإنفاق العام لا يعكس الواقع، بل إن الرقم الحالي مبالغ فيه، وأن الزيادة تعود في جزء منها إلى الهدايا والمزايا التي يتمتع بها شريحة واسعة من موظفي الدولة، وقدر بعض المختصين بأن القيمة الحقيقة للباب الأول من الميزانية (المرتبات وما في حكمها) لا تتعدى 55 مليار دينار، وبالتالي فإن القول بأن المرتبات ستصل إلى 100 مليار أمر مستحيل.
والسؤال هو: لماذا أقدم وزير المالية على هذا التصريح الذي لا مسوغ علمي ولا منطقي له، مع التنبيه إلى تداعيات هكذا تصريح في هذا التوقيت وفي ظل الظروف التي يواجهها الاقتصاد الليبي والمالية العامة الليبية؟!
ذهب عديد المختصين إلى أن التصريح مجرد ردة فعل عفوية، غير مدروسة ولا منضبطة، على ارتفاع بند المرتبات في الميزانية العامة وما يشكله هذا البند من عبئ كبير على الحكومة، وبالتحديد وزارة المالية. بمعنى أن التصريح هو من باب التهويل والتخوف من عواقب استمرار الاعتماد على الخزانة العامة كمصدر رئيسي وربما وحيد لمعظم القادرين على العامل في البلاد، وهذا تفسير راجح وتدعمه شواهد عديدة سبق الإشارة إلى بعضها.
الاحتمال الآخر هو اتجاه الحكومة لتبني سياسات تقشفية عامة من بينها إيقاف التوظيف في مؤسسات الدولة، والتصريح هو بمثابة تهئية الرأي العامة لهذه السياسة، وننوه إلى أن جهاز الرقابة الإدارية أصدر قرارا يطالب المؤسسات التنفيذية بوقف التعيين، وسيكون هذا مفهوما ومقبولا إذا رافقه إجراءات صارمة حيال "ما في حكم" المرتبات من مكافأت ومزايا كثيرة تشكل رقما مهما في هذا البند، والتوسع أكثر في تبني إجراءات تحد من الهدر والفساد الذي يشكل تحديا كبيرا للاقتصاد وبابا واسعا لضياع ثروة الليبيين.
حزمة السياسات التقشفية قد تكون ملحة، إلا أن أثرها سيكون عكسيا إذا طال أمدها ولم تنته إلى خطة أو استراتيجية تعالج الاختلالات والتشوهات في بنية الاقتصاد الوطني وتركيبته، وتعيد إليه التوازن المفقود والفاعلية الغائبة، وهذا يستدعي اتجاها إلى مراكمة رأس المال واستثماره في تطوير وتحسين البنية التحتية بمفهوما الواسع والتي تمثل الأساس لتحريك عجلة الاقتصاد وتحقيق معدلات أكبر في النمو والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعظيم دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي، واستقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية التي تتناغم ومستهدفات الاستراتيجية الوطنية.
إن تبني سياسة تقشفية ثم التحول إلى استراتيجية وطنية لتنشيط الاقتصاد تغير هيكله المعتمد على قطاع واحد هو النفط لا يمكن أن تجد طريقها إلى النجاح ما لم تخرج البلاد من نفق الاستقطاب والنزاع وتشهد استقرارا سياسيا وأساسا سليما للإنطلاق بعيدا عن بؤرة التأزيم الراهنة، وسيظل البعد الإيجابي لجهود ومساعي معالجة الاختناقات الاقتصادية والمالية محدود الأثر وقصير الأجل ما لم يقع تغيير حقيقي في الواقع السياسي والأمني الحالي.