لاعبو “الشرق الأوسط الجديد”.. أي نظام إقليمي ينتظرنا؟
تاريخ النشر: 5th, May 2024 GMT
5 مايو، 2024
بغداد/المسلة الحدث:
محمد صالح صدقيان
في خضم الحرب التي شنّها الكيان الإسرائيلي ضد المقاومة اللبنانية عام 2006، تنبأت وزيرة الخارجية الأمريكية، وقتذاك، كوندوليزا رايس، بولادة شرق أوسط جديد “من مخاض الحرب اللبنانية الإسرائيلية”.
أظهرت وقائع تلك الحرب على مدى 33 يوماً أن الولايات المتحدة كانت تُديرها نيابة عن القادة الإسرائيليين، وبالتالي كان للسيدة كوندوليزا رايس الباع الطويل في دعم الكيان العبري بالسلاح والمال والموقف السياسي بشراكة كاملة مع المندوب الأمريكي في الأمم المتحدة حينذاك جون بولتون وفريق من المحافظين الجدد بينهم نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي إليوت أبرامز الذي كان في معظم أيام الحرب متواجداً في غرفة العمليات في تل أبيب.
وعلی الرغم من كل ما حدث بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، إلا أن الاعتقاد السائد أنه من السابق لأوانه دراسة تداعيات هذا الحدث الزلزالي الإستراتيجية، خصوصاً تلك المرتبطة بمنطقة الشرق الأوسط التي تشهد فراغاً على صعيد نظامها الأمني الإقليمي، منذ انتهاء الحرب الباردة عام 1991 مع انهيار الإتحاد السوفييتي وتفكك النظام الرسمي العربي والإقليمي حيث أطلقت رصاصة الرحمة علی هذا النظام مع سقوط نظام البعث في العراق عام 2003، البلد الذي لطالما كان يُشكّل البوابة الشرقية للنظام الأمني الإقليمي.
لم تنجح الجهود الأمريكية في تركيز مفهوم القطبية الأحادية في العالم برغم سقوط الخصم السوفييتي الذي شكّل منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 القطب الدولي المنافس للولايات المتحدة ومعسكرها الذي انضوى تحت مظلة “الناتو”. وعندما اندلعت حرب العام 2006 في لبنان، بادرت كوندوليزا رايس إلی اطلاق تصورها “الرؤيوي” لما يُسمى “الشرق الأوسط الجديد”، وهي رؤية طموحة كان المحافظون الجدد في واشنطن قد وضعوا لبناتها الأولی، لكن رياح التطورات في منطقتنا لم تسر كما اشتهاها الرُبّان الأمريكي.
واذا ما استثنينا المشروع التركي الذي بهتت ملامحه لأسباب متعددة؛ فإن المشروع الإيراني تترسخ أبعاده السياسية والأمنية في رسم الشرق الأوسط الجديد، سنةً تلو سنةً، مرتكزاً إلی عوامل التاريخ والجغرافيا والحضارة والأيديولوجيا، فيما يسعى المشروع الإسرائيلي إلى التطبيع مع المنطقة العربية وزعامتها، مستفيداً من عناصر عدة، أبرزها غياب المشروع العربي وتوافر الحضانة الأمريكية لإسرائيل في المنطقة والعالم، وهو الأمر الذي لمسنا ونلمس فصوله في مظاهر عديدة، من توفير مظلة سياسية للدولة العبرية في مجلس الأمن عبر حق النقض (الفيتو) إلى إدخال إسرائيل في منظومة القيادة العسكرية الأمريكية الوسطی المتمركزة في البحرين (سنتكوم CENTCOM) مروراً بمحاولة إضعاف المشروع المواجه لإسرائيل، أي المشروع الإيراني.
ومنذ العام 2020، صرنا نسمع من طهران صوتاً مرتفعاً يتحدث عن قرب سقوط الكيان العبري في مدى زمني محدد وغير بعيد؛ أي في العقدين المقبلين، لكن علی أي أساس تطرح هذه المواعيد والتصورات؟ وما هو المغزی من ذلك؟ وهل فعلاً هناك تواريخ واستحقاقات وضعتها طهران من أجل منطقة مختلفة عما هي الآن؟ هل هناك شرق أوسط جديد يدور في مخيلة الإيرانيين يختلف عما كانت تفكر به كوندوليزا رايس؟ أم أن الجانبين الأمريكي والإسرائيلي من جهة والجانب الإيراني من جهة أخری يفكرون وفق مقاسات كلُّ واحد منهم وطموحاته وتطلعاته المستقبلية لرسم معالم الشرق الأوسط الجديد؟
لا شكّ أن حدث السابع من تشرين الأول/أكتوبر وما تلاه من تطورات دولية وإقليمية، ابتداء من “جبهات المساندة” في اليمن ولبنان والعراق؛ مروراً بالمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية التي تنظر بالإبادة الإنسانية وانتهاء بانتفاضة طلبة الجامعات الأمريكية والأوروبية ضد الجريمة الإنسانية المتمادية على أرض فلسطين منذ سبعة أشهر؛ كلُّ هذه التطورات شكلت نقلة نوعية جعلت القضية الفلسطينية أولوية على جدول الأعمال العالمي مقابل تراجع سمعة إسرائيل وبلوغها هذا المستوی من الحضيض، كما لم تكن في أي يوم من الأيام منذ نشوء الدولة العبرية في العام 1948.
وليس خافياً أن الإيرانيين أطلقوا رؤية الشرق الأوسط الجديد وإقامة نظام أمني إقليمي جديد منذ العام 1991 حيث وضعت طهران مقومات هذه النظام وتصورات هذا الشرق الذي يعيش علی رمال متحركة؛ وذلك إستناداً إلى أصول التفكير الاستراتيجي للمرشد الإيراني الإمام علی الخامنئي الذي تحدث عن ملامح هذه التصورات بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988، وتتكىء في جزء كبير منها على مبادىء الثورة الإيرانية التي قادها الإمام الخميني في العام 1979.
بدوره، وضع معاون وزير الخارجية الإيراني السابق حسين جابري أنصاري تصوراً لمقومات الهوية الإيرانية التي تؤهلها الدولة الإيرانية للعب دور في صياغة الشرق الأوسط الجديد.
يقول أنصاري إن هذه الهوية تأخذ أبعادها من خلال أركان ثلاثة تاريخية. الأول؛ “الهوية الإيرانية” التي تستند إلی عوامل التاريخ والجغرافيا والحضارة. الثاني؛ “الهوية الإسلامية” التي بدأت منذ دخول إيران المجتمع الإسلامي بعد الفتح الإسلامي عام 636 م. أما الركن الثالث فهو “الهوية المذهبية الشيعية” التي تبلورت بعد العصرين البويهي والصفوي.
ويضيف جابري أنصاري الذي شغل منصب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية (2015- 2016) ركناً رابعاً هو “الهوية المعاصرة” التي تستند إلی التطورات الدولية الحديثة.
وفي محاضرة له في طهران، في أبريل/نيسان 2024، يُشير أنصاري إلى أن الهوية الإيرانية الجديدة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقضية الفلسطينية التي تريد لها إيران أن تكون في صلب هذه الهوية، وبالتالي في صلب مواجهة المشروع الإسرائيلي الذي يريد السيطرة علی الشرق الأوسط.
ويری أنصاري أن نظرية الردع الإسرائيلية التي اعتمدها الكيان منذ العام 1948 هُزمت في السابع من تشرين الأول/اكتوبر بما في ذلك نظرية “التفوق” العسكري والعلمي والتكنولوجي والأمني لتعيد إيران صياغة “نظرية الردع”، غداة عملية “الوعد الصادق” التي نفذتها في ليل 13 – 14 أبريل/نيسان 2024.
في المختصر، تعتقد طهران أنها لاعب مهم في المنطقة وعلی الآخرين أن يأخذوا ذلك في الاعتبار؛ وهذا يجعلها أكثر حرصاً على صياغة نظام أمني اقليمي جديد يكون بديلاً لنظام الفراغ الأمني الذي تكرّس مع انتهاء الحرب الباردة، والأهم من ذلك أنه يعتمد علی امكانات وقدرات دول وشعوب هذه المنطقة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: الشرق الأوسط الجدید انتهاء الحرب
إقرأ أيضاً:
جامعة دار الكلمة تنظم "المؤتمر الدولي حول فهم الصهيونية المسيحية "
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
نظمت جامعة دار الكلمة في بيت لحم، ومؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي في عمان ، "المؤتمر الدولي حول فهم الصهيونية المسيحية وآثارها على المسيحيين في الشرق الأوسط"، تحت رعاية الأمير غازي بن محمد، المستشار الرئيسي لملك الأردن للشؤون الدينية والثقافية والمبعوث الشخصي، في موقع المعمودية .
شارك في المؤتمر مجموعة من الخبراء الأكاديميين والقادة الدينيين العالميين من 17 دولة متخصصين في اللاهوت والتاريخ والآثار والأنثروبولوجيا المتعلقة بالصهيونية المسيحية. بالإضافة إلى ذلك، يشارك في هذا المؤتمر رؤساء الكنائس من القدس والأردن.
افتتح الأمير غازي بن محمد المؤتمر باستضافة المشاركين في جولة في مسار الحج في المعمودية. وسلطت الجولة الضوء على أهمية الموقع بالنسبة للمسيحية ودور جلالة الملك عبد الله الثاني في حماية المواقع المسيحية والمجتمع في الأرض المقدسة.
في الجلسة الافتتاحية، أوضح البطريرك ثيوفيلوس أن شرعنة الصهيونية المسيحية للإبادة الجماعية وتأييدها للاحتلال والعنف ليس جزءًا من المسيحية الحقيقية: فالمسيح لم يدع أبدًا إلى العنف.
ركزت مناقشات الأيام الأربعة للمؤتمر على المواضيع التالية:
1. فهم الصهيونية المسيحية تاريخيًا
2. الصهيونية المسيحية والاستعمار والإبادة الجماعية
3. الصهيونية المسيحية وعلم الآثار الاستيطاني والتهديد للقدس
4. الصهيونية المسيحية العالمية في الولايات المتحدة ومنطقة الشمال الأوروبي وأوروبا
5. الصهيونية المسيحية العالمية في كندا والهند واليابان
6. الدراسات الناشئة حول الصهيونية المسيحية
7. استراتيجيات وتكتيكات لمواجهة الصهيونية المسيحية
تتميز هذه المشاورة لعدة أسباب:
أولاً، تجمع لأول مرة معظم العلماء البارزين الذين ساهموا بشكل كبير في هذا الموضوع في إطار دولي شامل.
ثانيًا: تركز على موضوع غير مدروس: تأثيرات الصهيونية المسيحية على المسيحيين في الشرق الأوسط.
ثالثًا، يتم تنظيم هذا التجمع تحت رعاية الكنائس المحلية، مما يؤكد على أهمية الاستماع إلى المسيحيين في الشرق الأوسط بدلاً من مجرد مناقشتهم.
رابعًا، بالإضافة إلى العلماء وقادة الكنيسة، ينضم إلى المؤتمر مؤثرون في وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة في مجال الدين لتوسيع الوعي بهذه القضية الحيوية.
خامسًا، يتبنى هذا التشاور نهجًا مناهضًا للاستعمار. ويسلط الضوء على كيف توفر الصهيونية المسيحية الإطار الأيديولوجي، أي البرمجيات، التي تسهل استعمار الأراضي الفلسطينية من قبل المستوطنين، في حين يوفر الدعم العسكري الغربي الأجهزة، مما يتيح التطهير العرقي والإبادة الجماعية.
إن الإسلاموفوبيا والعنصرية ضد العرب جزء لا يتجزأ من الصهيونية المسيحية، التي غالبًا ما تعامل محنة المسيحيين في الشرق الأوسط على أنها أضرار جانبية.
سادسًا، يهدف المؤتمر إلى تجميع ونشر مختارات عالمية غير مسبوقة عن الصهيونية المسيحية.
سابعًا، تتمتع هذه المشاورة بأهمية لأنها تجري في الأردن، في موقع معمودية السيد المسيح، حيث بشر يوحنا المعمدان إيذانًا ببداية الخدمة العامة للمسيح.
وأخيرًا، فإن توقيت هذه المشاورة مؤثر بشكل خاص. عندما تم التخطيط للمؤتمر قبل عامين، لم يكن أحد يتوقع أن يشكل الرئيس ترامب أكثر حكومة مسيحية صهيونية في تاريخ أمريكا أو أن اليمين السياسي بآرائه الاستشراقية والمسيحية الوطنية سيكتسب زخمًا في أوروبا.
واختتم المؤتمر بوضع توصيات ملموسة للاستراتيجيات والإجراءات المستقبلية.
تضمنت اللجنة التوجيهية للتشاور كلا من الدكتور متري الراهب، رئيس جامعة دار الكلمة في بيت لحم، الدكتور طارق الجوهري، المدير العام لمعهد آل البيت للفكر الإسلامي، الدكتور وصفي كيلاني، مدير الصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة، الأسقف الدكتور منيب يونان، الأسقف السابق للكنيسة اللوثرية في القدس والأردن، الدكتور روبرت سميث، أستاذ التاريخ ووزير مكرس في الكنيسة الإنجيلية الأمريكية
IMG_1389 IMG_1388 IMG_1387 IMG_1386